جهاد طروادة يشعل أزمة الجاسوسية مجددًا داخل تنظيم القاعدة في اليمن

ما تأثير سيف العدل ونجله على أزمة “الجاسوسية” داخل القاعدة في اليمن؟

مع أن قيادة تنظيم القاعدة في اليمن حاولت التكتم بشدة وبكل حرصٍ خلال الأشهر الماضية عن أحداث ووقائع جديدة تتعلق بــ”أزمة الجواسيس”، لاسيما وأن الأزمة قد ضربت عمق التنظيم (مجلس الشورى) مجددًا، إلا أنه ومع ذلك ومرور الأيام تمكنت مصادر خاصة مُتطابقة الكشف عما يدور في عُمق التنظيم من تصعيد وتفاقم للأزمة بشكل حصري لــ”أخبار الآن”.

حيث في حادثةٍ صادمة ومُفاجئة، الأشهر الماضية من العام المُنصرم، وتحديدًا في مأرب المنطقة المركزية للتنظيم في جزيرة العرب، وجَّهَ مسؤول الجهاز الأمني لتنظيم القاعدة في اليمن إبراهيم البنا تهمةً الجاسوسية لعضو مجلس شورى التنظيم (مصطفى العراقي)، مطالبًا قيادة تنظيم القاعدة المتمثلة بأبي المقداد خالد باطرفي التحقيق مع العراقي لكشف بقية العناصر التي تعمل معهُ، وتصفيتهِ بناءً على ما تقدم بهِ البنا من أدلة، كما سَنكشفُ لاحقًا عن تفاصيل الحادثة في هذا التقرير.

إضافة لاستهداف حسان الحضرمي 31 يناير/كانون الثاني من العام الجاري، بغارة جوّية أمريكية وهو على متن سيارتهِ بجوار محطة الحايرة بوادي عبيدة في محافظة ‎مأرب، يأتي ذلك الاستهداف على خلفية تورطهِ وقيادات أخرى بعملٍ خارجي يرتب له تنظيم القاعدة في اليمن منذُ ثلاثة أعوام، وقد فجر استهداف حسان خلافًا حادًا بين قيادات ميدانية -مقربة من حسان- وزعيم التنظيم باطرفي ومسؤول الجهاز الأمني البنا، يأتي ذلك في سلسلة أحداث “أزمة الجاسوسيّة” مؤخرًا داخل التنظيم كما سيأتي تفصيل ذلك في خضم التقرير.

تُشير الأحداث والصراعات الحديثة الداخلية في التنظيم المتكررة والمتعلقة بـ”أزمة الجاسوسية” للصراع الحاصل داخليًا بين الجناحين، الجناح الأول: المتمثل بما عرف بــ”جهاد طروادة” بقيادة سيف العدل المقيم في طهران وأتباعهِ في قاعدة اليمن، والجناح الثاني: المُتمثل بالمُعترضين الممتعضين من سياسة سيف العدل، ويجنح هؤلاء للعمل المحلي، والتركيز على الأزمات الداخلية، ومنها مواجهة مليشيا الحوثي بجهدٍ أوسع وأكبر، ويرى هولاء بحسب قيادي مُنشق، -سيأتي الحديث عنه لاحقا- قائلًا: “تحرير البيضاء أولى من إغراق التنظيم بعمليات خارجية لا ثمرة فيها غير ضياع الوقت والجهد والكوادر والخبراء في هذه المرحلة، ليس إلا تنفيذًا لأجندة سيف العدل التي تملى عليه من الحرس الثوري الإيراني“.

ويأتي هذا التصعيد بعد كل محاولات خالد باطرفي على مدار الأربعة الأعوام في ترقيع “أزمة الجاسوسية” التي عصفت وتعصفُ بالتنظيم، منذ مقتل الريمي تحديدًا وباطرفي يتعامل مع الأزمة بتحايل، كما سيأتي توضيح ذلك.

وما أكد ذلك ما صرحَ بهِ قيادي مُنشق حصريًا لـ”أخبار الآن” ضمن حوار مُطول، وهو أحد أبرز الشخصيات العسكرية والشرعية داخل التنظيم سابقًا، وصاحب تجربة جهادية في العراق وأفغانستان واليمن، قائلًا: “إن باطرفي لم يعالج أزمة الجاسوسية التي أوقدها الريمي، وإنما حاول الترقيع تارة وترحيل العديد من الخلافات والإشكالات تارة دون حل جذور الأزمة، وهذا ما يُنبأُ بعودة الأزمة مجددًا أشد من ذي سابق”.

