جدل في العراق والكويت على خلفية “ترسيم الحدود”
يتداول مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات يزعم ناشروها أنّها يتظهر حشد قوات عسكريّة كويتيّة وأخرى عراقية حديثاً على الحدود بين البلدين على خلفيّة الجدل الذي أثاره ملف ترسيم الحدود بين الكويت والعراق خلال الأيام الماضية، فما هي صحة هذه الفيديوهات؟
تداول المستخدمون فيديو قيل إنّه يُظهر تحرّكاً لعدد من العراقيين على حدود بلدهم مع الكويت لمنع كويتيين من “الاستيلاء” على أراضٍ عراقية، ويظهر في الفيديو حشد من الرجال والشباب في منطقة صحراوية.
وجاء في التعليقات المرافقة على موقعي فيسبوك وإكس (المعروف سابقاً بتويتر) “شجاعة أهالي مدينة أم قصر (العراقية الحدوديّة) لردع الكويتيين من دخول المدينة والاستيلاء عليها بعدما باعتها الحكومة العراقية”.
الوضع ملتهب في أم قصر و حقل الدرة والشعب لاهي بالجيب الأسود و الجيب الأبيض واحقيتهم بالقهوة pic.twitter.com/7BntU9D8uq
— العتوي (Parody) (@3ttwee) August 4, 2023
حقيقة الفيديو
لكن الفيديو لا شأن له بترسيم الحدود وما ولدّه من انتقادات أو احتجاجات. فالتفتيش عنه على محرّكات البحث يُظهر أنّه منشور قبل عشر سنوات على موقع يوتيوب، ما ينفي أن يكون حديثاً.
وجاء في التعليق المرافق له “شاهد شجاعة أهالي أم قصر ومنعهم الكويت الاستيلاء على أراضيهم”.
ويمكن العثور على تقارير إخباريّة أخرى صدرت آنذاك تتحدّث عن هذه الاحتجاجات.
وبعدها بأسابيع وفي أواخر شهر آذار/مارس 2013 أعلن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، مارتن كوبلر، عن حسم قضية ترسيم الحدود البرية بين العراق والكويت آنذاك.
وقال خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع محافظ البصرة إن المشكلة الوحيدة التي كانت تعرقل حسم قضية الحدود، تمكنت دولة العراق من حلّها بهدم ثلاثة بيوت في أم قصر، معرباً عن شكره للعائلات العراقية التي أخلت بيوتها من أجل إنهاء المشكلة.
حشد كويتي في المقابل
كما تداول مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فيديو يزعم ناشروه أنّه يُظهر حشد قوات عسكريّة كويتيّة حديثاً على الحدود مع العراق
ويُظهر الفيديو عشرات الآليات العسكريّة الثقيلة والدبابات تتحرّك بشكلٍ منظّم في منطقة حدوديّة. وجاء في التعليق المرافق “الكويت تحشد الجيش على الحدود العراقية… الكويت تريد تخويف العراق بهذه الآليات”.
فما حقيقة الفيديو المتداول؟
بعد تقطيع الفيديو إلى مشاهد ثابتة، يرشد البحث إلى نسخة أطول منشورة في أوائل شهر كانون الأول/ديسمبر 2022 على موقع يوتيوب، أي قبل قرابة ثمانية أشهر.
وجاء في التعليق المرافق له أنّه يظهر تمرين المرحلة الثانية من “لؤلؤة الغرب 2022” بمشاركة الجيشين الكويتي والفرنسي.
ونُسب الفيديو إلى حساب الجيش الكويتي الرسمي في موقع إنستغرام.
وبالفعل، أرشد البحث إلى الفيديو الأصلي منشوراً في حساب الجيش الكويتي إضافة إلى مقاطع أخرى توثّق فعاليات التمرين الذي نفذه الجيش الكويتي والحرس الوطني مع القوات الفرنسية من 28 تشرين الثاني/نوفمبر حتى السابع من كانون الأول/ديسمبر 2022.
