“عدونا هنا وليس أمريكا”.. شعارات المحتجون منذ وفاة مهسا أميني
- تعرض الإصلاحيون للإقصاء من البرلمان عام 2020 ومن الحكومة عام 2021
- النظام الإيراني حاول في ظل انهيار شرعيته اللجوء إلى استمداد الشرعية الدينية من الحوزة الدينية
تحل اليوم الذكرى الأولى لمقتل الفتاة الكردية، مهسا أميني، بعد تعذيبها على يد شرطة الأخلاق في 16 سبتمبر/أيلول 2022، وكثف النظام الإيراني حملاته الأمنية بعد أن أدرك أنه لم يعد لديه سوى عصا القمع بعد انفضاض القطاع الأكبر من مؤيديه، فقد تصدع المعسكر الموالي له خلال هذه الأزمة، وامتدت تلك الخلافات لترسم شروخًا عائلية وجيلية وسياسية ساهمت في إضعاف جبهة النظام.
شروخ في معسكر المرشد
على مدار أشهر طويلة من الاحتجاجات ظهر بوضوح ضآلة نسبة مؤيدي النظام بالنظر إلى الاتساع الكبير لحجم الاحتجاجات طوليًا وعرضيًا؛ فقد عمت جميع أنحاء البلاد، وامتدت لتشمل كل الشرائح والطبقات الاجتماعية.
كما تطاير شررها فألهب مشاعر السخط على النظام في معاقل تأييده الرئيسية فكانت مناطق تمركز العرق الفارسي ومعتنقي المذهب الشيعي الإثنا عشري تشتعل بالاحتجاجات ويُضحي أبناؤها بدمائهم لقول كلمة الحق في وجه نظام المرشد الجائر.
وفضلًا عن ذلك فإن كثيرين كان يُتوقع وقوفهم بجانب النظام قرروا التهرب من هذا الاستحقاق مما أوقع أزمة ثقة بين مكونات التيار الموالي للمرشد، وجعل هؤلاء الذين يُطلق عليهم “الخواص” عُرضة للانتقاد واللوم، مع تلكؤهم في اتخاذ مواقف مؤيدة للنظام أو المشاركة في قمع التظاهرات.
فانتقد غلام حسين غيب بور، أحد ممثلي المرشد الأعلى في الحرس الثوري، صمت الخواص، وقال في تصريحات نقلتها وكالة «إيسنا» الحكومية إن مقربين من النظام تركوا الثورة وحيدة، وكذلك اعتبر مستشار رئيس الجمهورية لشؤون رجال الدين، رضا تقوي، أن “صمت الخواص” ليست أقل ممن وصفهم بـ “مثيري الشغب”.
كما نقل التلفزيون الرسمي تصريحات لحميد آباذري، بصفته مستشار بالحرس الثوري، انتقادات لصمت رموز النخبة الحاكمة قائلا “لماذا لا تتحدث؟ ألا ترى ما يفعلونه بهذا النظام؟ ماذا يقولون للسيد خامنئي(المرشد)؟.. قف وتكلم، أكلت خبز الثورة، وتصمت الآن، عندما حان وقت للدفاع عنها؟! أنا قائد في الحرس، لا أعرف ماذا سيحدث غدا، بعد أن رأيت بأم أعيني تساقط القادة العظماء، وتخاذل قادتي الذين أصيبوا في الحرب، بوقوفهم في وجه سيدهم ونظامهم”.
ونظرًا للتأثير السلبي الذي نجم عن تصريحات آباذري، أصدر الحرس الثوري بيانًا ينفي كونه مستشارا بالحرس، ويصف تصريحاته بالآراء الشخصية، مما أثار حالة من التندر لأن الحديث تم بثه على التلفزيون الرسمي الذي يتبع للمرشد الأعلى مباشرة، وتم تقديمه بهذه الصفة التي نفاها الحرس الثوري.
وأوضحت تصريحات كبار المسؤولين خلال اشتعال الأزمة بدايةً من المرشد الأعلى إلى من دونه أن قطاعًا من المقربين من النظام قرروا النأي بأنفسهم عنه في أزمته، خوفًا من ربط مصيرهم به بعدما صار استمراره محل شك واتضح جليًا رفض الأغلبية الساحقة له.
