منها تزوير وفاته.. سيناريوهات محتملة لمقتل زعيم فاغنر
- بريغوجين زوّر مقتله خلال السنوات الخمس الماضية
- التحليلات تتضمن احتمالية ضئيلة بوقوف كييف وراء تحطم طائرة بريغوجين
أثارت أنباء وفاة زعيم مجموعة فاغنر الروسية، يفغيني بريغوجين، إثر تحطم طائرة في شمالي موسكو الأربعاء، الكثير من التكهنات حول مُستقبل المجموعة، وأسئلة بخصوص من سيحل محله، وما السيناريوهات المتوقعة بعد الحادث الذي توفي فيه 8 أشخاص بجانب بريغوجين وساعده الأيمن ديميتري أوتكين.
وفي هذا الإطار، استعرضت “بي بي سي” العديد من النظريات حول مقتل بريغوجين، والتوقعات المستقبلية الخاصة بالمجموعة العسكرية الروسية بعد الحادثة.
النظرية الأولى: الكرملين استهدف طائرة بريغوجين
ومن ناحيته، قال مُحرر الشؤون الروسية في قسم المتابعة الإعلامية لدى “بي بي سي”، فيتالي شيفتشينكو، إن: “البيئة الإعلامية “المُقيِّدة” في روسيا تُظهر العديد من الأحداث السياسية والعسكرية وكأنها “نظريات مؤامرة”، فلا يوجد تصريحات من المسؤولين حتى اللحظة، وهذا ما يساعد على نشر العديد من الشائعات المتداولة بشأن مقتل بريغوجين.
وآخر التقارير من مصادر وتقارير غير مؤكدة في موقع تحطم الطائرة تقول إنه تم انتشال جميع الجثث العشرة من موقع الحادث والتعرف على جثته مستندين إلى أن إحدى الجثث تفقد إصبعاً واحداً، كما كان من المعروف أن بريغوجين يفقد إصبعاً واحداً، بالإضافة إلى العثور على هاتف بريغوجين مرمياً على الأرض في موقع الحادث، بحسب قسم المتابعة في بي بي سي.
وقالت هيئة الطيران الروسية إن الطائرة المحطمة من طراز إمبراير. وتم ربط طراز ليغاسي 600 من هذا المصنع منذ فترة طويلة ببريغوجين. ورقم التسجيل الخاص بها هو: RA-02795.
يعتقد شيفتشينكو أن احتمالية أن الكرملين نفّذ الهجوم واردة جداً، ومن خلالها أراد بوتين إعادة تأكيد سلطته، التي رأى العديد ضعفها، خصوصاً بعد تمرد فاغنر في 23 و24 من يونيو حزيران 2023.
وهذه الرواية تقول إن الطائرة تحطمت خلال توجهها من مطار شيريميتيفو في موسكو إلى سان بطرسبورغ، وهي طائرة خاصة لرجال الأعمال، تحطمت في مقاطعة تفير شمالي العاصمة موسكو. ونقل أنه قُتل جميع من كان على متنها.
ونقلت وكالات “ريا نوفوستي” و”تاس” و”إنترفاكس” عن وكالة النقل الجوي الروسية “روسافياتسيا”، أن اسم بريغوجين ورد على قائمة ركاب الطائرة.
ورأت بعض فرق التحقيقات على الأرض وجود آثار دخان خلفتها الصواريخ في السماء التي يُعتقد أن تكون وراء سقوط الطائرة خصوصاً مع ثقوب في حطام الطائرة.
النظرية الثانية: بريغوجين زوّر وفاته
ويرى شيفتشينكو أنه من الآمن أن نفترض أن بريغوجين كان يعلم بأنه سيواجه مصير القتل وربما حاول من خلال تزوير وفاته أن يخلّص نفسه من كونه على “لائحة المطلوبين” لدى الكرملين.
وتشرح الصحفية أولغا روبنسون من قسم التحقق التابع لـبي بي سي قائلة إن بريغوجين كان بالفعل قد زوّر مقتله خلال السنوات الخمس الماضية مرتين على الأقل، بتحطم طائرة، وظهر بعد ذلك بشكل طبيعي على الإعلام مجدداً.
ففي عام 2019، تم الإعلان عن مقتله في حادث تحطم طائرة في 13 أكتوبر تشرين الأول في الكونغو، ولكنه عاد للظهور بعدها، والمرة الثانية في عام 2022 خلال الحرب الروسية الأوكرانية.
لكن هذه المرة، تتوفر لدينا المزيد من المعلومات التي تشير إلى وفاته من وكالة الطيران الروسية التي أدرجت اسمه في القائمة من ضمن المسافرين.
