بوتين تخوف من سخط مرتزقة فاغنر وزعيمها ضد الكرملين.. أسباب مُرجحة للانتقام
أثار تمرد مجموعة فاغنر في يونيو الماضي، بقيادة زعيمها يفغيني بريغوجين الكثير من التساؤلات حول نهاية الأخير، وطريقة انتقام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منه، بعدما زحف مرتزقة فاغنر التابعين لبريغوجين – الذي قُتل إثر تحطم طائرة خاصة شمالي العاصمة -، حيث زحفوا في الـ 24 من يونيو إلى موسكو في تمردٍ لم يدم سوى 24 ساعة، وفي إطار رصدنا لردود الفعل حول تبعات مقتل بريغوجين وكيفية تأثيره على البلاد التي تنشط فيها مرتزقته، قمنا برصد أهم التحليلات التي جاءت في مقدمة الصحف البريطانية لهذا اليوم.
والبداية من لصحيفة “The Times” البريطانية، والتي أشارت في تقرير لها إلى أن الكرملين لن يترك الأمر على حاله، لينتظر بوتين مُدة شهرين بالضبط، قبل أن يتم تدمير طائرة كان بريغوجين ومؤسس فاغنر ديمتري أوتكين على متنها، الأربعاء 24 أغسطس.
وإلى ذلك، ذهبت التوقعات، إلى أن التمرد، سيعقبه محاكمة بتهمة الخيانة ضد بريغوجين، لكن تردد بوتين، دفعه لتجريد زعيم فاغنر من صلاحياته بشكل تدريجي فقط. وهو ما أظهر بوتين بـ “مظهر ضعيف”، قبل أن يطلب قادة العالم من الكرملين، بـ “ردٍ أكثر صرامة”.
أسباب انتظار بوتين
وفي هذا الصدد، طرح تقرير لروجور بويز Roger Boyes، الكاتب والصحافي البريطاني والمحرر الدبلوماسي لدى صحيفة “ذا تايمز”، بعض الأسئلة، والتي كان أبرزها “لماذا انتظر بوتين كل هذا الوقت للانتقام؟، وما الذي تغير بالمشهد السياسي في روسيا على مدار الأسابيع الـ 8 الماضية؟.
ووفقًا لبويز، يتمسك بوتين بحكمة شعبية تقول إن: “التأخر في الانتقام يزيد من قسوة الضربة”، فيما بدا بوتين أضعف، بعدما تجاهل الخطوة الأولى الحتمية بعد التمرد، وهي إخضاع المرتزقة لوزارة الدفاع الروسية.
أيضًا، يقول المحرر الدبلوماسي، إن: “بريغوجين كان يتمتع ببعض القوة التفاوضية، كما كانت هناك بعض عناصر من القيادة العسكرية العليا متعاطفة مع المرتزقة”.
كما أن احتمال التخلص من زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين، كان بمثابة “اقتلاع السن الفاسد”، وسوف يؤدي إلى إشعال عداء صريح بين وكالات الاستخبارات المتنافسة، ويُذكر أن التقارير الخاصة بالطائرة التي تحطمت، شملت وجود ضابط من المديرية الرئيسية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية ضمن قائمة الركاب.
علاوة على ذلك، كانت شركة فاغنر تُدِّر أرباحاً، وساعدت عملياتها في إفريقيا والشرق الأوسط روسيا في الاستيلاء على المناجم والمعادن المربحة.
أسباب الانتقام
وفي إطار الأسباب التي دفعت بوتين للانتقام من بريغوجين، فبحسب الخبير السابق لدى الكرملين والعالم السياسي المؤيد لبوتين، سيرجي ماركوف: “تكمن وراء الانقلابات أسباب جوهرية، وإذا بقيت هذه الأسباب قائمة، فقد يحدث الانقلاب مرة أخرى”.
وخلال الأسابيع الـ 8 الماضية، بدا كما لو أن رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، يحتفظ بمحاربي فاغنر بمُعسكرٍ داخل بلاده.
لكن ذلك، لم يكن مرضيًا بالنسبة لرئيس بيلاروسيا، وللكرملين أيضًا، حيث أن فاغنر الساخطة على النظام الروسي، والموالية لبريغوجين، باتت تُشكل مصدرًا لعدم الاستقرار، حتى وإن أُرسلت إلى المنفى كما حدث.
ما الذي تغير في روسيا من التمرد وحتى مقتل بريغوجين؟
وفيما يتعلق بالتغيرات التي شهدها المشهد الروسي خلال الأسابيع الماضي، منذ التمرد، وحتى مقتل بريغوجين، فقد تم إطلاق عملية تطهير صامتة لكبار الضباط، التي لم تشمل من أظهروا تعاطفاً بسيطاً مع قدامى المحاربين في فاغنر فحسب، بل طالت أيضاً أولئك الذين شاركوا شكاوى بريغوجين العلنية بشأن إدارة الحرب في أوكرانيا.
ميليشيات تتبع وزارة الدفاع الروسية
أيضًا، لجأت موسكو إلى التسلسل الهرمي العسكري التقليدي لإنهاء تأثير فاغنر كمجموعة ضغط ضد وزارة الدفاع الروسية.
أما التغيير الكبير الثاني الذي يجعل بريغوجين (سفرجي بوتين) كما هو معروف عنه في الكرملين- رجلاً عادياً؛ هو تأسيس ميليشيات تدفع أجورًا عالية مثل فاغنر، لكنها تابعة صراحةً لوزارة الدفاع.
