رسالة جديدة وعدم إعلان الأمير الجديد مستمر
نشرت مؤسسة السحاب، الذراع الإعلامية للقيادة العامة في تنظيم القاعدة، إصداراً جديداً من مجلة “أمة واحدة”، وذلك في الذكرى الـ22 لهجمات الحادي عشر من سبتمبر في العام 2001، وبخلاف -توقعات عدد كبير من الخبراء- الذين توقعوا الإعلان عن زعيم تنظيم القاعدة الجديد، خُصص العدد لنشر سيرة اثنين من منفذي الهجمات، الأول العقل المنفذ لتلك الهجمات وهو محمد عطا، والذي قاد الطائرة التي هدمت البرج الشمالي في نيويورك، والثاني هو هاني حنجور الذي قاد الطائرة التي هاجمت وزارة الدفاع (البنتاغون).
وبعد أكثر من عام على مقتل أيمن الظواهري – الذي قتل في غارة أمريكية في يوليو من العام 2022، يجد تنظيم القاعدة، وزعيمه الفعلي سيف العدل؛ في مأزق كبير نتيجة وجود “العدل” في إيران، وهو الأمر الذي لا يتقبله أنصار التنظيم.
إلى متى يمكن أن تستمر منظمة متشددة كالقاعدة بدون إعلان قائد لها؟ ما زال سيف العدل عاجزًا عن الإجابة على هذا التساؤل.
ومع فشله في التغلب على إصابته متلازمة طهران، قرر سيف العدل اللجوء لحيل مختلفة كي لا يفلت منه زمام قيادة التنظيم، وبدأ في بحث الخطط البديلة، لكن مع انقسام طالبان حول دعم القاعدة، تظل أفغانستان أرضًا محفوفة بالمخاطر بالنسبة لقادة التنظيم، لذا يركز اهتمامه على اليمن لتكون البديل والمنطلق، ويتضح ذلك من خلال متابعة تحركاته العام الماضي التي تكشف بوضوح أن اليمن هو مسرح الخطة البديلة -على الأقل- لدى الأمير الفعلي للقاعدة.
ويسعى سيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان)، الزعيم الفعلي لتنظيم القاعدة، لشرعنة قيادته من خلال تمكين نجله خالد (ابن المدني) من التحكم في قرار فرع اليمن، أحد أهم وأبرز أفرع القاعدة حول العالم، ليحكم التنظيم الدولي من خلاله وفق رؤيته المتوافقة مع المشروع الإيراني.
وبذلك تصبح اليمن عاصمة التنظيم المركزي للقاعدة إما عن طريق ابن المدني أو بانتقال والده إليها وفق صفقة جديدة مع الحرس الثوري الإيراني، ليستطيع بذلك تخطي عقبة عدم الاعتراف بشرعية إمارته لكونه مقيم في طهران في حكم الأسير، وهو ما يمنعه حتى اليوم من طلب البيعة له ليترأس التنظيم رسميًا.
ويسابق سيف العدل ونجله الزمن لإنهاء هذا الوضع الحرج الذي تسبب في إبقاء القاعدة بلا زعيم لأكثر من عام منذ اغتيال أيمن الظواهري في نهاية يوليو 2022، ويسعى نجله لحرق المراحل للوصول إلى قيادة فرع اليمن وفقًا لهذا المخطط المحكم الذي تم إعداده في إيران.
وقد نجحت”أخبار الآن” في فبراير الماضي في فضح هوية خالد محمد صلاح الدين زيدان، المكنى بـ”ابن المدني“، وكشفت كيف أن ضعف القيادة والفتن الداخلية التي حلت على تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وفرت لسيف العدل الكثير من الفرص لاختطاف قرار التنظيم، وزرع ابنه بين قادته، يحاول الرجل اليوم التمهيد لتصعيد ابنه ليتخطى باقي القادة الأقدم والأكبر منه.
وتعمقت ورطة القاعدة بعد تزايد الانتقادات لها مؤخرا من الجهاديين كأبي ماريا القحطاني، القيادي في هيئة تحرير الشام، الذي كرر اتهاماته لها بالعمالة لإيران في 21 يوليو الماضي، كاشفًا عن عقدها اجتماعات مع الحرس الثوري اجتماعات في طهران وبيروت.
