توضيح: تم نشر هذا المقال في أغسطس من العام الماضي ٢٠٢٣

أسماء الأسد ودعاية غير مسبوقة في طرطوس

أثارت زيارة أسماء الأخرس (48 عاما) زوجة الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى طرطوس، علامات استفهام عن طموحاتها السياسية وتطلعها لخلافة زوجها، إذ تم تقديمها في هذا اللقاء بطريقة تسويقية وكأنها الحاكمة الفعلية للدولة أو كمرشحة رئاسية، وبدا ذلك واضحًا من لغة الجسد وطريقة تعامل، بينما توارى زوجها ولم يظهر معها في هذا المشهد، مما عزز الانطباع بأن إطلالتها بهذا الشكل مقصودة ومخطط لها.

فقد استُقبلت بالزغاريد والورود والاحتفاء المبالغ فيه من قِِبل عاملات بمصنع ملابس في زيارة مرتب لها جيدًا، وتمت تغطيتها إعلاميًا بطريقة مركزة.

https://twitter.com/syriahr/status/1688140669397745664

وتعد أسماء إحدى أقوى الشخصيات في النظام اليوم، إذ تتحكم من قصرها بمقاليد اقتصاد الدولة، أو بالأحرى ما تبقى من الدولة السورية، وتحظى بولاء عدد من المسؤولين النافذين ممن يديرون ويملكون كبريات الشركات والأنشطة الاقتصادية في البلاد.

من لندن إلى دمشق

ولدت أسماء الأسد ونشأت في لندن لأسرة سنية سورية مهاجرة أصلها من حمص، إذ عمل والدها كطبيب قلب بالعاصمة البريطانية، وعُرف عنها أنها تشعر براحة أكبر في التحدث باللغة الإنجليزية من العربية بحكم البيئة التي تربت فيها.

عُرفت لدى أصدقائها البريطانيين باسم التدليل “إيما”، وأمضت معظم سنواتها الخمس والعشرين الأولى في نورث اكتون بلندن، حيث درست بمدرسة كوينز كوليدج للفتيات، ثم التحقت بالكلية الملكية بلندن لدراسة علوم الحاسب الآلي، ولما أنهت دراستها توجهت للمجال المصرفي فذهبت إلى نيويورك للعمل بمصرف دويتشه بنك الألماني، ثم جي بي مورغان.

وقد تعرفت على بشار نجل الرئيس حافظ الأسد، حين كان يدرس الطب في بريطانيا، وفقا لما ذكره الصحفي الأمريكى، سام داغر، مؤلف كتاب “الأسد أو نحرق البلد”، حيث كانت والدتها سحر تعمل في السفارة السورية في لندن.

خطبها بشار عام 1999، وفي العام التالي توفي والده فخلفه في منصبه، وتزوج بها في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2000 أي بعد توليه الرئاسة بخمسة أشهر، وفي العام التالي أنجبت له ابنه حافظ، ثم ابنته زين في 2003، ثم كريم عام 2004، ١وبعد الزواج استمر والداها في العيش في لندن، بينما انتقل شقيقاها فراس (مواليد 1978) وإياد (مواليد 1980) إلى دمشق.

كان يُنظر إلى أسماء في الداخل والخارج على أنها الشخص الذي يمكنه التحدث إلى الرئيس بطريقة عقلانية ولما اندلعت الاحتجاجات عام 2011، كان المتوقع أن تحاول التأثير عليه لتهدئة الأمور، لكن حدث العكس؛ فمنذ الأيام الأولى للأزمة تمسكت بالرواية الحكومية التي اعتبرت الأمر مجرد مؤامرة أجنبية لا انتفاضة شعبية.

ومع اشتعال العنف كررت الحكومة البريطانية الإعلان عن أنها لا تستطيع منع أسماء الأسد من دخول البلاد لأنها مازالت تحمل الجنسية البريطانية، وهو ما فُسر حينها بأنه دعوة مستترة لاستضافتها وحمايتها لكنها لم تقبلها.