وأضاف قائلًا: “أزمة الجاسوسية استخدمها الريمي كثيرًا للتصفيات الداخلية، ولربما رأى باطرفي أن معالجة الأزمة جذريًا ليست في صالحه، فقد يأتي اليوم الذي يُستخدم فيه ملف الجاسوسية مرةً أخرى تحت مُبررات واهية كأميرهِ الريمي” .. واصفًا محاولات باطرفي في معالجة أزمة الجاسوسية بـ(الترقيع) وذلك بعد فقدان قيادة القاعدة في اليمن السيطرة على الأزمة، مؤخرًا.

الجاسوسية داخل تنظيم القاعدة (سياسة عميقة) أم (هوس مُستفحل)؟

لقد كان، ولايزالُ ملفُّ الجاسوسيّةِ داخلَ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من أكثر الملفات الشائكة والمُعقَّدة، وكانت أضرمُ الخلافاتِ والإنعزالاتِ والتصفياتِ داخلَ التنظيم العنوانَ البارزَ لها “الجواسيسُ”.

لم يَضربِ التنظيمَ شيءٌ من الداخل، ولم يُفجِّر الخلافاتِ الداخلية شيءٌ كما فعل ملفُّ “الجاسوسية”، وتحديدًا منذُ سلسلةِ التصفيات التي قام بها الجهازُ الأمنيُّ للتنظيم، والتي نُشِرَ جزءٌ منها على مؤسسة الملاحم -الذراع الإعلامي لتنظيم القاعدة في اليمن- على شكلِ إصداراتٍ تَحْمِلُ عنوانَ: “هدمِ الجاسوسيِّةِ”.

وبعد الضجةِ القوية والمدويةِ التي أحدثتها الإصداراتُ في داخلِ التنظيمِ وخارجِهِ، وبعد صدمة الإنبهارِ من جميع قياداتِ التنظيم بما قام بهِ الجهازُ الأمنيُّ بقيادة أميرِ التنظيمِ قاسم الريمي ومسؤول الجهاز الأمني إبراهيم البنا، وبعد الحفلِ الجماعيِّ بسلسلة الإصدارات أو التصفيات -كما يُحِبَّ أن يسميها البعضَ-، لاحظَ عددٌ من قيادات التنظيم، ومن بينهم المُنشقون لاحقًا  أنَّه ثمةَ إدمانٌ وهوس أُصيبَ به أميرُ تنظيم القاعدة أبو هريرة الريمي، وبدأ هذا الإدمان والهوس يَتفشَّى وينتشر؛ بل ويستفحل! بين قادة الجهاز الأمني، وعلى رأسهم مسؤول الجهاز الأمني، الذي تثار حوله الكثير من شكوك وتساؤلات بين صفوف الجهاديين، لاسيما وأنه الأقرب لسيف العدل.

ولهذا تعامل الريميُّ والبنا مع أغلبِ المتهمين بالقرائن والشُبَه، ولهذا صرَّح الريميُّ- في غير ما إصدار- :”أنّ مَن وضعَ نفسَهُ مَوضِعَ الشُبَه فلا يَلومنَّ إلا نفسه”؛ فتعامل الجهازُ الأمنيُّ مع المتهمين بإداناتٍ فضفاضةٍ، يُمكنُ تركيبُها بِحَسبِ الحاجةِ والشخصية.

وبحسب ما جاء في أحد إصدارات “هدم الجواسيس” فإنّ “إحداث الخلافات”، أو “حرف المسار”، أو ما وُصِف بــ”التحريش”، كُلُها من مهامِ الجواسيس”، .. “وما ذلك إلا لإغلاقِ بابِ التصحيحِ أو النقدِ أو التَعَرُّضِ لمسارِ قيادة تنظيم القاعدة في اليمن، والذي تغيَّرَ وتَبَدَّلَ” -بحسب بيان القيادات المنشقة- على لسان أبي عمر النهدي.

وضِمْنَ الحوار المطول مع القيادي المُنشق، عن سياسة الريمي في قضية التصفيات تحت ذريعة “الجاسوسية، قال: “إن النقدَ أو التَعَرُّضَ لمسار التنظيم المُنحرف أو مناقشةَ الأخطاء .. قد يجعل منك في عَشيةٍ وضُحاها عميلًا وجاسوسًا”!!

ويومًا بعد يومٍ احتدم الوضعُ وتصاعدت أزمةُ “الجواسيس” وتحديدًا منذ تولي أبي هريرة الريمي منصبَ أميرِ التنظيم، وقد وصف القيادي المُنشق الذي أفرد “أخبار الآن” بتفاصيل حصرية، وحوارٍ مطول، شخصيةَ الريميِّ بــ”الشخصيةِ المُتسلطة، النرجسية، الساديّة”.

