ليس فقط حريق ساروجة.. لماذا تسعى إيران لحرق أحياء دمش التاريخية؟
بعد الحريق الهائل الذي التهم سوق ساروجة التاريخي وسط العاصمة السورية دمشق، بِدءًا من أحد المنازل القديمة في حي العمارة قبل أن يمتد إلى العديد من المنازل والمحال التجارية المجاورة، اتجهت أصابع الاتهام إلى الإيرانيين الذين يسعون إلى تهجير سكان المنطقة من أهل السنة وتغيير طابعها التاريخي.
وأعاد الحادث تسليط الضوء على مخطط التغيير الديمغرافي الطائفي في سوريا، وكيف يوضح ذلك مدى استقلالية النظام السوري في قراراته؟، فمباني ساروجة لم تحترق وحدها، بل احترقت معها صفحات من التاريخ الحي الذي ظل صامدًا لمئات السنين، واحترقت معها قلوب السوريين وهم يرون بلادهم تُذبح وتُقطع على يد الاحتلال الإيراني، الذي يستهدف محو أسس الحضارة في سوريا، ومسخ هوية شعبها.
الحفر بالنار على وجه سوريا وجسدها
في ظل السعي الإيراني المحموم للسيطرة على مقاليد الأمور في سوريا، بات جليًا أن نظام الملالي جهز خططًا بديلة تعمل بالتوازي مع بعضها البعض تحسبًا ليوم يُتخذ فيه قرار بإخراجه من سوريا.
فقد أعد النظام الإيراني خططًا -ومضى في تنفيذها بقوة- للتغلغل في دولاب الدولة ومراكز القوة والسلطة على كل المستويات، وكذلك غرس أتباعه في قلب التربة السورية وإدماجهم في النسيج السكاني المحلي وصبغه بصبغته بشكل لا يمكن اقتلاع نفوذه منه مهما تغيرت الظروف السياسية والأوضاع الميدانية، أي تسييل عناصر قوته الحالية وتحويلها إلى مكتسبات دائمة محفورة على وجه وجسد المجتمع السوري ومفاصل الدولة.
نسرقكم أو نحرقكم
يشرح العميد الركن، أحمد رحال، المحلل السياسي والعسكري السوري، أن اللطميات الشيعية تنتشر اليوم بكل شوارع دمشق وكل المناطق المحيطة بالمقامات الدينية كالسيدة زينب ومقام سكينة ومقام رقية ومقام حجر بن عدي ومواقع كثيرة يشتريها الإيرانيون إجباريا من أصحابها وإذا لم توافق على بيع منزلك يحرقون لك المنطقة.
وتابع في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن حريق في حي العمارة وساروجة منذ عدة أيام ليس الأول من نوعه، بل وقع قبله حريق في سوق الصالحية وقبله في سوق الحميدية، وهذه الأسواق أعمارها تصل لألف سنة و ١٢٠٠ سنة و ١٤٠٠ سنة، حرقوا نصف الشام، يعني حريق واحد أكل ٨٠ محل بسوق البزورية الذي يصل عمره ألف أو أكثر، إما أن تبيعها أو سوف تحترق المحلات وعلى عينك يا تاجر.
وأردف أن ما قاله مهدي طائب وهو معمم شيعي منذ أربع سنوات أو خمس سنوات أن سوريا هي المحافظة أو الولاية ٣٥ في إيران صار من المسلمات أمام الشعب السوري، فاليوم تطبق هذه المقولة فعليًا على الأرض، لو أخذنا من الناحية العسكرية سنجد إيران تسيطر على أكثر من ست قواعد جوية ومعظم قيادات الفرق العسكرية وتسيطر على مفاصل الجغرافيا السورية والبوابات الحدودية البرية والبحرية والجوية.
