هل تكشف رسائل "العريدي" و"السباعي" تململ قادة بالقاعدة من "جهاد طروادة"؟

رسائل “العريدي”  عودة شرعي “حراس الدين” تثير تساؤلات عن قيادة القاعدة وإيران

بعد طول غياب عاد سامي العريدي الشرعي العام لتنظيم حراس الدين، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، إلى الواجهة، بمساندة 2 من أبرز المنظرين الجهاديين وهما الأردني أبو محمد المقدسي، والمصري المقيم في لندن هاني السباعي، ليرسلوا معًا رسالة ضمنية مفادها أنهم يرفضون محاولات اختطاف القاعدة وتطويعها لخدمة المشروع الإيراني من قبل أبو الوليد المصري مصطفى حامد وصهره سيف العدل المصابين بـ”متلازمة طهران” والذين يعملان على توظيف القاعدة في “جهاد طروادة” لخدمة المصالح الإيرانية.

ففي الأيام الماضية، نشر “العريدي”، وهو أحد القادة الكبار القلائل المتبقين لتنظيم حراس الدين، كتابًا بعنوان “رسائل من نور لأهل المصائب والبلاء” احتوى على نقد مبطن لما يراه “مشاريع جهادية منحرفة”، وأشاد فيه بموقف أبو محمد المقدسي من اعتبار القضايا المنهجية مقدمة على ما سواه وهو ما يعني رفضه أي تغيير في منهج تنظيم القاعدة لخدمة طهران، بينما وجه المنظر الجهادي المصري هاني السباعي انتقادًا ضمنيًا قويًا لإيران في المقدمة التي كتبها لـ”رسائل” من نور”.

وتشير اللغة التي استخدمها سامي العريدي وهاني السباعي ومن قبلهما أبو محمد المقدسي إلى تنامي الغضب الداخلي في أوساط تنظيم القاعدة من محاولات قيادته العليا- التي يتحكم فيها سيف العدل المتأثر بصهره مصطفى حامد– توظيف التنظيم في “جهاد طروادة” لخدمة المصالح الإيرانية، بيد أن أي من المنتقدين لم يُصرح علنًا بنقده للخط الذي يسلكه سيف العدل وصهره، على العكس من أبو مارية القحطاني، القيادي البارز السابق بهيئة تحرير الشام، والذي دعا صراحة أفرع القاعدة لفك ارتباطها بالمجموعة المسيطر عليها من قبل الحرس الثوري الإيراني (سيف العدل وصهره مصطفى حامد).

ولعل الدافع وراء عدم تصريح الثلاثي: (سامي العريدي، هاني السباعي، أبو محمد المقدسي) بموقفهم من نهج القيادة الحالية للقاعدة هو رغتهم في عدم إحداث شق هيكلي في صفوف التنظيم الذي يعيش في واحدة من أسوأ فتراته حاليا، لكن الانتقاد الأخير الذي ورد في ثنايا كتاب سامي العريدي، الشرعي العام لحراس الدين، شكل كسرًا لحاجز الصمت وخروجًا عن المألوف من قيادة فرع القاعدة السوري.

فمنذ اندلاع الصراع الجهادي بين هيئة تحرير الشام وتنظيم حراس الدين، في عام 2020، وملاحقة الهيئة لقيادات التنظيم الأخير، توارى سامي العريدي، المدرج على قائمة الإرهاب الأمريكية في أبريل/ نيسان الماضي، عن الأنظار مع ثلة من القيادات القليلة الباقية لفرع القاعدة السوري “حراس الدين” على رأسهم أبو همام الشامي، سمير حجازي، واكتفى بالمشاركة في الدعوة لـ”تحكيم جهادي مستقل” بين الفصيلين المتصارعين، أواخر عام 2021.

