يعتبر العراق مثالاً واضحاً لبلد قدَر له أن يكون جاراً لبلد يمدد أذرعه في المنطقة، لأغراض ومصالح متعددة من سياسية أمنية إلى عسكرية. فإيران دولة لم يعد خافياً على أحد، أنّها تتلاعبُ بمصيرِ شعوب عدد من الدول العربية، كالعراق واليمن وسوريا ولبنان، ولا تلبث تحاول التمدّد في غيرها.
المخدّرات إذاً سلاح رديف في الحروب، ووجهٌ آخر لها قد يكون أمضى. فالتعاطي لم يعد يقتصر على بضعة آلاف في مدنٍ محدّدة، بل انتشر في كلّ البلاد التي تحوّلت إلى مركز رئيسي للترويج والتعاطي، بعدما كانت لعقود من الزمن تُصنّفُ على أنّها مجرّد معبر للمخدّرات. في ذلك التقرير الخاص، نثير قضية الشباب العراقي، نكشف مَنْ هي الجهات التي تقف خلف تهريب المخدرات عبر الحدود والممرات إلى محافظات العراق؟ أيُّ المحافظات الأكثر استهدافاً؟ رموز وشيفرات نفكُّها معاً، “صفر واحد”، “الأرجنتين”، ومَنْ الذي يريد تدمير شباب العراق وما الغرض؟
8 سنوات مع الإدمان
ماهر جياد (Maher Jayad)، شاب عراقي في عامه الـ31… يعتبر اليوم أحد الناجين من الإدمان بعدما استمرّت عمليه تعاطيه المخدارت لمدة 8 سنوات، لكنّه في النهاية أدرك وبعد مواجهة ظروف صعبة للغاية، أنّ الحياة تستحق أن تُعاش. يقول في مقابلة خاصة مع “أخبار الآن“، إنّه بدأ التعاطي في العام 2012، وكانت بداية التجربة مع الإدمان بتناول حبوب الكبتاغون التي تعرف في العراق أيضاً بـ صفر 1، ومن ثمّ انتقل إلى تناول الكريستال مع أنواع متنوّعة من الحبوب الأخرى. بعد نحو 8 سنوات قرّر الإقلاع عن المخدرات وتوجه إلى مركز نقاهة لمساعدته من أجل الخروج من أزمته”.
إرادة الإقلاع عن المخدّرات
عانى ماهر الكثير من الظروف الصعبة التي ساهمت ربّما في توجهه إلى الإدمان، فهو فقد الكثير من أفراد عائلته بمن فيهم أمّه وأبوه، حتّى أنّه فقد منزله.. الظروف الصعبة تلك جعلت منه شخصاً هشّاً ضعيفاً من السهل عليه تناول أيّ شيء تقدّمه إليه “يد الشر” التي تمتد من خارج الحدود إلى الداخل في هدف اصطياد الشباب العراقي في مختلف المحافظات. يقول: “بعد كلّ تلك السنوات، كانت لديّ إرادة قوية لترك المخدّرات، وقد فكّرت بوجوب أن أتحوّل من مدمن ومتعاطٍ إلى معالج ومرشد اجتماعي أساعد الشباب في إيجاد الطريق الصحيحة والإقلاع عن المخدّرات… ومن هنا تواصلت مع رئيسة منظمة نقاهة” إيناس كريم طالباً المساعدة”.
يضيف: “بسبب الكريستال لم أعد أتمكن من النوم، فقدت تركيزي وطاقتي، فقدت أصدقائي وبتّ منعزلاً، بدأت تتوارد إلى ذهني أفكار غريبة مثل الإنتحار، أفكار متوحشة، خيالات هلوسة… المخدّرات تنتشر في كلّ أنحاء العراق”.
ويتابع: “بما أنني أصبحت اليوم أعمل في منظمة نقاهة لمعالجة للإدمان، فمن الواجب أن أتحدّث أمام الشباب وأن أقول لهم إنّ القانون لا يعاقب ويمكنكم أن تتوجهوا إلى المراكز الطبية والتأهيلية للعلاج، لأنّ الكثير من الشباب يخافون من عقوبة القانون بحكم الإدمان. إنّ ظهوري دليل على أنّ القانون يساعد المدمن في الإقلاع عن الإدمان، وحتّى اليوم عالجت أكثر من 20 شخصاً مدمناً من أصدقائي الذين كنت أتعاطى معهم المخدّرات في السابق”.
