ما سر انتشار حريق ساروجة في دمشق؟
“وصلني تليفون من أحد الجيران، أخبرني باشتعال الحريق في البيت، وفي المستودع الخاص بي، وعند وصولي وجدت البيت منهار تمامًا، سألنا عن السبب، قالوا إن الحريق اشتعل في وقت متأخر من الليل، لكن فرق الأطفاء قالوا إنهم غير قادرين على مباشرة عملهم في إطفال الحريق، لأنه لا يوجد لديهم مضخات ماء”.. هكذا بدأ أبو فادي المحايري، مواطن سوري، وأحد المتضررين من حريق ساروجة في دمشق.
حي ساروجة الذي شهد الحريق
قال الرجل لـ””أخبار الآن”، إن الحريق شبّ في الليل، ووصلت فرق الإطفاء في الصباح، لكنه كان قد اشتعل وجاء على عدد من البيوت”.
وأضاف: بدأت البيوت تنهار سقف وراء سقف، حتى انهارت البيوت بشكل كامل، ووصلت الأماكن المحروقة إلى أكثر من 10 أماكن بين بيوت سكنية وورش حرفية”. مؤكدًا أن الحريق دمر كل شيء في المنطقة حتى ما بداخل الورش والبيوت.
من ناحيته قال أبو رياض: “الحقيقة هذا يوم حزين، يوم من أحزن الأيام التي شهدتها دمشق، منظر لا يتحمله العقل البشري، استيقظنا الساعة 3 فجرا على أصوات البكاء والصريخ، كانت السماء حمراء، والدخان في كل مكان، ركضنا باتجاه الحريق، وكانت مساحة شاسعة، ربما تتجاوز الـ3000 متر”.
وأضاف المواطن السوري: “احترق تاريخ ساروجة، هذا الحي الذي ازدهر في القرن الثامن عشر، وكان يسمى حي إسطنبول الصغرى، وكان يشهد الكثير من المباني التاريخية، وبدأ الحريق من بيت عبدالرحمن باشا، أمير الحج، وامتد لأكثر من 3000 متر”، مؤكدًا أن الحريق دمر البيت الذي يعد من أجمل وأعرق بيوت ساروجة.
وأضاف: “قبل أن يحترق البيت لم يكن مقدرًا بالشكل الكافي، وكان يوجد به ورش أحذية، معقولة بيت بهذا الجمال، وهذه القيمة التاريخية والتراثية، أن يتحول إلى ورش للأحذية، ووضع مواد قابلة للاشتعال في مكان بهذه القيمة”.
وأوضح أن الحريق أتى أيضا على بيت خالد بك العظم، والذي كان أحد أعيان دمشق، وكان البيت يمتد على مساحة أكثر من 3000 متر، وكان به بحيرات وزخارف لا توصف، وقاعات شرقية ودمشقية، الحمد لله أنه لم يحرق بالكامل، فقط حُرق جزء من الحرملك، وهو المكان الذي كان يحوي الوثائق التاريخية”.
وأكد أنه ببعض الجهود تمت السيطرة على مركز الوثائق التاريخية.
وقال أبو صالح: سمعنا أصوات الاستغاثات الساعة 2 صباحًا، هرولنا إلى مكان الحريق، حاولنا المساعدة في عمليات الإطفاء، لكن لم نستطع، طلبنا فرق الإطفاء، وحتى وصلت كانت النار قد امتدت إلى مساحات أكبر”.
وأضاف، أن فرق الإطفاء حاولت قدر استطاعتها السطيرة على الحريق، ووصل أكثر من 15 سيارة إطفاء، لكن وصولهم متأخر أثر على انتشار الحريق.
وأكد أن الحريق أتى على ما يقرب من 15 إلى 20 بيتا.
وقال عبدالعزيز عجلوني، إنه استيقظ وأسرته على أصوات الاستغاثات، ووجد الحريق في منزله، وسارعوا إلى النزول إلى الشوارع، قبل أن تلتهم النيران المنزل بالكامل، وامتد الحريق إلى المنازل المجاورة، والورش التي توجد أسفل البيوت.
وأكد: “الآن كل شيء راح، ما بقى شيء”.
