الفوضى في روسيا مستمرة منذ إعلان تمرد فاغنر الفاشل
تُشعل الفوضى الصراع على السلطة بين كبار القادة في روسيا، خاصة بعد التمرد الفاشل لقوات مجموعة فاغنر في يونيو الماضي، وفقا لتقرير مطول نشره موقع “بيزنيس إنسايدر“.
التقرير يقول إن التمرد المسلح لمجموعة فاغنر ضد القيادة العسكرية الروسية لم يدم طويلا، لكن تداعياته لم تنته بعد.
بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على التحدي التاريخي لسلطة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لا يزال هناك صراع قوى داخلية وعمليات تطهير رفيعة المستوى قيد التنفيذ، وتعمل بعض الشخصيات البارزة على إحكام قبضتها على السلطة، مع سقوط شخصيات بارزة أخرى أو نفيها أو احتجازها أو عزلها.
ويقول خبراء إن “ما نراه يتكشف هو أن العديد من المسؤولين رفيعي المستوى والشخصيات المؤثرة يركزون على أهدافهم الشخصية، ويتبنون آراء مختلفة حول القيادة العسكرية لموسكو، ويحتفظون بآراء مختلفة حول كيفية خوض الحرب في أوكرانيا، ويبدو أن تمرد فاغنر قد صب الزيت على النار، حيث أن الاقتتال الداخلي الطويل يهدد تماسك جيش موسكو”.
تقول، كاترينا ستيبانينكو، المحللة الروسية في معهد دراسات الحرب (ISW)، “نحن نرى الكثير من التشكيلات العسكرية والشخصيات العسكرية التي تضغط من أجل أهدافها الخاصة، لكن كبار القادة العسكريين يقاومون ذلك أيضا”.
أوضح التقرير بأنه على مدى الأشهر التي سبقت تمرد فاغنر، اصطدم قائد المجموعة، يفغيني بريغوجين، والذي أصبح ينتقد بشكل متزايد إدارة الحرب، في كثير من الأحيان مع وزارة الدفاع في موسكو في نزاع علني شمل كل شيء من استراتيجية ساحة المعركة إلى الافتقار للذخيرة وحتى تبريرات بوتين لشن الحرب.
وتفاقمت التوترات بعد التمرد الفاشل في 23 يونيو الماضي، عندما قامت قوات فاغنر بتوجيه من بريغوجين بالسيطرة على مدينتين والتوجه نحو موسكو، ولم يستمر ذلك سوى بضع ساعات قبل أن يتدخل الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، في التوسط بصفقة بين بريغوجين والكرملين والتي أرسل بموجبها بعض مقاتليه إلى المنفى.
وأكد مسؤولون غربيون أن تصرفات بريغوجين في يونيو كشفت عن تصدعات خطيرة داخل القيادة العسكرية الروسية، التي تتعرض بالفعل لانتقادات بسبب تعاملها مع الحرب في أوكرانيا، لكنه ليس الشخصية المؤثرة الوحيدة التي تعتقد أنه يمكن إدارة الأمور بشكل مختلف – ربما من أجل المنفعة الشخصية – في موسكو، في حين تظهر خلافات جديدة.
وقالت ستيبانينكو: “هناك الكثير من الفوضى داخل وزارة الدفاع الروسية، داخل القوات المسلحة الروسية، مما يسمح لهذه الشخصيات بالدفع من أجل أهدافهم الخاصة ورؤيتهم الخاصة للحرب، لا أعتقد أنهم متطرفون مثل بريغوجين، ومع ذلك، فإننا نرى بالتأكيد المزيد من الشخصيات تدفع من أجل مصالحها الخاصة، على الرغم من حقيقة أن لديهم هدفا مشتركا يتمثل في احتلال أوكرانيا بأكملها”.
كيف تتوزع خريطة الخلاف؟
وفي موسكو يتم التركيز على الشخصيات التي تدعم الجنرال الروسي، فاليري غيراسيموف، الذي أشرف على الحرب في أوكرانيا خلال الفترة الماضية، أو من هم داخل الدائرة المقربة من وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، الذي يبدو، مثل غيراسيموف، أنه يحظى بمحاباة بوتين في الوقت الحالي.
وأحد هؤلاء الأشخاص هو، رمضان قديروف، أمير الحرب الذي يقود مجموعة من المقاتلين الشيشان، وعلى الرغم من أنه حارب مع وزارة الدفاع الروسية في الماضي وأشاد حتى بمجموعة فاغنر لجهودها في أوكرانيا، فقد انحاز قديروف في النهاية إلى القيادة العسكرية لموسكو خلال التمرد، بل وعرض إرسال مقاتليه لوقف تمرد فاغنر.