وأتت عودة سامي العريدي إلى المشهد من جديد متزامنة مع التحولات المتسارعة التي يمر بها تنظيم القاعدة، في الفترة الأخيرة ولا سيما منذ مقتل أميره السابق أيمن الظواهري في أغسطس/ آب 2022، والتي يبدو منها ميل قيادته الحالية وفي مقدمتها سيف العدل، محمد صلاح زيدان، المدعوم من صهره وعراب مشروع التقارب مع طهران أبو الوليد المصري، مصطفى حامد، للتماهي مع إيران من أجل الوصول لتحالف جهادي جناحيه السنة والشيعة كما يقول الأخير في مقالاته العديدة التي نشرها منذ اندلاع الجولة الأخيرة من المعارك بين الفلسطينيين والإسرائيليين في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ومثل اختيار سامي العريدي للمنظر الجهادي الشهير هاني السباعي ليكتب مقدمة كتابه الأحدث “رسائل من نور لأهل المصائب والبلاء” عكس، ضمنيًا، موقف الأول ومن خلفه تنظيم حراس الدين، فرع القاعدة السوري، من متلازمة طهران وجهاد طروادة الذين يرغب مصطفى حامد وصهره سيف العدل في أن يكون تنظيم القاعدة وأفرعه المختلفة جزءًا منهما.

فهاني السباعي معروف بأنه واحد من أكثر الجهاديين انتقادًا لمصطفى حامد وانحيازه للمشروع الإيراني ورغبته في تحويل بوصلة الحركة الجهادية العالمية لخدمة هذا المشروع، كما ظهر من خطاباته وكلماته السابقة التي هاجم فيها بضراوة أبو الوليد المصري ووصفه بأنه بوق للاستخبارات الإيرانية وأنه مصاب بـ”لوثة الرفض والترفض”.

واعتبر “السباعي” أن مصطفى حامد ينتقد الجماعات السنية ويشيطنها في حين يُمجد الجماعات الشيعية ويعتبرهم أصحاب الفكر والإستراتيجية، كما أنه يستغل علاقته بحركة طالبان ليجعلها ستار يصفي من ورائه حساباته مع الجهاديين السنة المعاديين للمشروع الإيراني.

ومن الواضح من استعانة سامي العريدي بهاني السباعي واختياره له ليكتب مقدمة كتابه الجديد “رسائل من نور” أن الأول يوافق الأخير في نهجه الرافض لأتباع “متلازمة طهران” و”جهاد طروادة“، خاصةً أن تنظيم حراس الدين ما زال يُركز على القتال ضد إيران وحلفائها في سوريا، بحسب ما أعلن أمير “الحراس” أبو همام الشامي في وقت سابق، والذي هو للمفارقة صهر سيف العدل من ناحية أخرى.

طوفان أحصنة طروادة.. هل ضحت إيران بحماس لإشاعة الفوضى والدمار في العالم العربي؟

وفي الحقيقة فإن “السباعي” لا يعد مجرد منظر جهادي له موقف رافض للتماهي مع إيران بل إنه واحد من القيادات المرجعية لتنظيم حراس الدين، إذ يحتكم له قيادات التنظيم في الخلافات المنهجية والتنظيمية وذلك باعتراف أبو همام الشامي، سمير حجازي، نفسه في بيان سابق أصدره حول الخلافات مع هيئة تحرير الشام.

كما أن “السباعي” سبق له أن لعب دورًا في إعادة مصطفى حامد وأفراد من أسرته إلى مصر، بعد الثورة المصرية في 2011، بالتنسيق مع الجهادي البارز المقيم في لندن ياسر السري، لكن أبو الوليد المصري آثر العودة الاختيارية إلى طهران التى يعتبرها حاضنة مشروعه والمكان الأمثل لانطلاقه وهو ما يبين من ناحية أخرى أثر “متلازمة طهران” عليه.

ويعني كل هذا اتساع الشقاق بين جناحي القاعدة (المؤيدين والرافضين للتماهي مع إيران) وظهوره رويدًا رويدًا للعلن ويبدو أن هذا الصراع يتجه من الأطراف للقلب، أي من أفرع التنظيم الخارجية إلى قلب القيادة العامة للقاعدة (قاعدة خراسان)، فالرسائل الأخيرة لسامي العريدي تكشف، ضمنيًا، موقفه وموقف تنظيم حراس الدين من التحالف مع طهران.

