دعوات لتنصيب “الهفل” خليفةً لداعش بعد الاشتباكات في دير الزور
وسط الاشتباكات التي حدثت بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ومقاتلين من عشائر عربية في دير الزور، دعا مناصرون لتنظيم داعش إلى تأييد إبراهيم الهفل شيخ قبيلة العكيدات الذي قاد المقاتلين العرب خلال الاشتباكات مع “قسد”، واصفينه بأنه رمز للنضال من أجل العشائر العربية، على حد وصفهم.
وعلى الرغم من أن التنظيم أعلن، قبل أيام، موقفه الرسمي من الاقتتال الذي حصل في دير الزور واعتبره “قتالًا جاهليًا تحرم المشاركة فيه”- على حد تعبيره- إلا أن عددًا من مناصريه انحازوا إلى “الهفل” وحثوا رفاقهم على التعهد بالولاء له.
وأحدثت الدعوات المذكورة خلافًا في صفوف مناصري تنظيم داعش، وسارع بعضهم لإطلاق هاشتاغ “#الشيخ_أبو_حفص_القرشي_يمثلني ولا يمثلني غيره”، ردًا على الدعوات التي أطلقها بعض المحسوبين على داعش لبيعة “الهفل” واعتباره ممثلًا للجهاديين في دير الزور.
ودعا مؤيدو أبو حفص القرشي إلى تجديد البعية لخليفة داعش الحالي الذي أُعلن عن توليه منصبه، في أغسطس/ آب الماضي، خلفًا لأبي الحسين الحسيني الذي قُتل في اشتباكات مع مقاتلي هيئة تحرير الشام في وقت سابق، واصفين من دعوا إلى تأييد “الهفل” بأنهم شرذمة قليلون.
واعتبر معارضو شيخ قبيلة العيكدات أنه بمثابة “أبو ريشة” آخر، في إشارة لعبد الستار أبو ريشة، رئيس مجلس صحوة الأنبار الذي نظم المقاتلين العشائريين في مجموعات مسلحة للقتال ضد تنظيم دولة العراق الإسلامية (نسخة داعش الأسبق)، قبل أن يغتاله التنظيم في 2007.
أيام من القتال في دير الزور
واندلع القتال في دير الزور، قبل أقل من أسبوعين، عقب اعتقال قوات سوريا الديمقراطية لأحمد الخبيل المكنى بـ”أبو خولة”، قائد مجلس دير الزور العسكري، وهو أحد المكونات المنضوية تحت لواء “قسد” وإطلاقها حملة أمنية في دير الزور وصفتها بأنها لتعزيز الأمن.
وانخرط شيخ قبيلة العكيدات إبراهيم الهفل في المواجهة ضد قوات سوريا الديمقراطية بدعوى أنها ارتكبت انتهاكات خلال حملتها الأمنية، بيد أن “قسد” تنفي الاتهامات التي وجهها إليها الشيخ العشائري الذي اختفى عن الأنظار منذ أيام ليبقى مصيره مجهولًا، بحسب ما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان في بيان حديث له.
وادعى اللواء مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية في تصريحات له، أن مقاتلي العشائر تلقوا دعمًا من أطراف أخرى منها النظام السوري لاستهداف قوات قسد، وفق قوله.
وبحسب مصدر مقرب من قوات سوريا الديمقراطية، رفض الإفصاح عن هويته، فإن النظام السوري وحلفائه الإيرانيين حركوا الأمور من خلف الستار ودعموا مقاتلي العشائر الذين خاضوا المعارك الأخيرة ضد قوات “قسد”، لكن الأخيرة نجحت في حسم الأمور وتوجيه ضربة موجعة لهم.
وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية أنها حسمت المعارك في دير الزور وأن القتال توقف لكن نفي شيوخ من قبيلة العكيدات ونشطاء إعلاميين انتهاء القتال كما نشر إبراهيم الهفل تسجيلًا صوتية من مخبأه المجهول تعهد فيها بمواصلة القتال ضد “قسد”، على حد تعبيره في التسجيل الذي لم يتم التحقق من صحته وتاريخه من مصدر مستقل
داعش على خط الأزمة
ومن جهته لم يفوت داعش فرصة الاقتتال الذي اندلع بين قوات سوريا الديمقراطية والعشائر العربية، وحاول التنظيم توظيف تلك الاشتباكات لكسب أنصار جدد واستقطاب مقاتلين من أبناء العشائر.
ونشرت صحيفة النبأ الأسبوعية، الناطقة بلسان داعش، مقالًا افتتاحيًا في عددها 406 وصفت فيه الاقتتال بأنه صراع بين مكونين عربي وكردي كلاهما قاتل ضد التنظيم، معتبرًا أنهم يجنون ثمرة اتحادهم وقتاله ضد التنظيم، على حد تعبير الصحيفة.