وأزعجت هذه الاتهامات سيف العدل خاصةً وأنها تزامنت مع تقرير حصري لـ”أخبار الآن” صدر في نفس اليوم (21 يوليو) كشف عن سعي التنظيم لإبرام صفقة مع ميليشيات الحوثي المدعومة من طهران، للحصول على أسلحة ودعم لصناعة العبوات الناسفة ليواصل هجماته ضد خصوم إيران في جنوب اليمن.
يأتي هذا في وقت تجتهد فيه الأذرع الإعلامية للتنظيم بغرض تلميع صورة سيف العدل وتضخيم مكانته لشرعنة استيلائه على القيادة، وفي هذا السياق نشرت مؤسسة الملاحم، الذراع الإعلامية لفرع القاعدة في اليمن طبعة جديدة من كتاب “شذرات من تاريخ القاعدة” أصدرها القيادي خبيب السوداني/ إبراهيم القوصي في 19 يونيو الماضي، ظهرت وكأنها تم تحريرها خصيصًا لتلميع سيف العدل، وإعادة صياغة الأحداث لإبراز دوره في التنظيم عبر إقحام أجزاء في النسخة الجديدة تتحدث عنه، ولا عجب في ذلك فأقوال وكتابات سيف العدل وصهره مصطفى حامد من أهم مراجع الكتاب.
وتظهر على غلاف النسخة الجديدة صورة سيف العدل تتوسط عدد من الرموز الجهادية الراحلة، في إيحاء مبطن بأنه هو الرمز الوحيد المتبقي من الرعيل الأول للقاعدة في الوقت الحالي.
كما أصدر السوداني رسائل صريحة وضمنية عن الخلافات الجهادية؛ إذ دعا أواخر يونيو، في إصداره المسمى “تهنئة ومؤازرة”، أتباع القاعدة وخصوصًا جماعة الشباب الصومالية للاحتشاد خلف القيادة وعدم الاختلاف عليها.
ولا يخفى على المتابع أن كل تلك التطورات الأخيرة لا تحدث من فراغ بل ضمن خطوات سيف العدل للإطاحة بإمارة باطرفي، زعيم فرع اليمن، تمهيدًا للسيطرة الكاملة على التنظيم الأم، لأنه بدون السيطرة الكاملة على فرع اليمن سيصبح سيف العدل مثل سلفه، أيمن الظواهري، أي قائدًا شرفيًا للتنظيم بدون أي تأثير يذكر على الأرض.
وقد احتوى التقرير الرابع عشر لفريق الدعم التحليلي ومراقبة العقوبات في الأمم المتحدة الصادر مطلع يونيو الماضي، على تقييمات لمختلف البلدان الأعضاء وخبراء الفريق.
وذكر التقرير أن سيف العدل سافر من مقر إقامته في إيران إلى أفغانستان في نوفمبر 2022 وعاد منها إلى إيران، وأن هذه التحركات هدفها إعادة بناء القدرات العملياتية للقاعدة في أفغانستان.
ومع بقاء إمكانية أن يكون سيف العدل ما زال موجودا هناك ولم يعد إلى إيران (تعتقد دولة عضو أنه ما زال على الأراضي الأفغانية)، فإن هناك احتمالاً ثالثًا مهمًا أيضًا؛ وهو أن الرجل لم يغادر إيران من الأساس، وأن قصة خروجه من هناك مفتعلة سواء بهدف الإيحاء بأنه حر الحركة وليس واقعًا تحت تحكم الإيرانيين، أو لأي غرض آخر، المهم أن هذا الاحتمال الثالث يبقى واردًا في ظل عدم اليقين حول ظروف سيف العدل بسبب التكتم المتعمد المضروب حوله.
“خالد المدني” الطهراني
بعد كشف هوية خالد المدني، نجل الزعيم الفعلي لتنظيم القاعدة، سيف العدل، لا تزال أصداء هذا الكشف تتردد لتتضح لنا جوانب جديدة من مهمة هذا الشاب الذي يعلق والده عليه آمالًا كبيرة ويعده لها انطلاقًا من الأراضي اليمنية.
فمع وجود ابنه في قلب فرع القاعدة في اليمن، يستطيع سيف العدل متابعة تحركات القادة والمرؤوسين عن كثب، والاطلاع بشكل وافي على مواقع ونفوذ كبار القادة الذين يجلس ابنه في وسطهم ويحظى بمكانة خاصة بينهم.
