كيف تستغل إيران “طوفان الأقصى” لتنفيذ مخطط جهاد طروادة؟
وسط اشتعال الوضع في قطاع غزة يطل مصطفى حامد، صهر زعيم القاعدة، ومؤرخ التنظيم، عبر موقعه الإلكتروني “مافا السياسي” الذي يديره من طهران، ليطالب بتنفيذ انقلابات على السلطة في مصر والأردن استغلالا للظرف الحالي وحالة الاستنفار التي تعيشها الشعوب العربية.
وفي مقال “الطوفان شمشون” يطالب الفصائل الفلسطينية بمهاجمة قناة السويس وتعطيل الملاحة في القناة وضرب منشآت الغاز في سيناء، فيقول “فتح الثغرات خاصة من جهة الغرب في سيناء كان ينبغي أن تسبق عملية تحرير الأراضي المحتلة.. ينبغي للمقاومة أن تنظر إلي سيناء كعمق إستراتيجي ومجال حيوي لها كما فعل المجاهدون في أفغانستان مع باكستان”.
ويعيد حامد هنا محاولة الحشد الشعبي الموالي لإيران من قبل لاستغلال الهجوم الإرهابي على مسجد الروضة في سيناء عام 2017، والذي راح ضحيته أكثر من 300 قتيل، ودعت الميليشيات الشيعية الموالية لطهران حينها لتكوين حشد شعبي في سيناء بذريعة محاربة الإرهاب، في دعوة واضحة لنشر الفوضى وعسكرة المنطقة.
ورغم تناقض المحاولتين؛ فإحداهما تزعم التضامن مع مصر ضد الإرهاب والمحاولة الأخرى تدعو لمهاجمة مصر، لكن العامل المشترك بينهما هو الفوضى في سيناء بأي شكل وتحت أي ذريعة، وهو ما يتفق مع الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة العربية.
وشهدت سيناء بالفعل عمليات إرهابية مروعة على غرار هجمات كرم القواديس التي تورط بها تنظيم داعش الإرهابي ضد الجيش المصري وراح ضحيته العشرات من القتلى، وغيرها من الهجمات الإرهابية، وكذلك العديد من العمليات الأمنية التي أطلقتها قوات الجيش والشرطة على مدار السنوات الماضية.
واليوم تتكرر محاولات النفخ في نار الإرهاب في سيناء عبر دعوات الفوضى والعنف الدموي في ظل اشتعال العواطف الشعبية لأقصى درجة على خلفية المجازر اليومية المستمرة التي يرتكبها الطيران الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة المحاصر الملاصق لسيناء، بالتزامن مع وقوع عدة هجمات محدودة على المناطق الحدودية شرق شبه الجزيرة السيناوية خلال الحرب الحالية.
وهكذا لا يرى حلا للأزمة الإنسانية المريعة في غزة سوى نقل النيران إلى مصر لتحترق المنطقة العربية بنيران الفوضى ويقتتل الفلسطينيون مع المصريين، وبهذا بكل بساطة يتم حل الأزمة بشكل مثالي على طريقة “مافا” الإيراني!
فخلال حرب غزة الحالية حاولت الأبواق الإيرانية التغطية على عدم دخول “محور المقاومة” بزعامة طهران إلى المعركة من خلال توجيه نيرانها إلى الدول العربية؛ فمصطفى حامد يمارس أقصى درجات التحريض ضد الحكومات والشعوب العربية السنية؛ ويدافع عن الموقف الإيراني بجرأة -أو بالأحرى وقاحة- بالغة.
فبينما تعالت الانتقادات لطهران بسبب تحريضها الفصائل الفلسطينية على ضرب إسرائيل وتخليها عنها منذ بداية المعركة وتركها تواجه الآلة الحربية الإسرائيلية وحدها، نجد حامد يعكس الاتهام ويقلب الصورة تمامًا، ففي مقاله “حتى لا يكرر التاريخ نفسه” يقول “قيادة حماس في غزة تخلت بسرعة عن حلفائها في جنوب لبنان وإيران بشكل مهين لهؤلاء الحلفاء”!