وأضاف العميد أحمد رحال أن مطار دمشق الدولي ومطار حلب تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني وكذلك مطار النيرب العسكري بجوار مطار حلب وميناء اللاذقية وهو الميناء الرئيسي في سوريا، ومصفاة بانياس للنفط، وبالنسبة للحدود البرية فالحدود اللبنانية تحت سيطرة حزب الله، والحدود الأردنية تحت سيطرة حزب الله والحرس الثوري والفرقة الرابعة التي يقودها اللواء ماهر الأسد أخو بشار، وتتلقى هذه الفرقة أوامرها من الحرس الثوري ولا تخضع لسيطرة بشار الأسد، والحدود العراقية كلها باستثناء مناطق قوات سوريا الديمقراطية في الشمال والتنف في منطقة ٥٥، أما نظام الأسد فغير موجود.
وتابع المحلل السياسي والعسكري السوري، أنه من الناحية السياسية فالحسينيات والحوزات والمراكز الثقافية الإيرانية والسفارة الإيرانية تسيطر على مفاصل الدولة السورية حتى على الوزارات يعني إذا هناك مشكلة كبيرة بين التجار فإن حلها بيد السفارة الإيرانية أو المركز الثقافي الإيراني أو مرجعية عسكرية إيرانية.
وشدد على أن إيران تسيطر على كل شيء في سوريا اليوم، فالاحتياطي الاستراتيجي من الفوسفات (وهو أكبر احتياطي استراتيجي لدى الشعب السوري) تسيطر عليه إيران، ويقدر ب ٣.٨ مليار طن، كما وقعت عقودًا تمنحها مجانا ١.٩ مليار طن من الفوسفات في مقابل ديونها مقابل قتل الشعب السوري، يعني تقتل الشعب السوري لأخذ ثمن القتل، وبشار ليس معه مال ليعطيهم منه فأعطاهم الفوسفات.
ويُعد الفوسفات سلعة استراتيجية فمعظم إنتاجه يوجه لصناعة الأسمدة الزراعية، وعندما ترتفع أسعاره العالمية تتأثر قطاعات الغذاء والزراعة والتجارة حول العالم، ومنح إنتاج الفوسفات لإيران له تبعات سلبية طويلة الأجل على الشعب السوري تتمثل في إفقاره وتقويض فرص إعادة إعمار بلاده
ولفت رحال إلى أنه مهما تكلمنا سياسيا وعسكريا واقتصاديا وحكوميا سنجد أن إيران تسيطر على كامل القرار السياسي والعسكري والاقتصادي والجغرافي لسوريا ولذلك الذي قاله مجدي طائب من أن سوريا هي المحافظة ال ٣٥ في ولاية الفقيه اليوم يطبق فعليا على الأرض وبشار الأسد لا يملك صلاحية اتخاذ أي إجراء بحق أي عنصر إيراني يعني تخيل من يهربون من الجيش السوري مجرد التحاقهم بإحدى الميليشيات التابعة لإيران لا يجرؤ نظام الأسد ولا استخباراته ولا الشرطة العسكرية على الاقتراب منه لمجرد هوية معه تتبع لإيران لا يجرؤ أحد على اعتقاله بكل الجغرافيا السورية وقس على ذلك.
أحقاد التاريخ تحرق الحاضر
بينما حذر رئيس الهيئة السورية العامة للاجئين، وأمين عام مؤتمر سوريا الوطني، تيسير النجار، من خطورة إحراق منطقة ساروجة الأثرية في دمشق القديمة التي تحتوي على مخطوطات أثرية بالغة القدم، قائلا إن الإيرانيين يريدون محو تاريخ سوريا وثقافتها ودمغ ما يميز المجتمع السوري، مدفوعين بأحقاد وثارات قديمة؛ فهم يريدون الانتقام من عاصمة الأمويين والأخذ بثأر حسين من يزيد بن معاوية أو بالأحرى الأخذ بثأر كسرى الذي انتهت مملكته على يد عمر بن الخطاب وحُملت إليه كنوز كسرى.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن إيران ركزت على ترسيخ نفوذها في مناطق معينة مثل دمشق القديمة وجنوب دمشق وركزت على المنطقة الأخيرة لاستنساخ تجربة حزب الله في لبنان ونشر سيطرتها على سوريا تباعا، ويشتغلون على الأرض ويلقون كل التسهيلات ولا أحد يعارضهم، ولكن ما زال مشروعهم في طور التكوين.