أصبح منزل عائلتها في لندن هدفًا معتادًا للمظاهرات ولطخ المحتجون باب المنزل باللون الأحمر للإشارة إلى دموية النظام، وحذفت مدرستها اسمها من قائمة تكريم المتخرّجات، وثار نقاش بين السياسيين الإنجليز حول إمكانية تجريدها من جنسيتها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا خاصة بعد أن فتحت وحدة جرائم الحرب التابعة لشرطة لندن تحقيقًا في اتهامات لها بالتحريض على أعمال إرهابية.

أسماء الأسد.. الملكة غير المتوجة للاقتصاد السوري

حملة تلميع

كعادة الشخصيات من هذا النوع استعانت أسماء الأسد بشركات علاقات عامة في الدول الغربية لتلميع صورتها أمام العالم، واستضافت مشاهير السينما العالمية في دمشق لإظهار انفتاحها وزوجها على القيم الغربية، واستغلت نشأتها البريطانية لإظهارها كامرأة متنورة تحمل راية التحديث في إحدى بلدان الشرق الأوسط.

ومن أشهر الأمثلة على ذلك المقال الذي نشرته مجلة فوغ Vogue الفرنسية مع بدء موجة احتجاجات الربيع العربي في فبراير 2011 بعنوان “وردة في الصحراء”، ووصف أسماء بأنها تتحدث الإنجليزية بلكنة بريطانية وترتدي أزياء مصممة على الموضة، وعملت لسنوات في البنوك، ووصف الزوجين بأنهما ديمقراطيين إلى حد كبير يركزان على الأسرة، ويقضيان عطلاتهما في أوروبا، وجعلوا من بلادهم أكثر البلدان أمانًا في الشرق الأوسط.

لاحقًا تمت إزالة المقال وجميع الإشارات إليه من الموقع الإلكتروني للمجلة دون تقديم تفسير لذلك، ثم في أغسطس 2011 ذكرت صحيفة ذا هيل The Hill أن شركة الضغط الأمريكية Brown Lloyd James تلقت آلاف الدولارات من الحكومة السورية على خلفية مثل هذه الأمور.

ومع وصول الاحتجاجات إلى ذروتها لجأ النظام السوري إلى العقاب الجماعي للسكان فقصف المدن بالطائرات والأسلحة الثقيلة وهاجم الجيش المدنيين وسقط مئات ومئات الآلاف من القتلى في تلك الهجمات، ومنذ عام 2012 كانت أسماء هدفًا لعقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بسبب القمع الوحشي للاحتجاجات.

أسماء الأسد.. الملكة غير المتوجة للاقتصاد السوري

خلال السنوات الأولى للحرب اختفت أسماء عن المشهد، لكن بحلول عام 2016، ومع سيطرة الجيش على جزء كبير من البلاد، عادت بكامل حضورها، وفي عام 2018 تصدرت معركتها العلنية مع سرطان الثدي وسائل الإعلام، حتى تم إعلان شفائها منه في العام التالي.

خلال السنوات التالية حاولت رسم صورة خيرة لنفسها، فكثفت ظهورها وهي تقدم الرعاية للأطفال المرضى بالسرطان والناجين من الزلزال، وعائلات قتلى الجيش، أو في زيارات للجنود المصابين برفقة زوجها.

أجرت “أخبار الآن” مقابلة مع إحدى الشابات السوريات اللاتي عملن لفترة مع أسماء الأسد التي ترأس الأمانة السورية للتنمية، وشرحت كيف أنها استغلت جهود المتطوعين الشباب في الأنشطة الخيرية لتلميع صورتها؛ حيث كانت تحرص على تجميعهم بعد كل نشاط والتقاط الصور بصحبتهم لنسبة هذه الجهود لنفسها.

وأضافت المتطوعة السابقة أن النظام استطاع الحصول على موارد مالية أجنبية لدعم مشاريعه عن طريق إرسال الفرق التطوعية إلى الخارج لجلب التمويلات، ومارست الأمانة السورية للتنمية، التي يديرها مجلس مكون من 16 شخص تابعين لأسماء، نفوذها للاستيلاء على أي أموال تأتي إلى الجمعيات المختلفة داخل البلاد، ليتم توجيهها لخدمة عائلة الأسد والموالين لهم، فكانت الأنشطة الخيرية توجه للموالين.

