5 ملايين مكافأة لقاء معلومات عن حمزة الغامدي
تعديل بتاريخ 12 يونيو 2024: في الحادي عشر من يونيو حزيران 2024 أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية مكافأة مالية قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن حمزة الغامدي.
سيف العدل وحمزة الغامدي.. تنظيم القاعدة وأزمة القيادة
بعد مرور 22 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في العام 2001، نشرت مؤسسة السحاب، الذراع الإعلامية للقيادة العامة في تنظيم القاعدة، إصداراً جديداً من مجلة “أمة واحدة”، وبخلاف -توقعات عدد كبير من الخبراء- الذين توقعوا الإعلان عن زعيم تنظيم القاعدة الجديد، خُصص هذا العدد لنشر سيرة اثنين من منفذي الهجمات، الأول هو محمد عطا، العقل المنفذ لتلك الهجمات، والذي قاد الطائرة التي هدمت البرج الشمالي في نيويورك، والثاني هو هاني حنجور الذي قاد الطائرة التي هاجمت وزارة الدفاع (البنتاغون).
وبعد أكثر من عام على مقتل أيمن الظواهري يجد تنظيم القاعدة، وزعيمه الفعلي سيف العدل؛ في مأزق كبير نتيجة وجود “العدل” في إيران، وهو الأمر الذي لا يتقبله أنصار التنظيم.
من هو حمزة الغامدي؟
في هذا التقرير نستعرض حمزة الغامدي أحد أقدم وأقوى قيادات تنظيم القاعدة والذي لم يكن معلومًا عنه الكثير، فهل ينافس الغامدي سيف العدل على قيادة القاعدة أم يستغله الأخير، كأمير “استبن” وواجهة لقيادة التنظيم ؟
لقد مر أكثر من عام منذ أن قتل الظواهري في ضربة طائرة بدون طيار في كابول ولم تتناول القاعدة وفاته علنًا بعد، فضلاً عن استبداله بقائد جديد للتنظيم، فعلى مدى السنوات العشرين الماضية تقريباً، كانت للقاعدة دائماً قائمة ثابتة من الشخصيات العامة قادرة على تجسيد رسالة المجموعة.
وعلى الرغم من أن هؤلاء المتحدثين ذوي التأثير الكبير غالباً ما يقتلون في ضربات الطائرات بدون طيار، كان دائمًآ التنظيم سريعًا في استبدالهم، ولكن خلال السنوات الأخيرة من فترة قيادة الظواهري، تغير هذا النمط، حيث تناقص عدد الشخصيات العامة التي تتحدث نيابة عن القاعدة.
ومع وفاة الظواهري، وجد التنظيم نفسه الآن بدون وجه عام يمثله. وبالرغم من أن الهيكل الإعلامي للتنظيم ما زال يعمل، إلا أن هذه المواد العامة تترك قليلًا من الدلائل على هويات وخلفيات الرجال الذين يديرون شؤون التنظيم حاليًا.
ولكن هناك شيء مؤكد، وهو حمزة الغامدي. فعلى الرغم من كونه شخصية غير معروفة إلى العالم الخارجي، إلا أن صاحب الجنسية السعودية لديه سجل جهادي لا يستطيع الكثيرون من الذين لا يزالون نشطين في القاعدة والمشهد الجهادي العالمي الواسع التعاطي به.
بتوصيف هذه الشخصية الهادئة، يقدم هذا المقال نظرة عميقة على أكثر من 30 عامًا من الجهاد، من حركة العرب الأفغان في الثمانينيات وحتى تنظيم القاعدة حاليًا.
أفغانستان
ولد حمزة الغامدي في منتصف السبعينيات، واسمه الحقيقي صالح بن سعيد آل بطيح الغامدي، وترعرع في منطقة الثقبة بمدينة الخبر بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.
وكما لاحظ الصحفي السعودي فارس بن حزام، كانت الثقبة “واحدة من أهم المناطق السكنية في المملكة العربية السعودية في تصدير الشباب القتاليين [للجهاد] منذ الثمانينيات”.
يوسف صالح العييري الملقب أيضا بالبتار (23 أبريل 1974 – 2 يونيو 2003) هو مؤسس الفرع السعودي في تنظيم القاعدة الذي عرف باسم جماعة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب واستمر كقائد للتنظيم في السعودية حتى مقتله.
وتعليقًا على ملاحظة فارس أكد صديق أحد المقاتلين السعوديين هناك أن حي الغامدي “أنجب أكثر من 100 مجاهد ذهبوا إلى أفغانستان وطاجيكستان والشيشان يسعون للشهادة”.
فبالإضافة إلى الغامدي، جاء عدد من الشخصيات الجهادية ذات الثقل من الثقبة أو من مدينة الخبر بشكل عام، بدءاً من قادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب خالد الحج ويوسف العييري، إضافةً إلى قادة الميدانيين خطاب وأبو الوليد الغامدي في الشيشان.
عملًيا لا يعرف شيء عن نشأة حمزة الغامدي في الساحل السعودي أو كيفية دخوله لعالم الجهاد. ولكن نظرًا للعدد الكبير من المتطوعين من حيه، فمن المحتمل أنه تحرك للجهاد عن طريق أصدقاء متشابهين في الفكر و / أو بعض الأقارب.
خلال الثمانينيات، عاش الغامدي الشاب أول تجربة له في المعركة عندما انضم إلى قافلة الجهاد المعادية للسوفييت في أفغانستان.
وعلى الرغم من أن التاريخ الدقيق لمغادرته من مسقط رأسه السعودي غير معروف، إلا إنه لم يتأخر كثيراً عن منتصف الثمانينيات، عندما كان بالكاد في العشرين من عمره فقط. وهذا جدير بالملاحظة، حيث كان عدد المتطوعين العرب في أفغانستان لا يزال منخفضاً جدًا في ذلك الوقت.
وكما قال القائد الجهادي خطاب، “جاء العديد من الإخوة إلى أفغانستان بعد 1985/1986 ومعظمهم في عام 1988”.
جدير بالذكر أن هذه الحلقة الأفغانية المبكرة أكسبت حمزة الغامدي ذكره في كتاب “عرين الأسد للعرب في أفغانستان” الذي نُشر في عام 1991. كتبه صانع الأفلام المصري عصام دراز، ويسرد بتفصيل كبير ظهور الحركة العربية الأفغانية ودورها في حرب أفغانستان.
والذي ذكر الغامدي في الكتاب من بين العرب الأفغان لم يكن سوى أسامة بن لادن، الذي أجرى معه دراز مقابلة حصرية.
ففي عام 1986، كان بن لادن يسعى لتعويض عجز التدريب الذي يواجهه المتطوعين العرب، الذين كانوا يعاملون آنذاك بمثابة “ضيوف” بسطاء من قبل الأفغان الذين يتجنبون إشراكهم في المعارك. وعليه، “جاءتني فكرة تكوين مكان يمكن فيه استقبال الإخوة العرب وتدريبهم على المقاتلة”، كما صرح بن لادن لدراز.
وفي أكتوبر من ذلك العام، بدأ بن لادن ورفاقه العرب في إنشاء قاعدة تدريبهم في جاجي، وهي منطقة جبلية في شرق أفغانستان، وسموا الموقع لاحقاً “المأسدة” (عرين الأسد).
وشرح بن لادن أنه في الأيام الأولى للمأسدة قامت مجموعته “بالتناوب في الحراسة” حول قاعدتهم، وأتبع قائلاً: “ولكننا شعرنا بوحدة شديدة”. ففي الواقع، في ذلك الوقت، كان عدد المجموعة خمسة رجال فقط، وكان الموقع “معزولًا للغاية”.
ونظرًا لأن “الحراسة المستمرة [للقاعدة] استنزفتنا”، اعتبر بن لادن أن مجموعته بحاجة إلى قوة عاملة إضافية. وفي هذا السياق ذكر بن لادن اسم الغامدي لدراز. فباستخدام اسم الغامدي الحقيقي، تحدث بن لادن قائلاً: “جاء صالح الغامدي، وتبعه بعد ذلك شقيق آخر، مما جعل عددنا يصل إلى سبعة”.
ثم واصل بن لادن وصف هذه الأيام التي قضاها مع الغامدي والآخرين بأنها “واحدة من أجمل الأوقات التي قضيناها في الجهاد”. وعلى الرغم من عددهم القليل، استمر في القول إن الغامدي والمجموعة “ظلوا مبتهجين ومتفائلين بأن أعدادنا ستزيد”.
بعد أشهر من التوسع في المأسدة، بدأ بن لادن ورجاله في شن معارك ضد الحامية السوفيتية الموجودة بالقرب من قاعدتهم.
في نهاية مايو 1987، هاجمت القوات السوفيتية بدورها المأسدة، وبدأت “معركة جاجي”. وبعد ثلاثة أسابيع من المعارك، نجح بن لادن والغامدي وإخوتهم في صد هجوم القوات السوفيتية واحتفلوا على نطاق واسع بفوزهم المفاجئ.
ولذلك يعتبر وجود حمزة الغامدي بجانب بن لادن في ذلك الوقت أمراً هاماً لأن جاجي كانت مكان تأسيس تنظيم القاعدة.
فخلال النصف الأول من عام 1987، تحولت قاعدة التدريب في جاجي إلى شيء مختلف: تنظيم مولود حديثًا يضم متدربي المأسدة تحت قيادة بن لادن وسمي بـ “القاعدة”.
وبجانب جاجي، شارك الغامدي في المعركة الكبرى الأخرى وهي معركة جلال آباد.
بين مارس ويوليو من عام 1989، تحرك الغامدي ومئات من المقاتلين العرب الآخرين بقيادة بن لادن لمقاومة النظام المدعوم من السوفيت واستعادة المدينة.
ففي كتاب عصام دراز، ذكر بن لادن أن في 3 يوليو، واجه المقاتلون العرب “هجومًا ضخمًا على مواقعهم”.
وخلال هذا الصراع الشديد، قام الغامدي والمصري أمير الفتح، الذي أصبح شخصية عسكرية رئيسية في تنظيم القاعدة، “بتفقد مواقع العدو” وتمكنوا من العثور على “ثماني دبابات سليمة” تركها خصومهم.