وأردف أن إيران أصبحت هي الحاكمة في سوريا والمسيطرة على الأرض وظهرت ممارسات وطقوس طائفية غريبة على المجتمع السوري في ظل لجوء الشباب السوري إلى الشمال أو هربه من التجنيد، بينما تعمل إيران على نشر التشيع في سوريا فمن يواظب على الحضور إلى الحسينيات قد تصل مكافئته إلى ١٠٠ دولار شهريًا، وهم لا يستهدفون الكبار بل يركزون على الأطفال وبهذه الطريقة قد نجد أنفسنا بعد خمس أو ست سنوات أمام جيوش مكونة من أبنائنا يقاتلون في خدمة المشروع الإيراني.
وتابع رئيس الهيئة السورية العامة للاجئين أن سوريا تعرضت لتهجير عام، وتم تجنيس أكثر من ٢ مليون شخص فيها من خارج البلاد، بينما صار عندنا خمسة ملايين مهجر بالشمال وأربعة ملايين في تركيا واثنان في لبنان واثنان في الأردن وثلاثة ملايين في السعودية ومليون ونصف في مصر، وشهدنا كيف حدث التهجير القسري والتبادل السكاني لإقامة مناطق نفوذ إيراني كبيرة في سوريا وبعد أن وقع اتفاق المدن الأربعة للتغيير الديموغرافي وتهجير السكان شهدت البلاد موجة تهجير طائفي عام بدون اتفاقات ولا غيره.
المال الطائفي
يشير الكاتب السوري، هوشنك أوسي، إلى أن إيران لن تغير سلوكها بعد عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية ومازالت تعمل على نشر التشيع في أنحاء سوريا ولم يتأثر المشروع الإيراني بانفتاح النظام السوري على الدول العربية، وخلال الفترة الأخيرة توسعت مظاهر نشر التشيع في مناطق الأكراد في شمال وشرق سوريا، ومؤخرًا شهدت مدينة الرقة مؤتمرًا علنيًا لنشر التشيع وسط أبناء المنطقة.
وأضاف في تصريحاته لـ”أخبار الآن” أن التغلغل الشيعي في مناطق شمال شرق سوريا ازداد بشدة في الفترة الأخيرة، والأخطر هو لجوء إيران لاستغلال العامل المالي لنشر مذهبها فالمال الطائفي استثمر حالة الفقر والعوز التي يمر بها الكثيرون داخل سوريا وانتشار التشرد والنزوح والجوع داخل هذا البلد المنكوب فصار هذا الوضع بيئة خصبة لنشر التشيع عن طريق المال وتغيير الهوية الطائفية للسكان وهناك مناطق يركزون عليها بشكل كبير ويعملون على تغيير تركيبتها السكانية مثل حمص وحلب وبعض المناطق في دمشق.
وتابع الكاتب السوري أنه في دير الزور حيث المنطقة سنية بالكامل ومتاخمة لمنطقة الأنبار العراقية السنية أيضًا، عمل الإيرانيون على التواصل مع القبائل هناك وإيجاد صلات مختلقة معهم، فجاءوا مثلًا إلى قبيلة البقارة وزعموا كذبًا أنها تنتمي إلى الإمام الباقر أحد الأئمة الإثنى عشر في المذهب الشيعي بينما من المعروف أن إسم البقارة يطلق عليهم لأنهم كانوا قديما رعاة بقر بينما لا يزاول الكثير منهم اليوم هذه المهنة، وعملوا على استغلال وجود تداخل قبلي بين سوريا والعراق ووجود أجزاء من بعض القبائل داخل العراق تنتمي للمذهب الشيعي مثل قبيلة الجبور وشمر واستخدموا ذلك كمدخل لربطهم بإيران والمشروع الإيراني.
وأوضح أن الأخطر هو عمليات شراء الأراضي والعقارات والشركات الكبرى فهناك حديث عن الاتجاه لخصخصة مطار دمشق وبالطبع المستفيد من هذه المشروعات إيران وروسيا.