وأشارت إلى مثال شهير على تلك الأعمال وهو مركز مسار للأطفال وهو مركز تعليمي ترفيهي تابع للأمانة السورية للتنمية أُنفق على بنائه وتجهيزه ملايين الدولارات وتم تنظيم مسابقة عالمية لتصميمه في إطار محاولات تلميع أسماء، لكن على سبيل المثال فإن المركز وجه نشاطاته لدعم مدارس منطقة عرين الأسد بدمشق المخصصة للضباط العلويين، ومدرسة أخرى مخصصة لأبناء عائلة الأسد بحي المهاجرين بالعاصمة، وهكذا تحولت أموال المساعدات لهذه الأغراض تحت ستار العمل الخيري.

أسماء الأسد.. الملكة غير المتوجة للاقتصاد السوري

وقد أطلقت وسائل الإعلام الموالية للنظام  لقب “سيدة الياسمين” على أسماء بينما أطلق المعارضون ألقاب مضادة مثل “سيدة الجحيم” و”سيدة الكيماوي” للتذكير بقتل النظام للمواطنين بالسلاح الكيماوي، وكان البعض يطلق عليها “ماري أنطوانيت الدمشقية” تشبيها لها بالملكة التي اشتهرت بحياتها المترفة وتجاهلها لفقر الشعب وأطاحت بها الثورة الفرنسية، وبسبب حرص أسماء على اقتناء أحذية كريستيان لابوتان الباهظة أطلق عليها بعض الدبلوماسيين “إميلدا ماركوس” تشبيها لها بالسيدة الأولى الفلبينية التي اشتهر عنها كثرة شراء الأحذية.

ومؤخرًا بدأت أسماء تخرج إلى العالم، وقامت بأول زيارة خارجية لها منذ 12 عاما حين اندلعت الاحتجاجات الشعبية.

وريثة آل مخلوف

تلقت الفتاة القادمة من الطائفة السنية معاملة سيئة داخل القصر في بداية حياتها، ففي ظل وجود حماتها تعرضت للنبذ داخل العائلة الحاكمة وظلت حبيسة منزلها لسنوات تحت رقابة مشددة، حيث لم تكن تتحدث اللغة العربية بطلاقة، وكان أفراد الأسرة الحاكمة يتحدثون أمامها بلهجتهم العلوية التي لا تفهمها، وكانوا يصرخون في وجهها ويعاملونها بازدراء بشكل غير متوقع بالنسبة لزوجة ديكتاتور.

لكن بعد وفاة أنيسة مخلوف والدة بشار عام 2016، تحررت أسماء الأسد من تلك القيود وبدأت تتألق وتمارس النفوذ والسطوة، وأخذت وسائل الإعلام الحكومية تطلق عليها “السيدة الأولى”، وهو ما لم يكن معتادًا من قبل.

أسماء الأسد.. الملكة غير المتوجة للاقتصاد السوري

وعمدت إلى الاستيلاء على الأموال التي تصل إلى المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك الجمعيات الخيرية وتحويلات المغتربين، ومحاولة إلحاق هذه المنظمات بـ”الأمانة السورية للتنمية” التابعة لها والتي تُتهم بالاستيلاء على معظم المساعدات الأممية التي دخلت سوريا منذ بداية الحرب، وأخذت تستضيف اجتماعات في مكتبها بالقصر الرئاسي للتفاوض حول عمل المنظمات غير الحكومية الدولية بشكل صريح.

وتضخمت ثروتها هي وأسرتها فأصبح شقيقيها فراس وإياد وابن عمها طريف من أبرز الشخصيات الاقتصادية المقربة للنظام، كما شارك أبواها المقيمان في لندن في إدارة تلك الشبكات أيضًا، وامتلك ابن خالتها مهند الدباغ حصة 30 بالمائة في نظام البطاقة الذكية في سوريا، وبصفة عامة اتسع نفوذها الاقتصادي حتى صارت شبكتها تتقاضى عمولة عن إنجاز أي عمل في البلاد.

