بشكل غير مسبوق.. كاراتي يتصدر إعلام جماعة الشباب في ٢٠٢٣
بحسب إحصاء لـ”أخبار الآن” سجل الظهور الإعلامي للرجل الثاني في جماعة الشباب الإرهابية مهاد كاراتي رقماً قياسياً في العام 2023، بواقع 8 مرات في الإصدارات المرئية، مقابل مرتين في العامين 2022 و2021، وثلاث مرات في 2019، وظهور محدود في الكم والنوع خلال الأعوام السابقة.
تعتمد تلك الإحصائية على رصد ظهور كاراتي من خلال البحث في الأرشيف الصحفي لوكالة “شهادة” الإخبارية، إحدى الأذرع الإعلامية لجماعة الشباب، التي تعيد نشر إصدارات مؤسسة “الكتائب” الذراع الإعلامي الهام للجماعة.
ولا يقتصر تصاعد الظهور الإعلامي على العدد فقط، بل يمتد إلى الكيف؛ فمن الاقتصار على ذكر اسم مهاد كاراتي ضمن قادة آخرين إلى تصدره إصدارات كاملة، كما في الإصدار الأخير في نهاية ديسمبر 2023 الماضي.
يرتبط ذلك بعدد من التحولات داخل جماعة الشباب، منها تنامي نفوذ كاراتي، واغتيال عدد من قادة الجماعة المحسوبين على جناح خصمه أمير الجماعة أحمد ديري “أبو عبيدة”.
ظهور إعلامي متزايد
نشرت مؤسسة الكتائب الإعلامية، إحدى الأذرع الإعلامية لجماعة الشباب الصومالية، المصنفة إرهابيةً محلياً ودولياً، إصداراً مرئياً في 4 يناير 2024 (صُور في ديسمبر الماضي)، لخطبة ألقاها نائب أمير جماعة الشباب ورئيس جهاز استخبارات الجماعة “أمنيات”، أبو عبد الرحمن مهاد ورسمي، الشهير بـ”مهاد كاراتي“، في حفل تخريج مقاتلين جدد من معسكر الشيخ شريف عبد النور.
تحدث كاراتي في الإصدار لمدة نصف ساعة، نقلتها مُترجمة وكالة “شهادة” الإخبارية، أحد الأذرع الإعلامية لجماعة الشباب، بينما لم تترجم كلمات شخصيات أخرى.
حضر الحفل عدد من قادة الشباب، ظهر واحدٌ منهم كاشفاً وجهه على المنصة إلى يسار كاراتي، وهو سلطان المحمد، المعروف عنه أنّه كبير مستشاري أمير الجماعة “أبو عبيدة”، بحسب ما نشره الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية “كريستوفر أنزالون Christopher Anzalone” على منصة “إكس“.
وتطرق كاراتي في حديثه إلى عدة موضوعات رئيسية منها؛ ما وصفه بـ”المرحلة التي يمرّ بها الجهاد في شرق أفريقيا والنجاحات الكبيرة التي حققها”، ورفع حظر السلاح عن الصومال، إلى جانب ما كان يدور بين الصوماليين عن المحادثات بين الإقليم المنفصل من طرف واحد، صوماليلاند والحكومة الإثيوبية، حول منحها منفذ بحري مقابل الاعتراف بالإقليم كدولة مستقلة ومزايا مالية.
كانت القضية معروفة في الأشهر الأخيرة من العام 2023، ووُقعت مذكرة التفاهم بين الإقليم وأديس أبابا في الثاني من يناير 2024، قبل يومين نشر “الإصدار”، الذي صُور في نهاية شهر ديسمبر 2023 الماضي.
قبل أقل من شهرين تقريباً، في 26 أكتوبر 2023 ظهر كاراتي متحدثاً في إصدار بعنوان “30 عاما بعد سقوط البلاك هوك” في الذكرى الثلاثين للاشتباكات التي دارت بين القوات الأمريكية والأممية التي تدخلت في الصومال بين أعوام (1992-1995) لإعادة الأمن وتقديم المساعدات الإنسانية بعد سقوط الحكومة المركزية عام 1991، وأمراء الحرب.