كما يمارس قادة التنظيم في اليمن رقابة ذاتية على أنفسهم في وجود هذا الفتى الذي وظيفته المعلنة أن ينقل لأبيه كل شاردة وواردة.
وبعد أن صار له كلمة ونفوذ بين قادة التنظيم، صاروا يحسبون له حسابًا ويراعون جانبه رعايةً لمنصب والده، وأصبح يُنظر إليه وكأنه مؤتمن على دقة الالتزام بتعليمات أبيه القادمة من إيران.
وبتدقيق النظر في الأمر يتضح بشكل جلي أن إرسال سيف العدل ابنه إلى اليمن منذ عام 2016 ليس خطوة عشوائية وعفوية، بل مثل كل خطوات الزعيم الفعلي للقاعدة، تجري تحت سيطرة الأجهزة الأمنية الإيرانية، وخاصة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الذي يؤويه ويحميه وينسق معه ضد العدو المشترك المتمثل في الدول السنية والعربية منها على الأخص.
فالحرس الثوري صاحب الباع الطويل في “دبلوماسية الرهائن” استطاع تمرير هذه الخطوة ليصبح ليس فقط سيف العدل رهينة في أيديهم، بل أشرف الحرس على إرسال نجله إلى اليمن لتصعيده، حتى إذا نجحت الخطة وسيطر الشاب على التنظيم هناك يصبح أكبر وأهم فرع للقاعدة تحت سيطرتهم مباشرة.
فقد نشأ الشاب في طهران على أعين الحرس الثوري الإيراني وتحت حراسته، ووالده يرتبط بعلاقات قديمة مع الحرس، وجده لوالدته مصطفى حامد المقيم أيضا في إيران، هو عراب التقريب بين القاعدة وطهران، ويعمل بشكل مستمر على الترويج لفكرة التخادم بين الجهاديين العرب والحرس الثوري.
ووالدته أسماء همزة الوصل بين أبيها وزوجها، وقيل إنها كانت تنسق اتصالات زوجها وتنشر مقالاته على الإنترنت عبر موقع أبيها الشخصي “مافا الإيراني”، فشب خالد لا يعرف وطنًا له سوى إيران، وسط عائلة من المصابين بمتلازمة طهران.
وبغض النظر عن القناعات الشخصية لخالد بن سيف العدل فإنه من المتوقع أن يحسب حسابًا في كل خطوة من خطواته لكلام من يحتجزون أسرته بكاملها في قبضتهم حتى لو كان غير مقتنع بأفكارهم، فليس من المتوقع مثلا أن يشن التنظيم تحت قيادته حربًا على الحوثيين التابعين للحرس الثوري في وقت يمسك الحرس برقاب والديه وأشقائه وهو لا يبالي.
وهذا على عكس القيادي اليمني، سعد العولقي، إن آلت إليه قيادة فرع القاعدة في بلاده؛ فالرجل يتبنى بقوة طرحًا يقوم على وقف العمليات في المناطق المحررة والتحالف مع القبائل للتصدي عسكريًا للمشروع الإيراني في اليمن ممثلا في ميليشيا الحوثي.
فقرار نقل خالد إلى اليمن صدر من الحرس الثوري بغض النظر عن صاحب الفكرة في البداية؛ فطالما أن تمكينه من مفاصل قاعدة اليمن يصب في صالح المشروع الإيراني، تم فتح الأبواب أمامه للسفر إلى وجهته المُختارة بعناية.
ففي مطلع عام 2016، أوفد قاسم الريمي، القائد السابق للقاعدة في اليمن، مجموعة تحت إمرة القيادي رشيد الصنعاني، بحرًا وبحوزتهم مبالغ نقدية كبيرة إلى منطقة نائية على الساحل الإيراني الجنوبي، وهناك التقوا سيف العدل وعددًا من ضباط الحرس الثوري وتلقوا بعض التعليمات منه، وطلب من الصنعاني اصطحاب نجله خالد معه إلى اليمن تحت حجة إدارة التواصل بين باطرفي وطهران، ولكن خطط الرجل لابنه كانت أعمق مما يبدو.
فبالإضافة إلى رغبته الشخصية بالطبع في إكساب نجله خبرات قتالية والاحتكاك بالبيئة الجهادية في الخارج، وتأهيله للقيادة مستقبلًا، فإن وجوده هناك يعزز من قبضة والده على التنظيم.