ونشرت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية تقريراً حمل عنوان: “الاستيلاء على الدولة السورية: النفوذ المتزايد للسيدة أسماء الأسد”، كشف كيف تزعمت “المجلس الاقتصادي السري” التابع للرئاسة، وهو مجلس غير رسمي يسيطر بشكل فعلي على مقاليد الثروة في البلاد، ويؤسس لصناعة نخبة جديدة موالية لبشار لتحل محل النخبة التي ورثها عن والده حافظ.

وسبق أن قدرت وزارة الخارجية الأمريكية أن صافي ثروة عائلة الأسد يتراوح بين مليار وملياري دولار، فيما تبلغ ثروات المقربين منهم مليارات الدولارات.

أسماء الأسد.. الملكة غير المتوجة للاقتصاد السوري

إمبراطورية أسماء

يضم المجلس الاقتصادي غير المعلن ستة من المقربين لأسماء، أبرزهم فارس كلاس، مدير الأمانة السورية للتنمية، وتعد هذه المؤسسة واجهة المجلس الاقتصادي السري.

ويضم المجلس كذلك لينا كناية، المديرة السابقة لمكتب أسماء، وتعمل الآن كمستشارة وزارية، ولونا الشبل المستشارة الإعلامية برئاسة الجمهورية، وعملت كمذيعة بقناة الجزيرة قبل أن تتركها بعد أن اتهامها بالتحيّز في الشأن السوري، ودانا وديع بشكور، الرئيسة الحالية لمكتب أسماء الأسد، وهي شركسية الأصل درست الإعلام وتطل على وسائل التواصل بفيديوهات دعائية عن الشركس وعن السياحة في سوريا، وتمتلك استثمارات في البرمجيات.

وشوهدت لونا الشبل ودانا بشكور برفقة أسماء في رحلتها إلى أبو ظبي في مارس الماضي.

ويضم المجلس أيضًا خضر علي طاهر، صاحب أكبر شركة للهواتف وتكنولوجيا المعلومات في سوريا “إيما تل”، إذ تم تسمية الشركة بلقب التدليل الطفولي لأسماء، ويدير طاهر الشركة ظاهريًا.

ويعد أحد أنشط أعضاء المجلس وأقلهم ظهورا هو يسار حسين إبراهيم، مساعد رئيس الجمهورية، والمستشار الاقتصادي له، ولم يُسمع باسمه كثيرا قبل أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات عليه عام 2020، وهو يدير أعمال تجارية وخدمية وفي مجال العقارات، ويملك شركات عديدة يُشتهر بأن أصحابها أُجبروا على بيعها، ويقف على رأس إمبراطورية اقتصادية تمتد من الاتصالات السلكية واللاسلكية إلى شركات البناء والطاقة.

ويقود مساعدو أسماء الأسد شبكة أوسع من المساعدين الآخرين الذين يملكون شركات وهمية أخرى للتهرب من العقوبات، فعلي نجيب إبراهيم، قريب يسار إبراهيم، يمتلك نصف شركة Tele Space ، بالشراكة مع أحمد خليل خليل الذي تعمل ابنتاه رنا 21 عامًا، وريتا 22 عامًا في الشبكة، ويشارك والدهما أيضًا في ملكية شركة “سند” لخدمات الحماية الأمنية، المسؤولة عن حماية مرور شحنات الفوسفات الروسية من وسط البلاد إلى ميناء طرطوس، وشريكه في “سند” هو ناصر ديب ديب، والذي يشارك خضر علي طاهر ظاهريًا في ملكية شركة Ella Services الخاضعة للعقوبات الأمريكية.