وأتبع بن لادن قائلًآ: “دخل شقيقنا صالح الغامدي، المعروف بـ حمزة، إحداها”.
وبما أن كليهما تدرب مسبقاً على الدبابات، دخل الغامدي والفتح في معركة مع العدو، ونجحا في نهاية المطاف في الاستيلاء على دبابة إضافية قادها حينها حمزة إلى مواقع العرب.
ومع ذلك، أدى هذا الصراع إلى انتهاء معركة جلال آباد، والتي مني فيها العرب بهزيمة ساحقة ألحقت بهم خسائر فادحة، اضطرتهم في نهاية المطاف إلى التراجع دون أن يحققوا أي سيطرة على المدينة.
طاجيكستان
الهزيمة الساحقة التي تلقاها العرب في معركة جلال آباد في أفغانستان خيبت أمل عناصر التنظيم بشدة، والذي كان من بينهم حمزة الغامدي. ولذلك وعلى غرار العديد من رفاقه، غادر السعودي أفغانستان بعد المعركة وعاد إلى بلاده.
بعد غزو العراق للكويت في عام 1990، قيل أن الغامدي تطوع في الجيش للمشاركة في الدفاع عن المملكة العربية السعودية، على الرغم من عدم وجود مزيد من التفاصيل حول تلك الفترة.
إذا كان الغامدي حاضرًا بجانب بن لادن في أفغانستان خلال السنوات الأولى للقاعدة، إلا أن السعوديين انفصلا بعد ذلك.
وحين قرر بن لادن الانتقال إلى السودان في عام 1992 وتحريك رجاله للتدريب والقتال في القرن الأفريقي، اختار الغامدي مواصلة جهوده الجهادية في طاجيكستان تحت قيادة زعيم سعودي آخر وهو خطاب.
كما هو الحال مع الغامدي، كان خطاب في بادئ الأمر ضمن نطاق القاعدة، حيث تلقى تدريبًا عسكريًا في أحد مرافق التدريب العسكري التابعة للتنظيم في خوست في أواخر الثمانينيات.
ولكنه لم يكن راضيًا عن النظام في معسكرات القاعدة، لذلك غادر خطاب في النهاية وأنشأ معسكرًا خاصًا به في جلال آباد حيث شارك في معركة 1989، بالمثل كما فعل الغامدي.
وعندما تحول الجهاد الأفغاني إلى ساحة للحرب الأهلية، بدأ العديد من العرب في البحث عن مكان جديد للقتال.
ففي ربيع وصيف عام 1993، فتح خطاب والغامدي وعدد من العرب الأفغان الآخرين جبهة جديدة للجهاد ضد الشيوعيين في آسيا الوسطى، وهذه المرة في طاجيكستان التي كانت في حالة حرب أهلية.
هناك، نسق خطاب مع المعارضة الإسلامية وزعيمها عبدالله نوري. فقال لهم: “أننا جئنا للتقديم الدعم فقط”، مضيفًا أنه كان يحتاج إلى شيء واحد فقط من نوري، وهو عناصر محليين موثوقين يمكن تدريبهم من قبل عناصره من العرب، لكي يتمكنوا فيما بعد من “الدخول في المعارك”.
من قاعدتهم الخلفية على الحدود الأفغانية الطاجيكستانية، قام خطاب والغامدي وعناصرهم بتأهيل المجندين الطاجيكستانين الشباب للحرب، كما قاموا بتنفيذ بعض الهجمات ضد قوات الحكومة الطاجيكستانية.
وختم خطاب حديثه قائلًا: “كانت تجربة جيدة بالنسبة لنا”.
في أواخر عام 1994 – أوائل عام 1995، عندما سادت الاضطرابات في صفوف المعارضة الطاجيكستانية، عاد حمزة الغامدي وخطاب وبقية العناصر إلى باكستان، بعد أن قضوا ما يقرب من عامين في محاربة في طاجيكستان. واستقروا في قرية بابي بالقرب من بيشاور.
من بيت الضيافة التابع للتنظيم، كان خطاب يتولى الشؤون اللوجستية، كما كان يتواصل مع “بعض الأخوة في الخارج” باستخدام هاتف الأقمار الصناعية.
فيما كان يسكن الغامدي بالقرب منه، إلا أن الغامدي كان مهتمًا بشكل أكبر بالشؤون الإعلامية، لذا قام بإنتاج فيديو بعنوان “راية الزحف” يضم لقطات “عن فلسطين وكشمير وطاجيكستان والشيشان وقضايا أخرى تتعلق بالمسلمين”.
هذا الاهتمام المتفاني للغامدي بوسائل الإعلام أتضح أنه كان مصيريًا.
ففي الواقع، يقال إن خطاب كان “متأثرًا بشدة” بفيديو صديقه، “وخاصة لقطات الفيديو الخاصة بالشيشانيين الذين ارتدوا عصابات رأس تحمل الشهادة”.
لذا بدأ خطاب بعد ذلك في الترتيب لمغادرته إلى وجهته التالية، الشيشان، حيث سيصبح زعيم المقاتلين الأجانب وأحد أبرز شخصيات الجهاد في التسعينيات.
الفصيل الشمالي
في حين سافر خطاب إلى الشيشان في عام 1995، لم يتبع حمزة الغامدي زعيمه إلى هناك لأسباب غير معروفة، وظل في تلك الفترة يتنقل بين باكستان وأفغانستان.
ففي أواخر عام 1996، شارك الغامدي في محاولات حثيثة لإعادة فتح الجبهة الطاجيكستانية حيث كانت ميليشيات عبد الله نوري قد فتحت الباب أمام المقاتلين الأجانب مرة أخرى.
هذه المغامرة التي لاقت دعمًا كبيرًا من بن لادن، والذي كان قد عاد مؤخرًا من السودان.
ففي ذلك الوقت، كان زعيم القاعدة يحاول إحياء تنظيمه الذي كان يضم حوالي 50 عضوًا فقط بين جلال آباد وخوست، وذلك عبر التواصل مع المحاربين العرب المخضرمين في أفغانستان وغيرها من المناطق.
حيث كان يرغب بشكل خاص في تعزيز وجود المقاتلين من شبه الجزيرة العربية داخل التنظيم، وذلك لأن الغالبية العظمى من دائرة بن لادن المقربة كانوا من المصريين، بينما تبعه عدد قليل جدًا من السعوديين واليمنيين إلى أفغانستان.
بحماسة كبيرة لضم مقاتلين سعوديين ويمنيين إلى تنظيم القاعدة، أرسل بن لادن يمنيًا موثوقًا به، ويدعى مهند الجداوي، إلى اليمن لنشر رسالته وهي: “أن هناك أرضًا جديدة للجهاد متاحة في طاجيكستان”.
ففي بيت الضيافة الموجود في صنعاء اليمنية والذي يتردد عليه العديد من المقاتلين الخبراء، أعلن مهند للحاضرين أن بن لادن يحثهم على طرد العدو الروسي من طاجيكستان تمامًا مثلما فعلوا في أفغانستان.
ثم عاد مهند بعد ذلك إلى أفغانستان لإفادة بن لادن عن مهمته في اليمن واستلام المزيد من التعليمات.
بعد بعض الدعاية من مهند، تجمعت مجموعة من 36 مجاهدًا، جميعهم تقريبًا من المجاهدين السعوديين واليمنيين المخضرمين، وتوجهوا نحو أفغانستان حيث التقوا بالرجل الذي سيقود المجموعة، الغامدي، الذي كان بحلول ذلك الوقت شخصية ذات ثقل ومعروفة في دوائر المجاهدين العرب.
وتأكيدًا على ذلك، عبر أبو جندل، وهو من المقاتلين اليمنيين المخضرمين في البوسنة، والذي أقنعه مهند بالانضمام إلى التنظيم، عن إعجابه بزعيمه آنذاك، الذي وصفه بأنه “من قدامى المقاتلين في الجهاد الأفغاني منذ عام 1985″ و”مصارع قوي جدًا” و”لديه معرفة عميقة بأفغانستان”.
فبعد أن التقى المقاتلين بقائدهم الجديد “الغامدي”، طلب الغامدي من رجاله الانتظار لبضعة أيام، لأنه في ذلك الوقت كان قد تم استدعائه من قبل بن لادن، حتى يتسنى لبن لادن مناقشته في إعلانه الجهاد الموجه ضد الولايات المتحدة في أغسطس 1996.
وخلال ذلك الاجتماع، قدم زعيم القاعدة 35,000 دولار للغامدي لتمويل مشروع طاجيكستان.
من جلال آباد، توجهت العناصر التي يقودها الغامدي إلى كوندوز ومن ثم إلى تالقان وفيض آباد في إقليم بدخشان الشمالي المتاخم لطاجيكستان، حيث أنشأوا قاعدتهم.
لهذا السبب، أصبحت تلك العناصر التي يقودها الغامدي معروفة باسم “الفصيل الشمالي”.
كانت عناصر تلك الفصيل التي تحت قيادة الغامدي تضم عددًا من الشخصيات المعروفة في دائرة القاعدة.
من بينهم عبد الرحيم النشيري (المسؤول عن تفجير المدمرة USS كول)، خلاد (شقيق مهند والذي يُعد عنصرًا رئيسيًا في عمليات القاعدة الخارجية، بما في ذلك هجمات 11 سبتمبر)، عزام المكي (الانتحاري في تفجير نيروبي عام 1998) وناصر الأنسي (أحد قادة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية).
وعلى الرغم من التجربة المشتركة للغامدي ومقاتليه، تبين أن مغامرة طاجيكستان كانت فشلًا ذريعًا.
حيث واجه حمزة الغامدي ورجاله عددًا لا بأس به من الصعوبات على الطريق، وخاصة الطقس القاسي الذي عرقل عبورهم إلى الأراضي الطاجيكستانية وتسبب في مرض نصف المجموعة.
علاوة على ذلك، أخبر عبد الله نوري الغامدي بأن الحدود تحت رقابة صارمة من قبل القوات الروسية.
