مقتل المهاجر يزيد من غيبوبة داعش
في السابع من يوليو عام 2023 نفذ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضربة جوية أودت بحياة قيادي في تنظيم داعش في شرق سوريا يدعى أبو أسامة المهاجر.
أسامة المهاجر المعروف أيضا بـ”أنس الشامي”و”همام الشامي” هو من الكوادر الأمنية البارزة في تنظيم داعش.
وشغل مناصب عديدة ومهمة في التنظيم من بينها “والي ولاية الخير”، وهي منطقة دير الزور وكان من المكلفين بإعادة بناء شبكات داعش.
وأقام “المهاجر” في إدلب لفترة تقترب من العامين، وانتقل بعد ذلك إلى منطقة “بزاعة” قرب منطقة الباب السورية. وتم استهدافه أثناء قيادته دراجة نارية بغارة طائرة بدون طيار.
وتأتي هذه الضربة لتزيد من مشاكل التنظيم الذي أُستهدف عدد من قادته خلال الفترة الماضية، وتشق صفوف داعش في ظل المصير الغامض لزعيمه أبو الحسين الحسيني.
بعد تأكيد مصادر داخلية ومنشقين عنه مقتله.. ما هو مصير أبو الحسين الحسيني؟
مرة أخرى، عاد الجدل ليتجدد في أوساط داعش ومناصريه حول مصير خليفة التنظيم المفترض أبو الحسين الحسيني القرشي، خلال اليومين الماضيين، بعد تأكيد مصادر داخلية ومنشقين عنه مقتله في عملية للاستخبارات التركية في وقت سابق.
فطوال الفترة الماضية، ظل مصير خليفة داعش مجهولا ليس فقط بالنسبة لخصوم التنظيم ولكن لمقاتليه وقادته الذين لم يكونوا يعرفون بالهوية الحقيقية لزعيمهم الذي تولى منصبه خلفًا لأبي الحسن الهاشمي، أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وأعلن مقتله أوائل مايو/ آيار من العام الجاري، ليكون بذلك الخليفة الأقصر مدةً على الإطلاق في تاريخ التنظيم.
وفي حين، انتظر مقاتلي وأنصار التنظيم أن يقوم ديوان الإعلام المركزي أو متحدث التنظيم الرسمي بحسم الشكوك حول أبو الحسين الحسيني القرشي، ضاعف الديوان في إصداره الأخير المعنون بـ”صناع الملاحم 7″، والمنشور أواخر يونيو/ حزيران 2013، الشكوك حول مقتله حينما تعمد أن يحذف اسم الخليفة المفترض من الإصدار وتجنب الإشارة له من قريب أو بعيد.
أما المتحدث الإعلامي لداعش أبو عمر المهاجر، والذي يُعتقد أنه موجود في سوريا، فظل حبيس الصمت المطبق الذي دخل فيه، منذ عدة أشهر، تاركًا مقاتلي التنظيم وأنصاره يتسائلون حول من يقوده أو يسير أموره بعد مقتل عدد من كبار قادته في الأشهر الماضية.
وليست هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها داعش لهذا الأسلوب، إذ سبق أن أخفى داعش مقتل متحدثه الإعلامي السابق أبو حمزة القرشي، والذي يرجح أنه قتل في نوفمبر/ تشرين الأول 2021، ثم اعترف بمقتله في فبراير/ شباط 2022.
وكذلك تكتم على مقتل خليفته الأسبق أبو الحسن الهاشمي، والذي قتل في مدينة جاسم السورية منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2022، قبل أن يُقر بمقتله في كلمة صوتية للمتحدث الإعلامي أبو عمر المهاجر في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام.
