القاعدة في اليمن: لماذا يحاول باطرفي غسيل سمعة التنظيم من علاقته بإيران
بعد سلسلةٍ من الإصداراتِ لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب – تعليقًا على عملية “طوفان الأقصى” ومَفادُها التأييدُ والمُباركةُ والتضامنُ-أطلَّ علينا زعيمُ تنظيمِ القاعدةِ بجزيرةِ العرب أبو المِقدادِ خالد باطرفي، بتاريخ 29 أكتوبر، في إصدار يحمل عنوان: “تساؤلات وردود حول عملية “طُوفان الأقصى” وتداعياتها”.
وقد كان الإصدار عبارة عن أسئلة أجاب عنها باطرفي، وبعيدًا عما تناولهُ خالد باطرفي في الإصدار بشكلٍ عام، وبعيدًا عن أخطاء باطرفي في الآيات القُرآنية، وبعيدًا عنْ قصقصة المُونْتاج طوال الإصدار للكثير مِنْ كلامه تارةً، وتارةً إضافة كلام له في غير الجلسة المُسجَّلة، فقد لفت باطرفيُّ انتباهَ الجميع في محاولة تبييضه -إن صح التوصيف- لعلاقة تنظيم القاعدة بإيران، والحرس الثوري تحديدًا، منْ وصفهم في الإصدار بـ”الروافض” مُتسترًا و مُتهربًا من كلِّ الحقائق في هذا الصدد؛ ومن ذلك إقامةُ القائد الفعلي لتنظيمِ القاعدة سيف العدل في طهران.
وكما سنكشف لاحقًا في هذا المقال، أخبرنا أحد كبار المنشقين عن تنظيم القاعدة أن جهود باطرفي كانت تهدف إلى تشتيت الانتباه ومن غير المرجح أن تقنع منتقديه.
ففي خِضَمِّ الإصدارِ المرئيِّ وجِّه سؤالٌ لـ(أبي المقداد خالد باطرفي)، نصُّهُ “ما نظرتكم للموقفِ الإيرانيِّ وأتباعه؟” فحاول باطرفيّ تبيضَ سمعةِ تنظيمِ القاعدة منْ علاقته بالحرسِ الثوريِّ وإيران عُمومًا، كما أشارتْ لذلك الصحفيةُ هدى الصالح- المتخصصة في شؤون الجماعات الراديكالية على حسابها في منصة (𝕏) – قائلةً: “هذا الموقفُ الذي سعى من خلالِه باطرفيّ لتبييضِ سُمعة وصورة تنظيم القاعدة من علاقاته بالحرسِ الثوريِّ الإيرانيِّ، وروابطِ سيفِ العدل، وغيره من القياداتِ به، تَجنبَ معهُ مِنْ إبرازِ موقف القيادة العامَّة لتنظيم القاعدةِ مِنْ علاقةِ حركةِ حماسٍ وكتائب القسام، وتنظيم الجهاد الفلسطينيّ بإيران والحرسِ الثوريّ في الدعم السياسي، والتمويل الماليِّ، والسِّلاح والتدريب في المعُسكرات، ولم يبدِ أيَّ موقفٍ على لقاءِ وزير الخارجيةِ الإيرانيِّ بقيادة حماس في قطر!! أو اجتماع قيادة حماسٍ والجهاد بحزب الله اللبناني”.
وفي تصريح خاص لـ”أخبار الآن” أضافتِ الصحفية هدى الصالح، قائلة: “كما إنَّ سعي باطرفي وبشدةٍ إلى التأكيد على عدم معرفة إيران بهذه العمليةِ، أو لعب ايِّ دورٍ فيها، من خلال استنتاجاتِه الشخصية، عبر تصريحاتِ المسؤولين الايرانيين، كما ذكر فإنَّما يأتي خدمةً للطرفينِ؛ الحرس الثوري الايراني، وكتائب القسام السُّنِّية؛ فهو من جهة تبرئةً لإيران من تنظيمِ القاعدة أمام المجتمع الغربي، والعربي، ومن جهةٍ أُخرى تزكيةً لحماس أمام الجمهورِ الإسلاميِّ والسني تحديدًا؛ رَغْمَ العلاقة والتعاون المُعلن ما بين الطرفين إيران وحماس على كافة الصُّعد”.