وبعد أشهر من الانتظار في شمال أفغانستان، خوفًا من أن يتم “خيانتهم” من قبل السكان المحليين، قرر الغامدي إلغاء المهمة قبل الوصول إلى وجهتهم ودون إطلاق رصاصةً واحدة.
القاعدة
بعد فشل مشروعهم في طاجيكستان، عاد الغامدي ورجاله إلى جلال آباد. وكانت معنويات المقاتلين في أدنى حالاتها في تلك الفترة، حيث أراد معظمهم مغادرة أفغانستان والعودة إلى ديارهم أو البحث عن قضية أخرى للقتال من أجلها.
وأوضح أبو جندل: “لم أكن أنوي العودة إلى أفغانستان وحمل السلاح هناك، لأن ذلك أعطاني شعوراً بالتعقيد، نتيجة لخيانة الأفغان، والصراع بين الأحزاب الإسلامية لنيل السلطة [في أفغانستان]”، وأضاف أنه كان يعتزم حينها القتال في الشيشان.
حرصًا على الاحتفاظ بهؤلاء المجندين الواعدين حوله، أصر بن لادن على لقاء المقاتلين قبل مغادرتهم لأفغانستان. ليقوم مهند الموالي المتحمس لـ “بن لادن” بمهمته الثانية وهي الضغط على رفقائه وإقناعهم بمقابلة زعيم القاعدة.
وفي أوائل يناير عام 1997، توجه الفصيل الشمالية على مضض إلى المقر الرئيسي للقاعدة آنذاك في جلال آباد.
وأكد أبو جندل أنه خلال تلك الزيارة التي استمرت لمدة ثلاثة أيام، حاول بن لادن “إقناعنا بمبررات دعوته للجهاد ضد أمريكا”.
أتت جهود بن لادن بنتائج متباينة. فأكثر من نصف رجال الغامدي ظلوا غير مقتنعين وغادروا أفغانستان.
من ناحية أخرى، اكتسبت القاعدة 17 عضوا جديدا، معظمهم من شبه الجزيرة العربية، من ذوي الخبرة القتالية. كانت هذه إضافة مهمة مقارنة بالعدد المنخفض آنذاك لعناصر التنظيم من المنطقة.
ليس واضحاً ما إذا كان الغامدي قد احتشد خلف بن لادن في هذه المرحلة أم أنه فعل ذلك مسبقًا على غرار مهند.
فعندما التقى أبو جندل بالغامدي لأول مرة، صوره على أنه “شريك مقرب” لـ”بن لادن” كما أنه استقر في جلال آباد منذ أن استقر زعيم القاعدة هناك في مايو 1996.
ولكن كما أوضحنا سابقًا، – كان بن لادن قد استدعى الغامدي قبل توجهه إلى طاجيكستان لمناقشة إعلان الجهاد، والذي ربما كان محاولة لإقناع الغامدي بشرعية أجندة تنظيم القاعدة المناهضة للولايات المتحدة حديثًا، وهذا يعني أنه في أواخر عام 1996، وعلى الرغم من اتصاله الوثيق مع بن لادن في ذلك الوقت، إلا أن الغامدي لم يكن يتبنى قضية القاعدة الجديدة بعد.
على أية حال، بحلول عام 1997، كان الغامدي يتصرف ككادر مخلص للتنظيم. حيث ظهر اسمه في قائمة مسودة تشير إلى جميع الأعضاء الأساسيين في القاعدة، والتي استردتها الولايات المتحدة في قندهار في أواخر عام 2001، مما يؤكد أنه قد أقسم بالولاء لبن لادن في أفغانستان في بين 1996 و1997.
وبذلك، ترك الغامدي خلفه سنوات من “الجهاد التقليدي” ضد العدو الخارجي الذي يحتل الأراضي المسلمة ليتبنى الجهاد العالمي للقاعدة المتمركز حول ضرب الولايات المتحدة خارج مناطق النزاع.
وأكد الغامدي حينها على أن: “الحرب دفاعاً عن الإسلام موجودة الآن في كل مكان بين قطبي الأرض”، مضيفاً أن زمن الجهاد التقليدي قد ولى.
وأصر على أنه حان وقت “الجهاد العالمي ضد الأمريكان”، داعيًا إلى العمليات الإرهابية في المناطق الحضرية، تمامًا مثل بن لادن.
كما رفض فكرة أنه لا يمكن هزيمة الولايات المتحدة، مستخدمًا نفس الأمثلة التي كان قائده يستخدمها عادة لإثبات وجهة نظره، ألا وهي انسحاب لأمريكان من بيروت والصومال بعد الهجمات المناهضة للولايات المتحدة في الثمانينيات والتسعينيات.
وأكد قائلًا: “أن الأمريكان ليس لديهم معدة لتحمل الخسائر”في كناية عن أن الأمريكان ليس لديهم الجرأة على تحمل المزيد من الضحايا، وأتبع: “عليك أن تجعلهم ينزفون، جسدياً ومالياً”.
وإذا كان الغامدي شجع الجهاد ضد الولايات المتحدة حينها، إلا إنه كان معارضًا “للجهادية الثورية” ضد الحكام المحليين في الشرق الأوسط.
وأكد فاضل هارون، القيادي بالقاعدة، في مذكراته أن الغامدي لم يكن “تكفيرياً” و”لم يدعو إلى حمل السلاح ضد شعوب الدول الإسلامية”، على عكس الجماعات الجهادية في مصر وليبيا وأماكن أخرى.
من بين جميع أعضاء الفصيل الشمالي الذين انضموا إلى القاعدة في أوائل عام 1997، كان الغامدي هو الإضافة الأكثر قيمة.
وبحلول ذلك الوقت، كان الغامدي يعتبر “واحداً من الأخوة المجاهدين المخضرمين”، وتمتع الغامدي بمكانة لا يتمتع بها أي شخص آخر داخل الفصيل الشمالي”.
فكان وصوله ضروريًا لبن لادن خصوصًا أن حملة تجنيد القاعدة في أفغانستان وخارجها آنذاك، تركزت حول المجاهدين ذوي الخبرة من شبه الجزيرة العربية.
حيث كان يُنظر على الأرجح إلى انضمام شخص من أصل الغامدي إلى التنظيم على أنه مفيد في تشجيع الآخرين على أن يحذوا حذوه.
لذلك ليس من المستغرب أن يتم استخدام حمزة الغامدي من قبل التنظيم لجلب أصول جديدة إلى القاعدة. وكان من بين هؤلاء أيمن دين، الذي نشأ في مدينة الخبر وشارك في القتال في البوسنة والفلبين.
قال أيمن إنه بحلول خريف عام 1997 كان الغامدي قد “سمع عني وكان حريصًا على التحدث معي”.
التقى الاثنان في جلال آباد في دار ضيافة للأفغان العرب.
وكتب أيمن في سيرته الذاتية: “بالنسبة للجهاديين الأصغر سناً، كان الغامدي شخصًا أسطوريًا بالفعل”، وصفه بأنه “شخصية مغناطيسية” يمكنه أن يكون “مدركًا ومقنعًا”.
عرض الغامدي على الشاب البحريني جولة في جلال آباد، ليروي له فيها قصصًا من المعارك التي جرت هناك ويستفسر عن جهاد أيمن في الفلبين.
ويستذكر أيمن: “لقد شعرت بالإطراء لتلقي الكثير من الاهتمام من مثل هذه الشخصية المؤثرة”.
خلال الجولة، كشف الغامدي عن بحثه عن “مواهب” جديدة ودعا أيمن للانضمام إلى القاعدة، مستخدماً الأحاديث والنبوءات لإقناعه.
وبعد وقت قصير، عاد الغامدي إلى بيت الضيافة في جلال آباد.
وقال الغامدي لأيمن: “إذا كنت مستعدًا وملتزمًا، حان الوقت لك للقيام بالرحلة إلى قندهار وأداء البيعة”. ثم ذهب الاثنان إلى قندهار، حيث قدم أيمن البيعة لبن لادن، وأصبح بذلك عضواً أساسياً في التنظيم.
حراسة بن لادن
خلال عصر طالبان، كان واجب الغامدي الأساسي في تنظيم القاعدة هو حماية بن لادن، وهو المنصب الذي يبدو أنه حصل عليه بدايةً من عام 1997.
عندما تم تجنيد أيمن في تنظيم القاعدة عن طريق الغامدي، فعين الأخير كـ”رئيس لحراسة أسامة بن لادن”.
حيث أكدت رواية هارون صحة هذه المعلومة. كما أفاد الجهادي أن الغامدي كان يعمل كـ”قائد مباشر” لحراس بن لادن في أفغانستان.
استلم حمزة الغامدي مهمته في ظل مناخ من الاستنفار الأمني الشديد داخل تنظيم القاعدة.
هذه المشاكل الأمنية تم تناولها بشكل جيد في كتاب كتبه أبو محمد المصري، الذي ترأس العمليات الخارجية للتنظيم في أوائل عام 1997.
روى أبو محمد المصري أن تنظيم القاعدة علم أن معقله في جلال آباد لم يعد آمناً.
كان حاجي قادر، الحاكم السابق للمدينة، “يخطط لاختطاف أو اغتيال الشيخ أسامة” نيابة عن الولايات المتحدة بإغرائه بزيارته لقاعدته.
تم إحباط المؤامرة في نهاية المطاف وطلبت طالبان من رجال بن لادن مغادرة قرية جلال آباد والانتقال إلى قندهار، والتي كانت تعتبر أكثر أمانًا.
في نفس العام 1997، اعتقلت القاعدة أفغانياً تظاهر بأنه من عناصر طالبان تم إرساله إلى مقر التنظيم لاغتيال بن لادن.
وفي هذا السياق، أدركت القاعدة أهمية تعزيز الأمن داخل التنظيم بشكل عام، وحول بن لادن بشكل خاص، وكان للغامدي دورًا رئيسيًا في هذا الجهد.