وأضافت الصحيفة في افتتاحيتها أن الاقتتال الأخير “قتال جاهلي في سبيل الطاغوت” ودعت العرب في مناطق شرق الفرات إلى الانضمام لتنظيم داعش والقتال معه ضد قوات سوريا الديمقراطية، مردفةً أنهم حازوا الأمن عندما كان داعش يسيطر على تلك المناطق ولن يحصلوا عليه مجددًا، وفق ادعاء الصحيفة.
وعلى نفس المنوال، نشرت مؤسسات إعلامية مناصرة تصميمات جرافيكية ومقاطع مرئية حول الاقتتال في دير الزور، استنادًا إلى ما نشرته داعش في صحفيتها الرسمية.
واعتبرت مؤسسة التقوى الإعلامية، وهي إحدى مؤسسات التنظيم الدعائية المناصرة والتي تدار بالتنسيق مع ديوان الإعلام المركزي لداعش، أن العشائر العربية فقدت الأمن بعد طرد التنظيم من مناطقها وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية عليها، قبل سنوات.
كما نشرت مؤسسة “أتباع الصحابة”، وهي مؤسسة دعائية مناصرة، مقطعًا مرئيًا بعنوان “رسالة إلى أبناء دير الزور وغيرها من مناطق الأكراد”، استهلته بلقطة سابقة لمبايعة مجموعة من أبناء العشائر على رأسهم إبراهيم الهفل نفسه للتنظيم إبان سيطرته على مناطق دير الزور، مردفةً أن القتال الحاصل هو تصفية حسابات بين الأكراد وأبناء العشائر العربية، على حد قولها.
ودعت المؤسسة أبناء العشائر العربية للانضمام إلى صفوف داعش دون التقيد بالولاء لأي شخص، في إشارة لشيخ قبيلة العكيدات إبراهيم الهفل، وهو ما يعكس رغبة التنظيم الاستفادة من التوترات الأخيرة من أجل اجتذاب مقاتلين جدد وتوظيفهم في الهجمات التي يشنها ضد قوات سوريا الديمقراطية وغيرها من خصوم داعش في المنطقة وخارجها.
ومع أن أبناء القبائل العربية لم يُظهروا استجابة حقيقية للدعوات الداعشية إلا أن استمرار القتال داخل دير الزور يصب في مصلحة التنظيم عبر مساهمته في إضعاف قوات سوريا الديمقراطية وتشتيتها من خلال فتح جبهات عديدة ضدها لاستنزافها وجعلها خائرة القوى بحيث تفقد سيطرتها الأمنية على مناطق تواجدها في شمال شرق سوريا، وهو ما يمنح التنظيم فرصة ذهبية لإعادة بناء شبكاته والعودة من جديد.
وينتهج داعش، منذ انهيار خلافته المكانية، أسلوب الحرب الاستنزافية والذي يعتمد على اتباع تكتيكات لاستنزاف خصومه عسكريا وماديا ولوجيستيا للوصول إلى كسر عزيمتهم وإفقداهم الإرادة على القتال، ويحاول التنظيم أيضًا استغلال الفرص السانحة واللعب على التناقضات المختلفة حتى يتمكن من إيجاد موطئ قدم لنفسه مرة أخرى في المناطق التي طُرد منها.
خبراء: الاقتتال في دير الزور يصب في مصالح داعش
وفي هذا السياق، قال الدكتور مصطفى أمين، الباحث في شؤون الجماعات، إن الاشتباكات التي حصلت بين قوات سوريا الديمقراطية والعشائر العربية، مؤخرًا، في دير الزور ستخدم مصالح داعش خصوصًا أنها حدثت في مناطق رخوة يسعى التنظيم للاستفادة منها بشكل كبير.
وأضاف “أمين” في تصريحات لـ”أخبار الآن” أن محاولات إضعاف قوات سوريا الديمقراطية وتقويض سيطرتها على الأوضاع في مناطق شرق الفرات ستصب في مصلحة داعش الذي يسعى بدوره لاستقطاب أبناء العشائر العربية السنية المتواجدة في تلك المنطقة وضمهم لصفوفه.
وأوضح أن المناطق التي شهدت الاشتباكات الأخيرة كذبيان والبصيرة وغيرها هي مناطق نشاط تقليدية لتنظيم داعش ولا يكاد يمر أسبوع دون أن يُنفذ التنظيم هجمات فيها، سواء عن طريق استهداف الارتكازات الأمنية الثابتة لقوات سوريا الديمقراطية أو عن طريق عمليات الاغتيال التي ينفذها التنظيم لأفراد قوات سوريا الديمقراطية والمتعاونين معها بما في ذلك أبناء العشائر العربية الموالين لسوريا الديمقراطية.