وتكنى خالد بـ”ابن المدني” وأصبح رسميا قناة الاتصال بين أبيه وخالد باطرفي، زعيم فرع اليمن، وبعد فترة من التربص والانتظار والمراقبة والشغف بكل التفاصيل، لم يعد يقنع بوظيفة نقل الأخبار والاتصالات، وبات ذراع والده هناك، وصار له دور قيادي وتأثير واضح على قرارات الجماعة، وصار يقال إن ابن المدني يدعم خطة كذا أو يرفض فكرة كذا، وأصبح رقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه، والكل يعتمد عليه، وزادت قيمته وأهميته عقب مقتل أيمن الظواهري، الزعيم الراحل للقاعدة، في نهاية يوليو 2022، إذ أصبح والده القائد الفعلي للتنظيم.
كما أن تصعيده يساعد والده على التغلب على معضلة الشرعية؛ لأن وجوده في قمرة قيادة فرع اليمن يشكل دعمًا لقيادة أبيه العامة للتنظيم ويجعل من الصعب التشكيك في صلاحيته للقيادة رغم وجوده في إيران.
فبحسب وثيقة وقعها قادة التنظيم عام ٢٠١٤، يبدو أن الظواهري اشترط أن يكون من يخلفه موجودا في أفغانستان أو أحد أفرع التنظيم، وبالتالي، إن أراد سيف العدل أن يكون زعيماً للقاعدة، عليه أن يخرج من إيران، وهو ما لم يحدث ولا يبدو واردًا اليوم، وهناك خلاف كبير بين قيادات القاعدة في اليمن حول مسألة شرعية إمارته في ظل وجوده في إيران، ولوحظ أن وجود خالد في اليمن ساهم في تعميق هذا الخلاف.
وقوبل التصعيد القيادي السريع لابن المدني بارتياب كبير من جانب قيادات الصف الثاني، وتزايدت لديهم الشكوك في كونه مخترقًا أمنيًا، خاصةً بعد تزايد الضربات التي تشي بانكشاف التنظيم استخباريًّا، فالمواقع التابعة للحوثي ما زالت حتى اليوم تحمل أخباراً مسربة عن مخابئ القاعدة وقادتها، والاختراق الحوثي للقاعدة فاق حدود التصور في ظل وجود ابن المدني، لذا حملت بعض القيادات المعتزلة مسؤولية هذه الاختراقات لابن المدني ووالده.
تعرف على دور متلازمة طهران في حاضر ومستقبل تنظيم القاعدة
ورغم ذلك واصل الشاب رحلة الصعود متخطيًا رقاب قادة التنظيم إلى أن وصل إلى المرحلة قبل الأخيرة؛ أي الإمساك بمقاليد الأمر بيده ليصبح القائد الفعلي للجماعة، وكشفت تغطية “أخبار الآن” تفصيليًا الخطط المقترحة لإعادة هيكلة التنظيم لهذا الغرض بدعم من المسؤول الأمني، إبراهيم البنا، خاصةً بعد اغتيال حمد بن حمود التميمي، أحد أبرز وأقوى قادة القاعدة في فبراير الماضي.
ويبدو أن باطرفي أدرك عن طريق هذه التحركات أن مخططًا يُعد له من قِبل سيف العدل لتأمين عبور نجله إلى صهوة القيادة تاركًا لباطرفي اسم الرئاسة دون صلاحياتها المطلقة.
وفي هذه الأثناء قدم سعد العولقي في أبريل الماضي خطة للتعامل مع ملف المصالحة الإيرانية السعودية الأخيرة، مضمونها تحويل وجهة التنظيم إلى محاربة الحوثي بدلا من الحكومة الشرعية والتحالف العربي، وتصويره إعلاميًا كحائط الصد الأخير القادر على التصدي للخطر الإيراني، وبالتالي تفنيد السردية الشائعة حول علاقته بإيران، التي أضرت بسمعته وتماسكه الداخلي.
وقد كرر القيادي بهيئة تحرير الشام، أبو ماريا القحطاني، مرارًا دعوته للمحسوبين على التنظيم لمراجعة علاقتهم به وقطع صلاتهم مع القاعدة التي يتحكم بها الحرس الثوري عن طريق سيف العدل، بحسب تعبيره.