فكان نظيره في حراسة بن لادن هو أبو عمر المغربي، الذي كان مقاتلاً في أفغانستان قادمًا من الدار البيضاء، وسبق له أن كان مع بن لادن في السودان. وكان ابنه عمر جزءًا من فريق الأمن التابع لبن لادن أيضاً.
عمل الغامدي وأبو عمر سويًا في الإشراف على فريق الأمن المكلف بحماية بن لادن ومرافقة زعيم تنظيم القاعدة في رحلاته.
وبحسب أبو جندل، كانت حماية بن لادن الشخصية مؤلفة في البداية من سبعة رجال (خمسة مصريين وشخص موريتاني وآخر تونسي).
كان معظمهم “رجال متزوجين” يواجهون “أعباء يحملونها”، مما يجعل من الصعب وجودهم بشكل دائم بجانب بن لادن. “لذلك” كانت هناك حاجة كبيرة لعزاب ليحلوا محلهم”.
في عام 1998، طلبت القيادة العليا لتنظيم القاعدة من أبو عطاء الشرقي، رئيس معسكرات التدريب التابعة للتنظيم في خوست، اختيار مجموعة من “16 شابًا عازبًا” سيتم تكليفهم بحماية بن لادن بشكل دائم.
وبمساعدة أبو جندل، اختار أبو عطاء مجموعة من اليمنيين بشكل رئيسي والذين “شكلوا أول نواة لحراس أسامة بن لادن”.
ووفقًا لأبو جندل فقد شارك بن لادن أيضًا في اختيار حرّاسه، مركزاً على نقطتين وهما “الولاء والخبرة القتالية”.
عاش جميع هؤلاء الرجال في مزارع تارناك بمدينة قندهار، المقر الجديد لتنظيم القاعدة بعد جلال آباد، معظمهم في مسجد المجمع.
ففي أي وقت يغادر بن لادن منزله في مزارع تارناك، كان الغامدي وفريقه من المقاتلين الذين لهم خبرة كبيرة في المعارك وتدريب عالي يحيطون عن كثب بزعيم تنظيم القاعدة، حاملين بنادق الكلاشينكوف AK-47 وغيرها من الأسلحة، بما في ذلك قذائف آر بي جي.
ومن بين الأحداث ذات التأثير الكبير التي شهدها الغامدي كانت المؤتمر الصحفي في مايو 1998 الذي عُقد في معسكر التنظيم في خوست وأعلن فيه بن لادن إنشاء الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين.
كما كان حاضرًا في زيارة أخرى إلى إقامة ملا عمر للاحتفال بعيد الفطر المبارك في ديسمبر 2000.
كان الغامدي جزءًا من قافلة تنظيم القاعدة التي شملت بن لادن وأبو حفص المصري (نائب زعيم التنظيم) وخالد شيخ محمد (العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر)، وهارون، وأبو عمر وابنه.
خلال هذا اللقاء، ذكر هارون، استغل زعيم طالبان الفرصة لتذكير بن لادن بعدم إطلاق الهجمات بدون إخطار الإمارة الأفغانية أولاً.
شخصية متعددة المهام
إن كان حمزة الغامدي معروفًا بشكل رئيسي بظل بن لادن في أفغانستان، فقد تولى مهام أخرى خلال هذه الفترة. ولعل أبرز إسهاماته كانت دوره القيادي في الدعاية الإعلامية لتنظيم القاعدة.
ففي كتابه عن “تاريخ القاعدة” في شبه الجزيرة العربية، وصف خبيب السوداني، الذي عمل مع الغامدي في فريق أمن بن لادن، الغامدي كواحد من “مؤسسي مؤسسة السحاب الإعلامية”، في إشارة إلى الاسم الذي اختاره بن لادن للذراع الإعلامي للتنظيم.
كان زملاء الغامدي في مكتب الإعلام هم أبو أنس المكي وخالد شيخ محمد (المذكوران أيضًا من قبل خبيب كجزء من مؤسسي السحاب).
كان أبو أنس يمنيًا متمرسًا في الجهاد الأفغاني وعلى دراية جيدة في التعامل مع الحواسيب والبرمجيات، وانضم إلى التنظيم في أواخر عام 1999، وتم تعيينه شخصيًا بواسطة بن لادن ليكون رئيس مكتب الإعلام.
فيما تولى خالد شيخ محمد المسؤولية بحلول أوائل عام 2001 وظل رئيسًا للسحاب حتى اعتقاله في عام 2003.
في أفغانستان، كان دور فريق السحاب الرئيسي هو تسجيل وتصوير محاضرات ومؤتمرات قادة تنظيم القاعدة، بالإضافة إلى الأحداث الاجتماعية مثل احتفالات الزفاف.
وبناءً على هذا التسجيلات، كان الفريق ينتج ويحرر وينشر مقاطع فيديو لأغراض الدعاية والتجنيد.
كان مقر المكتب الإعلامي التابع للقاعدة موجودًا في قندهار، كان المبنى بسيطًا نسبيًا فكان يضم جهاز كمبيوتر مكتبي وبعض أجهزة الفيديو وجهاز تلفاز وطبق استقبال للقمر الصناعي ومكتبة مليئة بشرائط الصوت والفيديو.
ومع ذلك، مقارنة بالسنوات القليلة الماضية، كانت لا تزال قفزة نوعية جديرة بالملاحظة.
من هذا المكتب، كانت القاعدة تنتج كل محتواها الإعلامي الذي من شأنه أن يتصدر عناوين الصحف العالمية، وفي بعض الأحيان كانت تترجم هذه الانتاجات من العربية إلى الإنجليزية بفضل جهود الغربيين الناطقين باللغة الإنجليزية العاملين في المكتب.
ووفقًا لهارون، كانت مهمة الغامدي الأساسية في السحاب هي إدارة “ملف الصور” الخاص ببن لادن، حيث “أردنا إنشاء أرشيف خاص به”.
وتتجلى وظائف الغامدي الإعلامية في حضوره لخطبة ألقاها بن لادن في مزارع تارناك بمناسبة العيد في 8 يناير 2000.
وكان من بين الحضور الجالس إلى جانب الغامدي أبو الخير المصري (النائب الثاني للقاعدة والزعيم المستقبلي آنذاك) وناصر الوحيشي (القائد المستقبلي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب) والعديد من العناصر الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر.
وخلال الخطبة، يمكن رؤية الغامدي وهو يقف خلف الكاميرا لتصوير بن لادن. بينما تم استخدام المادة الفيلمية للخطبة كجزء رئيسي لأول “فيلم ضخم” للسحاب، وهو فيديو يحتفل بتفجير المدمرة الأمريكية يو إس إس كول الذي تم إصداره في النصف الأول من عام 2001.
وعلى الرغم من أن أبو أنس ادعى لاحقًا أنه صمم الإنتاج بنفسه، إلا أن تركيز الفيديو حول محنة المسلمين في فلسطين وكشمير وأماكن أخرى تذكر بتلك المواد التي استخدمها الغامدي في فيديو “معركة الزحف”.
كما كان فريق الإعلام التابع للقاعدة يلعب دورًا محوريًا للقيادة العليا، وخاصة بن لادن، للبقاء على اطلاع بأحدث الأخبار.
فبفضل وصولهم إلى البث الدولي، كان فريق الإعلام يتابع ويسجل الأخبار على قناة الجزيرة وبعض القنوات الأخرى قبل أن ينقلوا تقاريرهم إلى قيادتهم.
وتتضح هذه النقطة وتظهر جليًا في خطبة ألقاها بن لادن في معسكر الفاروق التابع للقاعدة في صيف عام 2001.
ففي ذلك الوقت، أشار إلى “الإخوة في قسم الإعلام” الذين سجلوا “شريطًا مسجلاً” يضم نقاشًا على قناة الجزيرة بشأن التطبيع مع إسرائيل.
ونظرًا لغياب المعدات التكنولوجية الحديثة في مزارع تارناك، كان على زعيم القاعدة أن يعتمد على هؤلاء “الإخوة” للبقاء على اطلاع على أحداث العالم.
ووفقًا لأبو جندل، فقد تولى الغامدي “مراجعة الصحافة” الأسبوعية للقاعدة، والتي تلخص أخبار الأسبوع.
كما تمت ترجمة هذه المراجعة إلى ست لغات مختلفة، قبل أن يتم تمريرها إلى قادة التنظيم، من بن لادن إلى أبو حفص وأبو محمد، وبقية قيادات التنظيم في قندهار.
كما كُلف رفيق الغامدي، أبو أنس، بمهام مماثلة، حيث كان يقوم بتجميع ملخصات الأخبار من الصحف والمواقع الإلكترونية لبن لادن.
بالإضافة إلى الدعاية، عمل الغامدي كسفير لبن لادن إلى آسيا الوسطى، منذ عام 1996.
حيث كان زعيم تنظيم القاعدة يُضغط على خطاب للانضمام إلى برنامجه المضاد للولايات المتحدة وطالبه بـ “الحضور إليه مع جميع الإخوة الذين كانوا معه [في الشيشان]”، ووفقًا لخبيب، الذي أُرسل إلى الشيشان لهذا الغرض أيضًا. باءت جهود بن لادن كلها بالفشل، حيث رفض خطاب عروضه بشدة.
ففي تلك الفترة، كانت الشيشان هي الوجهة الأكثر شهرة للجهاد، حيث ذهب الكثيرون إلى أفغانستان فقط للحصول على التدريب قبل التوجه إلى القوقاز.
وفي نفس السياق، تم تكليف الغامدي من قبل بن لادن بالذهاب إلى آسيا الوسطى “لمناقشة إمكانية فتح جبهات [هناك]”.
كان الهدف هو شن حملة عسكرية في المنطقة، خاصة في أوزبكستان وطاجيكستان، كوسيلة لإبقاء روسيا مشغولة في الشمال بينما كانت بالفعل تحت ضغوط المتمردين في القوقاز.
فمن خلال إرسال الغامدي، ربما حاول بن لادن الاستفادة بطريقته الخاصة من شهرة الجهاد في الشيشان، بعد أن فشل في التأثير على خطاب.
لا توجد تفاصيل أخرى عن كيف سارت الأمور بالنسبة لمهمة الغامدي في آسيا الوسطى، ولكن لا يوجد شك في أنها لم تكن ناجحة.
