بوتين ومرتزقة فاغنر علاقة الضرورة تتحول إلى حرب
على مدى سنوات، نأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنفسه عن مجموعة المرتزقة الروسية الخاصة فاغنر، لكن السيناريو غير المتوقع الذي واجهه مع بداية غزوه لأوكرانيا وضعه في موقف لايحسد عليه، فالجيش النظامي فشل في تحقيق المطلوب بعد أن اعتقد بوتين أنها مسألة ساعات ويصل إلى قلب كييف.
تطورات الحرب في أوكرانيا أجبرت بوتين على الاعتراف باعتماد الدولة الروسية على المرتزقة وتحديداً مجموعة فاغنر التي يتزعمها طباخه يفغيني بريغوجين.
نستعرض معكم في هذا التسلسل الزمني لأبرز المحطات التي تفضح التضليل الروسي حول حقيقة دور فاغنر:
نشأة فاغنر
تأسست المجموعة العسكرية على يد الضابط الروسي السابق ديمتري أوتكين المولود عام 1970، والذي شارك في حربي الشيشان الأولى والثانية، وخدم قائدا لفرقة العمليات الخاصة “سبستيناز” في اللواء الثاني التابع للمخابرات الروسية العسكرية، وقد ترك الخدمة عام 2013 وعمل في شركات أمنية للحماية، ثم أسس شركة فاغنر عام 2014.
كان دور أوتكين قيادة المجموعة عسكريا وميدانيا، وبعد توسع نفوذها في سوريا برز اسم رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين ممولا رئيسيا لفاغنر.
لم يكن لبريغوجين أي خلفية عسكرية أو أمنية، وكل ما يعرف عنه أنه قضى فترة من عمره بالسجن نتيجة للاحتيال والسرقة وبعد خروجه أصبح مديرا لمطاعم راقية، ثم أصبح المتعهد لتوريد الطعام إلى الكرملين فلقب باسم “طباخ بوتين”.
الظهور الأول
لسنوات عديدة نفى بريغوجين صلته بمجموعة المرتزقة العسكرية فاغنر، بل رفع دعوى قضائية ضد الصحفيين الذين زعموا أنه أسسها.
لكن في عام 2022 أقر بريغوجين بأنه أسس مجموعة “فاغنر” شبه العسكرية عام 2014 للقتال في أوكرانيا، وأن عناصر منها ينتشرون في أفريقيا وأمريكا اللاتينية خصوصا.
وظهرت فاغنر لأول مرة في شرق أوكرانيا في عام 2014، حيث ساعدت الانفصاليين المدعومين من روسيا في السيطرة على الأراضي الأوكرانية وفي إنشاء جمهوريتين منفصلتين في منطقتي دونيتسك ولوهانسك.
لكن في تلك الفترة نفى بوتين علمه بوجود فاغنر أصلاً ودورها في السيطرة على شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا، لكنه عاد واعترف بأن الرجال الذين يرتدون زيا مموهاً غريباً كانوا في الواقع قوات روسية، وليس “وحدات محلية للدفاع عن النفس”.
وينطبق الشيء نفسه على الدعم الروسي السري للانفصاليين في منطقة دونباس في شرق أوكرانيا منذ عام 2014 فصاعداً.
وقال لصحفي أوكراني في مؤتمره الصحفي السنوي في عام 2015: “لم نقل أبدًا أنه لا يوجد أشخاص يتعاملون مع مسائل معينة، بما في ذلك في المنطقة العسكرية، لكن هذا لا يعني أن القوات الروسية النظامية موجودة هناك”.
فاغنر في سوريا
وكما نفى علاقته بفاغنر ونشاطها في أوكرانيا في البداية، نفى الكرملين أي صلة له بقوات فاغنر التي بدأت تنشط في سوريا منذ عام 2015 حيث قاتلت إلى جانب القوات الموالية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، ويتمركز وجودها حول حقول النفط في مدينة دير الزور.
وقد ظهر دورها حين ساندت القوات الموالية للأسد لاستعادة مدينة تدمر من تنظيم داعش عام 2016، وخسرت فاغنر حينها 32 مقاتلا من أصل 2500 شاركوا في القتال.
وقد تلقت فاغنر خسائر بشرية في سوريا من أشهرها ما حدث عام 2018 حين تعرض أفرادها للقتل على يد القوات الأمريكية والتي نفذت غارة ضدهم، بعدما حاول مرتزقة فاغنر شن هجوم على قوات التحالف.
ونفت حينها روسيا معرفتها بالحادث كما نفت القيادة الروسية علاقتها بهذه المجموعة من الجنود أو معرفتها بالمخطط الذي حدث.
وقال متحدث باسم الكرملين في نفس العام إنه لا توجد شركات عسكرية خاصة في روسيا.
فاغنر في أفريقيا
تنتشر أعداد من قوات فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى منذ عام 2017 لحراسة مناجم الألماس والذهب، ويتوزع وجودها بين مدغشقر وموزمبيق. وقد دعيت إلى مالي من قبل الحكومة لتوفير الأمن في الدولة ضد الجماعات المسلحة.
واعتبرت وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2020 أن وجود مجموعة فاغنر في أفريقيا يمثل غطاء لشركات التعدين المملوكة لبريغوجين.
لكن كالعادة نفى بوتين علاقة الحكومة الروسية بالأمر وقال بوتين أمام مشاركين في الاجتماع السنوي لنادي فالداي للحوار (21 تشرين الأول/أكتوبر 2021)، “إنهم لا يعكسون مصالح الدولة الروسية”.