أسماء الأسد.. الملكة غير المتوجة للاقتصاد السوري

وفي عام 2019 شنت أسماء حملة لنهب كبار رجال الأعمال، فتم الحجز على أموال رامي مخلوف، ابن خال بشار، في 19 مايو/ أيار 2020، بذريعة عدم دفع مستحقات حكومية، ووضعت يدها على جمعيته الخيرية “البستان” وشركاته بعد أن كان معروفًا بأنه يسيطر وحده على معظم اقتصاد الدولة، فكان يمتلك شام القابضة، أكبر شركة في البلاد، وسيريتل، أكبر شبكة للهاتف المحمول، واستثمارات كبيرة وأصول داخل البلاد وخارجها.

وفي نفس العام تم احتجاز العشرات من رجال الأعمال الداعمين للنظام في فندق شيراتون دمشق وأٌجبروا على دفع ملايين الدولارات في البنك المركزي للمساعدة في استقرار الليرة السورية مقابل إطلاق سراحهم.

وبحسب بعض الروايات بلغت الودائع مئات الملايين، واستمر هذا الأسلوب فيما بعد، إذ بات من الوارد اختطاف قوات الأمن لأي ثري من الشارع وحبسه لإجباره على دفع فدية تعفيه من البقاء في السجن إلى أجل غير مسمى، وعادةً ما يتم إرسال الأموال إلى الجمعيات الخيرية التي تشرف عليها أسماء أو حسابات مصرفية تابعة للرئاسة.

أسماء الأسد.. الملكة غير المتوجة للاقتصاد السوري

التهرب حرفة سورية

وفي مقابل شبكات التهريب المعقدة بذلت واشنطن والاتحاد الأوروبي تحقيقات ومراجعات مستمرة لمواكبة التغييرات المتجددة في خريطة الاقتصاد السوري، كما أقر قانون قيصر الأمريكي فرض عقوبات على الأفراد والشركات المرتبطة بالنظام حتى لو لم يتم إثبات ارتكابهم سلوكًا خاضعًا للعقوبات.

وفي عام 2020 تم فرض عقوبات على أسماء ووالديها وشقيقيها وابنها الأكبر بتهمة مراكمة ثروات منهوبة على حساب الشعب السوري، واتهمت الولايات المتحدة أسماء بعرقلة جهود التوصل لحل سياسي للنزاع، وبذل جهود لترسيخ سلطة النظام الاقتصادية والسياسية من خلال استخدام المنظمات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني.

وطالت العقوبات مساعدي أسماء مثل لينا كناية، وزوجها النائب البرلماني، محمد مسوتي، وعلي نجيب إبراهيم، وخضر علي طاهر الذي فرضت عليه أيضًا عقوبات أمريكية وبريطانية وأوروبية، ولاحقته اتهامات بتهريب مخدر الكبتاجون.

ورغم العقوبات استمر النظام السوري في بناء الشبكات المعقدة وتأسيس الشركات الوهمية للتهرب من العقوبات الغربية، وفي أكتوبر الماضي، قال محمد سامر الخليل، وزير الاقتصاد، إن “التهرب من العقوبات أصبح حرفة سورية”.

مشروع أسماء

بعد أن كان البعض يُنظر إلى أسماء على أنها أسيرة القصر لا تملك من أمرها شيئًا أمام سطوة عائلة زوجها العلوية، صار بعض العلويين اليوم يشعر بالمرارة من صعود امرأة قادمة من الأغلبية السنية خاصة بعد انتشار أحاديث عن تطلعها للرئاسة.

وقد لمح مخلوف ابن خال الرئيس إلى أن أسماء تعمل على استبدال الواجهة المالية العلوية بأخرى محسوبة على أبناء خالتها السنة، ومما أعطى مصداقية لكلام مخلوف لدى العلويين هو اكتشاف أن شركة “تكامل” المنفذ لمشروع البطاقة الذكية تتبع شقيق أسماء وابن خالتها الذين تم التكتم عليهما لفترة تحسبًا لردود فعل غاضبة لأنها تُعد المرة الأولى التي تخرج العطاءات الكبيرة من أيدي العلويين.