ومن المعطيات المتوفرة لدينا حتى اللحظة، تفيد مصادر مجهولة عديدة بأنه من المرجح أن يكون قد قُتل بالفعل هذه المرة.
النظرية الثالثة: بريغوجين بطائرة أخرى بالتزامن مع الحادث
ومن بين السيناريوهات المطروحة أيضًا، قال مُحرر الشؤون الروسية في قسم المتابعة الإعلامية لدى “بي بي سي”، إن: “بريغوجين سيد التلاعب والخداع”.
وفي هذا الإطار، أظهر قسم التحقق في بي بي سي وجود تكهنات بأن بريغوجين كان يسافر على متن طائرة أخرى، مسجلة باسم RA-02748.
وتربط العديد من وسائل الإعلام هذه الطائرة برئيس فاغنر.
وفي الأشهر الأخيرة، قامت بعدة رحلات من وإلى موسكو وسان بطرسبرغ، والتقطت صورها عدة مرات من قبل وسائل الإعلام المحلية في بيلاروسيا، حيث يُعتقد أنها مقر فاغنر الآن، بحسب ما ورد إلينا من معلومات.
وتقول روبنسون إنه وبالرغم من الاحتمالية الكبيرة بأن يكون بريغوجين قد قُتل بالفعل، إلا أن التقارير تفيد بوجود طائرة أخرى كانت تابعة لبريغوجين تحلّق في ذات اليوم الذي تحطمت فيه الطائرة الثانية.
“تُظهر سجلات الرحلات الجوية – التي يتعذر الوصول إليها بشكل تام – أن الطائرة الأخرى غادرت سانت بطرسبرغ في وقت سابق من يوم الأربعاء وتوجهت نحو موسكو. وذكرت قنوات تطبيق تليغرام أنه في نفس الوقت كانت طائرة أخرى مرتبطة ببريغوجين في الجو من سانت بطرسبرغ، واختفت بشكل درامي، لكنه يقال إنها حطّت في مطار خاص بالقرب من مطار أوستافييفو في موسكو وهناك أنباء عن تحليق الطائرة ذاتها من موسكو إلى باكو يوم الخميس”، بحسب روبنسون.
النظرية الرابعة: الأوكرانيون أسقطوا الطائرة
بحسب شيفتشينكو، فإن التحليلات تتضمن احتمالية ضئيلة بوقوف كييف وراء حادثة تحطم الطائرة، لكنه يقول إن ذلك يتطلب مستوى لا يصدق من القدرة العسكرية، ومن غير المرجح أن يكون صاروخ أوكراني أو قذائف أوكرانية التي قامت بإسقاطها وقتل من كان على متنها.
وهناك شائعات متداولة تزعم أن مضيفة طيران قالت إن الطائرة بحاجة إلى إصلاح قبل الرحلة ومن المحتمل أنه يتم العبث بنظام الطائرات.
لكن روبنسون تقول إن معظم المعطيات والسيناريوهات المقترحة تفيد إلى حد كبير بازدياد الثقة بمقتل زعيم فاغنر ونائبه في تحطم الطائرة، لكن لم يصدر أي معلومة مؤكدة أو رسمية بعد.
تقول الدكتورة جوانا دي ديوس بيريرا، الباحثة في المعهد الروسي الملكي للخدمات المتحدة، لبرنامج “العالم الليلة” الذي تبثه بي بي سي، إن وفاة بريغوجين ستؤدي على الأرجح إلى “تغيير معين” في عمليات فاغنر. وترى أن عمليات فاغنر ستستمر بشكل عام على الأرجح بنفس الطريقة التي كانت عليها تحت قيادة بريغوجين.
وقالت: “فاغنر ستستمر في المستقبل على الأرجح باسم آخر، فهي أثبتت بالفعل أن لديها القدرة على التكيف والتحول”.
يوم جيد لأعداء روسيا
ويرى مراسل بي بي سي للشؤون الأمنية، فرانك غاردنر أنه إن تأكدت وفاة يفغيني بريغوجين العنيفة، فلن يتم الحداد عليه في كييف، ولا في حلب، ولا في مالي، حيث تقول جماعات حقوق الإنسان إن قوات فاغنر نفذت مذابح راح ضحيتها مئات المدنيين.
وبعد مرور ثماني سنوات على تأسيسها، اكتسبت مجموعة فاغنر سمعة مخيفة بسبب وحشيتها داخل وخارج ساحة المعركة.
وفي أوكرانيا، حيث ربما أصبحت قواتها القوة القتالية الأكثر فعالية في روسيا، فإنهم متهمون بارتكاب العديد من الفظائع التي ترقى إلى مستوى جرائم حرب.