ويبرر هذا الاتهام قائلا “لم يقم هنية بزيارة إيران بما يؤكد إتجاه سياسي جديد لحركة حماس التي اعترفت سابقا بأفضال طهران ومعوناتها المالية والعسكرية وكان من المفترض أن يطير هنية من الدوحة إلى طهران ثم بكين ثم إلى موسكو”، وهكذا لا يبرئ طهران من التغرير بحماس وخيانتها فقط، بل تقريبًا يتهم الحركة الفلسطينية بالخيانة لأنها لم تكرر شكرها وعرفانها لإيران بشكل عملي.
وهنا يتجاهل حامد شيئين مهمين جدًا أولهما أن النظام الإيراني أنكر رسميًا أكثر من مرة مسؤوليته عن هجوم حماس وكرر علنًا تنصله من التدخل في الأزمة مما يجعل استغلاله الإعلامي للأزمة تناقضًا مع الواقع المعلن، والأمر الثاني أن الظروف الإنسانية المروعة في غزة جعلت أكبر حلفاء إسرائيل كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يبحثون أمر إدخال المساعدات ويُقرون بحجم المأساة الهائلة في القطاع، بينما يغرق صاحب موقع مافا في مناقشة فشل حماس في تحويل دماء سكان غزة إلى مكاسب دعائية!
ويذهب حامد إلى أقصى المدى فيدعو الفصائل الفلسطينية للانتحار ويعاتبها على عدم “تدمير مفاعل (ديمونه)” رغم إقراره بأن تدمير المفاعل النووي الإسرائيلي سيغرق المنطقة بكاملها في “الإشعاع النووي والأمراض المميتة”، لكنه يبرر ذلك بقوله “تلك الأزمة ستطال أيضا الفلسطينيين ولكنها لن تضيف شيئا جديدا فما وصلوا اليه الآن من تردي الأوضاع هو أكثر من ذلك بكثير”!!
ووسط الهجمات الدموية التي يشنها النظام السوري وحلفاؤه الإيرانيون على المدنيين في إدلب شمال سوريا، لا يطلب الرجل من طهران وقف القصف الجوي على الأطفال بل يوجه مؤرخ القاعدة اتهاماته الضحايا بأنهم “حلفاء لإسرائيل (جهاراً ونهاراً) وحلفاء لمشيخات الخليج (وحلف الناتو) الذي دعمهم بالمال والسلاح ويغطون خيانتهم للإسلام وفلسطين والمسجد الأقصى بهوس العداء الجنونى للشيعة”، متجاهلا أن القصف يطال الأطفال والنساء في إدلب ولا يتركز على عناصر جماعة أو فصيل معين لكن ذلك يمر بردًا وسلامًا بالنسبة لمؤرخ القاعدة طالما أن الضحايا من العرب السُّنَّة.
وغالبًا ما تكشف كتابات مؤرخ القاعدة عن طبيعة التفكير الرسمي الإيراني في ملف الحركات والتنظيمات الجهادية المسلحة، وتفسر الإطار النظري الذي تتحرك داخله فروع تنظيم القاعدة في المنطقة العربية، وتشرح كيفية التخادم بين التنظيمات الجهادية في الدول العربية السنية والأذرع الشيعية المسلحة ضمن مشروع واحد.
فمع انطلاق عملية طوفان الأقصى سعى تنظيم القاعدة بزعامة سيف العدل، الذي يقيم مع صهره مصطفى حامد في طهران، إلى محاولة كسب تعاطف شعبي لخدمة مشروعه التخريبي في المنطقة العربية، كما في حالة فرع التنظيم في جزيرة العرب الذي أطلق حملة إعلامية لحشد الدعم المحلي له بين أبناء قبائل الجنوب اليمني حيث توجد معاقله هناك.
وفي لقاء متلفز على قناة “روسيا اليوم”، رد الكاتب والمحلل الإيراني، نجاح محمد علي، على سؤال المذيع عن كيفية تدخل محور المقاومة، فأجاب قائلا إن الرد على إسرائيل لن يأتي من طهران لأنها بعيدة جغرافيًا ولا تملك حدودا مع فلسطين، لذلك الرد سيأتي من اليمن ضد المملكة العربية السعودية!، فسأله المذيع: “أين اليمن وأين غزة؟! جغرافيًا..” فرد قائلا “أتحدث عن حلفاء الإسرائيليين أقول لك بكل صراحة ستكون السعودية هدفًا رئيسًا”.