وقد أظهرت الإطاحة بمخلوف عن عرش الاقتصاد السوري أن انتماءه الطائفي والعائلي لم يمنحاه الحصانة الكافية أمام نفوذ السيدة الأولى.

أسماء الأسد.. الملكة غير المتوجة للاقتصاد السوري

من جهته أكد محسن المصطفى، الباحث المساعد بمركز عمران للدراسات، أن أسماء ليست هي القائد الفعلي للنظام كما يُقال بل زوجها بشار هو الذي أوكل لها هذا الدور، وكل ما تقوم به يدور في فلك النظام وخدمة مصالحه، وهي لا تتبنى مشروعًا لإقصاء العلويين أو ما شابه بل تتحرك بإرادة وعلم بشار وماهر الأسد وعلاقتها قوية بهذا الأخير وتنسق معه آليات العمل، أما قصة الإطاحة برامي مخلوف فلم تكن بإرادة أسماء منفردة بل بتوجه من النظام.

وأضاف في تصريحاته لـ”أخبار الآن” أن ما تقوم به أسماء هو نقل المال لشبكات قريبة من السلطة والإعداد لمرحلة انتقال السلطة بعد ١٠ سنوات أو ١٥ سنة والأساس في هذا المشروع هو اصطناع نخبة تدين بالولاء الشخصي لماهر وبشار وابنه حافظ المعروف بحافظ جونيور والذي ربما يتم تجهيزه لأن يخلف والده في الرئاسة في حال استمرار النظام فالهدف هو إحلال شبكات جديدة تدين بالولاء لحافظ بشار ووالدته محل الشبكات القديمة التي لا تدين لهم بالولاء ولا بالعرفان لأنهم لم يصنعوا هذه الشبكات القديمة وبالتالي لا يثقون في ولائها فهذا المخطط عبارة عن مشروع طويل الأمد لا يتم بين يوم وليلة فهي خطة استراتيجية وليست تكتيكية، فعلى سبيل المثال أبو علي خضر كان مجرد بائع دجاج فجاءوا به وصنعوا منه رجل أعمال ليكون ولاؤه لهم فمثل هذا الذي صنعوه يدين لهم بالفضل.

وتابع المصطفى أنه إلى جانب هدف بناء شبكة تدين لهم بالفضل والولاء الشخصي فإن هناك سبب آخر عملي وهو أن الشبكات القديمة والوجوه مثل رامي مخلوف مكشوفة ومشمولة بالعقوبات الغربية مما دعا النظام لإنشاء شبكات جديدة غير مرتبطة بالقديمة فرامي مخلوف مثلا كل دائرته المقربة تحت نظر وزارة الخزانة الأمريكية.

وأردف أنه بالنسبة للمجلس الاقتصادي الذي تديره أسماء فقد نشأ نظرًا لكثرة الملفات التي تديرها فكان من الطبيعي أن يكون لها مساعدين لإدارة هذه الأعمال كلها بغض النظر عن كونهم علويين أم لا، وحول كل شخص من هؤلاء دائرة مقربة ومساعدون لمعاونته في هذه الأمور فمثلًا يسار إبراهيم الذي يدير المكتب المالي لهذه الشبكات تمتلك أخته نسرين عدة شركات تجارية ويعمل أحد أقربائه وهو علي نجيب إبراهيم (مواليد ١٩٩٤) كمساعد له، وهذا الأخير لديه أكثر من ٣٥ شركة بهدف التهرب من العقوبات فنجد لديه في المجال الواحد أكثر من شركة تقوم بنفس الأعمال ونفس الوظائف وبعض هذه الشركات تؤسس شركات أخرى للعمل من خلالها كواجهات ضمن شبكة معقدة صممت خصيصًا لتضليل الجهات التي تفرض عقوبات.