الحفاظ على فاغنر
وبحسب تقرير روجور بويز، يُعد أحد أسباب الحفاظ على فاغنر، هو أنَّ قواتها يمكن أن تتولى تنفيذ هجمات مباغتة في الحرب ضد أوكرانيا، كما كان الأمل هو إلقاء اللوم على المرتزقة في ارتكاب الفظائع والحفاظ على الشرف المُفترَض للجيش الروسي.
وفي هذا السياق، سّلط الإجراء الذي اتخذته المملكة المتحدة ودول أخرى، فيما يخص إعلان مجموعة فاغنر، كمنظمة إرهابية، مدى الجُرم الذي صارت تتمتع به قوات بريغوجين، وضرورة محاسبتها.
هل يمكن لمقتل زعيم فاغنر أن يدفع الزعماء الأفارقة للتقرب من الكرملين؟
وباستكمال جولتنا في الصحف الإنكليزية، ومن التايمز إلى الغارديان، وفي تحليل لصحيفة الغارديان، أعده مراسلها في إفريقيا، جايسون بورك، بعنوان “هل يمكن لمقتل زعيم فاغنر أن يدفع الزعماء الأفارقة للتقرب من الكرملين”؟
ويقول الكاتب إن محللين يعتقدون أن مقتل بريغوجين الذي تتوارد الأنباء حوله قد “يعزّز يد الكرملين في إفريقيا بين الجهات الفاعلة القوية التي اعتمدت على شبكة فاغنر لتعزيز قوتها، وإقناع الآخرين الذين ربما يفكرون في القيام بنفس الشيء”.
وتقول إنريكا بيكو، مديرة مشروع إفريقيا الوسطى في مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة بحثية، إنه “لا تزال هناك حاجة إلى تحديد المسؤولية عن الحادث، ولكن ربما هذا هو الشيء الذي سيجعل القادة الأفارقة أقرب إلى الكرملين.. (إنه) استعراض للقوة والنفوذ والقيادة ربما سيقدّره العديد من القادة الأفارقة ويرون أنه أكثر فعالية من البيانات الصادرة عن السفارات الغربية”.
لكن آخرين يقولون إن القادة ربما يشعرون الآن أن أصدقاءهم المفترضين في موسكو ربما ليسوا كذلك.
ويشرح الكاتب “على مدى السنوات الخمس الماضية، دخل حوالى عشرة من الحكام أو المنافسين الطموحين في الدول الأفريقية الإستراتيجية الرئيسية مثل مالي وليبيا والسودان في اتفاق سمح لبريغوجين بتوسيع النفوذ الروسي عبر مساحات واسعة من القارة مع استخراج كميات كبيرة من المواد الخام المربحة. مثل الذهب والأخشاب، مما يكسب الكرملين مبالغ طائلة”.
واضاف الكاتب في تحليله “ووقعت الدول الصغيرة أيضًا تحت تأثير فاغنر، مما سمح لمجموعة المرتزقة ببناء شبكة تمتد الآن من شواطئ البحر الأبيض المتوسط إلى موزمبيق”.
ويشير الكاتب إلى ظهور بريغوجين مؤخرا مسلحا ببندقية هجومية ويرتدي زيا قتاليا، إذ أشارت مصادر متعددة إلى أنه كان في مالي، حيث ينتشر نحو 800 من رجاله إلى جانب القوات المسلحة المحلية التي تقاتل الإرهابيين والمتمردين الآخرين، بحسب الكاتب.
“قبل مالي، ربما يكون بريغوجين قد زار أيضا بانغي، عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث قامت مجموعة فاغنر ببناء عملياتها الأكثر شمولا ونجاحا منذ دعوتها إلى البلد الذي يعاني من الفقر المدقع والفوضى لدعم نظام فوستين – آركانج تواديرا قبل خمس سنوات”.
ويلفت الكاتب إلى أنه “في مقابل امتيازات التعدين وقطع الأشجار المربحة في جمهورية إفريقيا الوسطى، قدّمت مجموعة فاغنر مقاتلين اشتهروا بعنفهم العشوائي ضد المدنيين وكذلك المتمردين. كما قامت المجموعة أيضًا بنشر متخصصين في الاتصالات، وبنت مركزا ثقافيا روسيا وأنشأت محطة إذاعية. وشملت المشاريع التجارية إنتاج وبيع الفودكا والبيرة، فضلا عن تجارة الماس غير المنظمة”.
وتقول بيكو “من المرجح أن تتولى وزارة الدفاع (الروسية) والمقاولين العسكريين الخاصين التابعين لها بشكل أساسي العمليات العسكرية والاقتصادية”.
كما ذكر الكاتب أن هناك اتفاق بين معظم المراقبين على أن مجموعة فاغنر كانت “ناجحة للغاية بحيث لا يمكن للكرملين أن يخسرها”، بينما “تتطلع موسكو إلى إفريقيا لتجنيد حلفاء لها في مواجهتها مع الغرب، ويساعد الذهب والموارد الأخرى التي تستخرجها شركات فاغنر في دعم الاقتصاد الروسي المتضرر من العقوبات”.
وقالت الدكتورة علياء الإبراهيمي، الخبيرة في مركز أبحاث المجلس الأطلسي ومضيفة بودكاست “غانز أوف هاير”، إنه من خلال تولي المسؤولية العلنية عن عمليات فاغنر في إفريقيا، فإن “الكرملين يشرع في مغامرة عالية المخاطر”.
وتضيف “بوتين يتحمل الآن المخاطرة الجيوسياسية. لقد فقد عنصر الوكيل. ليس هناك مجال للإنكار الآن. لقد نشطت مجموعة فاغنر في منطقة استراتيجية للغاية ذات أهمية كبيرة للولايات المتحدة وحلفائها أيضا. وبالتالي فإن خطر التصعيد الآن أعلى بكثير”.