إيران تتحكم بالمنظومة الأمنية السورية
صرح أيمن أبو نقطة، الصحفي بمحافظة درعا جنوب سوريا، بأن إيران انخرطت بمنظومة النظام الأمنية، وباتت تتحكم ببعض الأجهزة الأمنية كالمخابرات الجوية وجهاز أمن الدولة بالإضافة للفرقة الرابعة التي تعتبر أحد أذرع إيران الرئيسية بسوريا، ولذلك لم يعد النظام السوري حرًا في قراراته، بل من الممكن أن يكون حر ببعض القرارات وليس جميعها، إذ أن إيران انخرطت بمنظومة النظام بشكل كبير عن طريق ضباط ارتباط، ووسعت نفوذها عليه حتى باتت تتحكم في العديد من الملفات التفاوضية بسوريا خاصة بعض المناطق الاستراتيجية.
وقال أبو نقطة إنه إذا تحدثنا عن المنطقة الجنوبية في سوريا التي هي بمجال عملنا كصحفيين بمحافظة درعا جنوب سوريا نلحظ نشاط إيراني بمجال شراء العقارات من قبل بعض الشخصيات المدعومة من قبل إيران وهذه الشخصيات محسوبة على النظام السوري تم اختراقها وتجنيدها من قبل الميليشيات الإيرانية، أضف إلى ذلك أن المنطقة الجنوبية منطقة استراتيجية محاذية للجولان المحتلة من إسرائيل فبالمحصلة إيران تهدف لتثبيت تواجدها بالمنطقة و لا يهمها إن كان وجودا شكليًا في الوقت الحالي لأنها تعمل بالنفس البطئ، لأن هذه المنطقة المهمة تعتبر نافذة للدول العربية، ونلاحظ عمليات تهريب المخدرات باتجاه الدول العربية.
وأوضح أن إيران تعتمد على تجنيد ميليشيات من أبناء مناطق الجنوب السوري (السويداء ودرعا والقنيطرة)، وبالتالي لا تخسر شيء من عناصرها وإنما تجند الميليشيات بالمال والسلاح ويتم إعطاء هذه الميليشيات بطاقات أمنية من أجهزة النظام السوري الأمنية.
وأضاف في تصريحاته لـ”أخبار الآن” أنه بالنسبة لشراء العقارات. فإنه قبل أن يصل إبراهيم رئيسي، رئيس إيران، إلى سوريا ويعلن انتصار إيران والمقاومة، صرح وزير النقل الإيراني بأن دولته لديها ديون على سوريا ويجب أن يتم إعطائها أراضي مقابلها، لذلك تم رصد شراء نحو ٦٠٠ قطعة أرض في ريف دمشق الغربي من قبل شخصيات مدعومة من إيران، فشراء العقارات أولوية لدى إيران بالإضافة لتهريب المخدرات الذي يقدم دعمًا اقتصاديا كبيرا للنظام السوري ولإيران، ويعملون على تجنيد الميليشيات مقابل المال حتى يقوموا بأعمال أمنية أيضا للتخلص من قادة وعناصر المعارضة السابقين بالمنطقة.
وبيّن أبو نقطة أن إيران تعمل من خلال أجهزة النظام السوري على تهجير ما يمكن تهجيره من فئة الشباب من الجنوب منذ نحو خمس سنوات من سيطرة النظام على درعا والقنيطرة وأيضا السويداء حتى تكون المنطقة مفككة خالية من الشباب ويسهل قضمها من قبل الميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني والنظام السوري.
