الفساد يستشري في الجيش الصيني.. وشي يطيح بالجنرالات الأقوياء
كان عام 2023 شاهدا على عملية تطهير طويلة بالنسبة للجيش الصيني، وعلى ما يبدو فإن العام الذي بدأ قبل أيام لن يشهد توقفا لهذه العمليات، إذ كشفت الاستخبارات الأمريكية أن عملية التطهير العسكري الشاملة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ سببها الفساد المستشري الذي قوض جهوده لتحديث القوات المسلحة.
عملية التطهير الكبرى التي تشهدها بكين، كلفت وزير الدفاع لي شانغ فو وظيفته، بعد أن اختفى في أغسطس/آب قبل تتم إقالته رسمياً في أكتوبر/تشرين الأول دون أدنى تفسير.
وبينما لا توجد أخبار عنه حتى الآن، أعلنت اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني عن خليفته في 29 ديسمبر/كانون الأول عبر وكالة أنباء الصين الحكومية، ما دفع مراقبون إلى تشبيه العام الماضي وكأن عاصفة اجتاحت بهدوء أكبر جيش في العالم.
لمعرفة تفاصيل أكثر، وفي محاولة لفهم ما يجري داخل الجيش الصيني، يقول الخبير بالشؤون الصينية الدكتور أحمد مصطفى لـ “أخبار الآن” إن الفساد في المؤسسة العسكرية الصينية هو جزء من ترهل عام نتيجة فورة النمو الاقتصادي منذ نهاية القرن الماضي والعقدين الأولين من هذا القرن، وبالتالي ليس الجيش استثناء مما حدث في قطاعات أخرى في الصين.
طرد ضباط كبار من الجيش
وبعد أشهر من التكهنات العامة المكثفة والمراوغة في عدم الإجابات من جانب المتحدثين باسم الحكومة، جاءت الإشارة الأكثر وضوحاً لعملية التطهير الشاملة داخل المؤسسة العسكرية الصينية يوم الجمعة الماضي، عندما تم طرد تسعة من كبار ضباط جيش التحرير الشعبي من أعلى هيئة تشريعية في البلاد.
هذه الخطوة يراها محللون أنها تهدف لضمان ولاء أكبر في الجيش، واستدلوا بالخطوة التي أقدم عليها شي في أغسطس الماضي حين عين قائدا جديدا على رأس القوات التي تشرف على صواريخ البلاد التقليدية والنووية، وهو ذراع عسكري حيوي للزعيم، شي جين بينغ.
هذه ليست سوى الإقالات التي أعلنتها بكين، ولا يعلن الجيش الصيني عن تحقيقاته في الفساد، وأفادت وكالة الأنباء الصينية أنه تمت إقالة لواء آخر من قوة الصواريخ بهدوء من المجلس التشريعي لبلدية بكين في نوفمبر.
تركيز السلطات في يد القيادة المركزية
حول هذه النقطة وإذا ماكان شي جينبينغ يريد تعزيز قبضته أكثر، أوضح الدكتور أحمد مصطفى أن الرئيس شي يسعى في فترة رئاسته الثالثة إلى “إعادة ضبط” التحول الصيني من الاقتصاد المركزي إلى الاقتصاد شبه الرأسمالي الذي بدأه دنغ زياو بنج في الثمانينيات.
يضيف الخبير في الشؤون الصينية “وكجزء من ذلك نشهد قوانين ولوائح وإجراءات تشدد القيود على قطاعات عدة وتعيد قدرا أكبر من التحكم للقيادة المركزية. وذلك ما يجدث في المؤسسة العسكرية أيضا، التخلص من القيادات التي ترهلت نتيجة الوفرة وأثرت فسادا إلى حد ما”
وفي قلب عملية التطهير الأخيرة توجد القوة الصاروخية التابعة لجيش التحرير الشعبي، وهي فرع النخبة الذي أنشأه شي للإشراف على ترسانة الصين سريعة التوسع من الصواريخ النووية والباليستية.
ونقلت شبكة “بلومبرغ” عن مصادر طلبت عدم ذكر اسمها، أن الفساد داخل قوة الصواريخ الصينية وفي قاعدة الصناعة الدفاعية الوطنية واسع النطاق، لدرجة أن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن “شي” تراجع عن القيام بعمل عسكري كبير في السنوات المقبلة.
واستشهدت التقييمات الأمريكية بعدة أمثلة على تأثير الكسب غير المشروع، بما في ذلك الصواريخ المملوءة بالماء بدلاً من الوقود والحقول الشاسعة لصوامع الصواريخ في غرب الصين ذات الأغطية التي لا تعمل بطريقة تسمح بإطلاقها بشكل فعال.
وقالت المصادر إن الولايات المتحدة ترى أن الفساد داخل الجيش الصيني أدى إلى تآكل الثقة في قدراته الشاملة، خاصة فيما يتعلق بالقوة الصاروخية، وأبطأ بعض أولويات الرئيس شي لتحديثه.
هل تؤثر عملية التطهير على قدرات الجيش الصيني؟
وبينما يستمر شي جينبينغ في حملة التطهير داخل الجيش الصيني، تشير بعض التقارير إلى أن هذه الخطوة قد يكون لها تداعيات على أي صراع محتمل على تايوان، هذه الجزيرة الديمقراطية المنشقة عن بكين، والتي تقول الأخيرة إنها ستضمها بالقوة إذا لزم الأمر لفرض الوحدة.
في هذا الصدد تحديدا، يرى الدكتور أحمد مصطفى أن ما يحدث مؤخرا داخل المنظومة العسكرية الصينية ليس له علاقة بموضوع تايوان أو التاثير كذلك على قدرات الجيش الصيني.
يتابع مصطفى “إنما هي جزء من سياسة القيادة الصينية للتخلص من قيادات فاسدة، خاصة وأن الإنفاق العسكري الصيني يتزايد وبالتالي يغري بالفساد المالي على حساب تطوير القدرات العسكرية”.
وفي السنوات القليلة الماضية، أظهرت صور الأقمار الصناعية بناء ما يبدو أنها مئات من الصوامع للصواريخ الباليستية العابرة للقارات في الصحاري الصينية، وتتوقع وزارة الدفاع الأمريكية أن الصين يمكن أن تمتلك نحو 1500 رأس نووي بحلول عام 2035 إذا استمرت في توسيع مخزونها. بالوتيرة الأسية الحالية.
وفي سبتمبر/أيلول، كشفت شبكة “سي إن إن” أيضًا كيف قامت الصين، إلى جانب روسيا والولايات المتحدة، ببناء منشآت جديدة وحفر أنفاق جديدة في مواقع تجاربها النووية في السنوات الأخيرة.