تأكيد جديد حول مقتل خليفة داعش
وفي الحقيقة، لم يكن هذا الصمت الإعلامي أو حذف اسم خليفة داعش أبو الحسين الحسيني من الإصدار الأخير للتنظيم أمرًا مستغربًا، فالنظرة المدققة إلى هيكلية وطبيعة أداء ديوان الإعلام المركزي ترجح أن حذف اسمه من “صناع الملاحم 7” كان متعمدًا للتورية على مصيره والتمهيد لإعلان تنصيب خليفة آخر بدلًا منه.
ولجأ ديوان الإعلام المركزي لهذا النهج، مؤخرًا، إذ كان المعتاد أن لا يتأخر في الإعلان عن مقتل خلفاءه لاعتبارات حركية ومنهجية من بينها أنه يعتبر أن “مقتل قادته دليل على صدق دعوته”، لكنه تجاوز كل تلك الاعتبارات عندما أخفى نبأ مقتل خليفته الأسبق أبو الحسن الهاشمي، وكذلك حينما التزم الصمت بشأن مصير أبو الحسين الحسيني الذي يُرجح أنه قتل في مايو/ آيار الماضي.
وكما كشف المنشقون عن التنظيم، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، مقتل أبو الحسن الهاشمي قبل إعلان التنظيم رسميًا عن ذلك، تحدث المنشقون، مجددًا، عن مقتل أبو الحسين الحسيني، موضحين أن صمت التنظيم وعدم كشفه لمصير الخليفة المفترض أدى لحالة من الاستياء في صفوفه.
وقالت قناة “فضح عُباد البغدادي والهاشمي” إن عددًا من عناصر التنظيم أكدوا مقتل أبو الحسين الحسيني، مضيفةً أن الصمت حول مصيره أدى لتزايد الغموض والضبابية حول مصير القيادة العامة لداعش في سوريا.
وتعد قيادة داعش في سوريا بمثابة العقل المحرك للتنظيم وأفرعه الخارجية، ويناط بها الإشراف على شبكة المكاتب الخارجية التابعة للتنظيم في إفريقيا وآسيا، بينما تقوم قيادة التنظيم في العراق بالإشراف على خلاياه وشبكاته في بلاد الرافدين دون أن تتدخل مباشرة في إدارة الأفرع الخارجية.
وأشارت قناة “فضح عُباد البغدادي والهاشمي” إلى أن هذه المرة التي يتم تأكيد فيها مقتل خليفة داعش المفترض، مردفةً أن الإطاحة بـ”الحسيني” دليل على حجم الارتباك والتيه الذي تعيشه قيادة داعش كما أنها تبرهن على أن الفرع السوري لداعش صار مرتعًا للعملاء والجواسيس الذين اخترقوا التنظيم.
وأضافت القناة أن التنظيم وصل إلى نتيجة طبيعية بسبب “بيعة المجاهيل”، فضلًا عن خلخلة بنيته القيادية بعد مقتل 4 خلفاء، في السنوات الأخيرة، وكذلك مقتل واعتقال عدد كبير من قادة الصف الأول لداعش بما في ذلك أعضاء مجلس الشورى، واللجنة المفوضة والقيادات الإعلامية وغيرهم.
أزمة القيادة والجواسيس
ويحمل التأكيد غير الرسمي على مقتل خليفة داعش اعترافًا ضمنيًا باختراقه وعجزه عن تأمين قيادته العليا، بجانب تأكيده على أن التنظيم يُعاني بشدة منذ غياب أبو سارة العراقي، الرجل الأقوى في التنظيم والذي كان يعرف بمهندس داعش، وهو الذي اختار أبو الحسيني الحسيني ليكون خليفةً للتنظيم بعد مقتل سلفه أبو الحسن الهاشمي.
وبمراجعة التطورات التي مرت بالتنظيم منذ مقتل أبو سارة العراقي، في فبراير/ شباط الماضي، يتبين أنه عانى بشدة منذ مقتل “العراقي”، وتساقط عدد من كبار قادته منذ ذلك الحين، كما واجه مشكلات في التواصل والتنسيق بين من تبقى من أعضاء مجلس الشورى أو أهل الحل والعقد في التنظيم وبين القيادات التنفيذية أو ما يعرف باللجنة المفوضة وغيرهم من مسؤولي الولايات والمفارز في مختلف مناطق نشاط التنظيم المركزي.
