روسيا تجند الكوبيين للقتال في أوكرانيا مقابل رواتب مرتفعة
كشف تحقيق من رويترز، عن وجود شبكات منظمة تابعة للجيش الروسي تعمل على استقطاب متطوعين من كوبا من أجل القتال ضد أوكرانيا، برواتب تصل إلى 2026 دولارا أمريكيا، في خطوة رجحت أن تكون السلطات في كوبا متورطة في التستر عليها.
في 8 سبتمبر الجاري، أعلنت السلطات الكوبية أنها اعتقلت 17 شخصاً قالت إنهم يعملون في “شبكة لتهريب البشر” تعمل من روسيا لجذب شبان كوبيين من أجل القتال في أوكرانيا. وقالت الحكومة الكوبية، حينها، إنّ هذا يتعارض مع القانون المعتمد في البلاد.
من خلال استعراض وثائق ومنشورات مختلفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى مقابلات مع عائلات بعض الكوبيين الذين ذهبوا إلى روسيا، يظهر أن انضمام الكوبيين إلى الجيش الروسي كان يتم وفق عمليات أكثر تنظيماً وبرقابة من الجيش الروسي.
وبحسب رويترز، فقد بدأت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر في كوبا، في يونيو، بالإعلان عن عقود عمل مع الجيش الروسي براتب شهري قدره 20400 روبل (2086 دولارا أمريكيا)، وهو مبلغ كبير جداً في كوبا، حيث يقل متوسط الراتب عن 50 دولاراً شهرياً.
وبحسب رويترز، بدأت أخبار العمل العسكري تنتشر في يونيو، وفقًا للسكان الذين تمت مقابلتهم. أصبحت عروض الانضمام، التي تمت مشاركتها عبر فيسبوك وانستغرام وواتساب، حديث المدينة، وتم تسمية جهة الاتصال بـ “Dayana” لتنسيق أمور التجنيد والسفر.
أجرت رويترز مقابلة مع أحد الأشخاص وسألته عن التجنيد والهجرة التي حصلت في منطقته، وقال “العديد من الناس، لقد ذهب جميع أصدقائنا تقريبًا إلى هناك.”
وأضاف، “إن أحد الأصدقاء أعطاه جهة اتصال عبر تطبيق واتساب لديانا، وهي امرأة كوبية قال إنها اشترت تذاكر طائرة للمجندين”، وتم ذكر ديانا أيضًا كجهة اتصال رئيسية من قبل معظم المجندين والأقارب الذين تحدثت معهم رويترز.
شروط مشابهة
نشرت مجموعة قراصنة أوكرانية نسخة من العقد المكون من ست صفحات وبحسب العقد المعلن، فقد تعهد الجيش الروسي بتعويض عائلة المتطوع بمبلغ مليوني روبل (حوالي 21000 دولار)، في حالة مقتل الشخص في الحرب كما يطلب العقد أيضاً من المجندين ملء استبيان حول سبب تجنيدهم وكيف يشعرون تجاه الخدمة العسكرية.
هذه الشروط شبيهة بتلك التي كانت موجودة في عقود سابقة روجت لها وزارة الدفاع الروسية علناً، بما في ذلك إمكانية الحصول على الجنسية الروسية للمجندين وعائلاتهم بموجب مرسوم وقعه الرئيس فلاديمير بوتين، العام الماضي.
ومن غير الواضح عدد المجندين الذين أسفرت عنهم حملة التجنيد، لكن تم توثيق ما يقارب 200 مجند كوبي مروا عبر المكتب العسكري الروسي، في شهري يوليو وأغسطس لكن تقديرات جماعات حقوق الإنسان الكوبية تشير إلى أن الأرقام تصل إلى حوالي 750 إلى 1000 مجند.
