المهاجرون يأخذون تونس كممر إلى دول أوروبا
استمرار أزمة المهاجرين الأفارقة في تونس، حيث أخلت السلطات ساحة عامة وسط مدينة صفاقس شرق البلاد، كان قد اتخذها مئات المهاجرين غير النظاميين مكانًا للإقامة، بعد طردهم من منازلهم قبل أكثر من شهرين ردا على مقتل مواطن تونسي على يد أحدهم، وتم نقلهم إلى العامرة، وهي منطقة ريفية تابعة لصفاقس وتوزيعهم عشوائيا في غابات الزيتون.
ولمعرفة تفاصيل أكثر عن وضعية المهاجرين في مكانهم الجديد، انتقلت “أخبار الآن” للعامرة حيث يتجمع المئات من المهاجرين في ظروف صعبة، ويتخذون من شجر الزيتون بيوتًا لهم ويلتحفون أكياس البلاستيك التي يجمعونها من النفايات.
وفي هذا الإطار التقت “أخبار الآن”، بمهاجر نيجيري يحمل اسم أوبا الذي قال: “أنا أعيش في مركز مدينة صفاقس وبسبب الأحداث الأخيرة تم إخراج كل ذوي البشرة السوداء من المنازل في صفاقس وأجبرنا على القدوم للعيش هنا (أي بالعامرة في ضواحي المدينة) ولم يكن هذا سهلا علينا كسود البشرة ونعتقد أنه على رئيس الدولة تحمل مسؤوليته ليعطينا مكانا نعيش فيه مع عائلاتنا”.
وأضاف: “لا يمكن لنا العيش هنا تحت الأشحار إذ لا يوجد مأوى ولا ماء صالح للشراب ولا دواء نحن نعاني هنا”.
كما أشار المهاجر: “هنا في العامرة بعض الناس طيبون معنا والبعض الآخر لا يقبل وجودنا… بعيدًا قليلا يتجمع عدد يقارب الثلاثمائة شخص منا دون مأوى بما في ذلك عدد كبير من الأطفال وعادة نضطر إلى النوم في العراء لم يأت أحد إلى مساعدتنا لحد الآن رغم أننا طلبنا المساعدة”.
كما أكد أوبا: “أعتبر أن إبعادنا عن مركز المدينة ورمينا في حقول الزياتين الخالية في الضواحي هو عنصرية لأن الفكرة هنا هي إبعاد سود البشرة عن بيض البشرة إذ تشهد تونس عديد التصرفات العنصرية ومن مظاهر ذلك أنه حتى في صورة الاعتداء على أحد منا وأراد تقديم شكاية في مركز الأمن وقبل سؤاله عن ما حدث له تتم مطالبته بوثائق الهوية وإن لم يدلي بها فلا يمكنه التقدم بشكوى”.
“قوات الأمن أخرجت عنوة الأفارقة من مركز مدينة صفاقس”- وفق رواية المهاجر- الذي دعا الحكومة والمجتمع الدولي لمساعدته قائلا: “نحن نعامل معاملة غير إنسانية ونتمنى من الحكومة التونسية مساعدتنا.. المواطنون القاطنون بالجوار يأتون في بعض الأحيان لمطالبتنا بمغادرة الحقول، حاليا منزلي هو هذه الشجرة التي خلفي لأنني أنام تحتها ليلا”.
كما التقت “أخبار الآن” بعدد كبير من المهاجرين الذين يلتحفون التراب ويعيشون في العراء، عدد منهم رفض التصوير خوفا من التشفي أو الانتقام أو لأسباب أخرى.
في حين شارك البعض الآخر تفاصيل صادمة حول رحلته نحو تونس وفي داخلها، ومن بينهم آدم حامد وهو مهاجر سوداني ضرير وصل تونس من السودان على القدمين. وكانت رحلته طويلة جدا وفق تعبيره وخطرة أيضا لكنه أقدم عليها حتى ينجو بحياته ولا يفقدها كما فقد من قبل بصره”.
إلا أن حامد يعيش الخوف في تونس ولم يجد العيش الكريم الذي خاطر من أجله، إذ أن السلطات لم تمنحه المساعدة بل منعت المواطنين التونسين أيضا أن يقدموا له يد المساعدة كالقيام بتوصيله.