وأضافَ قائلًا:”إنّ‌ شخصيةَ الريميِّ هي التي جَعلتهُ يَستخدمُ “ذريعة‌ الجاسوسيةَ”، وجعلتهُ يُسرِفُ في التصفياتِ الداخليةِ لأبرز القيادات العسكرية والشرعية؛ تلبيةً لرغبتِهِ في السيطرةِ التامَّةِ وإزاحةِ كلَّ من يقفُ أمامَهُ”، وهذا ما يعتقدهُ مجموعةٌ مِنَ القياداتِ المُنشقةّ بأنَّ التصفياتِ تحت ذريعةِ “الجاسوسية” كانت حربًا داخلية لسيطرةِ وهيمنةِ طرفٍ ضد آخر، وخصوصًا أنّ هُناك تيارًا ظهر في التنظيم كثيرُ النقدِ، يدعو لتصحيحِ مسارِ التنظيم، وهؤلاء أكثرُ ما تكونُ تهمةُ “الجاسوسية” أقربَ إليهم.

ولهذا الرأي يذهب الباحث سعيد الجمحي، صاحب كتاب -تنظيم القاعدة “اليمن نموذجًا”-، ففي تصريح خاص لــ”أخبار الآن” يقول: “اعتقد أن هناك منافسات داخل التنظيم على القيادة، لاسيما بعد غياب القيادات القوية والمخلصة للتنظيم في الفترة الماضية من خلال استهدافهم بطائرات امريكية -دون طيار-، كما أن خللاً عميقاً ضرب التنظيم في اعماقه، بعد اكتشاف بعض الاختراقات للتنظيم من عناصر كانت تحظى بثقة القيادة، فأصبح الشك والارتياب ظاهرة ملازمة لقيادة التنظيم، والتي لم تنجح في معالجة هذه المعضلة، فذهب تتخبط، ووقعت في أخطاء جسيمة أدت الى انشقاقات كبيرة داخل التنظيم، زادت التنظيم ضعفاً وانهاكاً”، يؤكد الجمحي وجود تصفيات داخلية تحت ذريعة “الجاسوسية”، كما تطرق لحالة الهوس والشك التي أصيبت بها قيادة التنظيم.

فيما يعتبرُ آخرونَ أن سلسلةَ التصفيات تحت ذريعة “الجاسوسية” كانت لها أبعادًا أعمقَ وأخطرَ مِن أن تكوَن منحصرةً فقط  بـ”سادية أو هوس الريمي” أو “إدمانِ البنا لصناعة انتصاراتٍ وهميّةٍ”، فإنَّهُ ومنذُ وصولِ نجلِ سيف العدل المعروف بـ”ابن المدني” والمعروف داخل التنظيم بـ”أبي اليُسر منصور” إلى اليمن، وارتباطِ قيادة اليمن بــ”سيف العدل” عن طريق نجلِه، كان هنا بداية استفحال التصفياتِ الداخلية تحت ذريعةِ “الجاسوسية”.

فتصفيةُ شخصيةٍ قياديةٍ شرعيةٍ كـ”أبي مريم الأزدي” والتي كانت تقف حجرَ عثرةٍ أمامَ الانخراط تحت المحور الإيراني، أو أيِّ تَفاهماتٍ مع الحوثيين -هو تَخَلُّصٌ من حجرِ عثرةٍ حقًا وفعلًا تقفُ أمامَ مشروعِ سيفِ العدلِ الذي هو قيدُ التنفيذ- وفي ذلك أيضًا ترهيبٌ لبقيةِ القياداتِ الشرعيةِ والعسكريةِ، فــ”الشرعيُّ والشيخُ والأمير” بالأمس .. هو اليوم “عميلٌ وجاسوسٌ”؛ لمجرد أنّه (نقدَ مسارَ قيادة التنظيم) أو (ناقشَ الأخطاء) أو (دعا للتصحيح).

وبحسبِ القياديِّ المُنشق: “فإنَّ تصفيةَ أبي مريم الأزدي جعل جميعَ القياداتِ تتحفظُ عن النقد أو مواجهةِ قيادةِ التنظيم أو حتى تصحيحِ المسار”، وأضاف عنصر آخر مُنشق عن تنظيم القاعدة -سيأتي الحديث عنه لاحقًا في ذات التقرير عن قضية حسان-، قائلًا: “صمت كلُّ المُعارضين لمشروعِ المُقارَبَةِ مَعَ إيران والحوثيين صَمْتَ القبور، بعدَ تصفية الأزدي، وفياض ومن معهُ ونفذوا بجلودهم”.