وأشار المصطفى إلى أن أسماء تختلف عن أنيسة مخلوف زوجة حافظ الأسد؛ فليس لها شبكات داخل الجيش وليس لها أقرباء متنفذون هناك وليس لها علاقة بالجيش أكثر من كونها زوجة رئيس ولا تتدخل إلا في بعض حالات الوساطة كترفيع الضابط مثلًا أو ما شابه لكنها تركز على الاقتصاد ولا تتدخل بالملفات السيادية حتى ذات الطابع الاقتصادي منها كصفقات الفوسفات التي تتنافس عليها إيران وروسيا أو ميناء طرطوس، ولكن يبقى الأساس أن النظام تحت سيطرة العلويين الذين يهيمنون على الجيش والأمن وتكاد تكون المناصب القيادية فيهما علوية خالصة أما مثلًا وزير الدفاع فليس له نفوذ حقيقي ولم يقد في حياته قبل ذلك فرقة عسكرية بل جاء من خلفية أكاديمية.

أسماء الأسد.. الملكة غير المتوجة للاقتصاد السوري

من جهته أشار المحلل السياسي السوري ليث الزعبي إلى أن هناك إحساس بالتذمر والسخط داخل الطائفة العلوية والنخبة التقليدية التي تعتبر أنها تعرضت لعملية إقصاء متعمد، وعلى المستوى الشعبي فإن حالة السخط والتذمر بين العلويين أتت نتيجة إحساسهم بأن شخصية سنية نافذت باتت تتحكم في مفاصل الدولة وتسرق النفوذ من كبار قادتهم، وهذا الشعور تعزز بعد عملية الإطاحة برامي مخلوف بشكل مهين، وكذلك الاستيلاء على ثروات كبار مؤيدي النظام.

وأضاف  في تصريحاته ل”أخبار الآن” أنه حتى لو لم يكن مقصودًا فإن الشبكة الاقتصادية لأسماء بما تضمه من عائلات وشخصيات عديدة تنتمي إلى الطائفة السنية وإحلالها محل شبكات النفوذ العلوية القديمة فإن كل ذلك يؤدي لإخراج مشهد نخبوي مغاير للمشهد الذي كان عليه الحال في عهد حافظ الأسد وبداية عهد بشار.

ولفت المحلل السياسي السوري إلى وجود تيارات معارضة ومعترضة داخل الطائفة لكن لم يحن الوقت بعد لتصرح عن نفسها بشكل معلن.

تجدر الإشارة إلى أنه في إطار حرص أسماء وبشار على تمهيد الطريق لابنهما حافظ فإن أي شخصية أخرى تنال حظًا من الشهرة والشعبية في أوساط العلويين تواجه محاولات للتعتيم عليها أو تقليل حظوتها، وتردد أن بشار الجعفري وسهيل الحسن وشمس بنت دريد رفعت الأسد كانوا من بين الشخصيات التي اتُهمت أسماء الأسد باستهدافها إعلاميًا بشكل غير مباشر لإبطاء مسيرتها السياسية.

أسماء الأسد.. الملكة غير المتوجة للاقتصاد السوري

الخلاصة

فالمشروع الذي تتزعمه أسماء الأسد هو في الحقيقة مرتبط بإبقاء النفوذ والسلطة وحصرهما في أسرتها تحديدًا دون باقي فروع عائلة الأسد أو أقربائهم من العلويين، ولذلك تجتهد في تصفية نفوذ مراكز القوى الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام فيما يتكفل زوجها بمتابعة الملفات الأخرى ذات الصلة لتوطيد حكمه وتمهيد الطريق لابنه ووريثه المفترض، حافظ جونيور.

وتتمثل خطتها في احتكار رؤوس الأموال وحصرها في يدها من خلال الشبكات المالية والتجارية المعقدة التابعة لها والتي تقوم بوظيفتين؛ حراسة ثروات الأسرة الحاكمة وضمان الولاء الشخصي لأفرادها، ولا يبدو أن أي جهة اليوم داخل معسكر النظام تستطيع تحدي أسماء الأسد وشبكتها بعد أن اتضح للجميع مدى قوتها والدعم القوي الذي تحظى به من زوجها، لكن هل سيرضخ آل الأسد لها ولأتباعها السنة إلى الأبد أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