من التموضع الميليشياوي إلى العسكري
قال الباحث السوري، مصطفى النعيمي، إن هناك ملامح لانتقال نشاط طهران في سوريا من مرحلة التموضع الميليشياوي إلى العسكري، وهو ما بات واضحا في الضربة الاسرائيلية قبل أيام حيث أكد مصدر إسرائيلي أن الضربة التي استهدفت دمشق وريفها تأتي بعد رصد التجهيز لنصب منظومات دفاع جوي إيرانية في المناطق التي تتموضع فيها إيران بعد تبادل الاتهامات من قبل الإيرانيين والسوريين حول تشغيل منظومات الدفاع الجوي السورية من عدمه أثناء الغارات الإسرائيلية فايران تسعى لأن تمتلك قرار التشغيل من عدمه وفق تقييمها للمشهد ميدانيا بعيدا عن التفاهمات مع النظام السوري.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن روسيا أيضا لا تفعل منظومات دفاعها الجوية أثناء تنفيذ الغارات لذى يرى العديد من المحللين العسكريين الموالون للنظام السوري أن إيران تقحم منظومات الدفاع الجوية في معارك خاسرة للدفاع عن أهداف خاصة بها وان إسرائيل باتت تستنزف منظومات الدفاع الجوية للنظام السوري.
وتابع أن إيران تسعى لاستنزاف من تصفهم بخصومها في الساحة السورية من خلال الاشتباك على الأراضي السورية وذلك بعد ما أثبتته قدرة إيران في العبث في الجغرافية العربية والحرب بين الحروب والأرض السورية باتت مسرحًا لتنفيذ تلك الرغبات الإيرانية التي تبعد شبح الضربات الجوية عن المفاعلات النووية الإيرانية.
مشروع القطار الاجتماعي الطائفي
من جانبه أشار هيثم البدوي، الكاتب والباحث السياسي والاجتماعي السوري، إلى أنه ضمن مخطط التغيير الديمغرافي أسكنت طهران ميليشاتها في ضواحي دمشق كالسيدة زينب وفي المنطقة الشرقية المتصلة مع العراق مرورا بحمص وصولا إلى حدود لبنان لتشكيل قطار اجتماعي شيعي كما عززت وجودها بحلب ما أثار حفيظة تركيا التي سعت أيضا لتغير التركيبة السكانية ببعض المناطق الحدودية.
ولفت البدوي إلى أنه ضمن مخطط مقصود للانتقام وتغيير ومحو التاريخ، تم افتعال حرائق في المناطق والتجمعات التاريخية في دمشق وأسواقها التراثية من أجل الفوز بعقود إعادة الأعمار والسيطرة عليها وتنظيمها كما حدث في مناطق بساتين كفرسوسة والمزة التي سيطرة إيران عليها عبر عقود إعادة الاعمار، فقد حصلت طهران على ٣ عقود إعمار حاليا.
وأوضح أن هناك أخبار غير رسمية تشير لدخولها كمستثمر عبر شخصيات وشركات مختلفة منها مشغل خدمة الهاتف النقال أخيرا، فمن الصعب الحصول على المعلومات من المصادر الرسمية كون العقود الموقعة أقرب لعمل أمني من كونه عمل اقتصادي.
وأضاف في تصريحات لـ”أخبار الآن” أن من يقف خلف موجة الحرائق يمكن معرفته من خلال معرفة المستفيد و المتضرر منها، فأغلب المتضررين هم السكان الأصليون الذين يُمنعون من العودة لبيوتهم أو ترميمها كونها مناطق تراثية وتاريخية وبالتالي تحتاج لمهنية وكفاءة بالاعمار.
وقال البدوي إن أغلب هذه الحرائق المتكررة وقعت في أوقات متقاربة، وكانت حكومة النظام ترجع أسبابها لماسّ كهربائي، فيما يتم تجاهل أسباب بعضها، ما يثير الشك في كونها مدبّرة ضمن هذه المنطقة التي تنشط فيها أذرع إيران (خاصة الزينبيون) ووكلائها العقاريين، لإجبار الدمشقيين على بيع محالّهم وعقاراتهم.
وتابع أن هناك ضغوط على السكان لبيع أملاكهم لصالح رجالات إيران عبر وكلاء محليين ما يجعل الملكية تؤول إليهم كمرحلة أولى للسيطرة وإعادة الإعمار، فالمنطقة باتت مهمة لدى السفارة الإيرانية لقربها من مقام السيدة رقية، الواقع جنوبي الجامع الأموي في حي العمارة، والذي ترعى توسيعه لكنها تصطدم برفض أصحاب المحال والبيوت التخلي عن ممتلكاتهم، رغم الإغراءات المالية الضخمة، وكشف فراس طلاس، نجل نائب وزير الدفاع الأسبق، أن الأفرع الأمنية التي باتت تحت سيطرة إيران تقف خلف عمليات البيع.