ومع أنّ الجوَّ العامَّ داخلَ تنظيمِ القاعدةِ أصبحَ أكثرَ حذرًا وتَحفُظًا نحو قيادة  التنظيم، إلا أن حادثةَ تصفيةِ أبي مريم الأزدي، وفيَّاضٍ الحضرمي وآخرين؛ فَجَّر‌ت الوضعَ داخلَ التنظيم وهُنا تأتي “واقعةُ الإنشقاقِ” واقعةً من أكبرِ وأوسعِ الفِتن والخِلافاتِ الداخلية في تاريخ تنظيم القاعدة في اليمن.

وقد طالبَ المُنشَقُّونَ بمحكمةٍ شرعيّةٍ مُستقلةٍ على لسان أبي عمر النهدي، والتي قُوبلت بالرفضِ من قيادةِ التنظيمِ، متحججينَ بأسرارِ الجماعة، ولسنا في صدد الحديث عن تفاصيل “واقعة الانشقاق” التي عَصفت بالتنظيم، التي جعلتَ أعدادَ المَنشقينَ تزدادُ يومًا بعد يومِ، إنما الحديث عن موقف قيادة التنظيم، والتي بدأتْ تستوعبُ أنّ ملف “الجاسوسية” سلاحٌ حادٌّ وخِنجرٌ ذو شفرتين، فُقدتِ سيطرةَ قيادة التنظيم عليهِ فجأةً بعد أنّ استخدمته سلاحًا لضرب كل من يقف أمام مسار القاعدة الجديد، والذي يعتبره المُنشقين عن التنظيم في اليمن وخارج اليمن انحرافًا سافرًا عن مسار التنظيم الأصلي، كما صرح بذلك القيادي السابق في الشام أبو ماريا القحطاني، في تغريده له قائلًا:”عندما ترك الأخ أبو عمر النهدي ذلك التنظيم المخترق طاردته عصابة المجرم باطرفي وأصرت على قتله وخرج بدينه ونفسه وأهله ومعه عدد كبير من الفضلاء هاربا من تلك العصابة التي باتت أداة للحرس الثوري الإيراني وعلى شباب اليمن ترك ذلك التنظيم الذي أصبح مطية للحرس الثوري الإيراني”.

كيفَ تعامل باطرفيّ مع هوس “الجاسوسيِّةِ”؟

بعدَ مَقْتَلِ قاسمٍ الريميِّ تَوَلَّى خالد باطرفي خَلَفًا لهُ -أميرًا لتنظيم القاعدة في اليمن-، وقد تركَ الريميُّ إرثًا ثقيلًا مليئًا بالأفاعي والثعابين -إن صحَّ التوصيف-، حاول باطرفيّ معالجة الأزمات والخلافات وخصوصًا “أزمة الجاسوسيّة” عن طريق سياسة الترقيع تارة والترحيل تارة، والتهرب تارة أخرى بحسب مُنشقين عن التنظيم بينهم قياديين بارزين، مُؤمِلًا ومحاولًا من خلال ما قام بهِ علاجَ الإدمان المُستفحل، والهوسَ الذي قد اسْتَشْرَى بين قيادات التنظيم وتحديدًا الجهاز الأمني، والذي أسقط ركيزة الثقة بين القيادات وأدى لأزمة المنشقين، وسبب تراجعًا ملحوظًا خلال الأعوام السابقة في عمل تنظيم القاعدة الميداني، وقد ظهر باطرفيّ في أكثر من إصدار خلال السنوات الماضية مُشيرًا لإنهاء “أزمةِ الجواسيس”، في محاولةٍ منه لإعادة الثقةِ بينَ عناصرِ التنظيمِ، لاسيما بين صفوفِ القيادات.

محاولة باطرفيّ إخمادِ أزمةِ “الجواسيس” كانت ترقيعًا وترحيلًا وتهربًا لا حلًا جذريًا وإصلاحًا حقيقًا للإشكاليات، وبحسبِ أحدِ عناصرِ الجهازِ الأمنيِّ في تنظيم القاعدة، فإن باطرفي تجاهل الكثيرَ من القضايا المرفوعة له بشأنِ “الجواسيس” خلال العامين الماضيين من أبرزها قضية عضو مجلس الشورى العراقي، وقام بتهميشِ ذلك، مُحاولًا الهروب من هوسِ الجاسوسية الذي أصاب صفوفَ قياداتِ التنظيم.