والحقيقةُ أن باطرفي، ومنْ خلال جوابه حاول التملُّص، والتهرُّب متعلقًا في الجواب على قشتين إنْ صحّ التَّوصيف:
أولًا: حاول باطرفيّ جاهدًا أنّ يُثبت عدمَ معرفة إيران بالعمليةِ المسمَّاة بـ (طوفان الأقصى)، مُتوهمًا ومُوهمًا في ذلك إثبات عدم علاقة إيران بما يحْصُل، وبِمَا أنَّ باطرفيَّ وقيادةَ التنظيمِ عُمومًا تُبارك وتُشيد بعملية (طوفان الأقصى) فإنَّه بين خيارين أحلاهما مرٌّ:
1/ أن يُثبتَ علاقةَ إيرانَ بحماسٍ؛ فيتناقض مع ما يُقرره أنّ هؤلاء من وصفهم بـ”الروافض” لا يُهمهم مصلحةَ أهل السُنَّة، لا في فلسطين، ولا في العراق ولا في اليمن، ولا سيما وأنّهُ قد باركَ العمليةَ والتي وصفها بـ”المباركة” وأشادَ بها، فيقع في التناقضِ أمام جُندِ وأنصار التنظيمِ، ولاسيما في اليمن!
2/ وإمَّا أن يُحاوِل جاهدًا إثبات عدمِ علاقةِ إيرانَ بحماسٍ، أو حتى على الأقلِّ عدم علاقة إيران بالعملية المُشار لها، فَيتخبطَ ويقعَ في موقفٍ لا يُحسدُ عليهِ! متجاهلًا كل الحقائق والوقائع، كما حدث وفعل.
– وهنا السكوتُ لا يُجدي، ولا سِيَما في ظلِّ تَصاعُدِ الحديثِ عن علاقةِ فرع تنظيمِ القاعدةِ في اليمن بإيرانَ والحرسِ الثوريِّ وتنفيذ أجندة إيران، عن طريقِ نجلِ سيفِ العدلِ في اليمن، ووالدهِ الأميرِ الفعليِّ للتنظيمِ المُقيمِ في طهرانَ سيفِ العدل، وقد كان نداءُ أبي ماريا القحطاني بمثابةِ الصفعة لجميعِ جُنودِ وأنصارِ تنظيمِ القاعدة وخُصوصًا أنَّه وجَّهَ جُزءً من خطابهِ لفرعِ اليمن، فكان لابُدَّ لباطرفيِّ أن يُبيضَ الموقفَ.
وفي تصريحٍ حصريٍّ لــ”أخبار الآن” يقولُ قياديٌّ بارز منشقِ عن تنظيم القاعدة: “إنَّ حديثَ باطرفيِّ عن إيران وعملية طوفان الأقصى كان أشبه بذري الرماد على العيون”.
لذلك فقد ذهب باطرفيُّ يتخبطُ يمنةً ويسرةً في سبيل ترقيع الموقفِ الذي يتصاعدُ يومًا بعد يومٍ داخليًا، مُستدلًا ببعضِ التصريحاتِ التي صدرتْ من الجانب الإيرانيِّ، والتي هددت في حال استهداف إيران سيكون الردُّ بالصواريخ، والمُسيرات من لبنان وسوريا والعراق، وعلَّق باطرفيُّ قائلًا: “إن هذا التصريح يدلّ على عدم معرفة إيرانَ بعملية (طوفان الأقصى)”.
وحقيقةً حاولت جاهدًا أن أفهم من أين اسْتشفّ باطرفي هذا الاستنتاج فلم أجد ما يُعزِّزُ أو يدلُّ على ذلك!!
