ما هو مستقبل فاغنر في ليبيا؟
لأول مرة يصرّح مسؤول روسي عالي المستوى بوجود مجموعات “فاغنر” في ليبيا في سياق حديثه عن المجموعة وأعمالها المسلحة، وهو ما فعله وزير الخارجية سيرغي لافروف، في تصريحات صحافية، عندما قال إن “مستقبل فاغنر في ليبيا لا يزال قيد الدراسة، خصوصاً أن عدداً من المقاتلين انضووا حالياً تحت قيادة الجيش الروسي”.
وإن اعتبرت بعض الأوساط أن لافروف تحدث عن “فاغنر” ووجودها في ليبيا في تصريح سابق في مايو العام الماضي، إلا أنه وقتها أكد أن وجود “فاغنر” هو “على أساس تجاري”، حيث جرت دعوتها من مجلس النواب كشركة أمنية خاصة.
أما تصريحه الأخير فهو إعلان رسمي عن أن لـ”فاغنر” طريقاً لوجود عسكري رسمي لموسكو في ليبيا بعد انضمامها الرسمي للجيش الروسي.
واللافت أن حديث لافروف جاء متزامناً مع زيارة أجراها نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف إلى شرق ليبيا، والتقى فيها حصراً باللواء خليفة حفتر.
والوجود الروسي العسكري، بل والرغبة التي لا يمكن نفيها في تعزيز وجودها، تقابله دبلوماسية روسية مرنة في التعامل مع الملف السياسي، وتحديداً في طرابلس التي كثف فيها السفير الروسي لدى ليبيا أيدار أغانين لقاءاته مع أغلب المسؤولين والقادة، بدءا بالمجلس الرئاسي والحكومة والمجلس الأعلى للدولة، وانتهاء بالمفوضية العليا للانتخابات وقادة الأحزاب وممثلي المجتمع المدني. حتى صار حضور أغانين موازياً لكثافة حركة السفراء الأوروبيين والسفير الأمريكي ريتشارد نورلاند في ملف الانتخابات الذي يدور حوله كل الحراك السياسي حالياً بقيادة البعثة الأممية.
وفي هذا السياق تساءلت مجلة Eurasia Review في افتتاحية لها “لماذا يتم الآن تجديد العلاقات الليبية الروسية في بنغازي؟” لتوضح كاتبة المقال البروفيسورة ميرال صبري العشري الرئيسة المشاركة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز حرية الإعلام، التابع لقسم دراسات الصحافة في جامعة شيفيلد، أن نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، وصل إلى بنغازي لبحث التعاون المشترك بين ليبيا وروسيا في مختلف المجالات، بما في ذلك الطاقة والدفاع والبنية التحتية، ويتضمن هذا التعاون مناقشات حول صفقات الأسلحة المحتملة واستثمارات الطاقة ودعم مشاريع البنية التحتية في ليبيا.
وأفيد أن هذه هي الزيارة الثالثة التي يقوم بها يفكوروف هذا العام، وتهدف الزيارة إلى بحث آفاق التعاون في مجال مكافحة الإرهاب الدولي وغيرها من قضايا العمل المشترك.
وتوضح الكاتبة أن مجموعة فاغنر هي شركة عسكرية روسية خاصة تقدم خدمات أمنية لحماية البنية التحتية العسكرية والنفطية في ليبيا، وتعمل المجموعة لدعم الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، الذي تدعمه روسيا في الصراع المستمر في ليبيا. كما ورد أن مجموعة فاغنر لها وجود في مناطق صراع أخرى حول العالم، بما في ذلك سوريا وأوكرانيا.
وحسب المجلة التي تعتبر مجلة مستقلة أمريكية تقدم الأخبار والتحليلات حول الأحداث العالمية التي تؤثر على أوراسيا والأفروأوراسيا، فقد سبق وناقش وفد روسي، برئاسة نائب وزير الدفاع يونس بك يفكوروف، الدور المستقبلي لمجموعة فاغنر في البلاد في 22 أغسطس، وبعد ذلك، أعلن رئيس مجموعة فاغنر آنذاك يفغيني بريغوزين أن شركته تعمل بكامل طاقتها مع هدف “جعل أفريقيا أكثر حرية”، وفي 23 أغسطس، قُتل بريجوزين وبعض الموالين له في حادث تحطم طائرة بالقرب من موسكو.
وتوضح الكاتبة أن موسكو تحتاج إلى مجموعة فاغنر ليس فقط لأسباب استراتيجية واقتصادية لمواصلة العمل في جمهوريات أفريقيا الوسطى، ولكن أيضًا للحفاظ على وجودها في بلدان أفريقية أخرى.