وقد انبرى المغرد الكويتي البارز، خالد غازي العنزي، للرد عليه قائلا: “أقسم بالله إيران لا يهمها لا غزة ولا غيرها هم يعتبرونها كحمص وحلب يستخدمونها كـ حصان طروادة ” هدفهم الرئيسي هو السعودية استمع لأحد ابواقهم وهو يقول تدخل إيران لنصرة غزة سيكون ضد السعودية انطق الله . وما تخفي صدورهم أكبر”.
من جهته يقول السياسي اليمني المقيم في بريطانيا أحمد بن طهيف، في تغريدة له على منصة “إكس”: “ليست هناك أي قدسية للقضية الفلسطينية أو الأراضي الفلسطينية بالنسبة لإيران، في العقيدة الايرانية فاتح فلسطين هو كافر واشد اعدائها، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم تخض طهران اي صراع للدفاع عن فلسطين على مر التاريخ، كل مافي الأمر ان القضية الفلسطينية مجرد حصان طروادة بالنسبة لإيران”.
ومع احتشاد مسلحي الحشد الشعبي العراقية الموالية لطهران على الحدود مع الأردن، ودعوتهم لاقتحام الحدود بحجة الذهاب لتحرير القدس، قال وزير الإعلام والثقافة السابق، سميح المعايطه، في تغريدة له على منصة “إكس”: “اسرائيل بمخططاتها في التهجير والتوطين عدو للأردن، وإيران التي ملأت الدنيا تهديدات لإسرائيل وفي ذروة العدوان على غزة تحشد اذنابها من ميليشيات عراقية على حدودنا مع العراق ليس حبا في فلسطين لكن ضمن مخطط فارسي لاستهداف الأردن، إيران عدو ايضا لانها لم تتوقف عن محاولة اختراق بلادنا”.
فبعيدًا عن المعركة في فلسطين تخوض إيران معركتها الخاصة على هامش المأساة؛ فوسط انشغال العالم بمتابعة الدمار الهائل في قطاع غزة والقصف الإسرائيلي المتواصل وسقوط مئات القتلى يوميًا من الفلسطينيين، وانقسام الدول واختلاف مواقفها من الأزمة، تطل الأذرع الإيرانية كالضواري التي تعتاش على الدماء، فخلال توجه أنظار العالم لقطاع غزة تمارس هذه الأذرع والأبواق هوايتها المعتادة في التحريض على بث الفوضى في المنطقة.
وتسعى طهران من خلال أذرعها إلى استغلال الموقف لتوجيه الغضب الشعبي العربي ضد الأنظمة السياسية ليس بهدف إيصال اقتراحات وحلول لأزمات ومشاكل بل ضمن عملية تصفية حسابات إقليمية، وطَرْق الحديد وهو ساخن لإثارة القلاقل في المنطقة العربية.
الفوضى أرضية ولاية الفقيه
وسط اشتعال الأحداث في غزة يكرر النظام الإيراني تهديداته وتحذيراته حول إمكانية توسع الحرب والاضطرابات في أنحاء المنطقة خاصة في دول جوار فلسطين، بينما تنأى بنفسها عن التدخل المباشر في الأزمة، مما أثار تساؤلات عن دوافع طهران للتصعيد، وكذلك سياق تحركات تنظيم القاعدة تحت قيادة سيف العدل المقيم في طهران، وكيفية استغلاله لخدمة المشروع الإيراني في المنطقة.
من جانبه أكد العميد الركن أحمد رحال، المحلل العسكري والاستراتيجي السوري، أن إيران تحرص على إشاعة عدم الاستقرار دائمًا لأن الفوضى هي الأرضية الصالحة لتصدير مشروع ولاية الفقيه وتصدير الثورة وهم يهدفون إلى السيطرة على كل ما يمكنهم الوصول إليه والسيطرة عليه بناءً على مبدأ أن كل شيعي ولاؤه الأول لإيران ثم الدولة التي يعيش فيها بعد ذلك وهذا شيء خطير جدًا تفعله إيران.
