أحد سكان درنة يروي كيف خسر 14 شخصًا من عائلته في الفيضانات
ضرب الإعصار دانيال بشكل خاص مدينة درنة التي يبلغ عدد سكانها 100 ألف نسمة والمطلة على البحر المتوسط، مما أدى إلى انهيار سدين والتسبب بفيضانات جرفت كل شيء في طريقها.
كما تسببت الفيضانات في نزوح أكثر من 43 ألف شخص، بحسب آخر إحصاء للمنظمة الدولية للهجرة.
يأتي هذا فيما حذّرت وكالات تابعة للأمم المتحدة، من أن مدينة درنة الليبية – المنكوبة جراء فيضانات خلّفت آلاف القتلى -، تواجه خطر تفشي الأمراض التي قد تؤدي إلى “أزمة ثانية مدمرة”.
وفي هذا الإطار، أجرت “أخبار الآن” لقاءً مع إبراهيم محمد الشلوي، أحد سكان درنة، الذي خسر 14 شخص بسبب فيضانات درنة، حيث شارك صورة على موقع “إكس”، لأعضاء من عائلته مع تعليق أن “كل من في الصورة غاب”.
وقال إبراهيم إن: “كل الذكريات انتهت”، مستطردًا: “حتى المواقف التي عشتها وأنا صغير نسيتها، لقد نسيت كل شيء”.
التعايش مع الواقع الصعب
أكد إبراهيم أنه لايستطيع استيعاب الموقف، واصفًا تلك المرحلة بـ “الصعبة”. حيث قال “فقدت 14 شخصًا من عائلتي ووجدت جثتين فقط من المفقودين ومازلت انتظر تحاليل الحمض النووي للتعرف على باقي أفراد عائلتي”.
وأضاف “بالفعل صعب جداً تقبل الفكرة، فهذا قضاء الله وقدره، وفكرة تقبل أن هذا الحدث قد حصل صعب جداً”.
وأضاف أن الأشخاص الذين فقدهم، هم والده ووالدته، وأخوته الـ4 وأخته، وعائله أخوه وزوجته و6 من أبناءه، وقال إن أخوه مازال حي في بنغازي وأختين على قيد الحياة.
وحول العزاء قال: “بعد 6 أيام من البحث، من المفروض أنه إن كان هناك أحد حي فسيتم العثور عليه، لكننا لم نجد أحد، ولم نستطع إقامة عزاء في درنة، بل أقمناه في بنغازي، حيث يوجد أغلب أقاربي، وقد أتى العديد من الناس ومنهم من المبادرة الوطنية الليبية، وأعرف منهم الكثيرين، وأتى العديد من الناس أيضاً من الذين لا أعرفهم، وكان هناك عزاء كبير واستمر لمدة 10 أيام، ولم أستطع إقامة عزاء في درنة، لأن العزاء في درنة واحد”.
وعن تفاصيل الحادثة قال إبراهيم: “قبل الكارثة بيوم واحد، كان هناك حظر تجول، ودعاني صديقي أن آتي إليه، وهو يسكن في منطقة عالية، ولم نكن نعلم بما يحدث وخاصة بعد انقطاع شبكة الاتصالات لم يكن هناك تواصل، لكن قمت بالتواصل مع أمي حتى الساعة 01:47، وأخبرتني أن هناك مياه وسيول في المدينة، وحاولت أن أخفف التوتر عنها بالمزاح معها، لكن بعد هذا التوقيت انقطع الاتصال بشكل كامل”.
التعرف على الجثث
وأضاف: “بعد أن استيقظت، رأيت المنظر بنفسي، ورأيت كيف الطرق مغلقة والسيارات مقلوبة، وعندما وصلت إلى بيتي لم أجد شيئاً، إلا قواعد المنزل، فالمياه جرفت كل شيء، فسألت أحد بجانبي أين توجد الجثامين، لأنه عندما رأيت المكان علمت أنه لن يكون هناك أي ناجين، وعندما سألت أفرادًا من الجيش المتواجدين في المنطقة، أخبروني أن الجثث في المستشفى الميداني شيحا، وعندما ذهبت إلى هناك وجدتها مليئة بالجثث ولم أستطع التعرف على أحد وبقيت هناك لمدة 6 أيام، ولم أتعرف على أحد لكن في اليوم السابع، وجدنا زوجة أخي وابنتها، وقد وجدوهم في المنطقة الشرقية من درنة”.
وعند سؤال إبراهيم عن أعداد الضحايا التي رآها في المستشفى وعن إمكانية التعرف عليها من دون العودة إلى تحليل الحمض النووي قال: “الجثث التي انتشلت منذ اليوم الأول وحتى الرابع يمكن التعرف عليها، لكن بعد ذلك يصعب التعرف على الوجوه لأنها تتحل وتطمس ملامحها”.
وأضاف أنه لم يكن هناك وقت للعواطف، فالكل في درنة كان مصابهم واحد.
وتابع: “عندما أخبروني عن وجود جثث جديدة جاهزة للتعرف عليها، كنت أذهب للبحث عن أفراد عائلتي لكني لم أتمكن من التعرف عليهم، فبعد اليوم السادس لم أعد اتذكر وجوه أهلي، وأصبحت كل الوجوه تشبه بعضها، وذلك نظرًا للكم الهائل من الجثث التي رأيتها، لذلك اتجهنا لتحليل الحمض النووي”.
الوضع في درنة الآن
حول هذا الموضوع قال إبراهيم إن درنة من الناحية الأمنية جيدة جداً، في المنطقة الغربية والشرقية، والمواطنين منتشرين نوعاً ما، والطرق مفتوحة، وأكثر شيء يريده الناس الآن هو التعويضات لكي تعيد الناس بناء منازلها، فالآن لم يعد لدى سكان درنة القدرة على البناء، فالعديد من الناس خسروا كل شيء، والجميع يرجوا بالحصول على التعويضات”.
وأتبع إبراهيم إن: “بيتنا كان دائما مفتوحًا وخاصة في شهر رمضان الكريم، فأنا أريد إعادة إعمار هذا المنزل وفتح بابه من جديد”.
تحقيقات مستمرة
في ظل التحقيقات الجارية حول أسباب كارثة درنة الليبية إثر الفيضانات التي جرفت ثلث المدينة حاصدة أرواح الآلاف، وعقب تصاعد الأصوات الغاضبة المطالبة بالتحقيق وتحديد المسؤولين عن الكارثة، أعلنت النيابة العامة توقيف 6 مسؤولين.
وذكر بيان لمكتب النائب العام على حسابه في فيسبوك، أنه تقرر حبس 6 مسؤولين، بينهم عميد بلدية المدينة عبد المنعم الغيثي، احتياطيًا “لانحرافه عن موجبات ولاية إدارة الأموال المخصصة لإعادة إعمار المدينة وتنميتها”.
كما طال التوقيف كلاً من رئيس هيئة الموارد المائية السابق وخلفه ومدير إدارة السدود وسلفه ورئيس قسم السدود بالمنطقة الشرقية ورئيس مكتب الموارد المائية في درنة احتياطيًا.
وذكرت النيابة العامة أنها “باشرت لجنة تحقيق حادثة فيضان المدينة سنة 2023؛ مهمة تحليل حادثة انهيار سدي: وادي درنة، وأبو منصور، وتوصيفها؛ ورسم أُطُرِ الاستدلال حولها؛ وتنسيقها؛ واستقصاء الأسباب المؤدية إليها”.