وفي رسالة إلى المدمنين، يختم ماهر حديثه لـ”أخبار الآن” بالقول إنّ “هؤلاء المدمنين يعرفون جميعاً أنّ المخدرات تؤدّي إلى التدمير وإلى مكان لا تحمد عقباه، والسعادة التي يأخذونها من المخدّرات هي سعادة موقتة… ونصيحتي لهم أنّ يواجهوا مشاكلهم لا التهرب منها، وبما أنّ القانون العراقي لا يقيم دعوى جزائية ضدّ كل مَنْ أقدم على العلاج من الإدمان، وتتواجد مراكز عديدة للعلاج، فالقانون يحميك والعلاج متوفر مجاناً، وبالتالي فتلك فرصة قد لا تتوفر غداً”.
إيناس كريم: المخدرات إرهاب صامت
إيناس كريم (Enas kareem)، هي رئيسة منظمة “نقاهة” للعلاج من إدمان المخدّرات، تحدثت لـ”أخبار الآن” عن عمله مع فئة المدمنين، فقالت إنّ “المنظمة بدأت عملها منذ العام 2017 ومازالت مستمرة حتّى اليوم، بجهود ذاتية وتطوعية، يعمل فيها أطباء نفسيون ومعالجيو، وأيضاً ينخرط في العمل فيها مدمنون تعافوا من المخدّرات. نحن نحاول أن نستثمر وجود هؤلاء الشباب الذين تعرّضوا للإدمان، لأنّهم يعتبرون الأقرب إلى المدمنين الآخرين وبالتالي يفهمون أسباب التعاطي… إنّ أهداف المنظمة هي المعالجة والتوعية، وقد تمكّنا حتّى اليوم من معالجة آلاف الشباب، من الجنسين، ونحاول أن نصل إلى كلّ فئات المجتمع”.
وتابعت: “نحن نؤمن أنّ العلاج والتوعية خير من العقاب لأنّ العقاب لن يجعل المدمن شخصاً أفضل، بل ستكون له ردّات فعل عكسية، سيحقد على بلده ومجتمعه… نحن نعمل على مساهدة هؤلاء ونوفّر لهم فرص عمل بعد العلاج من خلال تدريبهم وتأهيلهم نفسياً حتّى يعودوا إلى ممارسة حياتهم في المجتمع مرّة أخرى بعيداً من المخدرات”.
واعتبر كريم أنّ “المخدّرات هي إرهاب صامت وناعم، من الممكن أن تتمّ مواجهة الإرهاب بالسلاح والقوات الأمنية، لكنّ المخدرات مادة يمكن أن تصل إلى أيّ مكان، المنزل الجامعة المدرسة، وبالتالي تدّمر الشباب… منذ سنوات نحن نتحدث عن خطورة المخدّرات على الشباب وعلى بنية المجتمع لكن لم تكن هناك آذان صاغية للمنظمة وللمقترحت التي تمّ تقديمها. اليوم هناك تحرّك واقعي وجدّي في ذلك الملف، ولكن ليس كافياً لأنّنا نحتاج إلى جهود أكبر. بالنسبة للإحصائيات المتوفرة لدينا في المنظمة، فمنذ بداية العام 2023 وحتى قبل يومين، وصلت إلى منظمتنا نحو 290 حالة إدمان، فتلك أرقام مخيفة وتعنّي أن 290 عائلة دُمّرت تماماً بسبب فرد واحد تعاطى المخدّرات. وتلك الأرقام هي أقل من تلك الموجودة لدى وزارات الصحّة والداخلية والعدل، مع الإشارة إلى أنّ ذلك الرقم لدينا هو عبارة عن أشخاص قرّروا العلاج، لكن ثمّة الكثير من المدمنين الذين يتخوّفون من العلاج أو الإفشاء عن سرّ الإدمان”.
وقالت إنّه “في حال لم نتصدَّ لملف المخدرات بصورة حقيقية، سنخسر فئة الشباب الذي تقع على عاتقه بناء البلد، ففي كلّ البلدان والدول هناك تجارة بالمخدرات وأيضاً يتمّ تعاطيها، لكن ثمّة جهود في محاربة تلك التجارة، وثمّة جهود في المعالجة والتوعية، لكن في العراق للتو أدركنا حجم المشكلة التي كان يتمّ التهرّب منها في السابق وعدم الإعتراف بها. إنّ أهم جانب في ذلك الملف هو الجانب الأمني، إذ يتوجب ضبط الحدود لوقف تهريب المخدرات إلى الداخل، وتطبيق القانون على التجّار بعقوبات مشدّدة لا تقل عن الإعدام، سنقيم رادعاً لهؤلاء التجار، والنقطة الأخرى المهمّة وجوب توفير مصحّات في كلّ المحافظات، فليس من المنطقي أن لا تتوفر مستشفيات كافية لعلاج الإدمان، وما يساعد في الحل الأكبر هو أنّه علينا أن نفهم الأسباب التي دفعت الشباب إلى المخدّرات، بمعني من الضروري معالجة العوامل التي تؤدّي إلى تعاطي المخدرات”.