يمكن استنتاج ذلك من دفتر أبي أنس إلى جانب الدعاية، كان اليمني يعمل أيضًا كمساعد شخصي لبن لادن.
خلال عام 2000، حافظ أبو أنس على دفتر ملاحظات حيث سجل أسئلة من متدربي تنظيم القاعدة لقيادتهم العليا في التنظيم، بالإضافة إلى محاضر جلسات قادة التنظيم.
بناءً على الأسئلة التي طرحها عدد من المجندين في معسكرات التدريب التابعة للقاعدة، يظهر بوضوح أنه بحلول صيف عام 2000، لم يكن قد تم تحقيق أي شيء.
بالتأكيد، عبر المجندون عن اهتمام حقيقي بالجهاد المسلح في آسيا الوسطى. وظهر هذا جليًا في سؤال أحدهم حينما قال: “هل من الممكن أن يكون هناك جهاد في أوزبكستان في المستقبل القريب؟”.
ومع ذلك، كان الإحباط يتصاعد بين المجندين واتضح ذلك في مرتين، الأولى حينما اشتكى مجندًا آخر حين قال: “أشار بن لادن ذات مرة إلى أنه سيتم فتح جبهة للجهاد في أوزبكستان، ولكن بعد ذلك لم نسمع أي معلومات”، وأتبع ثالث “ماذا عن كتائب طاجيكستان وأوزبكستان؟ القلوب تتوق”.
على الرغم من جهود حمزة الغامدي وقلق المجندين، لم تشن القاعدة أي عمليات في آسيا الوسطى.
كما تولى الغامدي مهامًا إدارية أخرى. بحلول عام 2000، كان يدير دار العزام، التي أطلق عليها اسم زميله الراحل من الفصيل الشمالي الذي نفذ تفجير نيروبي عام 1998.
ويقع الدار بمنطقة وزير أكبر خان في كابول وكان يستخدم من قبل المتطوعين القادمين حديثًا من الخارج والعناصر العائدين من الجبهات والمعسكرات التدريبية.
من هناك، قرر الغامدي من سيتم توجيههم للقتال أو التدريب وسهل حركة المجندين بين المعسكرات وجبهات القتال.
أحداث 11 سبتمبر والرحلة من أفغانستان
بينما كان الغامدي يتولى مهامًا متعددة خلال هذه الفترة البالغة حوالي خمس سنوات تحت حكم طالبان، إلا يبدو أنه اعتبارًا من سبتمبر 2001 فصاعدًا، كان اهتمامه بالكامل ينصب على حراسة واتباع بن لادن في كل تحركاته عبر أفغانستان
بينما كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر تلوح في الأفق، كان زعيم القاعدة في حالة تحرك مستمر.
ففي يوم الجمعة 7 سبتمبر، علم بن لادن من خالد شيخ محمد أن العملية أصبحت جاهزة للتنفيذ في يوم الثلاثاء التالي.
ثم توجه بن لادن مع الغامدي وآخرين مثل أيمن الظواهري وسليمان أبو غيث إلى كابول، قبل التوجه إلى تورغار، قرب جلال أباد.
وهناك، وفي يوم الحادي عشر من سبتمبر، علم بن لادن ومرافقوه عن الهجمات في الولايات المتحدة أثناء الاستماع إلى الراديو.
وفي وقت لاحق من ذات اليوم، انضم خالد شيخ محمد وآخرون متورطون في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر إلى مجموعة بن لادن في تورغار، حاملين معهم جهاز تلفاز لمشاهدة الحدث.
وفي اليوم التالي، سجل بن لادن وأيمن الظواهري وأبو غيث وأبو حفص فيديو يبتهجون فيه بالهجمات، تم بثه عبر قناة الجزيرة فيما بعد عندما بدأت الحرب في أفغانستان.
بعد ذلك، واصل الغامدي التنقل مع بن لادن والوفد المرافق له، مسافرين بين كابول ولوغار وجلال آباد وخوست.
بعد سقوط كابول في 13 نوفمبر، هرب بن لادن ومرافقيه، بما في ذلك الغامدي وأبو عمر، إلى جلال آباد، قبل أن ينتقلوا مسرعين إلى جبال تورا بورا.
وبحسب ما ذكر أحد أبناء بن لادن في روايته عن الحرب في أفغانستان، أن الغامدي هو من قاد شخصيًا زعيم القاعدة ومجموعته إلى تورا بورا، باستخدام “حافلة رباعية الدفع”.
في 12 و13 ديسمبر، وبعد أسابيع من الاختباء من قصف الولايات المتحدة، قرر بن لادن أن الوقت قد حان لمغادرة تورا بورا.
لذا تم تقسيم العناصر إلى ثلاث مجموعات، غادرت الأولى والتي كانت تضم ما يزيد عن 30 مقاتلًا، كان من بينهم أصدقاء حمزة الغامدي أبو عمر وأبو أنس وخبيب، قبل أن يتم اعتقالهم في باكستان بعد وقت قصير، لينتهي بهم المطاف في غوانتانامو.
ثم غادرت المجموعة الثانية والتي كانت تضم كلًا من الظواهري وأبو غيث وأحد أبناء بن لادن. أما الغامدي، فقد كان ضمن المجموعة الثالثة والأخيرة مع بن لادن وأحد أبنائه والوحيشي.
بمساعدة مجموعة من الأصدقاء القدامى من المنطقة، نجحت مجموعتي بن لادن والظواهري بالهرب بنجاح من حصار تورا بورا، متجهين نحو إقليم كونار، لتستقر المجموعتين في قرية تقع في منطقة شايغال.
في الأشهر الأولى من عام 2002، ظل الغامدي وستة من رفقائه العرب عالقين في منزلهم في شايغال، فيما كان خالد شيخ محمد هو “حلقة الوصل بين الأب [أي بن لادن] وكل من يرتبط به في باكستان”، وفقًا لما صرح به أحد أبناء بن لادن.
في وقتٍ لاحق وتحديدًا قرابة الربيع، انتقل الغامدي. بناءً على أوامر بن لادن، ليغادر السعودي تاركًا الباقين من رفقائه خلفه، فيما يبدو على الأرجح مع مهمة معينة كُلف بها من زعيمه.
صعود من خلف الكواليس
بعد مغادرته بن لادن في كونار، ربما سافر الغامدي إلى كراتشي، التي كانت تعمل كمقر عمليات تنظيم القاعدة آنذاك، بالإضافة إلى عملها كنقطة عبور رئيسية.
فبمساعدة زملائه العرب والباكستانيين، نظم خالد شيخ محمد شبكة من الملاجئ الآمنة ليستخدمها الجميع، بدءًا من العناصر العادية إلى القادة الأكثر بروزًا في التنظيم.
وكان من بين هؤلاء رفاق الغامدي، خلاد وعبد الرحيم النشيري، اللذان كانا حينها مشغولين بالعمل على تسهيل العمليات الخارجية التالية للتنظيم.
ووفقًا لاستجواب أحد مساعدي خالد الشيخ محمد الباكستانيين، وهو عبد الرحيم رباني، كان الغامدي من بين الذين أقاموا في تلك الملاجئ، على الرغم من أن رباني لم يزامل الغامدي خلال إقامته في تلك الفترة.
على أي حال، يبدو أن الغامدي استأنف نشاطه العسكري بسرعة. ففي عام 2002، أشار كتاب يحكي قصص “الشهداء العرب” بإيجاز إلى السعودي.
حيث أظهرت وثيقة من الكتاب إلى أن “المقدم حمزة، كما يحب المجاهدين أن يطلقوا عليه … لا يزال يقود الكتائب في أفغانستان”.
تؤكد هذه الإشارة القصيرة إلى دور حمزة الغامدي في ذلك الوقت، ففي واحدة من الملفات المستردة من أبوت آباد.
كتب أبو الفرج الليبي، الذي كان حينها يشغل منصب “المدير العام” لتنظيم القاعدة، رسالةً موجهة إلى بن لادن في 18 أكتوبر 2004.
وفيها قدم الليبي تقريرًا لزعيمه حول شؤون التنظيم، كما تناول الحديث عن مواجهة عناصر التنظيم لقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان. فكتب الليبي لـ”بن لادن” مبتهجًا “الوضع … يتحسن بشكل كبير ومستوى العمليات يرتفع”.
وحول من كان مسؤولًا عن كل منطقة تنشط فيها عمليات القاعدة، كتب الليبي مفصلًا لـ “بن لادن” أن “المسؤول الأول” عن العمليات في أفغانستان كان خالد حبيب، وهو مدرب وقائد عسكري ذو خبرة كبيرة. كما أن من يشغل منصب نائبه هو حمزة الغامدي، الذي “يساعد” حبيب في مهماته.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تضع مكافأة على رأس الغامدي أبدًا، إلا أنه من المرجح أن السعودي كان موضع اهتمام كبير لأجهزة الاستخبارات لبعض الوقت.
حيث أخبر العديد من زملائه السابقين جهات التحقيق الأمريكية عن علاقاته الوثيقة بـ”بن لادن” قبل سقوط نظام طالبان.
كما أثار أبو جندل حقيقة قرب الغامدي من بن لادن خلال مراحل استجوابه من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي في اليمن في أواخر عام 2001.
وفي وقت لاحق وخلال فترة اعتقالهم في غوانتانامو، أقدم العديد من السجناء السابقين على التأكيد على نفس الشيْ.
كانت استجوابات حسان غول الأكثر إدانةً للغامدي, ففي يناير 2004، تم القبض على هذا المبعوث الذي كان يمثل تنظيم القاعدة في إقليم كردستان العراق بعد لقائه مع أبو مصعب الزرقاوي لمناقشة اندماج بين مجموعته وتنظيم بن لادن.
واشتهر الغول بكونه حلقة الاتصال ومرسال بارز لتنظيم القاعدة، حيث عمل بشكل خاص مع خالد شيخ محمد في كراتشي.
