هجوم كرمان يكشف تصدير أفغانستان لـ”الانتحاريين” تحت حكم طالبان
بالتزامن مع نشر وكالة أعماق، الذراع الإخبارية لتنظيم داعش، مقطعًا مصورًا يُظهر منفذي الهجوم الذي استهدف ضريح قاسم سُليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، أثناء أدائهما بيعة خليفة التنظيم أبو حفص الهاشمي، قبيل انطلاقهما لتنفيذ الهجوم الذي وقع في الـ3 من يناير/ كانون الثاني الجاري، قالت مصادر أفغانية خاصة لـ”أخبار الآن” إن فرع داعش في أفغانستان يُخطط لتنفيذ سلسلة هجمات في دول الجوار الأفغاني اعتمادًا على انتحاريين جرى تجنيدهم وتدريبهم داخل البلاد، مضيفةً أن بعض هؤلاء الانتحاريين يحملون الجنسية الطاجيكية، والأوزبكية.
وكانت مصادر استخبارية مرتبطة بدوائر الاستخبارات الأمريكية أن “داعش خراسان” أو ما يُعرف بولاية خراسان هو المسؤول عن هجوم كرمان والذي يعد الهجوم الأكثر دموية الذي ضرب الأراضي الإيرانية منذ عام 1979، وهو ما يشير إلى امتلاك التنظيم قدرات تمكنه من تنفيذ هجمات خارج أفغانستان ويُشكك في الرواية التي روجتها حركة طالبان الأفغانية بأنها قضت على التنظيم عقب سيطرتها على مقاليد السلطة في البلاد، منذ عام 2021.
وتؤكد التطورات الأخيرة وغيرها أن حركة طالبان عجزت عن ضبط الحدود بشكل كامل حتى الآن في حين واصل تنظيم داعش خراسان مخططاته لشن هجمات في عدد من الدول الإقليمية انطلاقًا من أفغانستان وهو حذرت منه العديد من التقارير الدولية في وقت سابق.
ووفق ما أعلنه التلفزيون الإيراني الرسمي فإن أحد منفذي هجوم كرمان، وهما: (عمر الموحد وسيف الله المجاهد، بحسب نص بيان داعش لتبني الهجوم)، يحمل الجنسية الطاجيكية وتمكن أحد الانتحاريين من الدخول إلى إيران عبر الحدود الأفغانية، مما يعني أن أفغانستان تحت سيطرة طالبان قد تتحول لتهديد للأمن الإقليمي، في ظل حكم حركة طالبان.
أفغانستان وحملة داعش الجديدة
ومن الجدير بالذكر أن هجوم كرمان الأخير كان بداية لحملة موسعة أو ما يُسمى بـ”الغزوة المنسقة” أطلقها تنظيم داعش انطلاقًا من أفغانستان، بعد نشر مؤسسة الفرقان الإعلامية كلمة صوتية للمتحدث باسمه أبو حذيفة الأنصاري، في الـ4 من يناير/ كانون الثاني الجاري، بعنوان “واقتلوهم حيث ثفقتموهم”، وهو نفس العنوان الذي اختاره التنظيم لحملته الجديدة.
وتحمل هجمات كرمان العديد من الدلالات الهامة، فقيادة التنظيم المركزية والتي ضعفت بشكل كبير وتعرضت لخسائر متتالية كان آخرها مقتل خليفة التنظيم أبو الحسين الحسيني، في مايو/ آيار الماضي، أرادت إرسال رسائل من خلال هذا الهجوم، أولها أن معركته مع الشيعة ما زالت مُستعرة، فمع أن التنظيم يتبنى نهج الجهادية العالمية إلا أن محور أيديولوجيته قام على فكرة رئيسية هي العداء للشيعة لاعتبارات النشأة والتشكل الخاصة به ثم التطورات التي مر بها بعد ذلك، وثاني تلك الرسائل أن فرعه في خراسان/ ولاية خراسان بقي يعمل كقيادة إقليمية للتنظيم في وسط آسيا حتى رغم إعلان حركة طالبان، في أكثر من مناسبة أنها قضت عليه.