والحقيقةُ أن باطرفيَّ حاول مُتهربًا أن ينفي علاقةَ إيران بالعمليةِ، مُتجاهلًا كلَّ تصريحاتِ حماسٍ في هذا الصددِ، والتي كان من أبرزِها ما صدر عن حركة حماسٍ من بيان رسمي بتاريخ 23 – أكتوبر – 2023م، جاء في فيه أنَّ الحركةَ على تواصل وتنسيق بالجانب الإيرانيِّ، وتحديدًا مع وزير الخارجية الإيراني- حسين أمير عبد اللهيان– فيما يخصُّ تطوراتِ الأحداثِ في غزة.
واستدلَّ باطرفيُّ بما لا يُستدَلَّ بهِ استغباءً لجنودِ التنظيم وتبييضًا لسمعةِ القاعدةِ عُمومًا، مُتجَاهلًا العلاقاتِ المُعلنة بين إيرانَ، وحركةِ حماسٍ، وقد كان الأولى بِباطرفيِّ أن يستدلَّ بتصريحاتِ قادةِ حماس الصريحةِ والواضحةِ تُجاهَ إيرانَ.
كان الأولى بأبي المقدادِ أيضًا أن يستفيدَ بدلًا من التخبط ممَّا قالهُ غازي حمد-المتحدث باسم حماس- من خلالِ مقابلةٍ مع برنامجِ “نيوز أور Newshour” على قناة BBC، ردًّا على سؤالِ المذيعِ بشأن حجمِ الدعم الذي حصلت عليه حماسٌ من إيرانَ لتنفيذِ هذه العملية؛ فقال: “أنا فخورٌ بأنَّ إيرانَ تُساعدنا، ودولٌ أُخرى تُساعدنا، سواءً بالمالِ أو بالسلاحِ أو بدعمٍ سياسيٍّ، لا بأسَ أن نفعلَ ذلك”.
وعلى الرغمِ من غموضِ ردِهِ إلى حدٍّ ما، فإنَّهُ لم يَنْفِ دعمَ إيرانَ ردًّا على سؤالٍ مباشرٍ وصريح، خلافًا لباطرفي الذي حاول جاهدًا ومُرقّعا ومبيضًا نفيَ شيئًا مِن ذلك، إضافة لما أشارت له الصحفية هدى الصالح من محاولة تبرئة لإيران وتزكية لحماس، فمع التخبط والواضح من باطرفي في الترقيع إلا أنه قدم ما يجب أن يُقدم لإيران في ظل تهديدات البنتاغون بالرد على إيران في حال تأكيد تورطها.
ثانيًا: القشةُ الثانية التي يُحاولُ باطرفيُّ التعلُّقَ بها -إن صح التعبير- هاربًا من حقيقة علاقة إيران بحماس أو علاقة إيران بتنظيم القاعدة، فقد تَحَدُّثُ أبي المقداد عن إيران، قائلًا: “إيران لا يُهمُها فلسطينَ، ولايُهمها الجماعاتِ الإسلامية، ولايهمها حالَ المسلمين في فلسطين، ولافي أيِّ مكان، وخاصةً أهلَ السُّنَّة”.
والحقيقةُ أنَّ باطرفيَّ هُنا يردُّ على نفسهِ، متوهمًا في ذلك أنَّه سيصفِّي ساحةَ التنظيم من أيِّ مزاعمٍ، وأحاديثَ عن علاقةِ التنظيمِ بإيران، وأضافَ باطرفيُّ قائلًا:”إيران مستعدةٌ أن تتحالفَ مع الشيطان لأجل مصالحِها؛ فهذه هي حقيقةُ إيرانَ في تعاملِها مع القضايا الإسلامية”.
وهنا ما يجبُ الحديثُ عنه ما هي مصلحة إيرانَ من بقاء سيف العدل في طهران؟ ما هي مصلحةُ الحرسِ الثوريِّ أن يقومَ بإرسالِ نجلِ سيف العدل إلى اليمن، وبرفقته ضابطًا إيرانيًا، إلى مدينةِ المُكلا وقتَ سيطرةِ تنظيم القاعدة على المدينة؟! بحسب قياديٍّ مُنشقٍ كان أحدُ المُستقبلين لنجلِ سيفِ العدل، ما هذا الحرصُ والإهتمامُ من إيرانَ، وهل تنظيمُ القاعدةِ هو الشيطان الذي تتحالف إيران معه لأجل مصالحها؟! كما عبّرَ عن ذلك باطرفيُّ.