ودعا القحطاني في مايو الماضي كل أفرع القاعدة لفك الارتباط معها، مُذكرًا بأن أمير القاعدة الفعلي يقيم في إيران تحت سلطة الحرس الثوري ولا يمكن أن يُصرح بكل ما يعتقده أو يدعو للإضرار بمصالح إيران، كما حرض على فتح جبهة قتال عالمية ضد إيران التي قال إنها تحتل عدة دول، وسبق أن ناشد فرع اليمن تحديدًا فك الارتباط في منتصف أغسطس 2022.
لكن باطرفي الذي قُدمت له خطة العولقي على طبق من ذهب، لم يستغلها لإزاحة ابن المدني، بل قرر التجاوب الشكلي معها؛ فاستمرت الهجمات على قوات الشرعية كما حدث في محافظة أبين، واكتفى بمهاجمة الحوثي إعلاميًا في إصدار مصور ظهر فيه بنفسه بدلا من العولقي صاحب الخطة.
وبجانب إقصاء العولقي عن الظهور بشكل متعمد خلافًا لرغبة البعض، أدت إطلالة باطرفي في المقطع المصور بنفسه في أبريل الماضي لتأكيد موقعه القيادي في مواجهة خطط سيف العدل وإبراهيم البنا الذَين لم يستطيعا رفض مقترح العولقي صراحةً ومواجهة موجة الغضب العارمة ضد إيران داخل التنظيم، واكتفيا بالقبول الظاهري بها والإبقاء على سياسة سيف العدل واقعيًا، وصب ذلك في مصلحة إيران؛ إذ استغل الحوثي الهجوم الإعلامي القاعدي لغسل يديه من تهمة دعم القاعدة.
الجد المُنَظِّر والفتى المُنَفّذ
في غضون هذه التحركات، يواصل مصطفى حامد، جد ابن المدني، الكتابة عن أحلامه في التحالف مع إيران لغزو شبه الجزيرة العربية؛ على موقعه الشخصي، وهذه هي النظرية الحقيقية التي يعرضها بصراحة وفجاجة بينما يعمل صهره وحفيده على تطبيقها بشكل تدريجي مرحلي انطلاقًا من جنوب اليمن تحت لافتة الجهاد العالمي.
ومن موقع “مافا الإيراني” يشن مصطفى حامد حملة مستمرة منذ سنوات هدفها خدمة المشروع الإيراني عبر اختطاف قرار تنظيم القاعدة وإخضاعه لطهران، وتوفير الأساس النظري لاختراق قطاعات من أهل السنة في عدد من الدول العربية بحجة توحيد جناحي الأمة من سنة وشيعة، في معركة واحدة ضد الأعداء.
وبينما يحاول مصطفى حامد إعادة صياغة تاريخ وأدبيات تنظيم القاعدة والتأصيل لنظرية التخادم بين الجهاديين العرب والنظام الشيعي الإيراني، فإنه لا يطالب الحرس الثوري الإيراني في المقابل بالكف عن قتل أبناء الشعوب العربية من أجل تحقيق هذا التقارب المأمول، ولا يهاجم المجازر الدموية التي ارتكبها الحرس الثوري ضد مئات الآلاف من العرب السنة في سوريا والعراق واليمن بل يؤيد الحوثيين، ويعتبر الدعم الإيراني لهم “مسألة إنسانية وإسلامية وأمنية”.
ويدير ابن المدني اتصالات باطرفي مع طهران ليضع هذه نظرية جده موضع التنفيذ، ويكون على أرض الميدان بنفسه، فوجوده هناك ليس فقط للمساعدة في الاتصالات، بل ليكون عيني أبيه وأذنيه على باطرفي والزمرة القيادية من حوله، ويعمل كجهاز إنذار مبكر لرصد أي بوادر انحراف عن الخطة الموضوعة.
وبالفعل يسير فرع القاعدة في اليمن وفق خطة مفادها التخادم مع الحوثي ومعاداة القبائل السنية والحكومة الشرعية؛ ففي مطلع العام الجاري أعلن باطرفي سياسته العسكرية القائمة على مبدأ “الاتجاه جنوبا” والمتمحورة حول عداء قوات الشرعية والتحالف العربي.