خلال الإصدار روج كاراتي وقادة آخرون في الجماعة للدور المزعوم لجماعة الاتحاد الإسلامي التي تعتبر الجماعة الأم للسلفية الجهادية في الصومال، في المعركة التي دارت في سوق “بكارا” في العاصمة مقديشو في الثالث من أكتوبر 1993.
لكن لماذا تعدد الظهور الإعلامي لكاراتي مؤخراً على الرغم من غيابه طوال أعوام انضمامه للجماعة منذ تأسيسها عام 2006؟ نظراً لأن جماعة الشباب كجماعة هيمنت على مساحات واسعة من الصومال لعقود، ولهيمنة المكون المحلي على نشأة وقيادة وتكوين الجماعة، وما يعنيه ذلك من اختلاط بالمجتمع على كافة مستوياته، إلى جانب التكوين العشائري للمجتمع الصومالي، يمكن القول إنّ هناك علاقة طردية بين مكانة القيادات في الجماعة وشهرتها داخل المجتمع.
سألت “أخبار الآن” صحفي صومالي قبل عام عن مكانة مهاد كاراتي داخل الجماعة، فأجاب “كوّن الرجل غير بارز أو معروف إعلامياً، فإن ذلك يعني أنّ مكانته داخل الجماعة محدودة.”
تنامي نفوذ كاراتي
هناك ارتباط بين تنامي الظهور الإعلامي لمهاد كاراتي وتصاعد نفوذه داخل جماعة الشباب، على حساب أمير الجماعة أحمد ديري، الذي تجمعهما عداوة شديدة منذ العام 2014، حين اُختير ديري أميراً للجماعة بعد مقتل سلفه مختار أبو الزبير، على حساب كاراتي الذي يرى نفسه الأحق بالمنصب.
يرصد الجدول التالي تطور الظهور الإعلامي لمهاد كاراتي خلال الأعوام الأخيرة، علماً أنّ أول ذكر لاسم مهاد كاراتي في إصدارات الجماعة، كان في 27 يونيو 2017 في وثائقي طويل بعنوان ” مسيرة الصمود: الشيخ مختار أبي الزبير”، بحسب الجماعة التي أعلنت في الوثائقي عن الكشف عن العديد من أسماء قادتها للمرة الأولى منهم كاراتي.
جدول يرصد تطور الظهور الإعلامي لكاراتي بالسنوات
العام | مرات الظهور | المادة الإعلامية | كيفية ظهور كاراتي |
٢٠١٧ | ١ | وثائقي | ذكر الاسم فقط. |
٢٠١٨ | ١ | وثائقي | مشارك مع آخرين عن تاريخ الجماعة. |
٢٠١٩ | ٣ | إصدارات مرئية |
|
٢٠٢٠ | ١ | إصدار مرئي | تعليق صوتي. |
٢٠٢١ | ٢ | إصدارات مرئية | تعليق صوتي. |
٢٠٢٢ | ٢ | مرئيات |
|
٢٠٢٣ | ٨ | مرئيات |
|
بالتوازي مع ارتفاع معدل ظهور مهاد كاراتي إعلامياً زادت الأهمية لهذا الظهور، من خلال انتقاله من المشاركة بما يشبه المداخلات المحدودة، التي تتعلق بوثائقيات تاريخ الجماعة والسلفية الجهادية وموضوع التأصيل الشرعي، إلى الخطابات السياسية وتصدر المشهد الإعلامي للجماعة، فضلاً عن زيادة الاستشهاد بأحاديثه.
ثقة كاراتي بلا حدود
أحد التغيرات الهامة التي توازت مع ما سبق، هو استبدال كاراتي زيه من عباءة رجال الدين إلى الزي العسكري للقادة، فضلاً عن زيادة التقدير لشخصه من جانب القائمين على الإعلام في الجماعة، حيث وُصف في الإصدار الأخير بـ”الشيخ القائد” بدلاً من وصف “الشيخ” الذي لازمه كثيراً.
واللافت في اللقاءات الأخيرة أن كاراتي لا يتحدث بصفته رئيس “أمنيات” أو نائب القائد، ولكن بلهجة شخص يتحكم في كامل الأمور ويبدو كالأمير الفعلي لجماعة الشباب.