واندلع الحريق، فجر الأحد، في منزل عربي وامتد لعدد من المنازل والمحال المجاورة في شارع الثورة بحي ساروجة الأثري في العاصمة السوريا دمشق، وسط شكوك في كونه مدبراً نظراً لتكرر الحرائق في هذه المنطقة التي ينشط وكلاء لإيران في شراء بيوتها ومحلاتها.
21 سيارة إطفاء
وقالت وكالة “سانا” السورية، إن 21 سيارة إطفاء من الفوج وأربعة صهاريج مياه تابعة لمحافظة دمشق، إضافة إلى ثلاث سيارات للدفاع المدني عملت على إخماد الحريق منذ اندلاعه في منازل عربية وورشات أحذية ومحال بشارع الثورة، خلف المصالح العقارية، مضيفة أنه لم يتم تسجيل إصابات بشرية واقتصرت الأضرار على الماديات.
ويطالب الأهالي بوضع سيارة إطفاء قريبة من منطقة دمشق القديمة بصورة دائمة نظراً لقابلية معظم المنازل فيها، المصنوعة من لبن وقش، للاشتعال ما يجعلها معرضة لمثل هذه الحرائق نتيجة أي خطأ.
ويرفض العديد من أهالي المنطقة تصديق الرواية الرسمية حول أسباب اندلاع هذه الحرائق بشكل متكرر في دمشق القديمة ومحيط الجامع الأموي، التي زادت منذ التدخل الإيراني في سوريا بعد الحراك الشعبي ضد النظام السوري علم 2011.
وقام رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس، في الساعة الخامسة صباح الأحد بتفقد أعمال إخماد الحريق. وكان في الموقع محافظ دمشق محمد طارق كريشاتي وقائد شرطة دمشق والعديد من ضباط وعناصر الدفاع المدني والإطفاء والشرطة.
وكان مهتمون بمدينة دمشق الأثرية قد طالبوا أكثر من مرة بـ”ترميم عاجل” لبيت عبد الرحمن باشا اليوسف أمير الحج الشامي أيام الدولة العثمانية، وأكثر أهل الشام ثراءً في زمنه، لتميز المنزل الذي تم تزيينه في نهاية القرن التاسع عشر بأعمال رسم وحفر وتذهيب نادرة. ويعتبر من كنوز دمشق المعمارية.
وكتب الباحث والمؤرخ الدمشقي سامي مبيض، على حسابه في “فيسبوك”، أن مكتبه الواقع في سوق ساروجة “لم يطله الحريق الكبير… أمّا بيت جدّي المرحوم عبد الرحمن باشا اليوسف فقد تضرّر كثيراً”.
حي ساروجة العريق
ويحتل سوق ساروجة كحي قديم مكانة خاصة لدى السوريين، لا سيما الدمشقيين، لما فيه من خصوصية ثقافية واجتماعية وتاريخية، حيث تستقطب مقاهيه الشعبية المثقفين والشباب، كما تستقطب منازله العربية صناع الدراما السورية، لتصوير مسلسلات البيئة الشامية والدراما الاجتماعية التي تدور في الأحياء القديمة، التي تعد أول توسع لدمشق التاريخية خارج السور في القرن الثالث عشر الميلادي.
ويعود حي ساروجة إلى عهد الأمير المملوكي سيف الدين تنكز، ونسب اسم الحي إلى أحد قادته العسكريين صارم الدين ساروجة المتوفى سنة 743 هـ – 1342م. ويضم الحي مدارس وجوامع وحمامات مملوكية بعضها لا يزال قائماً، منها جامع الورد وحمام الورد والمدرسة المرادية ومسجد الوزير وغيرها، وذلك رغم تعرض الحي للتخريب خلال صراعات الأمراء في الفترة المملوكية، لا سيما بعد حرق تيمورلنك لدمشق عام 803 هـ.}
مع بدء الحكم العثماني، عاد الألق لحي ساروجة الذي تميز بسوق كبيرة ومنازل واسعة وحمامات ومساجد فخمة، بحيث أطلق عليه اسم (إسطنبول الصغرى)، نسبة للأرستقراطية العثمانية التي سكنت الحي.