وظلت الهجمات المسلحة متركزة في مناطق الجنوب المحرر، وكأن التنظيم يتعامى تمامًا عن وجود ميليشيات الحوثي والإيرانيين في الشمال وما يرتكبونه من جرائم حرب في حق سكان البلاد، وهو بالضبط ما يتوافق مع خطة التخادم بين التنظيم وإيران.
ومؤخرًا وصل التعاون العسكري بين الطرفين إلى درجة غير مسبوقة، إذ حصلت القاعدة فجأة على سلاح الطيران المسير كالذي أمدت به طهران ميليشيات الحوثي، مما دفع الجميع إلى التساؤل عن مصدره، لاسيما عناصر التنظيم الذين كانوا يجتهدون للتشكيك في القرائن التي تثبت تعاون قياداتهم مع إيران، وساهمت هذه الخطوة في إضفاء مزيد من المصداقية على تلك الاتهامات.
فوفق مصادر “أخبار الآن” داخل التنظيم، فقد وصلت الطائرات المسيرة للقاعدة من جماعة الحوثي التي تعد الطرف اليمني الوحيد المالك لهذه المسيرات والمتقاطع في مصالحه مع القاعدة.
ورغم تكتم التنظيم على مصدرها، فإن هجمات الطائرات الإيرانية بدون طيار على أبناء الجنوب وموارده تخدم بلا شك مشروع إيران في اليمن وتضعف من القوى السنية المعادية لميليشيات الحوثي لتجد نفسها تقاتل عدوًا ظاهرًا من أمامها وعدوًا خفيًا من خلفها وبذلك يحصل التخادم الميداني بين القاعدة وطهران.
السجل القيادي لسيف العدل
وطالما أن قيادة تنظيم القاعدة المركزي آلت بشكل فعلي إلى سيف العدل فمن المفيد العودة إلى سجله القيادي لاستشراف نمط تحركاته نظرًا للغموض المتعمد الذي يفرضه الرجل على نفسه وموقعه داخل التنظيم.
فمن خلال تتبع سيرته القيادية يظهر جليًا نمط إدارته الصارم الذي يسلب مرؤوسيه المباشرين نفوذهم وسلطاتهم ولا يقيم لهم وزنًا؛ إذ تمخضت تدخلاته في السابق عن نتائج كارثية للتنظيم، وكذلك كانت تجربة القيادة المباشرة له أيضًا ذات مردود سلبي؛ ووُصف أسلوب قيادته بأنه كان منفرًا بشكل كبير، وأوضح مثال على ذلك محاولته الفاشلة للسيطرة على الجهاديين في الصومال في التسعينات.
إذ أشرف عام 1994، على تدريب أعضاء التنظيم في شرق أفريقيا خاصة الصوماليين، وتولى الإشراف على معسكر في كينيا لبعض الوقت، وتذكر الوثائق أنه بمجرد وصوله إلى الصومال عام 1995، دب الانقسام بين العرب والصوماليين الذين رأوا أن العرب يريدون أن يتدخلوا في قرارهم، ولم يتقبلوا أوامر وتحكمات سيف العدل، بينما حاول الأخير إكراههم على طاعته عبر الاستشهاد بالنصوص الدينية التي تُوجب طاعة الأمير.. إلخ وهو ما كان له مردود سلبي واضح، واضطر أبو حفص المصري، الرجل الثاني في القاعدة آنذاك، أن يتدخل وينقل سيف العدل إلى مكان آخر.
وبعد فشل سيف العدل في الصومال انتقل إلى اليمن ولحق بالقيادي خالد شيخ محمد، وحاول تثبيت وجود القاعدة هناك وخطط لنقل السلاح من مدينة المكلا الساحلية إلى الصومال، لكن تلك الخطة فشلت، وقُبض على خالد شيخ محمد واحتُجز لفترة قبل الإفراج عنه، وانفض اليمنيون عن سيف العدل، واضطر للعودة إلى السودان، قبل أن ينتقل إلى أفغانستان أواخر عام 1996.
وحتى مع فشله المتكرر في الصومال واليمن، استمر في التدخل في شؤون الأفرع الخارجية للتنظيم فكلف فرع شبه الجزيرة العربية بشن هجمات ضد المملكة العربية السعودية، وهي الهجمات التي تضر بالقاعدة وتخدم مصالح أعداء السعودية مثل إيران، كما تنص وثائق آبوت آباد، وعندما رفضت المجموعات القاعدية شن تلك الهجمات، قرر سيف العدل عزل يوسف العييري، أمير فرع القاعدة هناك، بسبب رفضه تنفيذ أوامره.