وفي سوريا، تصرفوا لدعم الرئيس بشار الأسد المتهم بدوره بتعذيب وقتل الآلاف من معارضيه.
وفي أفريقيا، حيث كانت مجموعة فاغنر تقاتل ظاهرياً “المتمردين الإرهابيين”، اكتسبت المجموعة ثراءً من خلال الصفقات المربحة مع الحكومات التي توصف بـ”غير الديمقراطية”، كما حلّل غاردنر.
“وفاة متوقعة لكن استعراضية”
ويصف سامر إلياس، الصحفي الملم بالشأن الروسي من موسكو، وفاة بريغوجين بالـ”متوقعة” ولكنها “استعراضية” من أجل إعادة ظهور نفوذ الكرملين.
“سواء كان على متن الطائرة أم لا، فإن ذلك لا يغيّر من حقيقة أن بريغوجين انتهى ودوره تغيّر كلياً، وتم إبعاده عن قيادة فاغنر”.
نشرت صحيفة الغارديان مقالاً تقول فيه إن التقارير تشير إلى أن فاغنر، لم تعد موجودة كما كانت في السابق، وإن المئات من مقاتلي فاغنر نُفوا إلى قواعد في بيلاروسيا وغادروها، بينما انتقل آخرون للعمل في غرب أفريقيا.
كما انخفض عدد القوة العسكرية فيها، من أكثر من 5000، بنحو الربع.
ما هو مستقبل فاغنر؟
يرى شايان سردار زاده من قسم التحقق في بي بي سي أنه من الصعب التكهن بمستقبل فاغنر قبل تأكيد وفاة بريغوجين على الأقل. عندما يتم تأكيد ذلك، سيعرف فاغنر أن هذه هي النهاية بالنسبة لهم وأنها انتهت إلى الأبد. وهناك احتمال “رضوخ” بعض مقاتلي المجموعة للتعاون مع وزارة الدفاع الروسية.
ويقول فيتالي شيفتشينكو، محرر الشؤون الروسية في قسم المتابعة الإعلامية في بي بي سي، إن مستقبل فاغنر كان “موضع شك” حتى قبل تحطم الطائرة.
“كان من المفترض أن ينتقل بريغوجين إلى بيلاروسيا مما يعني نهاية فاغنر لأهدافه الأساسية (أي الحصول على مسامحة الكرملين) ولكن بريغوجين جعل النظام في موسكو يبدو ضعيفاً بشكل لا يصدق، ومنذ التمرد في حزيران، لم تنشط المجموعة. وكان على بوتين أن يفعل شيئاً لاستعادة السلطة”.
وعند سؤاله عن نهاية فاغنر، قال إنه من الصعب رؤية كيفية قدرة القادة المتبقين من إعادة فرض أنفسهم، خاصة عندما يريد الجانب الروسي منهم الرضوخ له.
يقول الصحفي سامر إلياس من موسكو إنه وبطبيعة الحال، وإن تأكد فعلا مقتل بريغوجين فإن ذلك يصب في مصلحة الكرملين، فبنظر الكرملين، بريغوجين خائن وأراد إعادة مشاهد ثورة 1917، وأن يُظهر بطريقة أو بأخرى “ضعف” نظام بوتين، فمن مصلحته أن يتم إبعاده عن الساحة.
“الكرملين كان قد اتخذ قراراً بعدم السماح لأي مجموعة عسكرية خاصة بالعمل. ولكن فاغنر ليست مجموعة عسكرية فحسب، بل مؤسسة تعمل على توسيع نفوذ روسيا وتنفيذ الأهداف الجيو-استراتيجية للكرملين في العالم. فلا يمكن الاستغناء عنها ومن مصلحة الكرملين الحفاظ عليها بشكل أو بآخر، وربما بتغيير قياداتها”، بحسب إلياس.
هدف الكرملين من فاغنر
“يهدف الكرملين من خلال فاغنر بـ”خلق عالم متعدد الأقطاب”، وعمليات فاغنر العسكرية كانت تلبي مطالبه في الخارج، من أبرزها في أفريقيا، وهذه المهمة لا يمكن الاستغناء عنها، لكن بوتين أراد “رأس جديد بدل بريغوجين” ليحقق أهدافه في الداخل والخارج”.
يرى إلياس أنها سوف تبقى ولكن بقيادة مختلفة عن بريغوجين لأنها “امبراطورية إعلامية كبيرة” للتأثير على الرأي العام داخلياً وخارجياً، من أبرز مهماتها كانت التدخل بالانتخابات الأمريكية والشأن السياسي الأفريقي، ويكمل بسؤاله: “فهل تستطيع القيادة الجديدة النهوض بوجه كل هذه التقلبات؟”.