وخلال الحرب الباردة وبعد إنهاء الاستعمار، لعبت أفريقيا دورًا مهمًا في الاتحاد السوفيتي، حيث وفرت لها الفرص الأيديولوجية والاقتصادية، وسعت موسكو إلى نشر العقيدة الشيوعية التي تعود إلى الحقبة السوفياتية، وتوسيع نفوذها في المناطق الاستراتيجية، والاستفادة من السوق الأفريقية، وخاصة في قطاع الأسلحة. وتقوم روسيا الآن بتزويد الأسلحة إلى 21 دولة أفريقية، مع التركيز على الجزائر، وحافظت على وجودها في ليبيا مع ما يقرب من 11 ألف عميل روسي منذ السبعينيات، وذلك حسب الكاتبة في مقالها.
وأصبح وجود مجموعة فاغنر في ليبيا واضحا خلال حصار طرابلس في أبريل 2019، لكنها كانت نشطة هناك منذ عام 2018 على الأقل، حيث تسيطر على حقول النفط الاستراتيجية وتقدم الدعم للجيش الوطني الليبي، وقامت المجموعة، بدعم من روسيا، بأدوار مختلفة، بما في ذلك السيطرة على البنية التحتية، وتقديم المشورة لقوات الأمن المحلية، وتوفير المعلومات الاستخبارية، والتأثير على الرأي العام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي السبعينيات، وقعت روسيا وليبيا اتفاقيات اقتصادية بمليارات الدولارات، واستمرت هذه الشراكة الاقتصادية.
وكان الكرملين يهدف إلى تحقيق الاستقرار في البلاد ومواصلة التعاون، حيث فضلت الحكومة الروسية اتباع نهج عملي من خلال أنشطة مجموعة فاغنر، على عكس الدبلوماسية التي تفضلها العديد من الحكومات الأوروبية.
وفي الأشهر الأخيرة، عُقدت اجتماعات متعددة بين حفتر ومسؤولين روس، ناقشت التعاون المشترك بين ليبيا وروسيا. وظهرت تقارير في نوفمبر عن تعاون السلطات الروسية مع “السلطات الليبية” لإنشاء فيلق عسكري روسي في أفريقيا، مما أدى إلى تحذيرات أمريكية من الاعتماد على الدعم الروسي.
وأعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها بشأن التأثير الضار لمجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية في ليبيا، مشددة على أن أنشطتها مزعزعة للاستقرار في المنطقة.
وسلط المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باثيلي، الضوء على عدم وجود جيش موحد في ليبيا، حيث تمارس الميليشيات سيطرتها على مناطق مختلفة ويزيد المرتزقة من التوترات في الجنوب. إلى ذلك، أكد باتيلي ضرورة إجراء انتخابات لإقامة سلطة موحدة وحذر من زيادة التشرذم دون إحراز تقدم. ووجه الدعوة للأطراف الرئيسية في ليبيا لعقد اجتماع لمعالجة القوانين الانتخابية المتنازع عليها والتوصل إلى تسوية سياسية.
مجموعات المرتزقة المختلفة العاملة في ليبيا
ومنذ الاتفاقية الأمنية التي أبرمها الرئيس التركي مع رئيس حكومة الوفاق السابق، أصبحت قضية المرتزقة من جديد محور الاهتمام في ليبيا. ويتدفق آلاف المرتزقة من جنسيات مختلفة إلى ليبيا، وتحديداً إلى المناطق الغربية من البلاد التي تسيطر عليها حكومة الوفاق المدعومة من تركيا.
وأنشأت تركيا 10 معسكرات تدريب لتأهيل المقاتلين ونقلهم إلى ليبيا. ويتم نقل هؤلاء المقاتلين أولاً عبر معسكرين على الحدود السورية التركية عبر الطائرات العسكرية التركية إلى اسطنبول وأنقرة، ومن ثم يتم نقلهم إلى ليبيا عبر الطيران المدني الليبي. وتشرف شركة “سادات” التركية على هذه العملية، وقامت تركيا بنقل أكثر من 13 ألف مرتزق سوري من سوريا إلى ليبيا خلال الصراع المستمر، وتقدر الأمم المتحدة وجود أكثر من 20 ألف مرتزق أجنبي في سوريا، بينهم 13 ألف مقاتل سوري.
وفي أوائل عام 2017، تواجد مرتزقة مجموعة فاغنر في ليبيا، حيث صرح قادة شركة فاغنر العسكرية الخاصة أنهم سيرسلون قوات إلى ليبيا قريبًا. وظهرت تقارير مفصلة تظهر وجود 3000 مقاتل، مع وصول بعض التقديرات إلى 3500 مقاتل. وكان هؤلاء المرتزقة من فاغنر متمركزين في قاعدة ببنغازي وشاركوا في عمليات مختلفة للجيش الوطني الليبي.