وذكر فاضل هارون، القيادي الصومالي، في مذكراته أن سيف العدل يتابع كل التحركات ويغضب ممن يتصرف بشكل منفرد، وكتب علي صوفان، العميل السابق في مكتب التحقيقات الاتحادي، إن سيف العدل “عُرف عنه تقلب المزاج.. وهو مستعد لتهديد أي شخص يضايقه بالعنف .. بالنسبة لأتباعه، يمكن أن يعاملهم باحتقار بل وبوحشية في لحظة الغضب. لكنه عُرف أيضا بكونه ناصحا يقدم المشورة برفق”.
والمثير في الأمر أن تنظيم القاعدة لم يكن يومًا تنظيمًا مركزيًا في السابق، كما أن العلاقة الحالية بين التنظيم المركزي وأفرعه ليست علاقة ارتباط عضوي حقيقية بل ارتباط ضمن إطار تنسيقي فقط، وهو ما اعترف به أميره السابق أيمن الظواهري، أي أن قيادة سيف العدل لا تحمل تغييرًا فكريًا فقط بل تنظيميًا أيضًا، فمن المنتظر أن يحاول بسط سلطته المباشرة على فروع القاعدة ولا يكتفي بما اكتفى به بن لادن والظواهري من قبله.
وعليه فإننا نفترض أن هناك خطة موضوعة لتحويل القاعدة في ظل قيادة سيف العدل إلى تنظيم حديدي يتحرك ككتلة واحدة بدلا من وضعه الحالي، وأن تتحرك هذه الكتلة لتكون بمثابة أخطبوط ميليشياوي موالي لإيران يساعدها على اختراق الدول والمجتمعات العربية السنية.
ويعد سيف العدل أحد القلائل الذين لا يزالون على قيد الحياة من الحرس القديم للقاعدة، ويرجع ذلك إلى الحماية التي وفرها له الحرس الثوري الإيراني، وراهن عليه طوال الفترة الماضية، واليوم يبدو أن الرهان قد تحقق ووصل الرجل إلى مقعد قيادة التنظيم المركزي حاملًا خطط ومشاريع تتوافق مع أجندة مضيفيه.
فعلى مدار أكثر من عقدين استضاف الحرس الثوري سيف العدل ورفاقه و استطاع الاطلاع على شبكة اتصالات التنظيم والتأثير على قراراته؛ فعن طريق إعطاء مساحة حركة لهم تمكن الحرس الثوري من استغلال ذلك واطلع عن كثب على التطورات في التنظيم وأفرعه حول العالم، والتنسيق مع سيف العدل في عدد من الملفات.
وبدايةً من اليمن، انطلق سيف العدل منذ سنوات خلال فترة إمارة الظواهري في تنفيذ خططه مستغلاً قيادة خالد باطرفي الذي فتح له المجال ليتحكم ويسيطر على بوصلة التنظيم ويوجهه -تحت راية الجهاد العالمي- لخدمة المشروع الإيراني وقتال الحكومة والتحالف العربي متسببًا في مشاكل لا حصر لها للشعب اليمني الذي وجد نفسه محاصرا بين الحوثي والقاعدة، فانفض كثير من أبناء القبائل عن التنظيم في ظل افتضاح أمره ووضوح ارتهانه لخدمة الأجندات الأجنبية وخدمة المشروع الإيراني، وخسر حواضنه الشعبية في الجنوب اليمني ونفر الشباب المحلي منه.
واليوم اتباعًا لنظرية مصطفى حامد أصبحت الأجندة الأجنبية تتلاعب بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية تحت قيادة سيف العدل، وصار التنظيم يقاتل نيابة عن الإيرانيين ضد قبائل الجنوب اليمني وحكومة الشرعية.
هل يقود سيف العدل القاعدة عن طريق فرع اليمن؟
ليس من الوارد أن يترجل سيف العدل بكل بساطة عن صهوة القيادة بعد أن ارتقى إليها بصعوبة، خاصةً وأنها تأتي بعد سنوات طويلة من التخطيط والانتظار والتربص، ورغم فشله في حل معضلته الرئيسية المتمثلة في عدم انطباق شروط القيادة عليه لكونه مقيم في إيران، فإن الرجل أعد خططًا بديلة لحل هذا الإشكال.