ملف ترسيم الحدود
وأكّد العراق والكويت التزامهما بإنهاء ملف ترسيم الحدود البحرية، كما أعلن وزيرا خارجية البلدين خلال زيارة للوزير الكويتي إلى بغداد أواخر تموز الماضي
معالي الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح، #وزير_الخارجية، يلتقي بمعالي السيد محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب، بحضور عدد من رؤساء وأعضاء اللجان في مجلس النواب العراقي، وذلك في إطار الزيارة الرسمية التي يجريها معاليه إلى العاصمة #بغداد.
الخبر كاملاً: https://t.co/cXYUcF4ayA
🇰🇼🇮🇶
1️⃣ pic.twitter.com/uTpF9QizMc— وزارة الخارجية (@MOFAKuwait) July 30, 2023
وحددت الأمم المتحدة في العام 1993 الحدود البحرية والبرية بين البلدين، إثر غزو العراق للكويت في العام 1990.
وأعرب مسؤولون عراقيون في الماضي عن استعدادهم للاعتراف بالحدود البرية مع الكويت، لكن الحدود البحرية لا تزال تشكّل نقطة خلاف بينهما، إذ إن بغداد تريد أن يضمن لها ترسيم الحدود القدرة على الوصول إلى بحر الخليج، الذي تحتاج إليه اقتصادياً ولصادراتها النفطية.
ولا يزال الملف عالقاً منذ سنوات، ويصادر خفر السواحل الكويتيون أحياناً مراكب صيادين عراقيين أو يوقفونهم، لدخولهم بشكل غير قانوني في المياه الإقليمية الكويتية.
وإبان نظام صدام حسين، اجتاح الجيش العراقي في آب/أغسطس 1990 دولة الكويت وضم هذه الإمارة الصغيرة الغنية بالنفط إلى العراق، قبل أن يطرده تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة بعد سبعة أشهر. وبعد ذلك خضع العراق لحصار اقتصادي استمر 13 عاما، واضطر الى دفع تعويضات حرب كبيرة للكويت، عبر الأمم المتحدة.
وأنهت بغداد بحلول عام 2021 دفع كامل التعويضات المترتبة عليها، أي أكثر من 52 مليار دولار بعد أكثر من 30 عاماً على غزو الكويت.
تظاهرات في أم القصر
ونظم العشرات من أهالي وعشائر مدينة أم قصر العراقية مع بداية الشهر الحالي،تظاهرات غاضبة بعد الأنباء عن “بيعها” للكويت، حيث أكد محافظ البصرة، أسعد العيداني، أن “العراق والكويت اتفقا، في 2013، على بناء منازل خاصة للعوائل العراقية الساكنة على الحدود”، مشيرا إلى أن “محافظة البصرة جهزت المنازل المتاخمة للحدود العراقية الكويتية بالماء والكهرباء، والمحافظة لا تمتلك صلاحية ترسيم الحدود مع الكويت”.
وشدد المحافظ العراقي على أنه “لن تذهب أي ذرة تراب من الحدود العراقية إلى الكويت”، مضيفا أن الكويت شيدت 99 منزلا على أراضٍ عراقية وستوزع للعوائل التي تسكن على الحدود المشتركة بين البلدين، حيث كلفه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، بتوزيع المساكن إلى العوائل العراقية الساكنة على تلك الحدود.
لكن وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، نفى مزاعم التفريط بسيادة العراق، خاصة في منطقة أم قصر في محافظة البصرة.
وقال بيان للخارجية العراقية، أنها “تنفي ما يتم تداوله بشأن التفريط بسيادة العراق البرية أم البحرية لاسيما ما يتعلق بمنطقة أُم قصر في محافظة البصرة”.
وشدد بيان الخارجية العراقية على أن “الترسيم الحدودي البري مع الجانب الكويتي جاء بحسب قرار مجلس الأمن رقم 833 لعام 1993″، مضيفا أن “الحكومة تبدي التزامها التام بشأنه وإيفائها بالالتزامات الدولية ذات الصلة، والحدود البرية لم ولن يتطرق إليها التغيير منذ تثبيتها رسميا”.