ما الذي يخفيه الهجوم الإيراني على أربيل؟
مع إطلاق إيران الصواريخ البالستية نحو العاصمة الكردية العراقية أربيل، سُمِعت انفجارات عنيفة في جميع أنحاء المدينة وهزت المباني القريبة من موقع الانفجار كما لو كانت قد تعرضت لزلزال.
وأسفرت الهجمة عن مقتل أربعة أشخاص وتدمير منزل رجل أعمال كردي محلي بالكامل، علاوة على ذلك، فقد فتح المواطنون النار على “الدرونز” الإيرانية. وتم إسقاط ثلاث طائرات إيرانية بدون طيار مسلحة بالقرب من مطار أربيل.
وذُكر أن الطائرات استهدفت مقر عزي أمين، الرئيس السابق للمخابرات الكردية المحلية، الذي نجا من الهجوم.
وقال العقيد المتقاعد في الجيش الأمريكي، مايلز بي. كاجينز، الناطق السابق باسم التحالف الذي قادته الولايات المتحدة في العراق، لـ “أخبار الآن”: “إن إيران تستعرض عضلاتها وتوجِّه ضربات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وهجوم الصواريخ البالستية على العائلة المدنية البريئة في أربيل يعد تهديدًا واضحًا لجميع الشعب العراق، واستهزاءا بالولايات المتحدة والشركاء الدوليين لإقليم كردستان”.
وحسب الرواية الإيرانية فقد كان المنزل المستهدف يستخدم كمركز تجسس للموساد، بينما في الواقع، كان المنزل لرجل أعمال كردي محلي، يدعى بشراو ديزاي Peshraw Dizayee، وهو الرئيس التنفيذي لشركة “إمباير وورلد”، وخلال الهجمة لقي أربعة مدنيين حتفهم، بما في ذلك ديزاي نفسه، وابنته الرضيعة، ورجل الأعمال العراقي كرم ميخائيل، وكيل شركة سامسونج في العراق، وخادمة المنزل.
وإثر الحادث احتشد المتظاهرون الأكراد الغاضبون في اليوم التالي أمام مبنى الأمم المتحدة، مستنكرين الهجمات. قال محافظ أربيل أوميد خوشناو Omed Khoshnaw للصحفيين “لا يوجد أي مبرر لهجماتهم غير القانونية، تم استهداف مدنيينا فقط.”
وقال هوشيار عمر علي Hoshyar Omar Ali، رئيس قسم العلاقات الدبلوماسية في حركة “گوران ” الكردية العراقية لـ”أخبار الآن”، إن إيران نفذت الهجوم لنقل رسالة إلى الأكراد، كشكل من أشكال دبلوماسية الصواريخ.
وأضاف علي: “حاول الإيرانيون عدة مرات إقناع القيادة الكردية بتغيير موقفها تجاه عدة قضايا ولكنها لم تنجح، ولهذا السبب استخدامت الصواريخ”، ويؤكد علي :لقد قلت شخصيا لبعض الدبلوماسيين الإيرانيين إن مثل هذه الهجمات ستسمم العلاقات الكردية الإيرانية على المدى الطويل، كما أن شن مثل هذه الهجمات غير المبررة لا يخدم أي مصلحة سياسية لإيران.
يذكر أن الهجوم الإيراني يبدو في ظاهره رداً على قتل إسرائيل للقائد العسكري في الحرس الثوري الإيراني سيد رضا موسوي Seyyed Razi Mousavi في 25 ديسمبر في دمشق، ومقتل 93 شخصا في هجوم لتنظيم داعش في كرمان بإيران، في الثالت من يناير، لكن الجدير بالذكر أن الأكراد العراقيين قدموا تعازيهم لإيران، وأدانوا الهجوم الإرهابي في كرمان!
ولم ترغب إيران في الظهور بشكل ضعيف بعد هجوم داعش في كرمان وفقدانها لقائد عسكري لديها في سوريا.
وقال علي: “إن إيران تحاول أن تظهر لحلفائها أنها لا تزال في الميدان وتقاتل، لكن طهران لا يمكنها تحمل عواقب المواجهة المباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، لذا فإقليم كردستان العراق هو الهدف المفضل لديهم لأنه هدف ضعيف ويعلمون أنه لن يكون هناك رد من الأكراد، الذين لا يمكنهم الرد بالمثل.”