وتابع في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن الإيرانيين يريدون نشر الفوضى وعدم الاستقرار لأن الفوضى تمكنهم من اختراق الدول؛ فمثلًا حاولت طهران استغلال الشيعة في المملكة العربية السعودية لكن لم يستطيعوا فعل ذلك، بل رفضوا الانسياق وراء المشروع الإيراني، فلو كان لبنان مستقرًا لما استطاعوا أن ينشئوا فيه حزب الله ولو كان العراق مستقرًا لما استطاعوا أن يفعلوا فيه ما فعلوا وكذلك لم يستطيعوا أن يتدخلوا في سوريا إلا عام ٢٠١١ عندما قامت الثورة وكذلك اليمن.
وأردف أنه من الخطأ تصديق تصريحات وتهديدات طهران بأنها تسعى لإزالة وجود إسرائيل والقضاء عليها وما إلى ذلك فهذا مجرد كلام وكذب في كذب، فالصراع الإيراني الإسرائيلي هدفه أن تصبح إيران شريكًا لإسرائيل في المنطقة، والولايات المتحدة ترفض ذلك رغم حدوث تفاهمات بينهما في بعض الأحيان، ولولا الغزو الأمريكي لما دخلت إيران العراق ولولا صفقة حافظ الأسد مع إسرائيل لما وجدنا حزب الله في جنوب لبنان وبالتالي إيران تستغل الفوضى التي تحدثها أمريكا في المنطقة وتخدم مشروعها بذلك ونصبح نحن العرب الضحية لهذه الفوضى.
واعتبر أن سلوك داعش والقاعدة هو أكبر خادم لإيران؛ إذ أنه تحت لافتة محاربة القاعدة وداعش تتخذ إيران ذريعة مواجهة الإرهاب السني وتبييض صفحتها ومشروع ولاية الفقيه مع أن أكبر شركاء الدواعش والقاعدة هم حزب الله وإيران ونظام الأسد.
وذكر أنه عندما دخل الدواعش إلى العراق سحب رئيس الوزراء نور المالكي حليف طهران أربع فرق عراقية وترك لهم ٥٠٠ مليون دولار وعتاد أمريكي بمليارات الدولارات ضمن صفقة معهم وهذا كلام مكشوف كله، وكذلك اللعبة المكشوفة لدخولهم إلى مدينة الرقة في سوريا فالإيرانيون شركاء للقاعدة وداعش رغم ادعائهم محاربتهم مثلما تدعي إيران محاربة إسرائيل بينما دمر فيلق القدس أربع دول عربية وحتى الآن ما عرف أين طريق القدس.
وأشار العميد أحمد رحال إلى أن علاقة إيران مع التنظيمات الإرهابية قديمة جدًا، فتنظيم القاعدة كان ملاذه الآمن إيران، أما تنظيم داعش فقد أثبتنا أكثر من مرة أن ضباطًا من نظام الأسد ومن إيران كانوا ضمن تنظيم داعش ولما انتهى التنظيم رجعوا إلى الخدمة للجيش السوري بأوامر من طهران وكانوا على تنسيق كامل معها ومع حزب الله.
وأضاف أن علينا أن نتذكر كيف نقلوا عناصر التنظيم من القلمون حينما حاصرهم الجيش اللبناني في عملية “فجر الجرود” فتدخل حزب الله وإيران ونقلوا الدواعش بباصات مكيفة تحت مبررات عديدة ووضعوا معهم عائلاتهم وأطفالهم لحمايتهم ومنع الولايات المتحدة من قصفهم.
تخادم قاعدة اليمن
وفي اليمن ينتشر فرع تنظيم القاعدة وسط القبائل السنية في جنوب البلاد لكنه يقاتل أبناء القبائل والحكومة والمتحالفين معها، بينما يعقد الصفقات مع ميليشيات الحوثي الشيعية التابعة لطهران في تناقض واضح مع خطابه الدعائي، فاستراتيجيته الفعلية على الأرض هي قتال أعداء إيران مما يخدم مشروعها ويعطي فرصة للحوثيين لتوسيع مناطق سيطرتهم.