كما أن داعش أراد الاستفادة من الهجوم في التنافس مع غريمه التقليدي “تنظيم القاعدة” والذي يقبع أميره الفعلي سيف العدل في طهران ويتماهى مع إستراتيجيتها، في الوقت الراهن، وبذلك يُوحي التنظيم الأول لأتباع القاعدة بأنه يُمثل نهج الجهادية القويم القائم بخلاف القاعدة الذي انحرف عنها، حسبما يقول العديد من الجهاديين.
ودخل داعش وطالبان في حرب تكسير عظام، منذ سيطرة الحركة على الحكم في أفغانستان عام 2021، وأعلنت الحركة في أكثر من مناسبة أنها قوضت التنظيم وقضت على قادته وشبكاته الفاعلة حتى أنها أطلقت حملات دعائية للترويج لأنها قضت على التهديد الذي تشكله ولاية خراسان، وهو ما تبين أنه غير دقيق بعد هجوم كرمان.
ويُصنف تنظيم داعش في أفغانستان بأنه أحد أخطر أفرع التنظيم حول العالم، ويقوده شهاب المهاجر (ثناء الله الغفاري)، والي ولاية خراسان، والذي رصدت الولايات المتحدة من قبل 10 ملايين دولار لمن يُدلي بمعلومات تؤدي إلى التوصل إليه، بينما يتولى مولوي رجب صلاح الدين المعروف أيضًا بـ”الملا رجب” منصب مسؤول العمليات الخارجية، وكان الأخير مسؤولًا عن هجوم كرمان، بحسب مصادر أفغانية.
ومن اللافت أن داعش خراسان/ ولاية خراسان سبق أن أطلق حملة لاستهداف قادة حركة طالبان البارزين وخصوصًا المرتبطين منهم بإيران وعلى رأسهم الملا محمد داوود مزمل، حاكم ولاية بلخ، وكذلك نفذ العديد من التفجيرات ضد المساجد والمزارات الشيعية في أفغانستان، وهدف التنظيم من وراء تلك الهجمات إلى ضرب العلاقات بين طالبان وإيران بعد أن أخذت تلك العلاقات طابعًا أكثر رسمية، خلال العام الماضي، بعد تسليم السفارة الأفغانية في طهران لممثلي الحركة.
فشل الحملة الأمنية لطالبان ضد ولاية خراسان
وعلى صعيد متصل، أثبت داعش خراسان/ ولاية خراسان أن لديه القدرة على البقاء والتمدد في قلب المناطق التي تُسيطر عليها حركة طالبان، إذ أن الأخيرة لم تستطع أن تُوقف الهجمات التي يشنها التنظيم طوال العامين الماضيين، كما أن التنظيم قام باستهداف البعثات الدبلوماسية مثل هجومه على السفارتين الروسية والباكستانية في كابل، في سبتمبر/ أيلول، وديسمبر/ كانون الأول 2022، والمصالح الاقتصادية الأجنبية مثل استهدافه فندق يرتاده رجال أعمال صينيون في ديسمبر 2022.
وذكرت تقارير دولية منها تقرير فرق مجلس الأمن المعنية بملف حركة طالبان، وملفي داعش والقاعدة أن داعش خراسان هو أخطر تهديد للأمن في البلاد وفي دول آسيا الوسطى، مضيفةً أنه استفاد من زيادة القدرات العملياتية وحرية الحركة والتنقل في أفغانستان في ظل وجود حركة طالبان في السلطة.
واستطاع داعش خراسان أن يُنشئ العديد من معسكرات التدريب في أفغانستان وأن يستقطب المزيد من الكوادر الجديدة، طوال العامين الماضيين، ويُقدر عدد مقاتليه، حسب آخر التقديرات الدولية، بنحو 4: 6 آلاف مقاتل من بينهم مقاتلين أجانب ينتمون لدول روسيا، وإيران وباكستان، وأذربيجان، ودول آسيا الوسطى فضلًا عن عدد من القادة والمقاتلين العرب الذين انتقلوا إلى أفغانستان، في وقت سابق، بناءً على توجيهات من قيادة التنظيم المركزية.