وأفاد البدوي أنه خلال الانشغال الروسي بالحرب الأوكرانية دخلت إيران لميادين كانت ممنوعة عنها كالسيطرة على بعض الافرع الأمنية، كما خفت قبضة القطع العسكرية الموالية لروسيا بسبب الحرب، لكن لم يسلم الروس سوريا للإيرانين كما يظن البعض، لأن إيران غير قادرة على قيادة الملف السوري سياسيًا لذلك مازالت حصة روسيا محفوظة، لكن بسبب الانشغال الروسي تسارعت خطوات إيران للسيطرة خاصة أنها تستخدم أسلوبا مغايرا للسيطرة الروسية، فروسيا لا تسعى لإحداث تغيير اجتماعي ولا تنظر للأمر من هذه الزاوية فحساباتها ترتبط بالحسابات الدولية، أما إيران فتعتمد تغيير التركيبة السكانية والبنية الاجتماعية والدينية طويل الأمد.
واختتم البدوي حديثه قائلا :سيصحو العرب يوما ويتفاجأون من حجم التغلغل الإيراني، وقد تضاربت مصالح الطرفين قبل ذلك لكن بعد بدء الحرب الأوكرانية عززت إيران موقفها بسبب انشغال روسيا، وبسبب أيضًا القرب الجغرافي والتهدئة مع العرب.
وصفة لعدم الاستقرار
صرح الدكتور عمار قحف، رئيس مركز عمران للدراسات، بأن التوازن السياسي والاستراتيجي بين الدول الرئيسية يشكل عنصرًا محوريًا في تشكيل مسار الأحداث واتخاذ القرارات في السياق الحالي للشرق الأوسط، فمنذ بداية الصراع في سورية، ظهرت العديد من القوى الإقليمية والدولية كلاعبين رئيسيين في المعركة السورية، ومن بين هذه القوى، كانت إيران من الأطراف الأكثر نفوذًا وتأثيرًا في الساحة السورية.
وأضاف في تصريحات لـ”أخبار الآن” أن عام 2023 شهد ترميم علاقات النظام مع العديد من الدول العربية، ولكن لا يمكن تجاهل قدرة إيران على التدخل والتأثير في سياسات النظام السوري، خاصة فيما يتعلق بإعادة بناء العلاقات مع الدول العربية مثل الإمارات والمملكة العربية السعودية، إذ تستند طهران إلى توغلها العميق في سوريا خلال العقد الماضي في مختلف القطاعات، وبالتحديد وباختصار في القطاعات التالية؛ فبالنسبة للنفوذ العسكري والأمني، دعمت إيران وحليفها حزب الله اللبناني النظام السوري عسكريًا خلال أعوام القتال المسلح في سورية في العديد من الجبهات وبشكل غير محدود، مما جعلها حليفًا أساسيًا على الصعيد العسكري، كما ان وجود وحدات من الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الأجنبية المدعومة من إيران في سوريا حتى يومنا هذا يعني أن إيران ما زالت تملك نفوذًا عسكريًا كبيرًا على الرغم من انحسار الجبهات، وهذا النفوذ قد تستخدمه ايران أداة من اجل الضغط والتفاوض خلال المحادثات مع الدول العربية.
وتابع أنه فيما يخص الاستثمارات الاقتصادية، فمشاركة إيران في إعادة إعمار سوريا بعد الحرب – من مشاريع البنى التحتية، والطاقة، إلى تأمين عقود إيجار طويلة الأمد لموارد حيوية – تعني أن مستقبل سوريا الاقتصادي، إلى حد ما، مرتبط بالاستثمار الإيراني، ويتيح هذا النفوذ الاقتصادي لإيران القدرة على التأثير في قرارات السياسة السورية.