وسواء كان هذا الموقف ناجمًا عن الخوف من انهيار النظام وفقدان الثقة بإمكانية استمراره، أو كان ناتجًا عن تغير قناعات هؤلاء الخواص فإن النتيجة واحدة، وسواء بقيت قناعاتهم بولاية الفقيه لكن رأوا أن المرشد الحالي حاد عن نهج الخميني المؤسس، أو فقدوا الثقة بهيكل الحكم والنظرية بكاملها فالنتيجة واحدة وهي أن الموالين غير مستعدين لنصرة النظام.
محاولات الإصلاحيين لركوب الحراك
وفي ظل محنة النظام، أطل التيار الإصلاحي برأسه في المشهد محاولاً استغلال الفرصة للعودة إلى السلطة عبر ركوب الحراك الثوري وحمل لواء التغيير.
وتعرض الإصلاحيون للإقصاء من البرلمان عام 2020، ومن الحكومة عام 2021 بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية حسن روحاني وتولية إبراهيم رئيسي المقرب من المرشد.
ففي الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة منع مجلس صيانة الدستور مرشحي التيار الإصلاحي من مجرد تقديم أوراقهم في الانتخابات، وتم تغليب كفة التيار المتشدد المقرب من المرشد الأعلى، لذلك حاول الإصلاحيون إعادة ولو بعض التوازن مع غرمائهم في السلطة على اعتبار أن الأهون أن يأتي التغيير بيد هذا التيار بدلا من يد المتظاهرين التي تود الإطاحة بالمنظومة الحاكمة.
فبعد صمت طويل، ظهر الرئيس السابق حسن روحاني وعقد اجتماعًا حضره نائبه اسحاق جهانكيري وأعضاء حكومته السابقة والمحافظين الذين خدموا في عهده، وأظهر رفضه لسياسات النظام، واعتبر أن عدم السماح للمواطنين باختيار ممثليهم عبر صناديق الاقتراع هو الذي دفع بهم إلى الشارع للاحتجاج، في إشارة إلى أن إقصاء الإصلاحيين سبب المشكلة وأن عودتهم هي الحل.
وحمّل روحاني المتشددين مسؤولية إفشاله خلال فترة رئاسته، زاعمًا أنه كان على وشك توقيع اتفاق خاص بالملف النووي يرفع العقوبات عن الدولة، في محاولة للتنصل من المسؤولية عن تدهور أوضاع البلاد الاقتصادية بسبب العقوبات في عهده.
وكان روحاني حاول التحرك قبل ذلك بخمسة أشهر لكنه تلقى تهديدًا علنيًا من نائب برلماني مقرب من المرشد قال إن روحاني من “المفترض أن يكون خلف القضبان”، وعقب محاولته الثانية هاجمته الصحف المتشددة واتهمته بأنه سبب عزوف المواطنين عن التصويت بسبب الأداء المخيب لحكومته، ووصفت صحيفة كيهان ميزانية آخر عام لحكومته بأنها “أكبر عملية احتيال في تاريخ البلاد”.
ولم تكتسب تحركات الإصلاحيين مصداقية كبيرة لدى المحتجين، فرغم اختلافهم مع تيار المرشد الأعلى لكنهم في النهاية في نظر المواطنين جزء من النظام أرادوا إنقاذه لا الإطاحة به، كما أن روحاني شارك في خدمة سياسات المرشد وقمع موجات الانتفاضة، وبعد خروجه من السلطة حاول تصفية حساباته مع المتشددين والظفر بمكاسب لتياره السياسي.
فالشعب الإيراني فقد الثقة في الإصلاحيين بعدما خذلوه مرارًا وأثبتوا أن وجودهم في السلطة لا يؤدي إلا لإطالة عمر النظام، وأن دورهم هو امتصاص مشاعر السخط الشعبي واحتواء المعارضين وتصدير الإصلاحيين كممثلين لهم دون أي تغيير جذري، ففي عهد روحاني انطلقت موجات متتالية من التظاهرات تصدت لها الحكومة “الإصلاحية” وقمعتها، بدايةً من ديسمبر/ كانون الأول 2017، وصولا إلى ثورة البنزين في نوفمبر/ أيلول 2019.