ويُقِرُّ باطرفي لبعض المقربين منهُ مسبقًا أن ملف “الجاسوسية” تحولَ داخل التنظيم إلى هوسٍ وشكوكٍ ومرضٍ وإدمان،  خلافًا لموقف إبراهيم البنا الذي يُحاولُ إقناعَ باطرفي في اتخاذِ بعض القرارات في هذا النحو والصدد، مُصِرًّا على انتهاج ذات سياسة الريمي مع كل ما  أحدثتها من الخلافات والإنشقاقات وأزمات.

وبالفعل تمكن باطرفي من تهدئة أو بتعبير دقيق ترقيع أزمة “هوس الجاسوسية” داخل التنظيم ولو على الأقلِ بشكلٍ (مؤقتٍ) و (موضعيٍّ)، إلا أنّه في بداية العام الجاري، ومنذ نهاية العام المُنصرم، مع سلسلة الإستهدافاتِ لقيادةِ تنظيمِ القاعدة في مأرب، أُوقدت نيرانُ أزمةِ “الجاسوسية” مرةً أخرى وعادت مُجددًا.

استهداف “حسان” يفجر أزمة الجواسيس مجددًا!

مُنذُ نهايةِ العامِ المُنصرِم تصاعدَ استهدافُ الطيرانِ الأمريكيّ لقياداتِ تنظيم القاعدة، وتحديدًا في محافظة مأرب، بدءًا بـ(أبي الخير العصيمي)-خبير المتفجرات- ومُرُورًا بـ(حسان الحضرمي)-أحدُ أبرزِ خبراء ومسؤولي صناعة المتفجرات- وأخيرًا القيادي السعودي الأبرز في التنظيم (حَمَد التميمي) -عضو مجلس الشورى-، وقد كانتْ سِلسلةُ الإستهدافاتِ بفترةٍ زمنيةٍ مُتقاربةٍ؛ ما فَجَّرَ الوضعَ داخليًا، وأَضْرَمَ نارَ الهوسِ والشكوكِ مرةً أُخرى.

ففي تصريحٍ خاصٍّ لـ”أخبار الآن” -مِنْ أحدِ عناصرِ التنظيمِ المُنشَقةِ- والتي عملت لفترة برفقة أبرز قيادات تنظيم القاعدة “الحضرمية”، وكما أنه يتمتعُ بعلاقاتٍ واسعةٍ داخلَ التنظيم، يَرْوِي عودةَ الخلافاتِ وأزمة “الجواسيس” قائِلًا: “بعدَ استهدافِ القياديِّ في تنظيمِ القاعدةِ وخبيرِ المُتفجِراتِ (حسان الحضرمي)؛ حصلَ خلافٌ حادٌّ بينَ قيادةِ التنظيمِ المُتمثلةِ بـ(أبي مقداد الكِندي، وإبراهيمَ البنا) مع مجموعةٍ من قياداتِ التنظيمِ الميدانية، وعلى رأسِهم (راضي الحيقي) و (وراوي الحضرمي)، وكلاهما قياديين عسكريين بارزين.

راوي وراضي صديقينِ مُقربينِ من حسانَ الحضرميِّ، وقد أبلَغهُم قبل أنّ يُستهدفَ أنه سَيُقتلُ خلالَ الأيامِ القريبة، وذكر لهم عددًا من الأسماءِ التي يعتقد حسان أنَّها متورطةٌ في رصدِهِ ومراقبته خلالَ الفترةِ الماضيةِ، ومِنْ بَينِهِم عناصرَ وشخصيات بارزة في الجهازِ الأمنيِّ لتنظيمِ القاعدة في اليمن.

وخُصوصًا أنَّ شكوك حسان تأتي بعد استهداف بيته بغارةٍ جويةٍ في منطقةِ الحدباء، وقد قُتِلَ في ذلك الاستهداف أبو الخير العصيمي، وأُصِيبَ كُلٌّ مِنْ شقيقِ حسانَ، وصَهيرِهِ-أحمد زكي- اللذان قتلا لاحقًا مع حسان، وقد كان حسان مُنذُ أن طُلِبَ مِنهُ أن يَنتقلَ لهذا البيتِ الذي اسْتهُدِفَ فيه لاحقًا رافضًا الإنتقالٕ إليه معتبرًا أنَّهُ مكشوفٌ، ومع ذلك كان المسؤولون الأمنيون في التنظيم يُصِرُّونَ على انتقالهِ لهذا البيت، وهذا الذي حصل فِعلًا؛ فما أنِ انتقل للبيت، إلا وهي أسابيعَ ويُستَهدفُ البيتُ بغارةٍ جويةٍ وينجو منها حسان بأعجوبة! إلا أنَّهُ بقيٕ يشعرِ بالمتابعةِ والرصد والمراقبة.