وفي فترة احتجازه، قدم الغول معلومات وفيرة للمخابرات الأمريكية عن طريقة عمل التنظيم من الداخل، كما ناقش مكان وجود بن لادن وشبكة البريد السريع الخاصة به.
فإلى جانب أبو أحمد الكويتي، ذكر الغول أيضًا الغامدي في اعترافاته، والذي وصفه بأنه “عُرف بقسوته وشدته”، كواحد من ثلاثة أشخاص على الأرجح لا يزالون حول بن لادن.
إذا كان الغول على حق فيما يخص أبو أحمد الكويتي، فلا يبدو أن هذا هو الحال بالنسبة للغامدي، حيث لا يبدو أن الغامدي عاد إلى قائد التنظيم بعد مغادرته كونار في عام 2002.
ومع ذلك، فإن تقييم الغول سلط الضوء أمام الاستخبارات الأمريكية إلى سمعة الغامدي بين نظرائه، كونه أحد أقرب الشخصيات إلى بن لادن.
في عام 2005، بدأ اسم الغامدي أخيرًا في الظهور من الظل. وفي 28 يونيو من ذلك العام، أصدرت المملكة العربية السعودية قائمة بأكثر المتشددين المطلوبين لديها وتضم 36 اسمًا. وكان اسم الغامدي من بينهم.
ولكن المعلومات التي كشفت عنها السلطات السعودية كانت ضئيلة نسبيًا. فبالإضافة إلى اسمه الحقيقي، أفادت السلطات السعودية أن الغامدي يبلغ من العمر 40 عامًا ويعمل خارج المملكة.
كما قدمت سلطات المملكة صورتين للغامدي إحداهما مأخوذة من لقطات خطبة الهوية عام 2000.
مرت عامين بعد ذلك، وفي 24 يوليو 2007، تم تسليط الضوء على الغامدي من قبل فارس بن حزام في جريدة الرياض تحت عنوان “صالح الغامدي، رئيس حرس بن لادن”.
وصف المقال الغامدي بأنه “شخص غامض وسري” يمتلك خبرة طويلة في المعارك و”يتمتع بثقة قائده” الذي يعتمد عليه لحمايته، وغيرها من الأمور.
بصرف النظر عن قائمة المطلوبين ومقال فارس، استمر الغامدي في البقاء غامضًا إلى حد كبير خلال العقد الذي تلى تلك الفترة تقريبًا.
لم يصبح أبدًا شخصية عامة تظهر في مقاطع الفيديو التي تنتجها السحاب. لم يكتب مقالات أو كتبًا موقعة بكنيته، وباستثناء مرة واحدة، لم تذكره المواد الإعلامية لتنظيم القاعدة أيضًا.
إذا كان كثيرون من أعوانه السابقين الذين تم احتجازهم في غوانتانامو وأماكن أخرى قد ذكروه أثناء استجوابهم، فإن المعلومات المقدمة عنه تتعلق دائمًا بعصر طالبان، ولكن لا شيء بعد هروبه من أفغانستان في أواخر عام 2001، إلا أنهم قد أشاروا إلى أن الغامدي ظل على الأرجح مع بن لادن بعد معركة تورا بورا.
لم تكن روايات العائدين من وزيرستان بعد 11 سبتمبر مفيدة أكثر. في الواقع، لم يبدو أن أي منهم قد التقى بالسعودي خلال إقامتهم في المناطق القبلية في باكستان. ومع ذلك، من المرجح بشدة أن الغامدي كان متمركزًا هناك تمامًا مثل غالبية التنظيم ، بما في ذلك قيادته العليا.
نظرًا لندرة المعلومات، تظل طبيعة دور الغامدي في تنظيم القاعدة غامضة. فإذا كان قد استمر في المشاركة في الشؤون العسكرية، يبدو أنه في نقطة ما، انسحب أو تم إعفاءه من مسؤولياته كنائب لرئيس عمليات تنظيم القاعدة في أفغانستان.
في الواقع، لم تذكر أي من المصادر الرئيسية التي تمت دراستها من أجل هذا المقال، أن الجهادي السعودي كان قائدًا للجناح العسكري للتنظيم في منطقة أفغانستان وباكستان منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين فصاعدًا.
المثير للدهشة، أن الخلاف بين الموالين للقاعدة في سوريا و”هيئة تحرير الشام” هو الذي كشف عن صعود الغامدي إلى طبقات القيادة العليا لتنظيم القاعدة.
ففي بداية عام 2019، قام قيادي تابع لـ “هيئة تحرير الشام” بتسريب بعض المراسلات الداخلية لتنظيم القاعدة على تليغرام، للرد على رواية رجال الظواهري في سوريا بشأن قطع جبهة النصرة لعلاقتها مع تنظيم القاعدة.
كانت هذه المراسلات تتضمن بعض المستندات الداخلية للقاعدة، والتي تمت كتابتها في عام 2014 من قبل أعضاء مجلس الشورى للتنظيم، وكان من بينهم الغامدي.
بفضل هذا التسريب، ثبت الآن أن السعودي أصبح أحد كبار قادة تنظيم القاعدة. نظرًا لأن ملفات أبوت آباد لم تذكر أبدًا الغامدي كجزء من مجلس شورى التنظيم، فمن المحتمل أن تكون ترقيته قد حدثت بين عامي 2011 و2013.
بعد أكثر من عامين من تسريبات هيئة التحرير الشام في سبتمبر 2021، نشر رفيق الغامدي القديم، خبيب كتابه المذكور أعلاه عن تاريخ تنظيم القاعدة.
والذي أكد على أنه لا يزال على اتصال مع هيكل التنظيم القديم، بما في ذلك الظواهري، كما كشف السوداني أن الغامدي على قيد الحياة وبصحة جيدة، حين استخدم الصيغة التقليدية “حفظه الله” تحت صورة للسعودي.
الوريث المحتمل والوضع في إيران
إذا كان الغامدي واحدًا من أكبر قادة تنظيم القاعدة النشطين إلى اليوم، فإن الشخص الذي يُقال على نطاق واسع أنه تولى قيادة التنظيم هو سيف العدل. ويعرف القائدين بعضهما جيدًا، حيث يعود ذلك إلى أواخر الثمانينيات.
كان سيف العدل يتولى منصب رئيس الغامدي، حينما قاد اللجنة الأمنية التي كانت مسؤولة عن أمن بن لادن، وأقر العدل نفسه بهذه الروابط فيما بعد، وذلك في الجزء الثالث من كتابه “الصراع ورياح التغيير”.
وفيه، سمى المصري الغامدي ضمن “المجموعة الجيدة من الإخوان المجاهدين في التجربة الأفغانية… الذين كان لي شرف لقاءهم والعمل معهم”.
وفي تقرير صدر في فبراير الماضي، أكد فريق الدعم التحليلي ومراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة أن العدل “كان يعمل بالفعل كزعيم فعلي وغير متنازع عليه للتنظيم”.
في ظاهر الأمر، لا يبدو هذا مفاجئًا، فطوال عقود من تاريخه في الجهاد ، شغل العدل أدوارًا قيادية في أجنحة العمليات العسكرية والأمنية والتدريبية والخارجية للقاعدة بينما كان أيضًا جزءًا من مجلس شورى التنظيم.
بعد الإفراج عنه من الاحتجاز في إيران في عام 2015، استأنف العدل مسؤولياته، وخدم مع أبو الخير المصري وأبو محمد المصري في “لجنة القيادة” التي تم تشكيلها لإدارة شؤون تنظيم القاعدة في غياب الظواهري في عامي 2015-2016.
علاوة على ذلك، في الفترة بين عامي 2013 و2014، كان الظواهري، متوقعاً زواله المحتمل، لذا فقد كتب قائمة أسماء رسمية لتعاقب القيادة من بعده، تم فيها تصنيف العدل على أنه “الخليفة الثالث له”.
وبالنظر إلى أن الاثنين الأوائل، أبو الخير وأبو محمد، قد توفيا بالفعل، فمن المنطقي أن يكون العدل على رأس قائمة قيادة التنظيم بعد مقتل الظواهري.
ومع ذلك، قد يتعرض صعود العدل لقمة الهرم القيادي للقاعدة للتهديد وفقًا إلى لوائح التنظيم. فقبل عشر سنوات، حدد الظواهري، أن وريثه يجب أن يكون “حاضرًا في خراسان أو أحد أفرع التنظيم”. وتدور القضية هنا حول مفهوم “خراسان”.
فإذا كان الظواهري يعني فقط أفغانستان وباكستان، فإن العدل يمكنه ضمان الفترة الانتقالية قبل ترشيح شخص آخر. ومع ذلك، هناك فرصة طفيفة أن يكون الظواهري قد أشار إلى “خراسان” بمعنى أوسع والذي يشمل إيران، فإذا كان الأمر كذلك، فسيكون سيف العدل وريثه الشرعي.
ومهما كانت الإجابة، فإن جزءًا من المشهد العسكري قد حسم أمره بالفعل بشأن هذه القضية.
فخلال أزمة تنظيم القاعدة وجبهة النصرة في 2016-2017، رفض الفرع السوري ما اعتبروه تأثيرًا لا داعي له للعدل وأبو محمد المصري على أساس أن هذين القياديين شبه المعتقلين كانا “موجودين في أرض العدو” دولة إيران “في حين أن بروتوكولات القاعدة” تنص على أنه لا يمكن لأحد أن يتمتع بالكفاءات طالما أنه ليس في أحد أفرع التنظيم”.
بعد ذلك، استمرت وضعية سيف العدل الغامضة في إيران في أن يكون محورًا للانتقادات التي تهدف إلى نزع الشرعية عن قيادته.
حيث سخر القيادي البارز في هيئة تحرير الشام أبو ماريا القحطاني من فكرة أن شخصاً يعيش “تحت الحبس والإكراه” كيف يمكنه “إدارة فروع القاعدة” وحث سيف العدل على “حل تنظيم القاعدة“.
كما طرح أبو محمد المقدسي رأيه في هذا الموضوع، فأصر العالم الجهادي المعروف على أن القاعدة “لن تختار قائدًا إلا إذا كان في خراسان أو اليمن وما إلى ذلك”.