من جانبه قال القاضي الدكتور، أحمد عطية، وزير الأوقاف اليمني السابق، وعضو المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي، إن كل الأعمال والسلوكيات التي تمارسها القاعدة تخدم إيران في اليمن والمنطقة العربية ولنا بما حصل باليمن أكبر دليل قاطع على التعاون الكبير والانسجام بين طهران وتنظيم القاعدة.
وأضاف في تصريحاته الخاصة لـ”أخبار الآن” أن إيران الداعم الأكبر للجماعات المسلحة الإرهابية والكل يعرف أن كل التنظيمات في سوريا والعراق ولبنان واليمن ترعاها إيران، لذا فإن ما نشاهده من دعم لهذه الجماعات وزرع للفتنة و التقسيم في المنطقة العربية وحالة الخراب الذي حل بهذه الدول قد بات واضحا للعالم كله.
مضيفا: ظل تنظيم القاعدة نشطاً طول سنوات في اليمن وارتكب أبشع الجرائم بحق المواطنين الأبرياء ورجال الأمن والجيش وما إن سيطرت مليشيات الحوثي على أجزاء من اليمن حتى اختفى هذا التنظيم الإرهابي ليثبت خدمته لإيران و يحل محله تنظيم إرهابي جديد اسمه الحوثي.
وأكد وزير الأوقاف اليمني السابق، أنه لا يمكن لنا أن نفصل أهداف طهران عن القاعدة بأي شكل من الأشكال لأن الأعمال والأفعال واحدة والمشروع واحد.. وهذا ما يجعلنا نقول إن على جميع الأنظمة العربية والشعوب أن تواجه أفكار إيران و مشاريعها التدميرية في المنطقة التي لا تختلف عن أفكار القاعدة وذلك مواجهة بالفكر والرفض والمواجهة المسلحة.
الفوضى مفتاح الهيمنة
وبينما تمضي الاستراتيجية الإيرانية في نشر الفوضى ورعاية الحركات والتنظيمات الإرهابية المسلحة، تتخذ الآلة الدعائية الإيرانية من وجود تلك التنظيمات مبررا لرعاية الميليشيات الشيعية؛ ففي اليمن يبرر الحوثي وجوده بمحاربة الإرهاب التكفيري؛ في إشارة لتنظيم القاعدة التي يتعاون معها.
وفي العراق تتخذ ميليشيات الحشد الشعبي من بقايا الجماعات المتطرفة مبررا لبقاء حملها للسلاح واكتساب الشرعية في الداخل، فمثلا في ديالى يجري تهجير الأهالي العرب السنة من قراهم والاستيلاء على أراضيهم الزراعية بحجة تحريرهم من تنظيم داعش الإرهابي، رغم أن تلال حمرين ظلت لفترة طويلة مقرًا معروفًا للتنظيم، لكن الميليشيات الشيعية تجاهلته كثيرا وركزت على مهاجمة القرى حوله وتهجير سكانها بحجة محاربة الإرهاب.
وأحيانًا يتم مهاجمة أهل القرى من الجانبين، فتهجم عليهم داعش أولا ثم تأتي الميليشيات الشيعية لتهجيرهم بزعم “تحريرهم”، وتم تهجير ملايين العرب السنة في العراق وحده بهذا الشكل، ليس في ديالى فقط، بل في الأنبار والموصل وحزام بغداد بذريعة محاربة الإرهاب السني.
وكلما وجه أي طرف انتقادات للحشد الشعبي وتحدث عن انتهاكاته وطالب بحله أو على الأقل كف أذاه كان الرد عليه أن هذه الميليشيات ما زالت تخوض حربًا ضد الإرهاب التكفيري لحماية أعراض العراقيات من سبي داعش.
