كل ما تريد معرفته عن النيجر.. مخزن يورانيوم أفريقيا وأوروبا
قبل سنوات قليلة فقط، كان يُنظر إلى النيجر على أنها مثال للدولة الفقيرة والأكثر هشاشة على المستوى العالمي -وفق معايير الأمم المتحدة- ومؤشرات منخفضة في كافة المجالات، لكن خلال الفترة الماضية كانت البلاد تعيش فترة استقرار مع مشاركة الآلاف من القوات الدولية في عمليات مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى توافر كبير لمصادر الطاقة، ورئيس منتخب ديمقراطيًا وهو وزير الداخلية السابق محمد بازوم.
لكن الجغرافيا لم تكن في صالح النيجر، فالبلد الأفريقي الحبيس بين سبع دول، نيجيريا وبنين من الجنوب وبوركينافاسو ومالي من الغرب والجزائر وليبيا من الشمال وتشاد من الشرق، تتقاذفه أيدي التطرف والإرهاب القادمة من كل اتجاه، بينما تخنقه صراعات اللاعبين الكبار في المنطقة.
وأعلن عسكريّون مساء الأربعاء أنّهم أطاحوا نظام الرئيس النيجري محمد بازوم، في بيان تلاه أحدهم عبر التلفزيون الوطني في نيامي، باسم “المجلس الوطني لحماية الوطن” وهو ما يهدد بمزيد من التوترات في القارة الأفريقية، فالحرب السودانية تظل بلا أفق للحل والتهديد الإرهابي حاضر بقوة وكذلك أطماع دول عدة
ويضاف إلى تحديات النيجر الأمنية وجودها في الممر الرئيس لتهريب المدخرات عالمياً، إذ تمنح سلطتها الرخوة على أراضها فرصة ذهبية لعصابات التهريب الدولية، كما يعاني البلد الأفريقي الأفقر عالمياً من تحد آخر وهو أنه طريق آلاف الشباب الطامحين للوصول إلى البحر المتوسط عبر ليبيا،
وفيما يلي نستعرض معكم أهمية النيجر بالنسبة لعدد من الأطراف الفاعلة والمؤثرة بالمشهد النيجري:
فرنسا واليورانيوم
تمتلك النيجر احتياطيات تعد من الأكبر عالميا من اليورانيوم الذي يعد مكوّنا أساسيا في الصناعات النووية.
فرنسا التي تعتمد بشكل شبه كامل على المحطات النووية في إنتاج الكهرباء، بدأت قبل نصف قرن التنقيب عن اليورانيوم في شمال النيجر. وباتت البلاد تنتج الذهب والنفط على نطاق ضيّق. إلا أن غالبية السكان يعتاشون من الزراعة.
تحتل النيجر موقعا خاصا في إستراتيجية الأمن القومي الفرنسي منذ أن بدأت فرنسا عام 1971 عبر شركة “أريفا” في الاستحواذ على استخراج يورانيوم النيجر الذي يمد فرنسا بـ35% من احتياجاتها من الطاقة النووية والتي تساهم بدورها في 75% من الطاقة الكهربائية الفرنسية.
وتمنح شركة أريفا العملاقة -التي تعمل في مجال الطاقة النووية واستخراج اليورانيوم وصنع المفاعلات النووية– عناية خاصة للنيجر التي كانت تحتل المرتبة الرابعة عالميا بعد كزاخستان وكندا وأستراليا قبل أن تقفز مع اكتشاف منجم إيمورارن لتحتل المرتبة الثانية عالميا بعد كزاخستان، والأهم أفريقيا، إذ لا يزال منجم ناميبيا المملوك لأريفا غير مستخدم.
والنيجر، هي الدول الشريكة الأولى الآن لفرنسا في منطقة الساحل والصحراء، بعد أن خروج القوات الفرنسية مضطرة من مالي وتراجعها في بوركينا فاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى، وهي بلاد صارت وثيقة العلاقات مع روسيا.
ونقلت فرنسا قواتها التي اضطرت للانسحاب من مالي عام 2022، إلى النيجر، بعد توجه المجلس العسكري الحاكم بشكل انتقالي في مالي للتحالف مع روسيا، ووافقت حكومة نيامي على ذلك “للاستفادة من الخبرات الفرنسية” في التدريب العسكري ومكافحة الإرهاب.