ومن اللافت أن التنظيم ركز في حملته للاستقطاب والتجنيد، في الفترة الماضية، على استقطاب مقاتلين من حركتي طالبان الأفغانية والباكستانية بجانب مقاتلين من إثنيات الطاجيك والأوزبك في أفغانستان ودول آسيا الوسطى، وألمح تقرير صدر عن مجلس الأمن الدولي في 2023 إلى أن داعش نجح في تجنيد مواطنين من طاجيكستان وسافروا من دوشانبي إلى طهران عبر أفغانستان وتحديدًا عبر ولايتي نمروز وهرات لشن هجمات في الداخل الإيراني، وهو دليل إضافي على الخطر الذي يُشكله التنظيم للأمن الإقليمي وعلى فشل حركة طالبان في ضبط الأمن في أفغانستان.
خبراء: داعش يخطط لتنفيذ هجمات جديدة
ومن جانبه، قال حسين إحساني، الباحث الأفغاني في الجماعات المسلحة والإرهاب، أن حركة طالبان الأفغانية روجت، خلال الفترة التي سبقت هجوم كرمان، أنها استطاعت تقويض قدرات تنظيم داعش في أفغانستان واستدلت بانخفاض وتيرة الهجمات في داخل البلاد ونجاحها في القبض على بعض الأفراد والخلايا التابعة للتنظيم في البلاد، لكن الهجوم الأخير في كرمان الإيرانية نسف هذه السردية الطالبانية.
وأضاف “إحساني” في تصريحات لـ”أخبار الآن” أن داعش خراسان أو ولاية خراسان استطاع الانتشار عبر الحدود الأفغانية بعد سقوط النظام الأفغاني السابق وسيطرة حركة طالبان على مقاليد الأمور في البلاد، مشيرًا إلى أن هجمات التنظيم لم تنخفض في الحقيقة ولكنه تحول إلى العمل بشكل أكبر خارج أفغانستان، وركز على دول مثل إيران وباكستان.
وأوضح الباحث الأفغاني في الحركات المسلحة والإرهاب إلى أن مجلس شورى ولاية خراسان وتحت قيادة شهاب المهاجر قرروا زيادة انتشار التنظيم والتركيز على شن هجمات في خارج أفغانستان، مستدلًا بزيادة نشاط التنظيم في عدد من المناطق الباكستانية وإعلانه تأسيس فرع باسم “ولاية باكستان” في مناطق عدة بشمال باكستان وذلك انطلاقًا من المناطق الحدودية مع أفغانستان، والهجمات الأخيرة في إيران والتي وصفها بأنها تمت عبر البوابة الأفغانية التي سمحت بنشر الإرهاب والدمار داخل إيران.
واعتبر الباحث حسين إحساني أن حركة طالبان لا تستجيب لمتطلبات القانون الدولي في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، مردفًا أن الحركة تُمثل فاعل من دون الدول حتى الآن، ولم تحصل على الاعتراف الدولي كحكومة أو سلطة رسمية في البلاد، كما أن إستراتيجيتها لمواجهة داعش خراسان/ ولاية خراسان هي في أصلها إستراتيجية قتال بين جماعة وأخرى، علاوة على أنها ليست جادة في مواجهة جماعات إرهابية أخرى تنشط في داخل أفغانستان ومن بينها تنظيم القاعدة.
ولفت “إحساني” إلى أن هجوم كرمان ليس الهجوم الأول الذي ينفذه داعش خراسان في أفغانستان ولن يكون الهجوم الأخير، قائلًا إن النظام الإيراني اختار أن يُغامر ويدعم طالبان في أفغانستان مع أن الأخيرة عاجزة عن ضبط الأمن في البلاد التي تحولت لقاعدة انطلاق هجمات للداخل الإيراني.