ويؤكد اللواء الدكتور محمد عاصم شنشل، المحلل العسكري العراقي، أن طهران اعتمدت على نشر الإرهاب والفوضى في أنحاء الوطن العربي خدمة لمشروعها الإقليمي، فبعد احتلال العراق تم تسليمه لإيران على طبق من ألماس وليس فقط من ذهب، وعملت إيران على أن يكون لها دور فعال به عن طريق تمكين أتباعها الولائيين من التحكم بزمام الأمور في العراق وعملت على أن يكون لها أذرع مسلحة في العراق، وكذلك قدمت التدريب والدعم اللوجستي للحركات الإرهابية الأخرى.
وأضاف في تصريحاته لـ “أخبار الآن” أنه في السنوات العشر الأخيرة عملت إيران على استقطاب الكثير من الحركات والتنظيمات السنية لتمارس أنشطة إرهابية كما في حالة داعش وهو تنظيم إرهابي دموي ركز على استهداف أهل السنة أكثر من الشيعة، ولأن معظم عناصره من السنة استطاع خداع المواطنين رغم أنه صنيعة إيرانية.
وتابع أن إيران تستفيد من نشر الفوضى في العالم العربي بهدف الهيمنة ونشر نفوذها وإعادة إحياء الأمجاد الفارسية القديمة والاستيلاء على ثروات الدول العربية كما وقع في عمليات النهب الاقتصادي الممنهج والمنظم للعراق، حيث يدخل إلى حسابات إيران يوميا حوالي نصف مليار دولار من حصيلة النفط العراقي الذي يصدر للخارج.
وخلال أحداث أزمة غزة الحالية، أعاد عدد من النشطاء التذكير بالدور الإيراني في اختراق الدول العربية تحت شعار القدس؛ مستشهدين بفيديو قديم لخالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بالخارج، وهو يعدد مكاسب طهران من دعمها للمقاومة الفلسطينية قائلا إن إيران كانت هي التي تطرق أبوابهم، وتدعوهم لزيارات متلاحقة، وتتعامل معهم بأريحية وترحيب، مبينًا أن هذا الدعم ليس مجانيًا بلا مقابل لكن “الثمن مش من قراراتنا.. قلت الثمن ثمنين؛ إيران عندما تدعم حماس الفلسطينية السنية (بالتعبير الديني) هذا يجمل صورتها أفضل في العالم العربي والإسلامي اللي معظمه سني، والثاني أنها أمام الغرب تقول: علاقتي مع حماس قوية، ماذا تريدون من فلسطين؟ أنا جاهزة”.
ففي هذا المقطع يقول مشعل بصراحة شديدة إن إيران تتاجر بالقضية إعلاميًا وتستخدمها ورقة تفاوض مع الغرب، ولا تدعمهم لأجل القدس ولا غيره، بل تستخدم هذه الشعارات كغطاء لمشروعها في المنطقة العربية، ونقطة قوة تساوم بها الأمريكيين وغيرهم خلال المفاوضات بينهم حول قضايا تخص إيران كالملف النووي مثلا.
وكان الدكتور محمد جميح، سفير اليمن في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” قد قال في وقت سابق: لم تكن فلسطين عبر تاريخها في صلب ولا هامش اهتمام تيارات “التشيع السياسي” قديماً وحديثاً، إلى أن جاء الخميني الذي جعل من القدس حصان طروادة، ودخل بواسطته إلى داخل المدن العربية التي دمرها الطريق الإيراني الذي مرّ عبر تلك المدن، دون أن يصل للقدس، ولن يصل، لأن المدينة ليست وجهته.
وهو ما يؤكده أيضا الدكتور يوسف خليفة اليوسف، أستاذ الإقتصاد بجامعة الإمارات، الذي تحدث عن الخطة الإيرانية في ٢٠١٩: “إيران الشاه كانت تزود إسرائيل بالنفط وإيران الخميني قدمت لها إسرائيل السلاح فيما عرف بإيران-جيت باختصار إيران لا تخدم قضايا العرب ولا قضايا السنة او الشيعة العرب وإنما تخدم مصالحها وهي تعتبر الشيعة العرب حصان طروادة لإعاقة أي وحدة بين شعوب العالم العربي.