روسيا والمطامع المتجددة
وبحسب مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية في حين تسعى روسيا خلال الفترة الأخيرة إلى تعزيز حضورها في النيجر، وهو ما قد يعززه غياب الرئيس بازوم المحتمل عن المشهد السياسي في البلاد خلال الفترة المقبلة -حال نجاح الانقلاب العسكري- وصعود العسكريين الجدد للسلطة،.
وتسعى روسيا لتفعيل اتفاقات التعاون العسكري التي أبرمها الطرفان في عامي 2017 و2019، واحتمال عرض قوات فاغنر تقديم خدماتها العسكرية في البلاد لمواجهة التحديات الأمنية والتنظيمات الإرهابية إلى جانب التدريب العسكري، في مقابل الحصول على بعض الامتيازات في مجالات التعدين والنفط.
فالنيجر تمتلك أكثر من 69 منجم للذهب، بالإضافة إلى احتياطي من النفط يبلغ قدره 320 مليون برميل، في حين تنتج حوالي 20 ألف برميل من النفط يوميًّا[6]، وهو ما يعزز امتلاكها للمزيد من أوراق الضغط مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية لمساومة الدول الأوروبية وواشنطن على بعض الملفات في مناطق استراتيجية أخرى.
الصين.. تمدد خفي
في كتابه “الهجوم الصيني في أفريقيا “يرى السفير الفرنسي السابق فيليب ريشاي أن الأهمية الإستراتيجية لأفريقيا لدى المخططين الإستراتيجيين الصينيين تكمن في اعتبارها معينا خصبا وبكرا لمصادر الطاقة والمواد الأولية، وسوقا كبيرة للصناعات الصينية النشطة.
وتقود الصين منذ سنوات عملية اختراق منظمة وهادئة للنيجر، وفق استراتيجيتها التي تعتمد على مقايضة البنى التحتية والأموال بالموارد النفطية والمعادن التي يحتاجها الاقتصاد الصيني الأسرع نموا في العالم.
وبالنسبة للصين، تمثل لها النيجر أرضا بكرا يمكن أن تزودها بالموارد الإستراتيجية مثل اليورانيوم المعدن الذي توجد مكامنه في نقاط قليلة ومتباعدة على مستوى العالم.
وتعتبر الصين من أكثر البلدان استهلاكا لليورانيوم، وقد نجحت في فتح ميدان التنقيب واستخراج اليورانيوم في النيجر أمام شركة “سينويو” الصينية وشركات تنقيب أخرى، وذلك لكسر الاحتكار الفرنسي ليورانيوم النيجر، ورغم فشل الصين في الفوز بصفقة استخراج منجم إيمورارن الضخم فإن منافستها القوية عليه انتزعت مكاسب مهمة للنيجر من شركة أريفا لم تكن متوقعة.
وقد امتدت الاستثمارات الصينية في النيجر لتشمل استخراج النفط، حيث دفعت مؤسسة البترول الوطنية في الصين ما يناهز ثلاثمئة مليون دولار للنيجر مقابل الحصول على رخصة الاستثمار في النفط حيث تخطط الصين لإنفاق أموال ضخمة لإنتاج أول نفط في النيجر.
أهمية النيجر بالنسبة للولايات المتحدة
تلعب الدولة الواقعة في منطقة الساحل شبه القاحلة دورًا كبيرًا في استراتيجية الولايات المتحدة تجاه إفريقيا. والأهم من ذلك أنها شريك رئيسي في قتال واشنطن ضد الجهاديين الذين قتلوا آلاف الأشخاص وشردوا ملايين آخرين. يقوم العسكريون الأمريكيون بتدريب القوات المحلية لمحاربة الجماعات المسلحة.
كما اعتبرت إدارة بايدن النيجر قصة نجاح ديمقراطية في منطقة واجهت سلسلة من الانقلابات أو محاولات الاستيلاء على السلطة على مدى السنوات الثلاث الماضية.
وتكافح النيجر وجيرانها مالي وبوركينا فاسو ونيجيريا وتشاد لصد الجهاديين، حيث نفذت جماعات مرتبطة بالقاعدة وداعش عشرات الهجمات في جنوب غرب النيجر ، بعضها قتل عشرات الجنود النيجيريين ، لكن العنف لم ينتشر في جميع أنحاء البلاد كما حدث في أماكن أخرى.
وينتشر نحو 1100 جندي أمريكي في النيجر حيث يعمل الجيش الامريكي انطلاقا من قاعدتين.
في عام 2017 ، وافقت حكومة النيجر على استخدام طائرات أمريكية بدون طيار مسلحة من البلاد لاستهداف المسلحين.