وما يؤكدُ الحديثُ في هذا الصدد ما صرَّح بهِ المتحدث الرسمي لتنظيم داعش أبو محمد العدناني في كلمة له بعنوان:”عذرًا أميرَ القاعدة“، قائلًا:” إنَّ : قيادةَ تنظيمِ القاعدة اشترطتٰ عدمَ استهدافِ إيران، وتَركت إيران تنعمُ بالأمان رغمَ قُدرتها على ضربها”، فهل هذه المصالح التي تحافظ عليها إيران وأشار لها باطرفيُّ؟
وواقعُ اليمن ميدانيًا يقول إنَّ هذا التحالف أو التخادم قد آتى ثمارَه، ففي تصريحٍ خاص لـ”أخبار الآن” يقول الشيخ القبلي البارز في محافظة شبوة لحمر بن علي لسود العولقي: “زحف الحوثي عام 2015م نحو محافظة شبوة، وبالفعلِ سيطرت المليشيا على العديد من المحافظات من بينها شبوة، والتي كان تنظيمُ القاعدة يتواجدُ فيها بشكلٍ مركزيٍّ، وقد كان التنظيمُ في أوجِ قوتِه عسكريًا وماليًا، فلم نرَ ولم نسمع أيَّ عمليةٍ للتنظيم ضد مليشيا الحوثي، بينما كان يرددُ خلالَ السنوات السابقة نحوًا من العيارات والأحاديث الطائفية واصفًا إياهم بـ”الروافض” و “المجوس”، حتى قنبلةٍ صوتيةٍ لم يرمِها تنظيمُ القاعدة على أيِّ حاجزٍ، أو نقطةٍ أمنيةٍ لمليشيا الحوثي، وما أن تحررت محافظةُ شبوة إلا وقام التنظيمُ باستئنافِ عملياتهِ الإرهابية في شبوة، وتكرر المشهد مؤخرًا في مديرية بيحان حينما اجتاحت مليشيا الحوثي المديرية لم يقم تنظيم القاعدة بأيِّ عمليةِ تصدٍّ للزحف، وفي حين تحررت المديريةُ قام تنظيمُ القاعدة بسلسلةٍ من الإستهدافات الإرهابية ضد قوات دفاعِ شبوة، في شبوة عمومًا وفي مديرية بيحان تحديدًا، وما يحدثُ ميدانيًا في اليمن يؤكد الدورَ الذي يقوم به أميرُ تنظيم القاعدة الحالي سيفُ العدل المقيمُ في طهران بحسب بعض التقارير”.
وأضاف قائلاً: “إنّ محاولات تنظيم القاعدة ومليشيا الحوثي باستغلالِ أحداثِ غزة مستخدمينَ عباراتٍ دينيةٍ برَّاقةٍ، وما هو إلا خدمةٌ لمصالح إيرانَ، وعواقبُ ذلك ستعودُ على الأبرياءِ، وعلى والمواطنِ الأعزلِ في غزةَ، وفي اليمن وسوريا ولبنان والعراق”.
فالساحةُ اليمنيةُ تمثِّلُ اليومَ أكبرَ شاهدٍ على التَخادمِ الضاخبِ بينَ تنظيمِ القاعدةِ، ومليشيا الحوثي المدعومةِ من إيران، مع كلِّ محاولاتِ باطرفيِّ في تبيض سمعةِ التنظيمِ في ذلك إلا أن باطرفيَّ أخفق، فلا يمكنُ تجاهلَ الواقعِ اليمنيِّ، ولا يمكنُ تجاهلَ الدورِ الذي يقومُ بهِ سيفُ العدل عن طريق نجله، وهكذا ولا يمكن أن نتجاوزَ علاقة َحماسٍ بإيرانَ لمجردِ قشةٍ حاول باطرفيُّ التعلُّقَ بها؛ ليجدَ له مخرجًا بعد احتقان الوضعِ داخليًا في هذا الصددِ بينَ صفوفِ الجهاديينَ عُمومًا.