وأشار الدكتور مصطفى أمين إلى أن محاولات داعش لاستقطاب العشائر العربية خاصةً في مناطق شمال شرق سوريا وغيرها لم تتوقف، مضيفًا أنه يسعى لاجتذابهم إلى صفوفه ومن ثم الدفع بهم في عمليات كبيرة قد يكون من بينها محاولة تحرير سجناء التنظيم لدى قوات سوريا الديمقراطية عن طريق مهاجمة السجون ضمن ما يُطلق عليه حملة “هدم الأسوار”.
واعتبر “أمين” أن حالة السخط الموجودة لدى بعض المكونات العربية ضد قوات سوريا الديمقراطية يمكن أن يلعب عليها داعش ليعمل على تجنيد أبناء تلك المكونات مما يساعده في إعادة بناء شبكاته وترميم تنظيمه المتضرر في الفترة المقبلة.
ويتفق صبرة القاسمي، الباحث في الحركات الجهادية، مع ما ذهب إليه الدكتور مصطفى أمين، قائلًا إن داعش يستغل أي فرصة أو شقاق بين قوات سوريا الديمقراطية وغيرها بما في ذلك العشائر العربية من أجل النشاط في مناطق الرخاوة الأمنية كبعض مناطق دير الزور وغيرها.
وأردف “القاسمي” في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن داعش سعى لإحداث هذا الشقاق منذ فترة كبيرة، وخاطب العشائر العربية من أجل كسبها إلى صفوفه لكنه فشل في ذلك وهو الآن يسعى لأن يستفيد من الأزمة التي اندلعت والاقتتال بين قوات سوريا الديمقراطية وهذه العشائر حتى يتمكن من تحقيق أهدافه في شمال شرق سوريا.
وأكد الباحث في الحركات الجهادية أن داعش يلعب على وتر المظالم المحلية ويسعى لتثوير العشائر ضد قوات سوريا الديمقراطية، معتبرًا أن دعاوته المتكررة وشحنه ضد قوات قوات سوريا الديمقراطية ترسخت في العقل الباطن لدى بعض أبناء العشائر وساهمت في تأجيج الصراع الأخير الذي يفيد التنظيم للغاية.
ولفت “القاسمي” إلى المناطق التي شهدت الاقتتال بين سوريا الديمقراطية والعشائر العربية هي بؤر ملتهبة تشهد أسبوعيًا هجمات لتنظيم داعش، وإن كان نشاطه انخفض بشكل عام مقارنة بما قبل، لكن استمرار الصراع يخدم مصالح داعش ويساعد في تقويته وإحداث حالة من الهرج والمرج في المنطقة، وذلك بدعم من قوى إقليمية تسعى لتحقيق أهداف سياسية من وراء تلك الحالة.
الخلاصة:
ويتضح من سياق الأحداث الأخيرة اهتمام داعش الكبير بالتطورات في دير الزور وما وقع فيها من اقتتال بين قوات سوريا الديمقراطية قوات سوريا الديمقراطية والعشائر العربية، إذ يسعى التنظيم لتوظيف هذه الأحداث لتدليل على صحة دعواته لأبناء العشائر للانضمام إلى التنظيم باعتباره ضمانة لهم في مقابل قوات سوريا الديمقراطية، وهو أسلوب دعائي قديم اتبعه داعش في العراق ثم في سوريا.
ويلعب التنظيم على وتر المظالم المحلية محاولًا استغلال مناطق الأطراف التي يضعف فيها الضبط الأمني للتغلغل والانتشار واستخدامها كقاعدة انطلاق إلى مناطق أخرى، وهو ما يظهر جليًا في مناطق ذبيان والبصيرة وغيرها بدير الزور والتي تعد مناطق نشاط تقليدية للتنظيم.
ويكشف الاقتتال الأخير أن النزعة العشائرية هي جزء من التمرد المسلح الذي تشنه مفارز تنظيم داعش في مناطق دير الزور وغيرها، إذ أن بعض مناصري داعش سارعوا إلى الاحتفاء بإبراهيم الهفل شيخ قبيلة العكيدات باعتباره رمزًا للقتال ضد قوات سوريا الديمقراطية، رغم أن التنظيم أعلن رسميًا أنه يُكفر المنخرطين في هذا القتال باعتباره “قتالا جاهليا” من منظوره، لكن هذا لم يمنع بعض المحسوبين عليه من تأييد “الهفل”.
ولعل داعش كان أكبر المستفيدين من هذا الاقتتال والذي منحه فرصة إضافية لاستثارة العشائرة العربية واستقطاب أبنائها ودعوتهم للانخراط في صفوفه للقتال ضد قوات سوريا الديمقراطية، وهي لعبة يجيدها التنظيم الذي لطالما لعب على المتناقضات من أجل تحقيق مصالحه الذاتية.