ومن قبل دعا أبو مارية القحطاني أفرع القاعدة وعلى رأسها تنظيم القاعدة في اليمن لفك ارتباطها مع قاعدة خراسان التي وصفها بأنها يتم التحكم فيها من خلال الحرس الثوري الإيراني الذي يوجه سيف العدل وقيادات القاعدة المقيمين في إيران.

رسائل “العريدي” والرغبة في العودة للأضواء

وعلى صعيد آخر، تطرقت رسائل “العريدي” ومعها المقدمة التي كتبها المنظر الجهادي هاني السباعي إلى فكرة الابتلاءات التي تمر بها التنظيمات الجهادية وأفرادها، واعتبر الأخير أن الابتلاء والأزمات حتمية لمن سار على درب الحركة الجهادية لأن هذا الطريق “مُر وصعب وشاق”، على حد تعبيره.

وتضمنت المقدمة التي كتبها “السباعي” نقدًا صريحًا للنظام السوري وحلفاءه الإيرانيين والروسيين، إذ أورد المنظر الجهادي هذا النقد في صورة ثناء على “العريدي” ورفاقه في الأراضي المباركة، ودعاء على “طواغيت العرب والعجم”، وفق قوله.

ومن جهته، لفت سامي العريدي، الشرعي العام لتنظيم حراس الدين، في كتابه الجديد إلى عددًا من الرسائل الضمنية، بيد أن تركيزه الأساس انصب على محاولة تثبيت من تبقى من أفراد التنظيم في سوريا والذين ما زالوا يواجهون حملة ملاحقة مكثفة من أطراف عدة منها التحالف الدولي وهيئة تحرير الشام والنظام السوري وغيرهم.

ومن تحليل مضمون كتاب “رسائل من نور” والذي جاء في 136 صفحة يتبين أنه يُركز على حث سجناء تنظيم حراس الدين على الصبر بعد اعتقال عدد كبير منهم على أيدي أمنيي هيئة تحرير الشام، وكذلك ينتقد ضمنيًا هيئة تحرير الشام ويعتبر أن الإقبال عليها من قبل بعض الجهاديين لا يعني صحة منهجها.

وفي موضع آخر من الكتاب، أثنى سامي العريدي على أبي محمد المقدسي، المنظر الجهادي الأردني الشهير والذي سبق له مرافقته في السجن من قبل، وكذلك أظهر تركيزه على نفس الأولويات التي يهتم بها المقدسي من خلال تسليط الضوء على القضايا المنهجية ولا سيما في ما يتعلق بـ”العقيدة الجهادية” وقضية “التوحيد” من المنظور الجهادي والتي يعتبرها “المقدسي” و”العريدي” أولًا وقبل كل شيء حتى أن “المقدسي” سمى حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي باسم “التوحيد أولًا”.

ويبدو أن هدف الشرعي العام لتنظيم حراس الدين من هذه اللفتة هو التأكيد لعموم الجهاديين أن تنظيمه مهتم بالقضايا المنهجية ولم يتخلِ عنها، وهو بذلك يرد على أتباع متلازمة طهران وجهاد طروادة- كأبي الوليد المصري وسيف العدل- ممن يرون إمكانية تنحية الخلافات المنهجية بين السنة والشيعة جانبًا والعمل على تأسيس تحالف جهادي مشترك بين الطائفتين، كما ينتقد هيئة تحرير الشام التي فتحت قنوات تواصل سرية مع دول وأطراف عدة من أجل تأمين سيطرتها على مناطق بالشمال السوري وإقامة إمارة تابعة لها في داخل تلك المناطق.