وانعكس غياب أبو سارة العراقي أيضًا على أزمة مقتل خليفة داعش، فوفقًا لترجيحات المنشقين عن التنظيم فإن “العراقي” كان المسؤول عن اختيار الخليفة وكان ضمن قلة قليلة تعرف بهويته الحقيقية، ولذا سادت حالة من عدم اليقين بشأن هوية “الحسيني” عندما تم الإعلان عن مقتله.
وظلت حالة عدم اليقين سائدة على مدار أكثر من شهرين إلى أن أكد المنشقون عن داعش، بصورة غير رسمية، أن الخليفة المفترض قتل قبل فترة دون إعلان رسمي عن ذلك أو تحديد من الذي سيتم اختياره لشغل المنصب خلفًا منه.
وبجانب الخلافات التي أثارتها هوية الخليفة الحقيقة، أثبت مقتله أن التنظيم مخترق حتى النخاع، وأن إجراءاته الوقائية التي اتخذها لتأمين زعيمه فشلت فشلًا ذريعًا بما في ذلك إخفاء هويته حتى عن مسؤولي المكاتب وأمراء الولايات وغيرهم من القادة الفاعلين في التنظيم.
ولطالما جادل داعش بأن لديه ذراع أمني قوي هو ديوان الأمن العام الذي يضم نخبة كوادر التنظيم، وهم المسؤولون عن حماية أمراء داعش وخليفته، فضلا عن جهاز أمني خاص مسؤول عن تأمين الخليفة وأمير مجلس الشورى، وهذا الجهاز يُعرف بـ”جهاز أمن الأمير”، لكن كل هذا لم يحل دون سقوط قادته.
وذهبت قناة “فضح عباد البغدادي والهاشمي” إلى الخطر الحقيقي على التنظيم ينبع من داخله لأنه تم اختراقه، ويتم توظيف مقاتليه كشبيحة في الصراع الدائر في سوريا حاليا، عن طريق القيادة المخترقة التي تخفي على أتباعها حقيقة ما جرى لخليفتهم الذين تعهدوا له بالولاء على أساس تزكية هذه القيادة له ووصفه بأنه واحد من الأمراء المخضرمين.
وبدوره، ذكر مصدر سوري مطلع على الشؤون الجهادية أن عدد من مقاتلي داعش الناشطين في مناطق مختلفة بسوريا، وخصوصًا في مناطق شمال شرقي سوريا، يعملون بالأساس كقتلة مأجورين ويوظفهم التنظيم للقيام ببعض الأعمال الإرهابية مقابل مكافآت مالية يحصلون عليها. وهذا يعني أن عِقد التنظيم كحركة تتبنى النهج الجهادي فكرا وحركة قد انفرط، وبالتالي فقد تحول إلى ما يشبه منظمة العصابات التي يحاول أعضاءها البقاء والتعايش بأي طريقة ممكنة.
وأمام كل تلك التطورات المتعاقبة يجد جنود داعش وأنصاره نفسهم أمام وضع ضبابي لا يمكنهم الجزم بما يمكن أن يؤول إليه، في ظل وجود مؤشرات على سعي القيادة العليا للتنظيم إلى ترتيب الأوضاع من جديد لاختيار خليفة شكلي يمكنهم أن يولوه المنصب ويتحكموا فيه من خلف الستار، كما كان أبو سارة العراقي يفعل بأبي الحسين الحسيني.
ومن جهتها، قالت قناة فضح عُباد البغدادي والهاشمي “إن إخفاء نبأ مقتل أبو الحسين الحسيني كل تلك الفترة يعني أن هناك شيء يتم ترتيبه والإعداد له من قبل قيادة التنظيم بصورة سرية، وأن الشواهد كلها تلفت إلى أن التنظيم سيشهد، في الفترة المقبلة، تغيرات جذرية لا يمكن أن تُضمن عواقبها.