وما هي إلا أسابيع وإذا بغارةٍ جوية أُخرى تستهدفُ سيارةَ حسان الحضرمي ويُقتَلُ؛ وهنا قام كلٌّ من راوي وراضي بتقديمِ طلبٍ إلى باطرفي بالقبضِ على المُتهمين، والمشكوكِ فيهم، ومنهم الأسماء التي يَعتقدُ حسانُ أنها خلف رصدهِ أو وتتبعه.

ومع أن إبراهيمَ البنا رفضَ التهم الموجهة لبعضِ الأسماءِ، وخصوصًا المنسوبين للجهاز الأمني في التنظيم، إلا أنه استعدَّ لحملةِ القبضِ على بقية الأسماءِ، ولكن باطرفي رفضَ اتخاذَ أيِّ قرارٍ أو إجراء في هذا الصدد، واعتبرها شكوكًا ووساوسَ وهوس وفتحًا لباب الخلافاتِ والأزمة مرة أخرى.

وقال باطرفي: “لن نتخذَ أيِّ قرارٍ إلا بدليلٍ واضحٍ لا لبس فيه، وهذا ما جعل كُلًّ من راوي وراضي يَمتعِضُ من موقفِ باطرفي”. إلى هنا تنتهي رواية العنصر المُشنق، وقد قمتُ بالتأكد من الرواية مع الأدلة التي عرضها صاحب الرواية، وقد تشكلت أدلةُ الروايةِ بالتالي:

1. محادثاتٍ سابقةٍ بين صاحب الرواية، وشخصياتٍ مُقربةٍ من الشخصيات المُشارِ إليهم سابقًا، بتواريخَ قديمةٍ أَتَحَفَظُ عنها الآن؛ لخطورةِ وضعِ العُنصر المُنشق.

2. ناقشتُ الروايةَ مع المصدرِ بدقةٍ لأكثرَ من مرةٍ في أيامٍ مُتباعدة، ولم أجد خللًا  يذكر في الروايةِ .

3. عناصر أخرى أيضًا تحدثت عن بعض جزئياتِ الرواية؛ وهذا ما يؤكد أيضًا حقيقة الخلاف الحاصل بعد مقتل حسان.

4. مصادرَ محليةٍ تُؤكِدُ: البيت الذي استُهدِفَ كان قد سكنَ فيه حسانُ ومن معه قبل الإستهدافِ ما لا يزيد عن 6 أسابيع، وهذا ما عَزَّزَ الروايةَ أيضًا.

– وما يُمكن قولُه أن المحادثات التي أُطلِعتُ عليها كانت كافيةً في تأكيدِ الرواية، لما تحويه من تفاصيل للأحداث، منذ أكثر من 4 أشهر من إطلاعي عليها، وأيضًا تعدد الشخصيات التي كان يتواصل فيها العنصر المنشق، مع بعض الفوارق في التي تجنبت ذكرها.

وبعد محاولةِ باطرفي  تهدئة الجو العام، بعد مُطالباتِ القبض على المشتبه بهم في قضيةِ حسان، ما هي إلا أسابيع وغارةٌ جوية أخرى تستهدفُ عضوَ مجلسِ الشورى حمد التميمي.

وهنا تفجَّرَ الوضعُ داخليًا وبدأ هوسُ الجاسوسية يتفاقمُ؛ مَا دفعَ قيادةَ تنظيم القاعدة في اليمن لإصدار بيانٍ تحت عنوان:”بيانُ تحذيرٍ وتذكيرٍ للجواسيسِ المُجرمين”، ويأتي هذا البيان في صدد تأكيدِ مُشكلةِ “هوس الجاسوسيةِ” التي يُعاني منها التنظيمُ منذُ سنواتٍ، لا سيما بين صفوف قيادات التنظيم.