وبموازاة خلافات الإصلاحيين والمتشددين، بدأت وجوه متشددة تروج للتغيير الداخلي كبديل عن إسقاط النظام، مثل محمد باقر قاليباف، رئيس مجلس الشورى الحالي، الذي تحدث مؤخرا مرارًا عن ضرورة تغيير طريقة الحكم، وبشر بنموذج حكم جديد، وكذلك تقرير لجنة الشؤون الداخلية بالبرلمان، مما يشير إلى وجود توجه عام لدى النظام للعزف على هذه النغمة لتهدئة المعارضة، وبالطبع اتضح عدم مصداقية هذه الكلمات التي تناساها قائلوها بعد توقف الاحتجاجات ولم يعد هناك حاجة لها.
اللجوء إلى الحوزة الدينية
حاول النظام -في ظل انهيار شرعيته وتزايد المطالبات برحيله- أن يلجأ إلى استمداد الشرعية الدينية من الحوزة الدينية في مدينة قُم المقدسة في المذهب الشيعي جنوب طهران، فهو نظام ديني تعتمد شرعيته على تمثيله لقيم مذهبية من المفترض أن معظم الشعب يقدسها.
وعلى عكس ثورة عام 1979 حين كانت المشاعر الدينية في أوجها، وكان المتدينون الشيعة يُضحون بأرواحهم في سبيل الثورة على ظلم الشاه، امتلك المتظاهرون ضد الحكم الديني هذه الروح الثورية الفدائية خلال احتجاجات مهسا أميني، ولم يجد النظام سوى القوات المدججة بالسلاح وعصابات الشبيحة لقمع التظاهرات بالعنف والترويع والقتل.
فقد توجه نائب رئيس الجمهورية، محمد مخبر، وبعض قادة الحرس الثوري في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى قُم للالتقاء برجال الدين الكبار طلبا لدعمهم في مواجهة الانتفاضة، لكن النتيجة كانت مخيبة للآمال.
فمعظم المراجع رفضوا استقبال نائب الرئيس ووزير الاقتصاد قبل حل الأزمة، أما مرجع التقليد الشيعي، ناصر مكارم شيرازي، وكذلك عبدالله جوادي الآملي، أحد أبرز مراجع تقليد قُم، فقد وجها انتقادات حادة للنظام.
ومرة أخرى في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أجرى رئيس مجلس الشورى، محمد باقر قاليباف، زيارة إلى مدينة قم اجتمع خلالها بكبار المراجع الدينية أيضًا مثل مكارم شيرازي و نوري همداني وجوادي الآملي وجعفر سبحاني فوجدهم يطالبون بإجراء إصلاحات توقف حالة التدهور وينتقدون الحكومة وتصرفاتها.
التصدعات العائلية
طفت إلى السطح خلال الاحتجاجات مواقف معارضي النظام ممن ينتمون إلى عائلات كبار القادة، بدايةً من عائلة المرشد الأعلى، علي خامنئي، الذي اعتقل فريدة مرادخاني، ابنة أخته، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بعد تسجيلها مقطع فيديو معارضًا لحكمه وتنظيمها حملة لدعم المعتقلين.
ولم تكن تلك المرة الأولى التي اعتُقلت فيها فريدة على يد خالها، كما أن والدها الشيخ علي طهراني كان عضوًا بمجلس خبراء الدستور قبل أن ينشق ويُعارض النظام ليلقى مصرعه في معتقلات صهره تحت التعذيب بحسب نجله محمود مرادخاني.
كما تبرأت بدرية خامنئي، أخت المرشد، من أخيها بعد اعتقال نجلتها في رسالة مفتوحة نشرها نجلها محمود على موقع تويتر، أدانت فيها أفعال أخيها، وتضامنت مع الأمهات اللواتي فقدن أبنائهن على يد نظام أخيها الذي “لم يجلب سوى المعاناة والقمع”.