وختمت باعتبارها أنّ “الجميع ساهم في انتشار وتعاطي المخدرات في العراق، القريب قبل البعيد، حتّى أن الحكومات العراقية السابقة لو كانت أخذت ذلك الملف على محمل الجد منذ سنوات طويلة، لم نكن لنصل إلى المرحلة الحالية”.
العراق.. من معبر إلى مركز
من جهتها، اعتبرت الإعلامية العراقية سجد الجبوري أنّ “إيران تلجأ إلى تجارة المخدرات من أجل تنفيذ أهدافها الإستراتيجية في المنطقة، لا سيما في الدول حيث لها نفوذ من خلال أذرعها، كما أنّه في ظلّ العقوبات المفروضة عليها، تعتبر أيضاً تجارة المخدرات مصدراً مهمّاً بالنسبة لتمويل برامجها التوسعية وبرنامجها النووي الإيراني”.
وأشارت إلى أنّه “ثمّة تصريحات عراقية رسمية خرجت إلى العلن في السابق وتمّ التنصل منها لاحقاً، تفيد بأنّ 50 % من الشباب العراقي يتعاطون المخدرات، وذلك يعتبر رقماً مخيفاً لما له من تداعيات خطيرة على مستقبل العراق، حيث من الممكن الحصول على المخدرات والمواد السامة بطريقة سهلة للغاية نظراً لتدني سعرها غلى عكس الدول الأخرى، وتلك هي سياسة إيران التي تريد أن تنشر المخدرات بين الشباب من أجل تدميرهم، وبالتالي تنفيذ مخططاتها بينما بنية العراق الفتية مشغولة في السعادة الموقتة”.
وشدّدت الجبوري على أنّ “إيران اليوم تسيطر من خلال أدواتها لا سيما قادة الحرس الثوري، على المنافذ الحدودية لخارطة الهلال الشيعي”، مشيرةً إلى أنّ “أخطر ما في الأمر اليوم أنّ العراق تحوّل إلى مركز رئيسي للمخدرات بعدما كان يعتبر ممراً غير مهم في السنوات السابقة نظراً الحجم العقوبات”.
الشاب العراقي ماهر جياد، المدمن سابقاً والمعالج حالياً، هو اليوم مثال واحد للكثيرين من أبناء جيله، والكثير الكثير من أجيال أخرى، يعانون جرّاء غرقهم في مستنقع الإدمان الذي ليس من السهل الخروج منه، فيما لم تكن هناك يدٌ بيضاء تساعد في عملية الإنتشال. لكنّ ماهر بالنسبة إلى أباطرة المخدرات ما هو إلّا رقم يمثل أحد أهدافهم.
وتكشف تقارير رسمية عن ضبط أطنان من المواد المخدّرة في العامين الأخيرين، فيما تمّ اعتقال أكثر من 43 ألف شخص بتهم تتعلق بالمخدرات بين العامين 2019 و2022.
في الحقيقة، هناك العديد من الشخصيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، هؤلاء لا يختلفون عن زعماء عصابات المخدّرات، وقد جعل الحرس الثوري الإيراني من أباطرة المخدرات البارزين في إيران مجرمين، كناجي شريفي زندشتي وعصابته التي تدعم وتسهّل وتمرر تجارة المخدرات في العراق بفضل دعم الميليشيات الحكومية، وهو لا يقوم بدفع الرشاوى فحسب، بل يقوم أيضاً بتزويد الأفيون والهيروين للاستهلاك الشخصي للعديد من المسؤولين الكبار.
نادي تجّار المخدّرات الإيراني يضمّ كبار المسؤولين في الحرس الثوري الإيراني وأعضاء رفيعي المستوى في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بالإضافة إلى مديرين من بلدية طهران وأعضاء في البرلمان، وفق ما ذكرت التقارير العديدة التي خرجت إلى العلن مؤخراً.
في المحصّلة، يعد من المخدرات غير المشروعة الأكثر انتشارا في العراق والأكثر استخداماً في وسط وجنوب العراق، وتلعب الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني دوراً محورياً في تسهيل تهريبه إلى البلاد. وتحظى الميليشيات العراقية وحزب الله والحوثيون بدعم من الحرس الثوري، الذي يهدف إلى إيذاء الدول المجاورة، وتعطيل التنمية وخطط البناء ومبادرات الشباب، ونشر الأنشطة الإجرامية.