ويسعى الشرعي العام لتنظيم حراس الدين للعودة للأضواء مرة أخرى حتى يبرهن على أن تنظيمه باقٍ في ساحة المواجهة وبالتالي يتمكن من خلال هذه الدعايا من استقطاب مقاتلين جدد يتمكن بهم من إعادة بناء التنظيم وترميم شبكاته الحركية التي تضررت بفعل حملة التحالف الدولي، وهيئة تحرير الشام ضده والتي أفضت للإطاحة بغالبية كوادر الصف الأول والثاني وحتى الثالث ولم يبق منه سوى ثلة قليلة من القيادات البارزة من ضمنهم “العريدي” نفسه.

وفي هذا الإطار يمكن تفسير الكلمة الصوتية التي أصدرها سامي العريدي، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حول عملية “طوفان الأقصى” بعنوان “وإن دم أحدهم دم كلب” والتي ركزت على الدعوة على استهداف الإسرائيليين في جميع أنحاء العالم.

وهدف “العريدي”، في كلمته الأولى التي ينشرها التنظيم منذ سنوات، إلى التأكيد على فكرة عالمية الحركة الجهادية مع التركيز على الحرب الدائرة في غزة حتى يثبت حضوره على الساحة ويؤكد استمرار عمل “حراس الدين”، بيد أنه لم يُشر من قريب أو بعيد إلى ارتباطه بتنظيم القاعدة ولم يشر حتى إلى البيانات الصادرة عن القيادة العامة له (قاعدة خراسان)، وهو ما يعطي لمحة أخرى على وجود استقلال عملياتي نسبي لتنظيم حراس الدين بالإضافة إلى أنه مؤشر على اتساع الهواة بين قاعدة خراسان وفرعها السوري الذي لا يُبدي أي موافقة على النهج الذي يتماهى مع إيران أو يسير في ركابها.

الخلاصة

واستنادًا إلى ما سبق، يكشف ظهور سامي العريدي، الشرعي العام لتنظيم حراس الدين، فرع القاعدة في سوريا وحديثه الأخير الذي تجاهل فيه أي إشارة للقيادة العامة للقاعدة (قاعدة خراسان) وأميرها غير المتوج رسميًا سيف العدل، فضلًا عن اختياره المنظر الجهادي هاني السباعي ليُقدم كتابه الجديد “رسائل من نور”، عن وجود سخط داخل أفرع القاعدة تجاه قيادة التنظيم العليا والتي يتحكم فيها سيف العدل المتأثر بصهره مصطفى حامد عراب مشروع التحالف مع إيران.

وفي الحقيقة، تلفت كلمة سامي العريدي الأخيرة وكتابه الذي قدم له هاني السباعي إلى رغبة فرع القاعدة السوري في الانفكاك عن أجندة “قاعدة خراسان” التي تميل، منذ مقتل أميره التنظيم السابق أيمن الظواهري، للسير في ركب المشروع الإيراني، وهو ما يعد استجابة أولية لدعوات فك الارتباط التي دعا لها جهاديون من قبل أبرزهم أبو مارية القحطاني، القيادي السابق بهيئة تحرير الشام وأحد كوادر القاعدة المنشقين، الذي وجه دعوته لأفرع القاعدة وعلى رأسها قاعدة اليمن لإنهاء صلتها بالقيادة العامة للتنظيم والتي يتحكم فيها الحرس الثوري الإيراني، بحسب ما قاله “القحطاني” من قبل.

ويعني النقد الضمني المتتابع من قبل بعض كوادر القاعدة بجانب العديد من المنظرين الجهاديين لإستراتيجية القيادة العامة للتنظيم والتي يتحكم فيها سيف العدل وصهره مصطفى حامد أن هناك جناح في القاعدة ظل يقاوم “متلازمة طهران”، وأن “جهاد طروادة” الذي تسعى له طهران وحلفائها داخل القاعدة (سيف العدل وأبو الوليد المصري) قد يفجر القاعدة من الداخل وينهي ما تبقى من التنظيم المأزوم.

كيف تخطط إيران لنشر الفوضى والدمار في العالم الإسلامي باستخدام جهاد طروادة ؟