فيما قالت مؤسسة حقوق الإنسان في كوبا، ومقرها ميامي، إنّه من بين 746 مجنداً قامت المؤسسة بتعقبهم، يبدو أن 62 منهم على الأقل جزء من مجموعة من القوات الخاصة الكوبية المدربة تدريباً عالياً.
وأظهرت مراجعات المنشورات التي يقوم بتداولها الكوبيون الذين انضموا إلى الجيش الروسي، أن غالبيتهم العظمى اختاروا القتال بإرداتهم، ولم يتصرفوا كما لو كانوا منخرطين في مخطط غير قانوني إذ نشر العديد من هؤلاء المجندين صوراً مع دبابات روسية، وابتسموا مع كوبيين آخرين يرتدون زيهم العسكري الروسي الجديد، وتفاخروا بإرسال الأموال إلى وطنهم.
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأوكرانية أوليغ نيكولينكو، عند الاتصال به للتعليق على تجنيد الكوبيين في الجيش الروسي: “أستطيع أن أؤكد أن السفارة الأوكرانية في هافانا تواصلت مع السلطات الكوبية بشأن هذا الأمر”.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة تراقب الوضع عن كثب وأضاف المتحدث: “نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تزعم أن الشباب الكوبيين قد تم خداعهم وتجنيدهم للقتال من أجل روسيا”.
عززت موسكو وهافانا علاقاتهما الدبلوماسية منذ العام الماضي. وفي نهاية 2022، التقى الرئيس الكوبي ميغيل دياز-كانيل نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، وتوجهت وفود تضم رجال أعمال وممثلين سياسيين إلى البلدين.
والتقى وزير الدفاع الكوبي ألفارو لوبيس مييرا خصوصاً نظيره الروسي سيرغي شويغو، في يونيو/ حزيران الماضي.
لكن من جانب آخر، لا تستطيع كوبا أن تتحمل المزيد من المخاطرة بعلاقاتها مع الدول الغربية التي سعت إلى عزل روسيا كعقاب لها على حربها في أوكرانيا. والاتحاد الأوروبي هو ثاني أكبر شريك تجاري لكوبا وأكبر مستثمر أجنبي. وأوكرانيا، التي أوضحت أنها تعتقد أن هافانا متورطة في مخطط التجنيد، دفعت علناً الدول الغربية إلى الانتقام من خلال “قطع العلاقات الدبلوماسية مع كوبا”.
مصير مأساوي
تنتشر منذ أشهر شائعات عن ظهور مجندين كوبيين على الخطوط الأمامية في أوكرانيا، ونظراً لإدانة الحكومة الكوبية هذه الجهود، واصفةً إياها بكونها عصابة لـ”الاتجار بالبشر”، فقد يكون من المستحيل على المجندين العودة إلى ديارهم، إذ إنهم قد يواجهون ما يصل إلى 30 عاماً في السجن لارتكابهم جرائم، بتعريف القانون الكوبي، بما في ذلك القتال كمرتزقة أو عمل عدائي ضد دولة أجنبية.
كما أوضح الخبراء أن القتال كمرتزقة لصالح روسيا سيمنعهم أيضاً من طلب اللجوء في العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، ومن خلال عدم ختم جوازات سفر المجندين الذين غادروا إلى روسيا، فقد أقرت الدولة بأنهم غادروا البلاد بشكل غير قانوني.
وفي واشنطن، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها تقوم بتقييم تقارير عن مجندين كوبيين يقاتلون في أوكرانيا. وقال متحدث باسم الوزارة في بيان: “نشعر بقلق عميق من احتمال خداع الشباب الكوبيين وتجنيدهم للقتال من أجل روسيا في غزوها الوحشي واسع النطاق لأوكرانيا، ونواصل مراقبة هذا الوضع عن كثب”.
وقد أوضحت أوكرانيا أنها لا تصدق نفي الحكومة الكوبية علمها بتجنيد المرتزقة، ودعت الاتحاد الأوروبي إلى التحقيق في الأمر من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة.