ما مدى جدية إطلاق الحوثي صواريخ على إسرائيل؟
في 31 من أكتوبر المنصرم، أعلنت جماعة الحوثي استهداف اسرائيل بعدد من الصواريخ والطائرات المسيرة، انتصارًا للضحايا في فلسطين بحد قولها، حيث صرح الناطق العسكري بأسم الجماعة أنهم أطلقوا عدد من المسيرات والصواريخ البالستية وصواريخ كروز، دون تحديد العدد، بينما نشر الإعلام الحربي فيديوهات تظهر عمليات الإطلاق للصواريخ والمسيرات، إلا أنه فيما بعد تبين بأنها تتضمن مشاهد قديمة، كان قد نشرها الإعلام الحربي ذاته في 15 فبراير 2022، تحت عنوان “مشاهد لإطلاق سلاح الجو المسير عدد من الطائرات المسيرة على العمقين الإماراتي والسعودي “.
تزييفٌ وخداع
كانت تعتقد جماعة الحوثي أن نشرها للفيديوهات مع تغيير في زوايا التصوير قد لا يلتفت لها أحد، إلا أنها كانت سهلة التمييز بالنسبة للصحفيين ومدققي المعلومات، نلاحظ في الصور هذه كيف أنهم عملوا على تغبيش اجزاء من الفيديو الذي نشره الإعلام الحربي التابع للجماعة في العام الماضي، وقام الفنيين بعكس اتجاه إطار الفيديو للناحية الأخرى من خلال برامج تحرير الفيديو، كما تمت اضافة الصوت بشكل منفصل، كما يظهر الفيديو الذي نشرته قناة الميادين في منتصف فبراير 2022.
وتكررت اللقطات الخاصة بإطلاق الطائرات المسيرة، حيث أخذت من فيديوهات تم نشرها سابقًا، بينما قاموا بطمس معالم الفيديوهات الأخرى، من خلال التعتيم على الفيديو والتلاعب بحجم الإطارات، خصوصًا الخاصة بإطلاق الصواريخ.
في اليوم ذاته الذي أعلن فيه الحوثيين إطلاق الصواريخ بإتجاه اسرائيل، كان مواطنون في مديرية معان الأردنية قد نشروا صورًا لحطام صاروخ قدس 4 المجنح والذي سقط في المنطقة الجنوبية للمملكة الأردنية، وهو ما يثير قلق السلطات الاردنية، ففي اليوم السابق كان قد صرح فيه مدير الإعلام العسكري العميد الركن مصطفى الحياري، بأنهم طلبوا من الولايات المتحدة نشر منظومات الدفاع الجوي “باتريوت” في الأردن، لتعزيز الدفاع عن حدودها، وحماية الملاحة الجوية.
وكانت الجماعة قد أصدرت بيان عسكري ثاني في 6 نوفمبر، معلنة استمرار اطلاقها للصواريخ والمسيرات بإتجاه إسرائيل، وقال يحيى سريع – الناطق العسكري أنها استهدفت مواقع حساسة في العمق الاسرائيلي وأن الضربات الصاروخية عطلت حركة الملاحة في المطارات الإسرائيلية عدة ساعات، إلا أنه ذلك لم يحدث ابدًا ولم تتوقف المطارات أو حركة الملاحة الجوية كما تظهر تسجيلات موقع فلايت رادار24 خلال يوم السادس من نوفمبر، وهو ما يدحض حديث المتحدث العسكري الحوثي.
محاولة كسب التعاطف
في الوقت الذي تحاول فيه جماعة الحوثي الظهور بأنهم الوحيدين الذين تدخلوا لمساندة الفلسطينيين في حربهم ضد اسرائيل، تروج الجماعة بأن المملكة العربية السعودية رفضت طلبًا لهم بعدم اعتراض الصواريخ، وذلك من خلال حملة يقودها محمد البخيتي – عضو المجلس السياسي، في محاولة للتضليل الإعلامي، بينما لم تعلن السعودية عن اعتراض أي صواريخ أو طائرات مسيرة.
في السياق ذاته، فقد نفى أسامة حمدان – القيادي في حركة حماس في مؤتمر صحفي عُقد ببيروت عندما سُئل من أحد الصحفيين عن حقيقة إعتراض المملكة العربية السعودية لصواريخ الحوثيين بالقول بأنه ليس لديه معلومات، ورفض التعليق عن الأمر مشيرًا إلى أنه سيتحدث عن الأمر “عندما يكون حقيقيًا” بحد قوله.
