داعش اعترف بمقتل أبو الحسين الحسيني.. وعين أبو حفص الهاشمي كـ”خليفة خفي جديد”
بثت مؤسسة الفرقان التابعة لتنظيم داعش، في الثالث من أغسطس الحالي ٢٠٢٣، كلمة صوتية للمتحدث الجديد باسم التنظيم أبو حذيفة الأنصاري، والتي اعترف خلالها لأول مرة بمقتل “خليفة” التنظيم الرابع أبو الحسن الحسيني القرشي في شمال غرب سوريا.
واعتقال المتحدث السابق باسم التنظيم أبو عمر المهاجر في مايو من هذا العام. الأنصاري أعلن أيضا عن تولي أبو حفص الهاشمي القرشي زعامة التنظيم ليصبح الزعيم الخامس لداعش منذ تأسيسه خلافته المزعومة في عام 2014.
ما كان مفاجئا في كلمة الأنصاري هو الادعاء بأن هيئة تحرير الشام الفصيل المسيطر على منطقة إدلب وريفها هو من قام بقتل أبو الحسن الحسيني الزعيم الأخير للتنظيم وتسليم جثته لتركيا واعتقال المتحدث باسمه.
الأمر الذي يتعارض مع ما صرح به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإن جهاز المخابرات التركية بالتعاون مع الجيش الوطني هو من نفذ العملية في مايو في مدينة جنديرس في ريف عفرين والواقعة تحت النفوذ التركي.
بجميع الأحوال فإن خبر مقتل أبو الحسين الحسيني القرشي بعد أقل من ثمانية أشهر على توليه قيادة التنظيم، يؤكد بعض الاستنتاجات التي وصل إليها الكثير من المختصين في شؤون الجماعات الجهادية.
أولها بأن داعش يزداد ضعفا يوما بعد يوم ويفتقد القدرة على حماية قادته، والذين يعرفون بالتزامهم ببروتوكولات أمنية صارمة لحمياتهم من الاستهداف.
فمنذ هزيمة داعش الجغرافية في مارس 2019، فقد أربعة من “خلفائه”، قتل أخرهما في فترات زمنية قصيرة لا تتجاوز العام ولم يتمكنا حتى من الظهور، أو إصدار كلمة صوتية لرفع معنويات المناصرين وتوجيه الجنود والحث على قتال الأعداء.
اسم الزعيم | فترة قيادة التنظيم | المكان – الجهة المسيطرة |
أبو بكر البغدادي القرشي | أغسطس 2014– أكتوبر 2019 | ريف إدلب – هيئة تحرير الشام |
أبو إبراهيم القرشي | أكتوبر 2019– فبراير 2022 | ريف إدلب – هيئة تحرير الشام |
أبو الحسن الهاشمي القرشي | فبراير 2022 – نوفمبر 2022 | درعا – النظام السوري |
أبو الحسين الحسيني القرشي | أكتوبر 2022 – مايو 2023 | ريف حلب – الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا |
إضافة إلى ذلك فقد التنظيم العشرات من قادة الصف الأول والثاني في مناطق مختلفة من شمال سوريا خلال هذا العام على يد التحالف الدوالي وحلفاؤه، كان أهم القتلى مسؤول التخطيط للهجمات الخارجية في أوروبا خالد عيد الجبوري، وأبو سارة العراقي المسؤول الأول عن عمليات داعش في سوريا، وعبد الهادي محمد الحجي علي مسؤول التخطيط العملياتي في الشرق الأوسط وأوروبا.
هيئة تحرير الشام أصدرت بيان نفت من خلاله أي دور لها في عملية قتل زعيم داعش الأخير، لكن في حال كان صحة ادعاء التنظيم بإن هيئة تحرير الشام هي من قتلت زعيمه الأخير أبو الحسين الحسيني القرشي، فهذا يؤكد الحجم الهائل لاختراق التنظيم امنيا، ليس فقط من قبل المخابرات العالمية بمواردها الهائلة وأدواتها الأكثر تطورا في العالم، إنما أيضا من قبل هيئة تحرير الشام بجهازها الأمني المتواضع القدرات، والذي قام بهذه العملية خارج مناطق نفوذه مما يدل على هشاشة السياسة الأمنية المتبعة من قبل قادة داعش.