يرتبط ما حققه كاراتي من تصدر لجماعة الشباب بانحسار نفوذ خصمه أمير الجماعة أحمد ديري “أبو عبيدة”. لعب كاراتي وما يزال دوراً رئيسياً في تقويض نفوذ ديري، مستفيداً من اشتداد المرض على الأخير منذ العام 2018، وتصفية القادة البارزين في جناح ديري من خلال التعاون مع أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية.
حصلت “أخبار الآن” على ثلاث شهادات من ثلاثة مصادر صومالية في وكالة المخابرات ومخابرات الجيش الفيدرالي، طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، ترجح وجود تعاون بين كاراتي وبعض أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية.
كانت آخر عملية تصفية طالت قائد في جناح ديري، هي اغتيال الرجل الذي كان ديري يعده لخلافته في إمارة الجماعة، داود خليف الشهير بـ”معلم أيمن” في غارة جوية استهدفته في مدينة جلب في جوبالاند، في 17 ديسمبر 2023 الماضي، بحسب ضابط مخابرات صومالي، طلب عدم الكشف عن هويته، تحدث إلى “أخبار الآن” سابقاً.
بالإضافة إلى ذلك هناك شهادات لقادة سابقين في الجماعة، منهم إبراهيم نظارة، اتهموا كاراتي بالتعاون مع استخبارات بعض الدول الإقليمية والدولية.
إلى جانب ذلك، قال ضابط في وكالة المخابرات الصومالية، طلب عدم كشف هويته لـ”أخبار الآن” إن اشتباكات مسلحة حدثت خلال الأشهر الأخيرة بين مجموعتي كاراتي وديري، حين انتقل الأول من مقره في وسط البلاد إلى الجنوب حيث مقر ديري، بحسب قسمة سابقة بين الطرفين كتسوية لنزاع مسلح سابق.
يتابع المصدر بأنّ وساطة أنهت القتال بين الطرفين، مع تحقيق كاراتي لهدفه وهو الاستقرار في مناطق الجماعة في ولاية جوبالاند رغماً عن خصمه أمير الجماعة ديري.
بشكل عام فصعود كاراتي يرتبط بتراجع مكانة وقدرات جماعة الشباب، بعد أنّ فقدت العديد من قاداتها العسكريين البارزين، الذي يُتهم كاراتي بالتورط في اغتيال بعضهم من خلال التعاون مع بعض أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية، على مدار أعوام منذ العام 2001.
الشباب واتفاقية صوماليلاند – إثيوبيا
في سياق متصل، يرتبط بالحدث الأهم الذي يشغل الرأي العام الصومالي، وهي مذكرة التفاهم التي وقعتها صوماليلاند وإثيوبيا، عملت الجماعة على الاستفادة من الزخم المصاحب للحدث، من خلال العديد من الإصدارات الإعلامية المتنوعة.
كانت البداية مع المؤتمر الصحفي للمتحدث الرسمي لجماعة الشباب المجاهدين، علي محمود راجي، دعا فيه الأمة الصومالية إلى “حمل السلاح لجهاد الصليبيين الأحباش الذين غزوا بلادهم، وللدفاع عن خيراتهم، والتعبير عن رفضهم لهذا الظلم والاعتداء الصريحين.”
كما صدر عن المكتب الصحفي للجماعة بياناً بعنوان “لا يمكن هزيمة أبرهة وأبو رغال إلا بالجهاد” جاء فيه “يجب أن يستعد كل بيت في الصومال لهذه الحرب، وعلينا أن نتوقف عن مظاهر الترف واللعب التي يتم إشغالنا بها عن الجهاد، وأن نملأ الثغور، ومعسكرات تدريب جماعة الشباب المجاهدين مستعدة لاستقبال كل من يريد المشاركة في الدفاع عن دينه وأرضه، كما بيّن ذلك قادة المجاهدين”.
ونظمت الجماعة وقفات احتجاجية في العديد من مناطق سيطرتها للاحتجاج على مذكرة التفاهم في مدن جنالي وجمامي وجلب، ونشرت مقاطع فيديو لرجال دين موالين لها حول المذكرة.