تعاظم خطر الانشقاقات
إلى ذلك، يزيد النهج الذي اتبعته قيادة داعش العليا في التعاطي مع مقتل أبو الحسين الحسيني ومن قبله أبو الحسن الهاشمي من خطورة حدوث انشقاقات هيكلية في صفوف التنظيم الذي تتعدد قياداته الإقليمية ومكاتبه التي تدير هذه القيادات.
ومع أن بعض الخبراء ذهبوا إلى إمكانية حدوث انشقاق أو فك للارتباط بين داعش وبعض أفرعه الخارجية في إفريقيا أو آسيا، بعد مقتل أبو الحسين الحسيني إلى أن تساقط قيادات داعش بالوتيرة الحالية، يمكن أن يسرع من عملية التحول القيادي المبتسر داخل التنظيم، ويزيد من خطر الصراع والتنافر بين الأمراء المتحكمين في قيادته العليا، وقد يؤدي إلى حدوث انشقاقات هيكلية في فرعه السوري وبالتبعية في بقية الأفرع الأخرى.
ونجح داعش، سابقًا، في الحفاظ على تماسكه التنظيمي في حالات قُتل فيها خلفاءه وغيرهم من الأمراء البارزين، مثلما حددث عندما قتل أبو عمر البغدادي في 2010، وأبو بكر البغدادي في 2019.. إلخ، لكنه كان في تلك المناسبات ملتزمًا بنهج جهادي واضح ولم يخف مقتلهم بل سارع إلى كشف ما حصل لهم واختيار خلفاء أو أمراء آخرين استنادًا إلى أسس الفقه الحركي الذي يؤمن به، بعكس ما فعله عندما قتل أبو الحسين الحسيني أو سلفه.
الخلاصة
جاء إعلان المنشقين عن داعش مقتل أبو الحسين الحسيني ليزيد من صعوبة الأوضاع المعقدة التي يمر بها داعش، فالتنظيم الذي كان يعول على رمزية خليفته في الحفاظ على مقاتليه محتشدين خلف القيادة، أثبت لأتباعه ومناصريه مرة بعد أخرى أنه كان يتلاعب بهم وأن الخليفة المفترض أبو الحسين الحسيني لم يكن سوى دمية يحركها أمير الإدارة العامة للولايات أبو سارة العراقي، والذي قتل أيضًا قبل فترة.
وبينما رأت القيادة العليا للتنظيم أن إخفاء نبأ مقتل الخليفة لحين إتمام ترتيب الأمور الداخلية التي تتعلق بمن سيحل محله كزعيم للتنظيم، سيكون في صالح داعش أدى التكتم على مصير “الحسيني” إلى تفاقم السخط الداخلي لدى مقاتليه وأنصاره، بل وصار التنظيم مهددًا بحدوث انشقاقات جديدة تقضي على ما بقي من كيانه الهش وخلافته التي أضحت “فانية وتتدهور”.
وعلاوة على كل ما سبق، فإن إخفاء مصير أبو الحسين الحسيني حرم التنظيم من واحدة من الحجج التي كان يستند إليها في صراعه مع غريمه التقليدي “تنظيم القاعدة” حول الفوز بأنصار الجهادية العالمية، فبعد أن كان داعش ينتقد القاعدة بحجة أنهم بايعوا الأموات وأخفوا نبأ مقتل الظواهري لنحو عام، صار هو الآخر موصومًا بأنه يفعل نفس الشيء، بعد اخفاء مصير أبو الحسين الحسيني ليؤكد التنظيمان في نهاية المطاف أن سراب الجهادية العالمية لا يمكن أن يخفي الأزمة التي يمر بها داعش والقاعدة والتي صارت بادية للجميع.