وأردف أنه بالنسبة للروابط الثقافية والدينية، فمن خلال الترويج للمذهب الشيعي وإنشاء المراكز الثقافية وتجديد المواقع الدينية في سوريا، فرضت إيران الى حد ما نسيجًا اجتماعيًا دينيًا يمكن استخدامه للتأثير في الرأي العام وبالتالي، في سياسات النظام السوري.
ولفت قحف إلى أنه فيما يتعلق بمسألة الاندماج في الهياكل المحلية، تمكنت إيران من دمج نفسها في هياكل الحكم والإدارة السورية، مما جعل نفوذها مستدامًا أو صعب المساس به، فإنشاء المجالس المحلية المدعومة من إيران يعني أنها لديها قوة وسيطرة على مستوى الاساسات الإدارية، مما يسمح لها بتوقع وتشكيل القرارات السياسية المحلية والوطنية.
وفيما يخص النفوذ السياسي، أكد قحف أن طهران استطاعت من خلال الحلف الوثيق بينها وبين النظام السوري قبل وبعد ٢٠١١ أن تصبح لها كلمة كبيرة في قرارات السياسة الخارجية السورية، كمان أن التوجه الاستراتيجي لمصالح البلدين في المنطقة يضمن أن سوريا ستأخذ في الاعتبار موقف إيران عندما تبني علاقات مع الدول العربية الأخرى.
وبالنسبة للديناميات الإقليمية، أشار فحف إلى أنه نظرًا للتوترات التاريخية بين إيران ودول الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية، فإن أي خطوة من سوريا لتعزيز العلاقات مع هذه الدول ستُرى من خلال عدسة هذه الديناميات الإقليمية، وسيضطر النظام السوري إلى النظر في كيفية تأثير قراراتها على علاقتها بإيران، نظرًا للاستثمارات الكبيرة التي قامت بها إيران في سوريا، سواء عسكريًا أو اقتصاديًا.
واعتبر رئيس مركز عمران للدراسات، أن النفوذ الإيراني وصفة لعدم الاستقرار، فمن الضروري أن نأخذ في الاعتبار الأحداث التي وقعت في المناطق المجاورة لسوريا، مثل العراق ولبنان؛ إذ كانت التدخلات الإيرانية، سواء المباشرة أو غير المباشرة، في هذين البلدين من الأسباب الرئيسية وراء عدم الاستقرار، وأسهمت في خلق فوضى، تعزيز النزاعات الطائفية، وتوليد مشكلات أمنية تتجاوز الحدود، التي قد تستغلها إيران في المستقبل.
واختتم حديثه قائلا إنه بينما قد يرغب النظام السوري في تشكيل مسار بشكل مستقل في إعادة بناء العلاقات مع دول مثل الإمارات والمملكة العربية السعودية، فإن التوغل المتعدد الجوانب والعميق لإيران في سوريا سيلعب دورًا حتميًا في تشكيل هذه القرارات.
من جهته قال الدكتور معن طلاع، الباحث بمركز عمران للدراسات، أن خريطة المشتراة من إيران مرتبطة بخط النقل على طول خط النقل بين إيران وسوريا والعراق بالإضافة إلى أماكن محددة داخل العاصمة في أماكن تعد قلب العاصمة بالإضافة إلى التواجد في مزراع شبعا والقنيطرة وخط الجنوب عموما.
وأضاف في تصريحاته لـ”أخبار الآن” أن التوغل الإيراني في شراء العقارات له غايتان مرتبطتان بتوفير سكن وبيئات آمنة للنقل الإيراني سواء هذا النقل كان أسلحة أو تنقل شخصي لأنه في بعض الأماكن مثل تدمر هناك فكرة ابناء مدينة صناعية متكاملة.
الثاني هو مرتبط أيضا بشبكات المخدرات وشراء عقارات في محيط السويداء ودرعا والقنيطرة وجعلها أماكن لانتاج المخدرات ومن جهة أخرى يفهم تفسير هذا الوجود عموما وان كان اكتسب بُعدًا مدنيًا سياسيا عقاريًا، هذا يفهم بعد ٢٠١٨ ضمن سياسة إعادة التموضع ولكن بعيون امنية، فالتموضع الإيراني عموما ينتشر على خطوط النقل وينتشر ايضا على محيط الجنوب.