وسبق أن ناقشت “أخبار الآن” سيناريو “الأمير الاستبن“؛ أي احتمال أن يحكم سيف العدل من خلال قائد صوري يقيم في أحد أفرع القاعدة، وبذلك يستطيع إسكات المشككين في شرعيته، ويظل القائد الفعلي الممسك بمفاصل التنظيم المركزي.
ومع حرصه الشديد على تمكين ابنه من الوصول لقمرة قيادة فرع اليمن، يبدو أن الأمر لن يتوقف عند ذلك، بل يظهر أن ابنه قد يكون الشخصية المناسبة لتبوء موقع “الأمير الاستبن” للتنظيم المركزي ليحكم من خلاله فروع القاعدة حول العالم.
وهناك سيناريو بديل آخر وأكثر إقناعًا في حال استطاع سيف العدل تنفيذه؛ وهو أن ينتقل إلى اليمن بنفسه للتغلب على أزمة الشرعية، لكن من غير المعروف على وجه الدقة كيف سيكون شكل الترتيبات مع إيران لتسمح له بمغادرة أراضيها.
ووفقًا لهذا السيناريو الأخير ستنتقل عاصمة التنظيم المركزي من طهران إلى اليمن، وينتقل سيف العدل من طهران إلى “الحوثيين”، الفرع اليمني للحرس الثوري.
فهل يستمر أتباع القاعدة في العمل تحت قيادة سيف العدل؟ وهل يقبل القاعديون اليمنيون أن يختطف ابنه قرارهم؟ وهل يقبلون العمل مع ميليشيات الحوثي وإيران تحت أي مبرر؟
هذه أسئلة تطرح نفسها وتنتظر الإجابة عليها من قِبل منتسبي القاعدة المغرَّر بهم، الذين يلقي بهم قادتهم في أفواه المعارك ليقتلوا ويُقتلوا في حرب هم الخاسرون فيها أيًا كانت نتيجتها، فطرفاها من ذات الشعب وذات الدولة خدمةً للمحتل الإيراني ووكلائه الحوثيين.
فلم يعد خافيًا أن طهران صارت عاصمة التنظيم المركزي للقاعدة، حيث يقبع سيف العدل هناك، وتتنازع الآراء في حقه فمنهم من يقول إنه مُكره مأسور مجبور على الإقامة هناك، ومنهم من يقول إنه اختار بإرادته الاستمرار هناك لتوفير مظلة حماية له وللتنظيم، وأيًا يكن الأمر فهو يعيش تحت حماية الحرس الثوري ويخدم مصالحهم هو وأتباعه ولو كان يمثل خطرًا على مشروع إيران لم يكن ليحظى بحمايتها، فإن كان لا يقدر فتلك مصيبة، وإن كان يقدر فالمصيبة أعظم.
وإن حاول بعض أعضاء القاعدة إقناع أنفسهم بعكس ذلك فكيف سيجيبون عن رحلته إلى أفغانستان مؤخرًا والتي تعد قرينةً على أنه اختار الارتكان إلى نظام ولاية الفقيه الشيعي بإرادته؟ فهل سيتغير أي شيء؟ أم سيظل الأتباع يُساقون إلى حتفهم وهو ينظرون؟
وحتى لو غادر سيف العدل إيران وذهب إلى اليمن، فكيف سيبرر لأتباعه بقاءه في إيران طيلة تلك السنوات الماضيات؟ وكيف سيبرر الرسائل المسمومة لحليفه الأيديولوجي مصطفى حامد وتنظيره لمشروع الجهاد العالمي تحت راية النظام الإيراني؟
يبدو أن كل الطرق تقود إلى نقطة الارتطام بتلك الأسئلة الشائكة، فحين يراجع عناصر التنظيم أنفسهم بعيدًا عن أجواء الشحن الأيديولوجي وأهازيج الحماسة سوف تجد أطروحة أبي ماريا القحطاني -وغيره ممن طلقوا القاعدة ثلاثًا- رواجًا بينهم، حتى لو وصل سيف العدل إلى اليمن.
ويبدو الأمر لا يعدو كونه مسألة وقت قبل أن ينفرط عقد القاعدة انطلاقًا من اليمن التي أُريد لها أن تكون قاعدة لرفع التنظيم راية الجهاد على الطريقة الإيرانية.