ويواصل المهاجر السوداني: “ليس باليد حيلة فأنا معرض للخطر.. أعيش وأنام في الشارع وتم نقلي نقلا تعسفيا إلى العامرة وكنت خائفا من أن يتم نقلي إلى مكان آخر صحراوي ووجدت نفسي في العراء”.
وفي ذات الإطار التقت “أخبار الآن” بمهاجر سوداني آخر يحمل اسم يوسف محمد كان يتولى رعاية صديقه الضرير وقال: “بعدما كنا في حالة مزرية قاموا بنقلنا هنا مدّعين أنهم سيقومون بتوفير المأوى والطعام لكن أنا لم أصدق هذا الكلام”.
وأكد: “لم يتغير شي نحن نبيت تحت أشجار الزيتون وحتى أنه لا يوجد أي خدمات أو مراكز صحة وكوني إفريقي لست ذو بشرة سوداء كنت أنا الذي أذهب إلى الأسواق وأشتري جميع مستلزمات المهاجرين… فإذا ذهب أي شخص ذو بشرة سوداء سوف يرفضون تقديم الخدمات له”.
وتحدى المهاجر في حديثه أي مسؤول على المبيت في المكان الذي يتخذون منه منزلا، مؤكدًا أنه لا أحد يتحمل البرد والظروف القاسية التي يعيشون فيها”.
هذا وتجمع أهالي العامرة على الطريق، رافضين تحويل المهاجرين غير النظاميين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء إلى قريتهم، إذ عبّر عدد من المواطنين عن رفضهم لتواجد المهاجرين في جهتهم.
ومن بينهم ثامر بن جنات، مواطن تونس قال: “أعمل من الصباح إلى الليل ويتوافد علي الكثير من المهاجرين الذين يريدون أن يشتروا مني أو أن يأخذوا مجانا وحين أتصدى لهم يقومون بتهديدي بالعنف”.
وتابع: “نحن سكان العامرة نشعر برهاب وخوف شديد من تواجد أفارقة جنوب الصحراء والأوضاع الغير آمنة”.
وكانت قد تواصلت “أخبار الآن” مع الحقوقية بسمة أم الزين التي أكدت: “كنا نطالب الدولة بتوفير سكن تتوفر فيه أدنى مقومات الحياة بكرامة وتتواجد فيه مرافق صحية لكن صدمنا بنقلهم لمكان آخر في ظروف أسوأ”.
وتابعت: “ما حدث لن يحفظ كرامة المهاجرين البشرية، كنا نأمل أن يتم جمعهم في مكان مغلق تتوفر فيه كل الإعانات وكانت هذه الطريقة ستسهل على الدولة القيام بتحديد هوياتهم وإعطاءنا معلومات عنهم كجنسياتهم وأعمارهم و حالتهم الاجتماعية”.
كما كشفت أن المهاجرين سيمرون بظروف أصعب في المكان الجديد الذي هو عبارة عن مكان ريفي مفتوح ومع اقتراب الشتاء والأمطار سيجدون أنفسهم وجها لوجه مع البرد كما أشارت إلى أن الوضع البيئي في المنطقة الجديدة خطر بسبب وجود فضلات كثيرة في المكان وهذا ما سيتفاقم بتدفق المهاجرين الجدد.
وذكرت الحقوقية أيضا أن المهاجرين يعيشون تحت الأشجار في منطقة صغيرة لا تتحمل أعدادهم الكبيرة كما أن هذه المنطقة تزدهر بصناعة قوارب الموت وقالت أم الزين: “كأن الدولة تشجع أفارقة جنوب الصحراء على الهجرة غير النظامية من خلال تقريبهم من المكان الذي تباع فيه القوارب وتسهل منه الهجرة”.
هذا وتحظى ولاية صفاقس التونسية، بالعدد الأكبر من هؤلاء المهاجرين غير النظاميين، الذين يتدفقون عبر الحدود الجزائرية إلى تونس، سيرا على الأقدام، أو بمساعدة شبكات تهريب المهاجرين، وتمثل صفاقس أكثر المناطق التونسية جذبا لهؤلاء، لأنها تقع على شاطئ البحر، في وقّت يضع كل هؤلاء المهاجرين، نصب أعينهم الهجرة إلى الدول الأوروبية، وهم يتخذون تونس كنقطة عبور فقط.