وقال علي: “تشبه هذه الحالة بشكل عام الطفل الذي يتلقى ضربة دون أن تكون لديه القدرة على الرد، فيبحث عن طفل آخر أضعف ولا يستطيع الرد ليضربه! هكذا تتصرف إيران”.
وبشراو ديزاي، رجل الأعمال الذي قُتل يوم الإثنين، كان مشهورًا في أربيل بإنشاء مجمع سكني فاخر بإسم “إمباير وورلد”. وتزعم وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية أنه كان متورطًا في تصديرات مع إسرائيل وكان لديه جيشه الخاص.
لكن المصادر في أربيل تقول إن شركة ديزاي لم تكن معنية بأي تصديرات ولم تكن لديها أي عقود أو اختصاص لشحن أو تجارة أو إنتاج نفط. لكن شركته قدمت خدمات النفط والأمان للمراكز التجارية والفنادق.
ويقول محمد صالح، وهو باحث في معهد أبحاث السياسة الخارجية، لـ”أخبار الآن” إنه لا يوجد أي إشارة على أن هذه الهجمات ستتوقف طالما استمرت حرب غزة. فمنذ أكتوبر، نفذت مجموعات مدعومة من إيران أكثر من 100 هجوم على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا.”
وأضاف صالح أنه “مع استمرار نزاع إسرائيل وحماس في غزة، فستقوم إيران والمجموعات التابعة لها داخل العراق باستخدام ذلك كحجة لشن هجمات على إقليم كردستان الذي لا تمتلك فيه إيران تحكمًا عسكريًا مباشرًا كما تفعل من خلال وكلائها في أجزاء أخرى من العراق”.
الولايات المتحدة أدانت رسميًا الهجمات التي وقعت يوم الإثنين على أربيل، ولكن صالح أكد أن رد الولايات المتحدة كان ضعيفًا للغاية، فالأمر “ليس مسألة إدانة كلامية فقط، بل يجب على الولايات المتحدة تمكين الأكراد من الدفاع عن أنفسهم ضد هذه الهجمات، على سبيل المثال، من خلال توفير أنظمة دفاع جوي.”
الهجمات الإيرانية على منطقة أربيل ليست شيئًا جديدًا. ففي مارس 2022، استهدفت إيران منزل الشيخ باز كريم، مالك شركة “KAR Group” للطاقة بنفس الذريعة.
وأيضًا، استهدفت طائرة بدون طيار منطقة بيرمام، مقر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني قبل رأس السنة الجديدة. إلا أن هجمات ليلة الإثنين بالصواريخ البالستية تعد أكبر هجوم إيراني على منطقة أربيل على الإطلاق.
السياسة الداخلية في المنطقة الكردية
وبخلاف الخسائر والدمار، سيكون للهجمة تأثيرات على السياسة الداخلية في المنطقة الكردية، لأن إيران تستهدف بشكل رئيسي مناطق في أربيل يسيطر عليها حزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة بارزاني، كما تستهدف تركيا بشكل رئيسي مناطق في إقليم كردستان حيث ينشط حزب العمال الكردستاني .
بالإضافة إلى ذلك، هددت تركيا يوم الثلاثاء باتخاذ خطوات ضد حزب بافل طالباني في منطقة السليمانية بسبب تعاونه مع حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية في سوريا.
تقليديًا، يحظى حزب بارزاني “الحزب الديموقراطي الكردستاني” بعلاقات جيدة مع تركيا، في حين أن حزب طالباني “الاتحاد الوطني الكردستاني” يحظى بعلاقات طيبة مع إيران. وعلى الرغم من أن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني أدان الهجمات، إلا أن طالباني نفسه لم يعلق على الهجوم في أربيل.
ويثير استهداف منزل رئيس المخابرات السابق في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، عزي أمين، الشكوك، حيث غادر الحزب وانضم إلى حزب الحزب الديموقراطي الكردستاني وتم استهدافه في الهجوم الأخير.
الخوف الآن هو أن تزيد إيران من هجماتها في مناطق تابعة للحزب الديموقراطي الكردستاني في أربيل ودهوك، بينما قد تستهدف تركيا مناطق حزب الاتحاد الوطني الكردستاني حول السليمانية. وبالتالي، قد يؤدي ذلك إلى فوضى في أجزاء كبيرة من إقليم كردستان.