يقول ماهر فرغلي الباحث والكاتب في شؤون الحركات الإسلامية في تصريح خاص لــ”أخبار الآن”: فرعُ تنظيمِ القاعدةِ في اليمن مِن أكثرِ الأَفْرُع المُخترقةِ، وهذا ما لا يُمكن إخفائُهُ، منذ عام 2014م، وحتى ما قبلَ ذلك، وسلسلةُ استهدافِ القياداتِ لا تكادُ تنقطعُ؛ وهذا ما يُبرهنُ حجمَ ومدى الاختراق في التنظيم”، ومع ذلك لم تَغِبْ مخاوفُ المُنشقين أثناء حَوَاريِ مع بعضهم أن يكون هذا البيان تمهيدًا لعودةِ سلسلة التصفيات الداخلية، تحت ذريعة “الجاسوسية” تخلّصًا من بعض الأسماءِ المُمتعضةِ من انحرافِ مسارِ تنظيم القاعدة؛ ومَنْ ذلك التَخادمُ بين تنظيم القاعدة وجماعةِ الحوثي، كما سيأتي الحديث عنها في تقارير ومقالاتٍ أخرى.

لماذا حسان الحضرمي تحديدًا؟

بحسب ضابط استخبارات في حضرموت فإن (حسين عبدالرحمن هدبول المعروف داخل التنظيم بـ”حسان الحضرمي” خبير المتفجرات تورط بعمليات خارجية، يرتب لها التنظيم منذ ثلاثة أعوام، إلى جانب أبو الخير العصيمي، سعودي الجنسية، وآخرين.

وبحسب ما جاء في رواية العُنصر المنشق، كان قد قدم خبير المتفجرات حسان الحضرمي قبل مقتلهِ وبعد الاستهداف الأول الذي نجى منه ‐أسماء المُتهمين أو المتورطين برصدهِ ومراقبته-، ومن بينهم أسماء بارزة في الجهاز الأمني لتنظيم القاعدة، لكلٍ من صديقيهِ “راوي وراضي”، إضافة لاعتقد حسان أن البيت الذي هيَّأه الأمنييون ونقلوه إليه كان مكشوفًا ومفضوحًا، واعتبره حسان محاولة للتخلص منه .. معتبرًا ما حصل خيانة داخلية، لاسيما بعد القصف الأول والذي ذهب ضحيتهُ العصيمي.

يأتي ذلك في صدد تأكيد الخلافات الداخلية المُتصاعدة في التنظيم، والتي تتحدث عن صِرع وتكتل بين جناحين وهما:

• الجناح الأول: تلقى استراتيجية سيف العدل وأجندتهِ لقاعدة اليمن بالقبول، ويسعى لتنفيذها في الساحة اليمنية، وهو الطرف الذي يتمثل بأبرز القيادات، من بينهم إبراهيم البنا.
• الجناح الثاني: تلقى أجندة سيف العدل بالرفض وعدم القبول، إلا أنه في حالة ضعف وليس له سيطرة في التنظيم، ويحاول هذا الطرف من خلال وجوده بالتنظيم إحداثُ إصلاحٍ أو على الأقل يحاول عرقلة أجندة سيف العدل.
• وعند التقسيم الدقيق ثمة طرفٌ ثالث لم يتخندق مع أيّ طرف من الأطراف المُتصارعة، وهو كما يُقال بالعامية “أطرش في زفة”، وأغلب هولاءِ العناصر والجنود والمناصرين، وأيضًا بعض القيادات.

يحاول سيف العدل بكل جهدٍ من خلال نجلهِ وبعض الشخصيات الأخرى في تنظيم القاعدة باليمن، تنفيذ استراتيجية -أقل ما يقال فيها تخادمية مع إيران- وله فلسفة خاصة ومبررات على ذلك، وقد تمكن سيف العدل برؤيته تحييد قاعدة في اليمن من مواجهة الحوثيين أو حتى التصدي لهم مؤخرًا.

تُشير حادثة استهداف حسان، تَصاعد الخلافات حد التصفيات، وتورط أحد الطرفين المُتصارعين، بتقديم حسان أو تسهيل استهدافهِ من قبل الطيران الأمريكي، وهذا ما لا يعتبر جديدًا ولا غريبًا داخل الجماعات والتنظيمات الإرهابية، في التصفيات عند الصراعات الداخلية، ويؤكد ذلك محاولة أحد الأطراف المتصارعة عرقلة استراتيجية سيف العدل والتي ترسمًا خرطًا لتنظيم القاعدة في اليمن  بالهرولة تحت ظل المحور الإيراني.

مستقبل أزمة “الجاسوسية” .. إلى أين؟

لم يكن هذا الإحتدامُ الداخليُّ بعد مقتل حسان هو الوحيدُ في ما يَخصُّ أزمةَ “الجواسيس” وإنما ثمةَ خلافاتٍ وصراعاتٍ أُخرى أشدُّ احتدامًا، وتحديدًا بين باطرفي وأبي الحسن إبراهيم البنا.