وفي السياق ذاته، قال جواد أحمد كرجار، المحلل السياسي الأفغاني، إن هناك معلومات وردت من مصادر أفغانية مطلعة تُشير إلى أن وجود شبكة من الانتحاريين المرتبطين بداعش ينتمون لمجموعات إثنية مختلفة وينحدرون من دول منها أفغانستان وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان، يتم تجهيزهم في الوقت الحالي لشن هجمات إرهابية انطلاقًا من الأراضي الأفغانية، مضيفًا أن طالبان لا ترغب في ضبط الأمن بشكل كامل في أفغانستان بل تستفيد من حالة الفوضى الإقليمية في الضغط على دول الجوار الأفغاني.
وأوضح “كرجار” في تصريحات لـ”أخبار الآن” أن هجوم كرمان الأخير نفذه أحد الانتحاريين ممن كانوا أعضاء في الشبكة المذكورة، متوقعًا أن يتم تنفيذ هجمات أخرى في دول الجوار الأفغاني مثل طاجيكستان وباكستان وحتى روسيا، ملمحًا إلى أن هناك توظيف لهذه الشبكة من قبل بعض الأطراف والدول الإقليمية التي تتعاون معها حركة طالبان سرًا، على حد تعبيره.
وذهب المحلل السياسي الأفغاني إلى أن طالبان غير راغبة في وقف الهجمات الخارجية التي تنطلق من أفغانستان لأنها تُمثل مصدر ضغط على الدول الإقليمية وعلى المجتمع الدولي حتى يعترف بالحركة كسلطة قائمة في البلاد ويتعاون معها في القضاء على فرع داعش في خراسان/ ولاية خراسان، وبذلك تُحقق الحركة هدفًا عجزت عن تحقيقه طوال العامين الماضيين، وفق قوله.
الخلاصة
أعاد الهجوم الذي استهدف ضريح قاسم سليماني، قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني، وخلف نحو 100 قتيل وعشرات الجرحى، تسليط الضوء على الخطر الذي يمثله تنظيم داعش في أفغانستان والمعروف بـ”ولاية خراسان”، ودلل الهجوم على أن الإستراتيجية التي اتبعتها حركة طالبان في مواجهة داعش خراسان ليست ناجحة بالصورة التي صورتها الحركة الأفغانية وروجتها، في الفترة الأخيرة، لا سيما مع انتقال مقاتلين وانتحاريين من أفغانستان إلى دول الجوار وتنفيذهم هجمات انتحارية.
ومن الملاحظ أن داعش خراسان اختار أن ينفذ هجومه في ذكرى اغتيال قاسم سليماني وقرب ضريحه لما لهذه المناسبة من رمزية لدى الشيعة في إيران، بجانب أن الضريح يعتبر هدفًا رخوا يمكن استهدافه بسهولة إذا لا يتم تأمينه بصورة مشددة أو استثنائية، ولعل هذا كان أحد الأسباب الرئيسة لاختيار ه هدفًا للهجوم الأخير، بجانب أن هذا الهجوم يمكن استغلاله لتصوير داعش بأنه منخرط في الحرب ضد إيران في حين يتحالف معها سيف العدل وأمراء القاعدة المقيمين في إيران، وذلك ضمن محاولات التنظيم اجتذاب جزء من مؤيدي القاعدة واستقطابهم لصفوفه في ظل التنافس الجهادي المشتعل بين التنظيمين.
ومع أن التنظيم سعى لتوظيف الهجوم الأخير للعودة إلى الواجهة مرة أخرى والترويج لخليفته الجديد أبو حفص الهاشمي القرشي، الذي تولى منصبه في أغسطس/ آب 2023، إلا أن هذا الهجوم لا يمكن أن يُخرج داعش من حالة الغيبوبة التي يعيش فيها منذ مدة، خاصةً أن التنظيم يمر بأزمات عديدة ومعقدة، كما أن أميره الجديد يبقى أميرًا مجهولًا يمكن الطعن فيه والقول إنه واحد من البعثيين الذين سيطروا على التنظيم منذ سنوات طويلة.