بينما أدى العنف في مالي وبوركينا فاسو إلى انقلابات عسكرية وتحول في التحالفات بعيدًا عن الدول الغربية ونحو روسيا ، تمكنت النيجر من الانتقال الديمقراطي للسلطة في عام 2021 وحافظت على علاقات سلسة مع الغرب.
وقالت وزارة الخارجية في مارس آذار إن النيجر “اتخذت خطوات مهمة لتوطيد وتعزيز ديمقراطيتها.”
كما أشاد مسؤول في وزارة الخارجية في مارس / آذار ببازوم لتحدثه علناً ضد مجموعة مرتزقة واغنر الروسية الخاصة ، والتي عينتها الطغمة العسكرية في مالي للمساعدة في محاربة المتمردين هناك. تصف مالي موظفي فاغنر الموجودين على أراضيها بأنهم مدربون.
وفي ما يأتي خمس نقاط للتعريف بالنيجر حيث يحتجر عناصر من الحرس الرئاسي رئيس البلاد محمد بازوم في خطوة دانها الاتحاد الإفريقي ووصفها بأنها “محاولة انقلاب”.
قاحلة وفقيرة
النيجر بلد شاسع يقع في غرب إفريقيا تغطي الصحراء ثلثي مساحته ويعد أحد أفقر دول العالم.
نصف سكان البلد البالغ عددهم الإجمالي 26,2 مليون نسمة يعيشون في الفقر الذي يفاقمه معدّل إنجاب هو الأعلى في العالم بلغ 6,8 أطفال لكل امرأة في العام 2021.
على غرار بلدان أخرى تقع على الطرف الجنوبي للصحراء، يقضم التصحّر مساحات شاسعة من البلاد ما يتسبب بمواسم جفاف متتالية فاقمت الجوع المستشري.
والنيجر جزء من مشروع السور الأخضر العظيم الذي يرمي إلى إقامة ممر من الأشجار والشتول في القارة يمتد عبر منطقة الساحل بأكملها بطول ثمانية آلاف كيلومتر.
عرضة للانقلابات
تعاني النيجر انعدام استقرار سياسي مزمنا منذ أن نالت استقلالها عن فرنسا في العام 1960.
وشهدت البلاد أربعة انقلابات وقع آخرها (من دون الأخذ في الاعتبار التطورات الحالية) في شباط/فبراير 2010 وأطاح حينها الرئيس مامادو تاندجا.
أما أول عملية انتقالية ديموقراطية للسلطة فشهدتها البلاد في العام 2021 عندما تولى بازوم الرئاسة بعدما تنحّى سلفه طوعا.
الأربعاء، قطع عناصر في الحرس الرئاسي مداخل مقر إقامة بازوم، وبعدما فشلت المحادثات رفضوا الإفراج عنه.
تمرّد مزدوج
على غرار مالي وبوركينا فاسو، جارتيها في منطقة الساحل، تواجه النيجر صعوبات في التصدي لتمرّد جهادي بدأ في مالي في العام 2012 وتمدّد في المنطقة ذات الحدود غير المضبوطة.
واقتربت العمليات القتالية للتصدي لجهاديين تابعين لتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية من العاصمة وأصبحت على بعد نحو مئة كيلومتر منها.
وخلّف أحد الهجمات الأكثر عنفا 141 قتيلا في قرى عدة في إقليم طاوة الصحراوي الشاسع في آذار/مارس 2021، وفق حصيلة رسمية.
وتعد النيجر المدعومة أميركيا معقلا نادرا لدعم العمليات الغربية لمكافحة الإرهاب في المنطقة.
ونشرت فرنسا في البلاد 1500 جندي من قوات مكافحة الإرهاب بعدما دُفعت وحداتها للخروج من مالي وبوركينا فاسو.
يوانيوم وذهب ونفط
تمتلك النيجر احتياطيات تعد من الأكبر عالميا من اليورانيوم الذي يعد مكوّنا أساسيا في الصناعات النووية.
مدن منسية من الملح والطين
يحفل شمال شرق النيجر بقرى محصنة تطلق عليها تسمية “قصار” أو “قْصَر”، قلاعها مبنية من الملح والطين فوق صخور مطلة على الصحراء.
ولا يزال لغزا منشأ “قصار دجادو” بجدرانها المعلّقة وأبراجها وممراتها وآبارها.
وتسعى النيجر إلى إدراج الموقع على قائمة الأمم المتحدة للتراث العالمي.