فریده مرادخانی، خواهرزاده علی خامنهای در ویدیویی که به تازگی از او منتشر شده است در مورد خیزش سراسری ایرانیان اظهار نظر کرده و خواستار واکنش جدیتر سازمانهای بین المللی شد. pic.twitter.com/lrkMmZG4VQ
— اتاق خبر منوتو (@ManotoNews) November 26, 2022
وكذلك تم اعتقال فائزة بنت الرئيس الأسبق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي أوصل خامنئي إلى منصب المرشد الأعلى عام 1989، ورأس مجلس تشخيص مصلحة النظام، ووجه أبناؤه اتهامات للنظام باغتياله عام 2017.
واعتقلت فائزة في سبتمبر/أيلول الماضي، أي منذ بداية الحراك الشعبي منذ عام تقريبًا، وقبلها سُجن أخوها مهدي سنوات طويلة بعد تأييده ترشح مير حسين موسوي، زعيم الحركة الخضراء المعارضة، وتقدمت عائلة رفسنجاني بطلب للإفراج عن ابنتهم من خلال مناشدة سُميت “رسالة المعاناة”.
وأكدت الأسرة أنه تم استبعاد اثنين من أشقاء فائزة الأربعة من الترشح للانتخابات، وطردت أختها من التدريس -خلافا للقانون- في الجامعة التي أسسها والدها، وجميعهم يتعرضون للضغوط، ونفد صبر أمهم التي عانت طول حياتها عند بوابات السجون في عهد الشاه والملالي على حد سواء.
لكن فائزة نشرت يوم الأربعاء 8 فبراير 2023، رسالة مفتوحة موجهة إلى رئيس السلطة القضائية الإيرانية، غلام حسين محسني إيجئي، تعهدت فيها بمواصلة نشاطها السياسي المعارض، مؤكدة: “أتعهد بمواصلة نشاطي حتى لو أفرج عني”، فتم الحكم عليها بالسجن خمس سنوات ومنعها من مغادرة البلاد.
كما نقل موقع جماران القريب من أسرة مؤسس الجمهورية، روح الله الخميني، تصريحات أدلى بها حفيده علي، دعم الاحتجاجات ودعا إلى تسليم الحكومة إلى شعب إيران، قائلا: “يمكن القول على وجه اليقين إنهم سيطبقون الإسلام أفضل منا”.
وكانت “وول ستريت جورنال” قالت إن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي السابق، علي شمخاني، لجأ إلى عائلتي الخميني ورفسنجاني لمساعدة السلطات في تهدئة المحتجين، لكن العائلتين رفضتا التجاوب.
جيل أفلت من أيدينا
لاحظ أركان النظام وجود فجوة جيلية بينهم وبين الشباب الذين لم يعيشوا أجواء الحماس الديني في السبعينات ولم يحضروا الحرب مع العراق، ولم يجدوا الملالي سوى حكامًا مكروهين مفروضين بالقوة عليهم يحصون أنفاسهم ويراقبون سلوكهم.
والأدهى أنهم يُناقضون ذلك في حيواتهم الشخصية فيستمتعون بمباهج الحياة ويطلبون من العامة الصبر، بينما تزكم قصص الفساد أنوف العامة وهم يسمعون عن سرقة المليارات في صفقات الحرس الثوري الغامضة كقضية مرجان شيخ الإسلامي التي يقدر حجم المبالغ المنهوبة بها بثمانية وثلاثين مليار دولار.
وصُدم قادة النظام بهذا الجيل الذي خرج من بيوتهم؛ إذ تحدث عضو مجلس الشورى، ويس كرمي، عن “انخداع” مجموعة من الشباب “بعضهم من عائلات محترمة ومقاتلة” في إشارة لخروج متظاهرين من بيوت موالية للنظام، وقال رئيس البرلمان السابق، علي لاريجاني: “الشباب الذين نزلوا إلى الشوارع أبناؤنا”.
وقد أوضحت الانتفاضة حقيقة أن الجيل الصاعد يعد المرشد وحاشيته والحرس الثوري أعدى أعدائه، وفي المظاهرات تُرفع شعارات متكررة من قبيل “عدونا هنا وليس أمريكا”، و”الموت للديكتاتور” في استبدال لشعار “الموت لأمريكا” الشهير الذي رفعه النظام لعقود.