وفي مدينة سوتشي المطلة على البحر الأسود قال بوتين، إن فاغنر “شركة خاصة لديها مصالح خاصة مرتبطة باستخراج موارد الطاقة ومختلف الموارد مثل الذهب والأحجار الكريمة”.
لكن إذا تضاربت أنشطتها مع “مصالح الدولة الروسية… بالتأكيد يجب أن نتصرف”، وفق تصريحات الرئيس الروسي آنذاك.
الغزو الروسي لأوكرانيا
شاركت فاغنر في الغزو الروسي لأوكرانيا، واعتمدت عليها القوات الروسية على نحو كبير بسبب الخسائر الفادحة التي وقعت في صفوفها، وقد أشارت وزارة الدفاع البريطانية إلى أن أول تدخل لقوات فاغنر في الحرب الأوكرانية كان في نهاية مارس/آذار 2022 بعد تصاعد وتيرة القتال بين الطرفين.
وبعد أعوام من الإنكار والتنصل من أي علاقة تربط الدولة الروسية بمجموعة المرتزقة، أقر بوتين، أن روسيا مولت فاغنر بالكامل، وأنفقت 86 مليار روبل (مليار دولار) عليها في الفترة ما بين مايو/أيار 2022 والشهر نفسه من ذات العام.
Putin admits the Wagner Group was fully financed by Russia.
"We fully financed this group from the federal budget. Just from May 22 until May 23 the state paid Wagner companies 86,262,000,000 rubles [about 1 billion USD] for cash support and incentive payments." pic.twitter.com/NbrnG26dpj
— Jane Lytvynenko (@JaneLytv) June 27, 2023
وعلق تقرير صادر عن معهد دراسة الحرب (ISW) على أن بوتين بدا “ملتزمًا تمامًا بتجنيد قوات غير نظامية لتجنب استدعاء التعبئة”.
ما بعد انقلاب فاغنر
بعد أسابيع من محاولة التمرد المسلح التي قادها بريغوجين ضد بوتين والتي كشفت عن تصدعات في نظام حكم الرجل الواحد في روسيا،
شن الكرملين حملة علاقات عامة، والرسالة بسيطة: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسيطر بقوة.
وفي مقابلة مع صحيفة الأعمال الروسية اليومية كوميرسانت، وصف بوتين اجتماعًا استمر ثلاث ساعات مع قادة فاغنر، بما في ذلك زعيم المجموعة يفغيني بريجوزين، بعد أيام فقط من محاولة الانقلاب.
وقال بوتين عندما سُئل عما إذا كانت فاغنر ستبقى كوحدة قتالية: “إن فاغنر غير موجود”. “ليس لدينا قانون للمنظمات العسكرية الخاصة، أنها ببساطة لا وجود لها”.
وكرر بوتين، هذه النقطة خلال المقابلة قائلاً: “لا يوجد مثل هذا الكيان القانوني”.
فاغنر ليست الوحيدة
استخدام الشركات العسكرية الخاصة في روسيا من قبل الرئيس فلاديمير بوتين ليس جديدًا، فهو يعتمد على الممارسة الروسية التي استمرت لقرون، ولكن الشيء المختلف هو كيف بدأ ميزان القوى يتغير؟
فمنذ أكثر من ثلاثين عاما، وتحديدا في عام 1992، تم إنشاء أول شركة عسكرية خاصة في روسيا، وتحمل اسم (Tsar’s Wolves) وتبع ذلك تشكيل 5 شركات أخرى حتى عام 2013.
وفي أعقاب ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014، ثم غزو جارتها أوكرانيا في فبراير 2022 ، تزايد معدل انشاء “وحدات جديدة شبيهة بالشركات العسكرية الخاصة”، نظرا لحاجة بوتين، إلى المزيد من القوة البشرية.
ففي روسيا حاليا 37 شركة عسكرية خاصة روسية، 27 منها كانت نشطة بالفعل، و11 منها ظهرت إلى حيز الوجود منذ غزو أوكرانيا عام 2022، حسب موقع “molfar“.
وإحدى تلك الشركات الجديدة تسمى “باتريوت”، وتم تشكيلها في عام 2018، وهي مملوكة لوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، وتقاتل حاليا في أوكرانيا.
وشكلت شركة الطاقة الروسية العملاقة “غازبروم”، ما لا يقل عن خمسة “جيوش خاصة”، وشارك في تمويلها عدد من الأوليغارش المرتبطين بالكرملين، ومنهم أندريه بوكاريف، وأوليغ ديريباسكا، وتاجر النفط الدولي غينادي تيمشينكو، حسب موقع “spectator”.
ويبرز تتداخل الأوليغارش الروس في تمويل تلك الشركات العسكرية في مدى أهمية المردود المالي لتلك ”المجموعات العسكرية الخاصة” بالنسبة لطبقة الأوليغارش المرتبطة بالكرملين، والتي تسعى لبناء “جيوش خاصة ثم تعمل على إعادة تأجيرهم إلى الدولة الروسية مرة أخرى”.
وتعمل تلك الشركات العسكرية الروسية الخاصة حاليا أو كانت نشطة مؤخرا في أكثر من 30 دولة، حسب “molfar”.
ليظهر اعتماد بوتين والكرملين على تلك المجموعات العسكرية واضحًا وجليًا بعد أن حاول بوتين مرارًا وتكرارًا إنكار ذلك، وهو ما فضحه غزو أوكرانيا فبعد أن كان يتوهم الرئيس الروسي أن غزو أوكرانيا لن يستغرق مدة من الزمن إلى أن الصمود الأوكراني ضد العدو الروسي، أجبر بوتين ورجالات الكرملين على فضح ما حاولوا إخفاءه طيلة سنوات.