وهناك أيضاً معسكر مناهض لغيراسيموف يتكون من ضباط وقادة يعتقدون أنه غير كفؤ وغير قادر على إدارة التغييرات العسكرية، ويميل إلى إعطاء الأولوية لمواليه في القيادة، هدفهم النهائي ليس تطهير الكرملين، بل دفع تغيير في القيادة العسكرية والإثبات لبوتين أن غيراسيموف لا يصلح للقيادة، وقد أصبحت هذه المجموعة أكثر وضوحا، حتى مع دفع ثمن انتقاداتهم الصريحة للقيادة العسكرية الروسية.
وقالت ستيبانينكو إن بعض الأشخاص في المعسكر المناهض لغيراسيموف مرتبطون بمجموعة فاغنر، وأبرزهم بريغوجين، الذي لطالما انتقد غيراسيموف وشويغو والذي استغل تمرده للضغط على بوتين لإقالتهما.
وتابعت: “لا يسعد الجميع بالأمر الموجود في السلطة، هناك قادة ينظرون إلى غيراسيموف وشويغو كقائدين ضعيفين، هدفهم الرئيسي هو إقناع بوتين بأنه يجب أن يكون هناك بعض التغيير داخل هيكل القيادة العسكرية”.
وهناك شخصية بارزة أخرى في المعسكر المناهض لغيراسيموف، وهو الكولونيل جنرال، ميخائيل تيبلينسكي، قائد القوات الروسية المحمولة جوا، وله علاقات مع فاغنر، كان تيبلينسكي، المفضل لدى القوميين المتطرفين الروس، وقد أشرف على عمليات ناجحة في أوكرانيا الخريف الماضي، قبل أن يُطرد من منصبه من قبل غيراسيموف بعد أن تولى المنصب من الجنرال، سيرغي سوروفيكين، وهو شخصية أخرى تحظى بشعبية بين المجتمع المؤيد للحرب، في وقت سابق من هذا العام.
وتقول الصحيفة إن عدم الاستقرار المتزايد في الجيش الروسي يأتي في الوقت الذي يحاول فيه الأوكرانيون اختراق خطوطهم الدفاعية خلال الهجوم المضاد، وإنه ليس وقتا جيدا في الكرملين، وكما أظهر تمرد بريغوجين، يمكن أن يزداد الاقتتال الداخلي سوءا أيضا.
ومنذ اختفاء “جنرال يوم القيامة”، سيرغي سوروفيكين، عقب تمرد جماعة فاغنر القصير، تسود حالة من عدم اليقين بين العسكريين الروس، وفقا لما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز” قبل أيام.
وتقول الصحيفة إنه بالإضافة إلى سوروفيكين المختفي، قتل جنرال في غارة جوية في أوكرانيا، واتهم الثالث قيادته بالخيانة بعد طرده من الخدمة، فيما قتل قائد رابع بالرصاص خلال ممارسته رياضة الجري.
وأدى هذا، بحسب الصحيفة، إلى معاناة الجيش الروسي من عدم الاستقرار في الأيام التي تلت التمرد.
وقال المشرع الروسي، أندريه كارتابولوف، أحد كبار المشرعين في البلاد، عندما ضغط عليه أحد المراسلين، إن الجنرال سوروفيكين “يأخذ قسطا من الراحة”.
وكان سوروفيكين يعتبر حليفا ليفغيني بريغوجين.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن الجنرال سوروفكين كان على علم مسبق بالتمرد لكنهم لا يعرفون ما إذا كان قد شارك فيه.
وفي الساعات التي تلت بدء التمرد، أصدرت السلطات الروسية بسرعة شريط فيديو صوره الجنرال يدعو مقاتلي فاغنر إلى التراجع.
وجاء تعليق المشرع الغامض حول الجنرال سوروفكين بعد يومين من نشر السلطات الروسية أول لقطات لأكبر ضابط عسكري في البلاد، الجنرال فاليري غيراسيموف، منذ التمرد.
في الفيديو ، كان الجنرال غيراسيموف يتلقى تقريرا من قوات الفضاء الروسية، التي يديرها الجنرال سوروفيكين.
غير أن الشخص الذي قدم التقرير كان نائب الجنرال سوروفيكين، العقيد فيكتور أفزالوف.
ولفت الكرملين في وقت سابق من الأسبوع الماضي إلى أن بريغوجين وكبار قادته التقوا بالرئيس، فلاديمير بوتين، بعد خمسة أيام من التمرد، ما أثار العديد من الأسئلة حول نوع الصفقة التي تم التوصل إليها مع المتمردين السابقين.