ومِن أبرزِ تلِكَ الخِلافات ما أشرنا له في مطلع التقرير ما خَلَصَ له الجهازُ الأمنيُّ للتنظيمِ بقيادة البنا، مِنَ الجزمِ بجاسوسيةِ عضو مجلس شوى تنظيم القاعدة في اليمن (مصطفى العراقي) المُكنَّى بـ(أبي حسام) ويَستخدِمُ اسمًا آخرًا (بشير)، ومع أنّ البنا يجزمُ بجاسوسية العراقي إلا أن باطرفي يرفضُ التُّهمَ الموجهةَ له، معتبرًا أن كل ما قدمه الجهاز الأمني قرائن لا ترقى لأن تكون دليلًا.

وقد اعتبرَ القياديّ مُنشقٌّ أن هذا من جملةِ تناقضات باطرفي، وقيادة التنظيم بشكل عام، فما هي الأدلة التي جعلتهم يجزمون بجاسوسية الأزدي وفياض والبقية، كيف لباطرفي أن يقبل التهمة الموجهة للأزدي وفياض بدون دليل؟! سوى القرآئنَ الركيكةَ الضعيفةَ، ولم يقبلها في العراقي!

وأضاف أن هذا من جُملةِ التناقضات لدى قيادة تنظيم القاعدة في ملف “الجاسوسية” والتصفيات الداخلية، قائلًا: “وهذا ما يؤكد أن الجاسوس هو من أرادت قيادة تنظيم القاعدة في اليمن أن يكون جاسوسًا ولو بدون دليل”، وقد حاولنا وحرصنا أخذ تعليقًا من تنظيم القاعدة أو على الأقل تصريحًا من شخصيات ذو تأثير داخل التنظيم بخصوص هذه الحادثة تحديدًا وعمومًا في أزمة الجاسوسية، إلا أنّ كل من تواصلنا بهم وبينهم شخصية شرعية بارزة في التنظيم رفضوا جميعًا التعليق على حادثة (العراقي).

ومع هذه الأحداث والصراعات بين الفينة والأُخرى يُحاولُ باطرفي جاهدًا تفادي أزمةَ “الجاسوسية” مع كل الإخفاقاتِ السابقة، ولكن ما يقوم بهِ خالد باطرفي حقيقة وبحسب مُنشقين ومراقبون هو تهرب وترقيع وترحيل وتأجيلٌ لهذه الأزمة، لا حلَّها وإنهائهَا، وهذا ممّا يزيدُ مستقبلَ الأزمةِ تعقيدًا واحتدامًا.

ومما يؤكد أن باطرفي يرقع الأزمة ويرحل الإشكالات ويتهرب من القضايا، ما أفاد بهِ مصدر خاص في تنظيم القاعدة، تربطه علاقة جيدة بالعراقي، قائلًا:”باطرفي صحيح لم يقبل التهمة الموجهة للعراقي، ومنع الجهاز الأمني من أي تحرك في هذا الصدد، إلا أنه ومع ذلك همش العراقي، وجَمد عضويته بمجلس الشورى”!

فيما يبرزُ إبراهيم البنا دائمًا خلفَ كلِّ تصفياتٍ داخليةٍ، وهو الأوطدُ علاقةً بسيفِ العدل المقيم في إيران القائد الفعلي للتنظيم، وهذا ما يثيرُ الكثيرَ من التساؤلاتِ عن دور البنا المَشبُوه، ما الذي يجعل منه أكثر شراهةً وإدمانًا للتصفياتِ الداخليةِ، هل هي أجندةُ سيفِ العدل؟ أم هو حبٌّ لصناعةِ الإنتصاراتِ الوهميةِ، والسيطرةِ داخلَ التنظيمِ؟

الخلاصة

تنظيم القاعدة في اليمن لا زال يُعاني من الجواسيسِ، ويظهرُ ذلك في سلسلةِ الإستهدافاتِ الأخيرة لقيادةِ التنظيم، ولكن مع كِّل هذا الإختراقِ؛ استخدمت قيادةُ التنظيمِ ملفَّ الجاسوسيةِ لضربِ أبرزِ الناقدينَ والمصححين لمسار التنظيم، والذي يعتبرُه عددٌ من أبرز القيادةِ المُنشقَّةِ انحرفًا عن المسار الأصلي، ولم تَخفَ مخاوِفُهم من البيانِ الذي صدر عن التنظيم، قد يكون تمهيدًا لسلسلةٍ أُخرى من التصفياتِ الداخلية، كما أن البيان يؤكد وجود أزمة هوس في “ملف الجاسوسية” التي أفقدت الثقة بين قيادات التنظيم.