ووفقًا للمقدسي: “كان من المستحيل عليهم اختيار زعيم في إيران أو تحت سلطة أي حكومة”.
هذا التفسير الصارم لنصوص الظواهري يُزيد من تعقيد قضية العدل، حيث لا يزال رأي المقدسي ذو أهمية لتنظيم القاعدة، فإلى الآن يتم استشارته للحصول على النصائح والارشادات الدينية.
وفي حلقة حديثة من بودكاست “الصراع”، ادعى أيمن دين أن المعارضة للعدل امتدت إلى داخل تنظيم القاعدة نفسه.
فبحسب قوله، في حين أن قادة التنظيم المتمركزين في إيران قد اختاروا العدل قائداً جديداً ، “لا يسعد أعضاء القاعدة خارج إيران بذلك”.
كما أشار إلى “الانقسام” داخل التنظيم، كما أكد دين أن المعارضة كانت بقيادة الغامدي الذي “لم يعلن ولائه لسيف العدل”.
كما أضاف أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أيضًا اعترض على ترشيح العدل.
ويرى أيمن أن السبب الرئيسي وراء هذا الانقسام الداخلي المزعوم هو أن معارضي العدل “لا يثقون في المصريين الذين، كما صاغوها على حد قوله، أصبحوا في أحضان الإيرانيين”.
ومع ذلك، يجدر التأكيد على أنه إذا كانت الدوائر الجهادية تشك منذ فترة طويلة في وجود القاعدة في إيران، فإن نفس الشعور لا يتم مشاركته داخل التنظيم.
ففي مراسلاتهم الخاصة، لم يبد القادة في منطقة أفغانستان وباكستان أبدًا شكوكًا في ولاء “إخوانهم” المحتجزين في إيران ورفضوا دائمًا فكرة وجود صلة بينهم وبين طهران.
وبعيدًا عن الشك في أن طهران من الممكن أن تكون قد تمكنت من استدراك المحتجزين لديها، فلطالما كانت القاعدة حريصة دائمًا على إعادتهم إلى دائرة التنظيم.
بالرغم من أن العدل ظل في إيران بعد إطلاق سراحه في عام 2015، إلا أنه استمر في التمتع بثقة رفاقه داخل التنظيم. بخلاف الفكرة التي تقول أن العدل كان “في السجن… أو محروما من إرادته”، يرى هؤلاء أن المصري كان ببساطة “ممنوعًا من السفر”، وبخلاف ذلك كان يعيش “حياة عادية” و”لا يزال حرًا في القيام بعمله الجهادي”.
كما أن الغامدي نفسه التزم بقبول العدل كزعيم له منذ وقت طويل. ففي عام 2014، أجبر الظواهري كبار مساعديه على القسم رسميًا بأنهم سيتبعون خطه في الخلافة.
وفي الثالث من يونيو من ذلك العام، كتب الغامدي بخط يده وثيقة أقسم فيها بالطاعة لأي خليفة يختاره الظواهري.
حيث كتب: “أنا – حمزة الغامدي … أتعهد بأنه إذا مات الشيخ أيمن الظواهري أو … أُسِر أو أُصيب بمرض يمنعه من القيام بعمله … فسأبايع من بعده أميرًا لتنظين قاعدة الجهاد”، هكذا كان نص الوثيقة.
وأتبع: “وفي حالة عدم قدرة الخليفة الأول أو الثاني على تولي الأمور، أتعهد بالبيعة للشيخ سيف العدل إذا كان موجودا في خراسان أو أحد فروع الجماعة”.
لذا، سيكون من المدهش رؤية الغامدي الآن يرفض التجمع وراء العدل بسبب قضاء الأخير عقدين في إيران بينما كان على استعداد للقيام بذلك قبل عشر سنوات تقريبًا.
فبالطبع، إذا كان العدل سينتقل إلى أفغانستان أو باكستان، فإن المشكلة ستحل. كما زعم تقرير الأمم المتحدة الأخير أن العدل “قد سافر بالفعل من مكان تواجده في إيران إلى أفغانستان وعاد في نوفمبر 2022″، مضيفًا أن إحدى الدول الأعضاء قدرت أن العدل ما زال في أفغانستان.
تم الاعتراض على هذا الادعاء. حيث قالت المخابرات الأمريكية: “ليس لدينا دلائل أو أية مؤشرات على أن أمثال سيف العدل قد سافروا إلى أفغانستان”.
ووافق على ذلك أنباء جاسم الذي وصف نفسه بأنه “باحث مستقل”، مؤكداً أن العدل “لم يغادر إيران”.
إذا كان العدل لا يزال في إيران مع حرية محدودة في الحركة فإن هذا سيوفر مساحةً كبيرة لمنتقديه، تسمح لهم بمواصلة تقويض شرعيته.
وفي ضوء ذلك، يبرز العامل الإيراني كالتحدي الأكبر لوصول سيف العدل للقيادة الدائمة للتنظيم.
قصور القيادة والانقسامات العرقية
مسألة أخرى أقل أهمية لكنها تستحق الذكر تتعلق بقدرة سيف العدل على القيادة، أو ضعفه.
يشير معارضو سيف العدل إلى سجله السيئ في التعامل مع الأزمة السورية في عامي 2016-2017.
ففي ذلك الوقت، وعلى الرغم من الضغوط التي مارستها جبهة النصرة، كان العدل يعارض أن يكون هناك مزيد من الشمول في عملية اتخاذ القرار في القاعدة وتفويض المزيد من السلطة للجماعات التابعة لها.
وعندما اقترحت جبهة النصرة التخلي علنيًا عن انتمائها وتبعيتها للتنظيم الدولي، رفض العدل الفكرة جملة وتفصيلا ورفض تغيير رأيه، على الرغم من جهود شخصيات أخرى ذات ثقل في التنظيم مثل أبو الخير.
بالنسبة لبعض الأشخاص ضمن المشهد الجهادي العالمي، خرج سيف العدل من هذه الفترة في نظرهم وهو قائد غير مجهز وغير مرن.
فكتب أبو ماريا ساخرًا: “شهدنا في الشام ما حققه سيف العدل من بلاء وأحداث لا يمكن لضحاياها تصور النتيجة”.
ونتيجة لذلك، “كانت هناك العديد من الأصوات … التي عارضت ترشيح سيف العدل قائدًا للتنظيم”، كما ذكر أنباء جاسم، مستنداً في ذلك إلى معلومات من داخل الأوساط الجهادية.
فبصرف النظر عن مسألة إيران، الحجة الرئيسية للمعارضة هي أن العدل كان “رجلاً ذو مزاج حاد يتمسك برأيه” وأظهر الكثير من “العجز” في القيادة منذ إطلاق سراحه في عام 2015. بأسلوب إدارته الصعب.
كما قال جاسم، أن هذه الأسباب كانت سببًا رئيسيًا في إبعاد العديد من الأشخاص من حوله ونفورهم منه.
من الجدير بالذكر هنا أن هذا ليس جديدًا بالنسبة لسيف العدل، حيث كان بن لادن نفسه متشككًا في قدرة الضابط المصري على إدارة التنظيم.
رغم أنه كان يعتبر أن للعدل “جهوداً ستفيد الجهاد والمجاهدين في العمل العسكري”، إلا أنه لم ير العدل مناسبًا ليصبح “المدير العام” للتنظيم أو حتى نائب مدير للقاعدة، ناهيك عن أن يكون أميرها.
كما شارك آخرون من العرب-الأفغان القريبين من العدل، وجهة نظر بن لادن. فعلى سبيل المثال، لاحظ أبو خالد السوري مرة أن العدل كان “رجل بسيط” لا يملك “القدرة على إدارة شؤون المنظمة”.
ووفقًا لآيمن دين، قد يكون هناك تحدي آخر محتمل للعدل يتعلق بالانقسامات العرقية داخل القاعدة. نظرًا لأن المصريين دائمًا ما كان لديهم تحكم كبير في المجموعة، لذا قد يتساءل الغامدي والجماعة الخليجية عما إذا كانت القاعدة لا تزال “قاعدة الجهاد” وليست “قاعدة الجهاد المصري”. وبالتالي، قد يرغبون في الضغط من أجل تغيير ديموغرافي في قمة القيادة.
تاريخياً، واجهت القاعدة العديد من التوترات من هذا النوع.
ففي أفغانستان، كان كل من العدل والغامدي يشاركان في هذه النزاعات، حيث كان الأخير يرى المصريين بأنهم لديهم نفوذ كبير والظواهري بأنه “دقيق” ومن بين “النظريين الذين يفتقرون لصفات القيادة”.
لذا وللحد من النفوذ المصري داخل التنظيم، سعى الغامدي لـ”جمع أكبر عدد من الشباب من شبه الجزيرة العربية حول أسامة بن لادن حتى لا يكون التنظيم حكراً على المصريين”.
ومع ذلك، لا يزال يتعين معرفة ما إذا كانت هذه الانشقاقات اليوم شائعة كما كانت في السابق. إلا أن ترقية الغامدي إلى المجلس الشورى خلال فترة الظواهري تشير إلى أن الاثنين تمكنا في النهاية من التغلب على خلافاتهما الماضية.
وفي يوليو 2016، أشار الظواهري إلى الغامدي في بيان صوتي يرثي فيه الوحيشي قائلًا بأنه “الشيخ حمزة الغامدي”، وهو اعتراف عام نادر بالسعودي الذي يحافظ دائمًا على بعده عن الأنظار.
بدائل سيف العدل في قيادة التنظيم
دائما ما تكون القاعدة حذرًا حتى لا تتلاقى التوبيخات من قبل المحيط الجهادي، لذا قد يفكر مجلس شورى التنظيم مرتين قبل تأكيد سيف العدل كقائدًا دائمًا جديدًا للتنظيم، حتى ولو كان الخيار الأول للظواهري.
قد يكون الاستمرار في ضرب القائد الجديد بسبب كونه، بحسب كلمات أبو ماريا، “عاجزًا” لأنه محروم من مغادرة “الدولة العدو” التي يعيش فيها قد يكون مصدر قلق بين بعض أعضاء مجلس الشورى ويدفعهم لتقديم النصيحة للعدل بالتنحي من أجل المصلحة الكبرى للتنظيم.