لا يحتاج شعب الصومال إلى الدعم ولا إلى بيانات جماعة الشباب بشأن الوضع في أرض الصومال. إن شعب الصومال متحد ضد إرهاب جماعة الشباب، تماما كما هو متحد وراء قضية سلامة أراضي الصومال.
ولا تتمتع جماعة الشباب بمصداقية في الحديث عن المصالح الوطنية. وهم الذين سمحوا للعناصر الأجنبية بالتدخل في المنطقة. واليوم، أصبحت بعض أجزاء جماعة الشباب مفتوحة لتأثير تنظيم القاعدة الأجنبي في وقت تكون فيه القيادة العامة للتنظيم تحت سيطرة أجهزة المخابرات الإيرانية.
لكن لا يعني ذلك أنّ الشعب الصومالي سينخدع بدعاية جماعة الشباب؛ فرغم العداء بين الشعبين إلا أنّ التعويل الشعبي على مواجهة ما يرونه أطماعاً إثيوبيةً هو على الحكومة الفيدرالية، وليس على جماعة مصنفة إرهابيةً، قتلت الآلاف من الشعب الصومالي.
من جانب آخر، فجماعة الشباب ومن قبل السلفية الجهادية في الصومال طالما أعلنت عن عدائها لإثيوبيا، ودخل الطرفان في صدامات متعددة، منذ التسعينيات في جدو في إقليم باي وبكول عام 1996 وقت حركة الاتحاد الإسلامي (AIAI)، لهذا فدعايتها ليست جديدة.
يذكر أنّ كاراتي مصنف بشكل خاص من وزارة الخارجية الأمريكية كإرهابي عالمي بموجب الأمر التنفيذي رقم (13224)، بصيغته المعدلة في عام 2015. ووضعت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه.
الخلاصة
في عالم العمليات الاستخباراتية المليء بالأسرار، لا يوجد شك في أنه حتى التعاون غير المباشر مع إرهابي معلن أو ضمن قوائم الإهاب مثل مهاد كاراتي من شأنه أن يشكل تحديات هائلة للوكالات الإقليمية والدولية. وبالمثل، فإن مثل هذا التعاون سيكون محفوفًا بالمخاطر بشكل كبير بالنسبة لكاراتي نفسه.
لكن لا يوجد دخان بلا نار، وإذا حدث مثل هذا التعاون بالفعل على المستوى الذي يدعيه العديد من المطلعين على بواطن الأمور في الصومال، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى إظهار خطورة الحرب على مستقبل جماعة الشباب وقيادتها.
تعتبر الحالة الصومالية مختلفة عن بقية التنظيمات المصنفة على قوائم الإرهاب، وذلك لأسباب عدة منها؛ تمتع الجماعة بنفوذ كبير في كافة المجالات بينما ما تزال السلطة الفيدرالية في مرحلة التأسيس للمؤسسات.
لهذا استعانت السلطة الفيدرالية في مرحلتها الانتقالية بقوات جاهزة وعاملة لكنها تتبع جهات وأفراد خارج الدولة، مثل تجنيد عدة آلاف من ميليشيات أمراء الحرب السابقين، وتجنيد أفراد تابعين لجماعة “أهل السنة والجماعة” الصوفية التي قاتلت جماعة الشباب من قبل، وتوظيف عشرات القيادات ومئات الأفراد ممن كانوا سابقاً في الشباب أو التنظيمات المسلحة القائمة قبل تأسيس السلطة الانتقالية.
من جانب آخر، فكاراتي نفسه قد يحصل على عفو حكومي، مثل العشرات من قادة جماعة الشباب المهمين، ومنهم مختار روبو الذي شغل قبل عام 2013 منصب “نائب أمير جماعة الشباب”، وزكريا حرسي رجل مخابرات جماعة الشباب القوي السابق، وغيرهم.
فوق كل ذلك، فالتفاوض مع المنظمات المصنفة إرهابياً في بيئات محلية مثل جماعة الشباب طرح يلقى التأييد من مؤسسات فكرية وباحثين ومختصين في شؤون الأمن، كما حال المنظمات المحلية في غرب أفريقيا.