وتابع أنه في مسألة مدى سيطرة النظام على قراراته، فالرئيس نظريًا بحكم قوانين الدولة فهو يتحكم بالعديد من الصلاحيات لأن الدستور يعطيه تضخم هائل في الصلاحيات ناهيك عن أنه أيضا قائد القوات المسلحة ويتحكم في هندسة وتوزيع الضباط وفق عناصر الولاء وخدمة مصالح النظام بنهاية المطاف لكنه مضطر لإدارة توازنات مع إيران التي استثمرت وانقذت النظام ماليا وعسكريا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أيضا قرارات في الدولة السورية لها آلية ولها روتين معين، وتجد الإيرانيين موجودين في العديد من هذه الوزارات سواء في وزارة الاعلام وزارات أخرى وزارة المحلية وزارات مثل الدفاع وغيره وبالتالي القرار جزئياته التفصيلية والتراتبية من تحت لفوق فهو فيه تدخل إيراني.
وتابع أن التحكم الإيراني هو استحكام افقي ليس بشكله المباشر المعروف أنه هناك أمر موجه للنظام بقدر ما هو امتلاك أقنية صنع القرار وأيضا بحكم حاجة النظام لايران وإدارة النظام وتوازناته، وفي في هذه العلاقة مع النظام يكون السفير الإيراني في دمشق هو المهندس الحقيقي لصنع القرار، فتراه يجتمع مع كل الوزارات الخدمية والسياسية والأطياف السياسية وحزب البعث، ويقوم بمهام وكأنه رئيس مجلس وزراء سوريا.
رغم المصالحة.. إيران باقية وتتمدد
بعد عودة سوريا للجامعة العربية عقب غياب دام 12 عامًا في مايو الماضي، دون أن يتم إعلان تفاصيل خارطة الطريق التي بنيت على أساسها هذه العودة، ركزت التصريحات والبيانات العربية على مسألة سيادة سوريا ووحدة أراضيها وتحقيق الأمن والاستقرار، في إشارة إلى ضرورة إنهاء الوجود الإيراني الميليشياوي الذي يهدد أمن المنطقة بكاملها وليس السوريين فقط.
أخذت الميليشيات التابعة لطهران في إنزال راياتها والعلم الإيراني المرفوع في مواقع عديدة في أرجاء سوريا، لكن يبدو أن الأمر اقتصر على هذا الإجراء الشكلي في ظل استماتة الولي الفقيه على التشبث بنفوذه هناك بعدما تكلف في سبيله فاتورة باهظة من الأموال والدماء، فلا يُتصور أن يتخلى عنه بسهولة بعد أن اقترب موعد قطف الثمار الذي انتظره لسنوات طويلة.
وقد اتخذت جامعة الدول العربية خطوة إعادة العلاقات مع سوريا بهدف انتشالها من النفوذ الإيراني رغم التحفظات الشديدة على سلوك النظام ومواقفه، لكن يبقى نجاح هذا الهدف رهن بإعادة اندماج سوريا في المجتمع الدولي واتخاذها خطوات جادة للابتعاد عن المحور الإيراني والتجاوب مع مبادرة أشقائها العرب.
وفي حال أضاع النظام استغلال هذه الفرصة بمحاولة التلاعب والمماطلة فستستمر إيران في تقويض سوريا ونظامها أيضًا، فالأخطر لم يأت بعد، فالماكينة الإيرانية تهدر ليل نهار لمسابقة الزمن لتغيير وجه الدولة والمجتمع السوري، فالوقت في صالحها لكن الغد غير مضمون وحليف اليوم غير مأمون، فالارتكان لود رئيس النظام وامتنانه أوهى من بيت العنكبوت، لذلك تظل طهران تسابق الزمن لتثبيت وجودها على الأرض السورية كي تضمن أن تظل باقية وتتمدد.