قد تأتي المبادرة من العدل نفسه. بعد كل شيء، فلن تكون هذه هي المرة الأولى التي يتراجع فيها أحد عناصر القاعدة عن تولي مستويات أعلى من المسؤولية.
ففي عام 2010، كان “المدير العام” للتنظيم حينها، عطية الله، يشكو لبن لادن أنه كان يواجه صعوبات في إيجاد نواب لمساعدته، حيث كان المرشحون المحتملون يقدمون “أعذارًا” لتجنب أخذ الوظيفة.
وبالنظر إلى مقدار الجدل حول شخصه، قد يتنازل سيف العدل عن قيادة التنظيم لصالح مرشح أقل نزاعًا.
وفي هذا الإطار، يُزعم أن سيف العدل قد اختار “خالد باطرفي” أمير تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، كمرشح له لخلافة القيادة.
عندما وضع الظواهري قائمته لخلفائه في قيادة التنظيم في 2013-2014، كان لديه ما لا يقل عن أربعة أسماء في ذهنه وهم: أبو الخير المصري، وأبو محمد المصري، وسيف العدل، وناصر الوحيشي.
ومنذ مقتل ثلاثة منهم بين عامي 2015 و2020، كان الظواهري لديه الكثير من الوقت لإيجاد مرشحين جدد ليحلوا محلهم.
إذا كان العدل غير قادر / غير راغب في تولي المنصب، فيمكن له ولمساعديه الكبار أن يختاروا خيارًا أكثر دوامًا لقائمة خلفائه الجديدة.
على الرغم من أن أسماء القائمة المختصرة المحدثة تم الاحتفاظ بسريتها، فمن المحتمل أن يكون عبد الرحمن المغربي واحدًا منهم.
حيث تم تسريب اسمه عندما كتب خبيب عنه كأحد المؤسسين السابقين لـ “السحاب” الذراع الإعلامي للتنظيم، وتولى مسؤولية مكتب الإعلام التابع للقاعدة بعد اعتقال خالد شيخ محمد في عام 2003.
وبحلول عام 2004، تزوج عبد الرحمن المغربي من ابنة الظواهري وكان يقدم المشورة لبن لادن بشأن القضايا الإعلامية.
بعد ترشيحه لمجلس شورى التنظيم وتعيينه كنائب ثاني لعطية الله، ارتفعت مكانة المغربي بشكل كبير داخل القاعدة، حتى أصبح “المدير العام” للتنظيم في عام 2012.
ولذا فمن المحتمل أن يكون الظواهري وضع المغربي كأحد خلفائه، كما يلمح تقرير الأمم المتحدة الذي تم نشره العام الماضي والذي أشار إلى أن المغربي كان الثاني في قائمة خلفاء الظواهري بعد سيف العدل.
ومع ذلك، في عام 2010، احتاج بن لادن للضغط على المغربي لقبول منصب النائب الثاني فقط.
وبالتالي، قد يكون المغربي غير راغب في أن يصبح قائدًا للتنظيم. بالإضافة إلى ذلك، يقال أنه مقيم في إيران، وبالتالي سيواجه نفس الانتقادات التي تواجه العدل، على الرغم من أنه يتمتع بحرية أكبر في الحركة بعكس سيف العدل.
استنادًا إلى خبرته في القتال، وقربه من بن لادن، وعضويته الطويلة في مجلس الشورى، يُعد حمزة الغامدي أحد المنافسين الأقوياء على تولي قيادة التنظيم. وخاصةً مع عودة جماعة طالبان إلى السلطة مرة أخرى، قد يظهر السعودي كمرشح أكثر وعدًا في أعين نظرائه.
لقد كان يزرع الروابط داخل المشهد العسكري الأفغاني منذ منتصف الثمانينات، حيث التقى بشخصيات وقادة ميدانيين من خلفيات مختلفة، بدءًا من الدكتور أمين الحق، أحد أهم حماة بن لادن الأفغان في تورا بورا، إلى عدد من قادة الفصيل الشمالي.
علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أنه غير معروف للأجيال الشابة، يمكن أن يكون اسم الغامدي لا يزال يدوي للحراس الأكبر سنًا في خراسان وما وراءها، خاصة في اليمن والخليج، حيث يُعتقد أن لديه روابط تاريخية هناك.
ويتم تأكيد هذا أكثر من خلال الكلمات الطيبة التي كتبها الوحيشي في ربيع عام 2013 إلى الغامدي، الذي أشاد به ووصفه حينها: “بأنه واحد من إخوانه في الصعاب”.
وأخيرًا وليس آخرًا: لن يكون على الغامدي التعامل مع مشكلة إيران. ففي الواقع، ووفقًا لأيمن دين، يقيم السعودي حاليًا في أفغانستان. وبما يشابه وضع المغربي، يبقى السؤال هنا ما إذا كان السعودي الحذر سيكون ميالًا للموافقة على تولي قيادة التنظيم وأن يقبل بهذا المنصب المكشوف للجميع.
في كل الأحوال، من الواضح أن أعضاء مجلس الشورى سيلعبون دورًا مركزيًا في هذا الانتقال القيادي.
حيث تنص الإرشادات التنظيمية التي وضعها الظواهري على أنه إذا لم يتمكن أي من خياراته من تولي القيادة، فإن “الإخوة في مجلس شورى القيادة العامة يجب أن يختاروا أميرًا جديدًا”. علاوة على ذلك، جميع المرشحين الكبار، في الماضي والحاضر، كانوا أعضاء في المجلس الشورى.
بصرف النظر عن العدل، والمغربي، والغامدي، ليس من الواضح من سيقود هذا الانتقال القيادي شديد الأهمية.
قد يكون أبو عبد العزيز المصري الاستثناء الوحيد. ففي أفغانستان، قاد أبو عبد العزيز جهود القاعدة للحصول على أسلحة الدمار الشامل وأجرى “تجارب سرية” لإتقان استخدام غاز السيانيد في العمليات الإرهابية.
المعلومات الأخيرة عنه متناقضة. فوفقًا للولايات المتحدة، التي وضعت مكافأة قدرها 5 ملايين دولار على رأسه، فإن المصري عضو حالي في مجلس شورى التنظيم ويعيش حاليًا في إيران.
ولكن أدعى خبيب السوداني في كتابه، أن الخبير في المتفجرات الآن ميت.
فيما نفى أنباء جاسم، من جهته، ادعاء خبيب، مشيرًا إلى أن المصري مقيم في إيران. إذا اعتبر جاسم أنه أحد قادة القاعدة، فإنه لا يزال يصر على أنه “ليس لديه وزن داخل التنظيم واختفى تمامًا بعد الفرار إلى إيران”.
عامل طالبان
إذا كان الرابط بين الصمت الحالي لتنظيم القاعدة عن وفاة زعيمه والخلافات الداخلية المحتملة لا يزال يتعين قيد المعرفة، فلا شك أن هذا الغياب التواصل يرتبط بشدة بالمأزق الذي يجد التنظيم نفسه فيه فيما يتعلق بحلفائه في طالبان.
في أعقاب مقتل الظواهري، أعلنت الإمارة الأفغانية أنها “ليست على علم بوصول وإقامة” زعيم القاعدة الذي تم استهدافه في أفغانستان.
فحتى وقت كتابة هذا النص، لم تعترف العاصمة الأفغانية بوفاته بعد. وعلى نطاق أوسع، نفى طالبان مرارًا وتكرارًا وجود تنظيم القاعدة داخل أفغانستان.
فقبل أيام قليلة، كان المتحدث باسم النظام يدعي أن “التقرير الذي يقول إن إمارة طالبان لديها علاقات مع التنظيم غير صحيح”، مضيفًا أن “التنظيم ليس موجودًا من الأساس في أفغانستان”.
تتجلى هذه السياسة في الإنكار بشكل أفضل في رسالة من عطية الله إلى مسؤول كبير في تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.
كتبت الرسالة في مارس 2011، واستعرضت الرسالة حالة الصحفيين الفرنسيين الذين تم احتجازهم كرهائن من قبل طالبان.
وزعم عطية الله أنه تواصل مع شركائه الأفغان طالبًا منهم توجيه مطالبهم بما يتماشى مع مطالب القاعدة، وهو سحب القوات الفرنسية من أفغانستان.
وأوضح عطية الله: “بالطبع، سياسة طالبان هي تجنب الظهور معنا أو الكشف عن أي تعاون أو اتفاق بيننا وبينهم”، وأضاف: “ونحن ملتزمون معهم في هذا الصدد”.
استنادًا إلى هذا، من الواضح أن القاعدة طالما أرادت تجنب التقليل من سياسة الإنكار لدى مضيفهم، وبالتالي الحفاظ على إخفائها وعدم إبرازها، والعمل خلف الكواليس قدر الإمكان.
في هذا السياق، قد يؤدي إعلان علني غير مصرح به من القاعدة إلى انتقادهم بأنهم ضيوف فوضويين يضرّون بالتزام مُضيفهم الأفغاني مع المجتمع الدولي ويعرضه للخطر.
سيكون هذا صحيحًا بشكل خاص إذا كان القائد الجديد مقيمًا في أفغانستان.
بينما سيظل إنكار طالبان لوفاة الظواهري على أرضها يخفف من حدة الانتقادات الدولية على الإمارة الأفغانية، إلا أن إخفاء وفاة الظواهري والتأخير في اختيار أميرًا جديدًا للتنظيم، يُعد ضارًا جدًا لسمعة التنظيم وتماسكه الداخلي، وهو الآن في أشد الأوقات التي يحتاج فيها إلى إعطاء ضمانات لمريديه.
حتى الآن، وقد امتثل تنظيم القاعدة لقواعد مضيفه وظل صامتًا. السؤال هنا هو ما هي الظروف التي قد تدفع التنظيم للظهور علنا؟ وكيف سيتمكن التنظيم من التوفيق بين الحاجة إلى التواصل وفي ذات التوقيت احترام قواعد الإمارة الأفغانية؟