كما توجد مجموعة من المرتزقة السودانيين يقاتلون في ليبيا، تتمثل في عناصر من حركة جيش تحرير السودان، والمجلس الانتقالي لحركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة السودانية. وتشير التقديرات إلى أن نحو 3000 من المرتزقة السودانيين يقاتلون في ليبيا، ويتمركزون في أم الأرانب والقطرون وسبها ومحيط الكفرة، ويصلون إلى مناطق جنوب الهلال النفطي.
وفيما يتعلق بتسليح المرتزقة، تشير التقارير العسكرية الليبية إلى أن مجموعات المرتزقة السورية تستخدم أسلحة جاءت ضمن شحنة من الجزائر. وتفتح مطارات غرب ليبيا أبوابها لنقل المرتزقة تحت إشراف دولي، كما يتم نقل الأسلحة التركية عبر المنافذ البحرية لتسليح المقاتلين الأجانب. ورصدت قوات الجيش الوطني الليبي ذلك وألقت القبض على بعض المرتزقة. وتستغل بعض الدول علاقتها الجيدة مع إيران لتهريب كميات كبيرة من الأسلحة إلى ليبيا، بالتنسيق مع الجانب التركي وقيادات المرتزقة داخل ليبيا.
وقف إطلاق النار مع خروج كافة المرتزقة والمقاتلين الأجانب
وفي نهاية أكتوبر 2020، نشرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا نسخة من اتفاق وقف إطلاق النار الدائم، الذي وقعه طرفا النزاع الليبي في اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة. ويتضمن الاتفاق إجلاء كافة الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة من خطوط التماس وإعادتهم إلى معسكراتهم، وخروج كافة المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية خلال مدة أقصاها 3 أشهر.
ودعا مؤتمر “برلين 2” في يونيو 2021 السلطات الليبية، بما فيها البرلمان والمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، إلى الاستعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر. كما أكد على ضرورة توضيح الأساس الدستوري لإجراء الانتخابات وسن التشريعات اللازمة. وشدد المؤتمر على أهمية سحب كافة القوات الأجنبية والمرتزقة، واستكمال عملية توحيد المؤسسات العسكرية، وإصلاح القطاع الأمني، والبدء في عملية مصالحة وطنية شاملة على أساس الحقوق والعدالة.
وفي يونيو 2020، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن مبادرة جديدة تسمى “إعلان القاهرة” لحل الأزمة الليبية. وأكد الإعلان على وحدة الأراضي الليبية، واحترام الجهود الدولية وقرارات مجلس الأمن، والالتزام بوقف إطلاق النار واستكمال أعمال اللجنة العسكرية (5+5) في جنيف برعاية الأمم المتحدة. كما دعا الإعلان إلى إخراج المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية وتفكيك الميليشيات، والسماح للقوات المسلحة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية في مهامها العسكرية والأمنية في البلاد.
ما الذي يعيق إخراج المرتزقة من ليبيا؟
وحسب افتتاحية المجلة فإن جميع الأطراف، سواء كانت محلية أو خارجية، غير جادة في إخراج المرتزقة، والوضع الحالي لا يؤدي إلا إلى انخفاض أعدادهم، وحتى نهاية فبراير 2021، قدرت الأمم المتحدة أن هناك ما بين 17 إلى 20 ألف سوري يدعمون القوات الموجودة في غرب البلاد، بينما يدعم السودانيون والتشاديون قوات الجيش الوطني. وأعلنت القيادة العامة للجيش الوطني إخراج 300 مرتزق كدفعة أولى بالتنسيق مع دول الجوار.
دعا الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، إلى تجديد الالتزام بتقديم الدعم الكامل لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا الموقع عام 2020. وجاءت هذه الدعوة في ختام اجتماعات اللجنة. اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في سرت 2023. وحث باتيلي الحكومة على تخصيص الموارد المناسبة وتكثيف الجهود السياسية لإنهاء المأزق السياسي واستعادة الشرعية للمؤسسات الليبية من خلال الانتخابات.
علاوة على ذلك، من الضروري إعادة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية، وكذلك إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب وفق خطة عمل. وهذا ضروري للحفاظ على سيادة ووحدة الدولة الليبية. ويجب أن تشارك دول الجوار في إنهاء تواجد هؤلاء المرتزقة على الأراضي الليبية. بالإضافة إلى ذلك، يجب تكثيف اللقاءات مع كافة الأطراف، بما في ذلك الجهات الفاعلة والشباب والنساء والمجتمع المدني، لضمان الرغبة في الوصول إلى الانتخابات واستكمال الدستور. ويمثل الدستور حجر الزاوية للمجتمع الليبي في بناء الدولة وإتاحة المجال لحرية الرأي والتعبير للمواطنين.