ومنذ الشهر الأول للاحتجاجات اعترف الجنرال عزيز الله ملكي، قائد قوات الشرطة بمحافظة جيلان بأن “معظم المحتجين من مواليد العقد الأول من الألفية الثانية”، ورصدت تقارير هذه الفجوة التي عبر عنها المحقق الرئيسي مع المعتقلين الذين تقل أعمارهم عن عشرين عاما، قائلا: “أُجري أصعب عمليات استجواب في حياتي.. لا أفهم ما يقولون ولا يفهمون ما أقول”.
وانتشرت فعاليات خلع الحجاب وخطف العمائم من على رؤوس رجال الدين حتى بات بعضهم يسير حاسر الرأس خشية مهاجمته من المحتجين، لذلك تكرر على ألسنة الموالين حديثهم عن ضرورة استعادة الجيل الذي أفلت من أيديهم وتطوير خطاب وسائل الإعلام لهذا الغرض.
ومع انتشار وسائل دعائية لتشويه صورة الاحتجاجات فإنها لم تستطع تحويل الدفة، وذلك لأسباب من أبرزها أنها تناقض الحقائق التي يراها الشباب بأعينهم؛ مثل الفيديوهات الكارتونية التي تُظهر المحتجين يقتلون بعضهم بعضًا فقط لاتهام قوات الباسيج والشرطة بذلك، بينما تظهر هذه القوات تتفرج على الاحتجاجات دون أن تعتدي أو تعتقل أو تقتل أحدًا!!
استحضار روح ثورة الحسين
وفي مقابل هذه التصدعات السياسية والجيلية والعائلية وعودة الضوء على الانقسامات بين مكونات النظام كالحزازات بين الجيش النظامي والحرس الثوري، والخلافات بين مراكز القوى المختلفة، لكن المعارضين كانوا على الضد من ذلك فقد قربتهم الاحتجاجات من بعضهم البعض.
ففي مقابل التصدعات التي ضربت معسكر المرشد، فإن معسكر الشعب بات أكثر ما يكون التحامًا؛ فالقوميات المختلفة اجتمعت على هدف مشترك وهو رفض استمرار حكم المرشد، وأبناء المذاهب المختلفة اجتمعوا على ذات الهدف أيضًا، وانضم المتدينون والمحجبات للتظاهرات والاحتجاجات في نضال موحد ضد النظام الذي يقمع الجميع.
وبدأت المجموعات المعارضة في الخارج تخطو خطوات للتنسيق فيما بينها، رغم ما بينها من مسافات كبيرة وما يواجه هذا التنسيق من صعوبات جمة، لكن بات الشباب الإيراني يرى بصيص أمل للخلاص من حكم المرشد، وانتشرت هذه الروح في كل القطاعات والأنحاء، رغم عدم نجاح المعارضين في توحيد صفوفهم، وعجزهم عن استغلال هذه الروح الثورية وترجمتها إلى عمل تنظيمي موحد، فظهروا كقوى كثيرة مبعثرة في مواجهة نظام يقاتل باستماتة بعد أن بدا على وشك السقوط.
وفي أول ذكرى ليوم عاشوراء بعد الاحتجاجات في 28 يوليو الماضي ظهر كيف أن القطاع المتدين أدار ظهره للنظام بشكل كبير، فحتى المحتفلون بهذه المناسبة الدينية استحضروا روح ثورة الحسين ضد الحاكم الظالم وقارنوها باحتجاجهم ضد حكم المرشد الأعلى، على عكس طريقة النظام في إقامة هذه الطقوس حيث يركز على البكاء على الحسين مجردًا من الروح الثورية لملحمته.
ورغم توقف التظاهرات فإن روح الترقب هي المهيمنة على المشهد الذي يبدو قابلًا للاشتعال في أية لحظة في انتظار شرارة جديدة كمقتل جينا (مهسا أميني)، فعلى مدار خمس سنوات خلت تموج إيران بالاحتجاجات المتتالية كموج البحر الذي لا يهدأ، كلما كُسرت موجة تبعتها أخرى حتى تآكلت قواعد النظام من نخر هذه الأمواج الغاضبة، ولم يعد النظام الديني قادرًا على إقناع جمهوره، فتعرى من حواضنه وفقد لديهم مبرر وجوده.