من المهم الإشارة إلى أن داعش أكثر التنظيمات الإرهابية انضباطا على الصعيد الأمني وذلك بسبب سيطرة العديد من ضباط الأمن العراقيين السابقين على الملف الأمني، غير أنه فقد الكثير منهم منذ عام 2019.
قيام الهيئة بقتل القرشي في مناطق الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، كما يدعي التنظيم، يطرح أيضا العديد من الأسئلة حول مدى تعاون الهيئة مع تركيا، وهشاشة الحالة الأمنية في تلك المناطق.
إذا صح قيام الهيئة المصنفة على قوائم الإرهاب العالمية بما فيها التركية، بقتل زعيم داعش وتسليم جثته للأتراك ليأخذوا الفضل في مقتله، فذلك قد يدل على أن الجماعة طورت علاقتها مع أنقرة إلى مستوى غير مسبوق، وتحاول توضيح أهميتها للمجتمع الدولي في حربه على الإرهاب.
اختيار قادة التنظيم مناطق أعدائه للاختباء داخلها ليس بالضرورة نتيجة علاقات بعض قادة داعش والسلطات المحلية أو بعض السكان، إنما نتيجة عوامل أخرى معلقة بالشق العملياتي.
أولها، لم يعد للتنظيم سيطرة مكانية في مناطق نشاط خلاياه التقليدية في شمال شرق سوريا وغرب العراق، ورغيتهم في تجنب النشاط المكثف للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وشريكه قوات سوريا الديمقراطية. إضافة إلى خوف قادته من الوشاية بهم.
ووفقًا للتقارير، أقدم التنظيم على سلسلة من الإجراءات للتصدي للحملة المكثفة لاختراقه.
هذه الإجراءات تتضمن الحظر على استخدام الهواتف المحمولة داخل التنظيم والحد من التواصل مع الأسرى، خاصة الذين يقبعون في سجون قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا. جاء هذا القرار بعد أن اكتشفت القوات الأمنية التابعة لداعش أن العديد من السجناء قدموا معلومات أسفرت عن تحديد مواقع قادة بارزين، مما أدى إلى مقتلهم لاحقًا.
أما شمال غرب سوريا، فهي منطقة مكتظة بالسكان الذين يعيشون في العديد من المخيمات الكبيرة للنازحين داخلياً، والتي تستضيف آلاف الأفراد من مناطق مختلفة، وحتى أن بعضهم غير مسجل، مما يسهل لقادة داعش التخفي ويزيد بشكل كبير من احتمالات بقائهم على قيد الحياة.
لكن يبقى السبب الأهم وهو انعدام الخيارات، تواجد قادة التنظيم في إدلب ودرعا حيث ينتشر أعداء التنظيم يتطلب الكثير من الرشاوى للبعض المسؤولين والتنسيق العالي مع المتعاملين المحليين، الذي يعرض قادة داعش للخطر المستمر.
أضف إلى ذلك فإن الاختباء في هذه الأماكن يقيد من إمكانية التواصل بين “الخلفاء” وقادتهم، الأمر الذي بدا جليا في عدم تمكن آخر زعيمين من إصدار أي كلمة صوتية للمناصرين.
من الصعب التكهن بشخصية الزعيم الجديد لداعش أبو حفص الهاشمي القرشي، لكن يمكن القول بأن التنظيم استنزف معظم قادة الصف الأول، وإذا أراد الالتزام بالمعاير التي يحددها لاختيار الزعيم الجديد من سلامة الجسد وقرشية النسب، فإن خياراته أصبحت معدودة.
في السابق اختار داعش أبو إبراهيم القرشي على الرغم من أنه تركماني ولا يعود نسبه إلى قريش، الأمر الذي أثار سخرية أعداؤه في التنظيمات الآخرة كالقاعدة وهيئة تحرير الشام.
سيحتاج داعش إلى الكثير من الجهد لتأكيد شرعية الزعيم الجديد، وذلك لأنه مجول الهوية والنسب، إضافة إلى ذلك، على الزعيم الجديد أن يقوم بالكثير من التغيرات، فالتنظيم بات ضعيفا جدا، تحديدا في مناطق قياداته المركزية في سوريا والعراق.
أما في الولايات البعيدة، فالأفرع اصبحت أكثر استقلالا مما يضع “الخليفة” الجديد أمام تحدى جديد يصعب التنبؤ في مدى قدرته على تجاوزه.