الخلاصة
شكلت الفوضى مرادفًا للتدخل الإيراني في عدد من الدول العربية؛ فما أن تندلع الاضطرابات السياسية حتى نجد الخلايا الإرهابية التابعة لطهران تظهر على الساحة، ثم تتوسع فتشكل ميليشيات مسلحة تظل تتضخم حتى يطغى نفوذها على الجيوش النظامية، وبالتالي تختطف القرار السياسي لصالحها، أو بالأحرى لصالح مشغليها في طهران.
لذا لا تفتأ طهران واذرعها تعمل بكل سبيل على نشر الفوضى لتمهيد الطريق لنشر نفوذها على جثث الشعوب والأنظمة خاصة في أنحاء العالم العربي، لذلك لا تقف الحواجز المذهبية عائقًا أمام هذه الاستراتيجية، بل تستخدم طهران التنظيمات الإرهابية العربية لغزو واختراق المجتمعات العربية السنية فيما يستحق أن يُطلق عليه “جهاد طروادة”.
والآن بعد فضح مخطط إيران لاختراق مجتمعات أهل السنة وانكشاف كونها الجهة الراعية لتنظيم القاعدة وغيره من أحصنة طروادة التابعة لها، ما على الباحثين عن الحقيقة سوى البحث في وسائل التواصل ومواقع الإنترنت عن قادة الرأي الذين نذروا أقلامهم لكشف أحصنة طروادة الإيرانية في عالمنا العربي، ونشر الوعي بهذه المخططات لتصعيب المهمة على إيران لاستخدام هذه الأحصنة لغزو المجتمعات والدول العربية السنية.
وأخيرا، شارك هذه المقالة مع أصدقائك إذا كنت توافق أن الوقت قد حان أن تتوقف إيران عن دعم القاعدة ومحاولة إثارة الفوضى في العالم العربي.
خلفية تاريخية عن حصان طروادة “ويكيبيديا”
حصان طروادة (بالإنجليزية: Trojan Horse) جزء من أساطير حرب طروادة، إلا أنها لا تظهر في الجزء الذي يرويه هوميروس في الإلياذة عن الحرب، حصان طروادة أكبر الأحصنة الخشبية في التاريخ ويبلغ من الطول 108 متر ومن الوزن 3 أطنان، ليكون أمتن حصان خشبي في العالم، بعد حصان طروادة هناك حصان زقاونة لدى شعب الرومان والجرمان.
أسطورة أحصنة طروادة
تروي الأسطورة أن حصار الاغريق لطروادة دام عشر سنوات، فابتدع الاغريق حيلة جديدة، حصاناً خشبياً ضخماً أجوفا تم بناؤه تحت إشراف إبيوس في ثلاثة أيام. ومُلئ بالمحاربين الاغريق بقيادة أوديسيوس، أما بقية الجيش فظهر كأنه رحل بينما في الواقع كان يختبئ وراء تيندوس، وقبل الطرواديون الحصان على أنه عرض سلام.
وقام جاسوس إغريقي، اسمه سينون، بإقناع الطرواديين بأن الحصان هدية، بالرغم من تحذيرات لاكون وكاساندرا، حتى أن هيلين وديفوبوس فحصا الحصان فأمر الملك بإدخاله إلى المدينة في احتفال كبير.
احتفل الطرواديون برفع الحصار وابتهجوا، وعندما خرج الاغريق من الحصان داخل المدينة في الليل، كان السكان في حالة سكر، ففتح المحاربون الاغريق بوابات المدينة للسماح لبقية الجيش بدخولها، فنهبت المدينة بلا رحمة، وقتل كل الرجال، وأخذ كل النساء والأطفال كعبيد.
كانت مدينة طروادة تحت إمرة الأمير هيكتور والأمير بارس والذي كان سببا رئيسيا في الحرب بخطفه هيلين ملكة اسبرطة، وزوجة مينلاوس شقيق أجاممنون بن أتريوس.
كانت الأميرة كاساندرا تتنبأ بالمستقبل، وقبل ولادة الأمير بارس تنبأت بأن المولود الجديد سيكون سببا في دمار طروادة فأمر الملك بقتل المولود بعد ولادته، لكن الحاجب الذي أمر بقتل الأمير الصغير تركه في العراء وذهب.