و بالرغم من إعلان الحوثيين اطلاق عشرات الصواريخ والمسيرات بحسب قولهم، إلا أن الجانب الاسرائيلي لم يعلن سوى عن حالتي اعتراض للصواريخ منذ إعلان الحوثيين الدخول في المعركة، أحدها كان في الأول من نوفمبر والآخر يوم الثاني من الشهر ذاته، إلا أنها أعلن عن تحريك قطع حربية بحرية نحو البحر الأحمر لأول مرة، حيث يرى خبراء عسكريين يمنيين أن الحوثيين قد أعطوا اسرائيل المبرر للتدخل العسكري في اليمن، كما حدث من قبل في العراق وسوريا ولبنان.
وبحسب معهد الشرق الأوسط للدراسات، “فأن تصرفات الحوثيين بإطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ، يهدد سلامة الملاحة الجوية والبحرية”، وهو ما يجعل إحتمالية تدخل عسكري دولي مطروحًا في اليمن، الأمر الذي يهدد مسار مفاوضات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة بين الأطراف اليمنية.
من المستفيد؟
تلى إعلان جماعة الحوثي استهداف اسرائيل والدخول في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الكثير من الضجة على مواقع التواصل الإجتماعي، وأثار تساؤلات كثيرة عن أسباب تدخل الحوثيين في الحرب، بالرغم من بعد المسافة الجغرافية، بينما تساءل آخرون، “لماذا يطلق الحوثيين مسيراتهم وصواريخهم إلى بعد 2000 كم، والتي يعرفون بأنها لن تصل إلى اهدافها، بينما باستطاعتهم أن يغلقوا مضيق باب المندب أو قصف البارجات العسكرية التابعة للولايات المتحدة في البحر الأحمر، والتي يدعون محاربتها.
جدير بالذكر أن جماعة الحوثي في اليوم الثاني من إعلان عملية طلاقها الصواريخ نحو اسرائيل، أي في 1 نوفمبر الجاري، قامت بإرسال رسائل نصية لأكثر من 10 مليون مستخدم لشبكات الموبايل في مناطق سيطرتها، تدعو المواطنين للتبرع بمبالغ مالية، لدعم القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير، والذي رآها البعض محاولة لاستغلال الشعب عاطفيًا وماديًا.
يرى همدان العلي – الصحفي والحقوقي اليمني بأن الحوثيين نجحوا في دعايتهم بالدخول في الحرب مع اسرائيل، بالحصول تأييد مجتمعي، مضيفًا “إذا كان الحوثيين قد قتلوا مئات الآلاف من اليمنيين وهجروا وجوعوا ملايين، وهم فقط يصرخون بشعار الموت لاسرائيل، ماذا سيفعلون باليمنيين بعد قولهم بأنهم أطلقوا بعض المفرقعات إلى الأرض المحتلة؟.” مشيرًا بأن كل ما يفعله الحوثي اليوم ويقول بأنه من أجل فلسطين، سيكون مبرره غدا لارتكاب جرائمه ضد اليمنيين.
بينما يرى المحللون أن إعلان الحوثيين إستهداف اسرائيل، بأنه تبادل مصالح بينهما، فبحسب المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن “إطلاق الصواريخ من جانب الحوثيين دليل على ترتيب الأوراق في المنطقة”، وأنه “يخدم إسرائيل لأن الضربات لا تشكل تهديدا حقيقيا لها”، مشيرًا إلى أن إسرائيل ستستخدمها لتغذية الدعم الدولي لها بمبرر التهديد الوجودي، في المقابل يريد الحوثيين الظهور بأنهم المدافعين على الأقصى، في ظل الصمت العربي، بالإضافة إلى فرض سياسة قمع جديدة في اليمن لتعزيز نفوذهم.
تحاول جماعة الحوثي منذ 26 سبتمبر الماضي، إعادة قواعدها الشعبية والسيطرة على الرأي العام في مناطق سيطرتها، من خلال البروباغندا والحملات الإعلامية، خصوصا بعدما بدأت تفقد تأثيرها الإعلامي والاجتماعي تدريجيًا، في ظل تزايد السخط الشعبي خصوصًا بعد أكثر من عام ونصف من توقف المواجهات العسكرية في في البلاد، فقد خرجت تظاهرات كبيرة في ذكرى 26 من سبتمبر الماضي، للإحتفال بالذكرى 61 لسقوط الإمامة في اليمن، بعد أن حاول الحوثيون منع الناس من الخروج، حيث اعتقلت الجماعة نحو 1300 من المواطنين في نفس اليوم.