تقارير ووثائق تتخوّف من إمكانية نشوب الحرب العالمية الثالثة.. فما الذي يمكن فعله إيزاءها؟
ثلاثة أسابيع فقط مضت على دخول العام الجديد، مع ذلك فإن الأحداث التي طبعت الصحفات الأولى من العام 2024 تكاد تحتاج أعوام لسردها وتحليلها والمؤكد أن تبعاتها وتداعياتها سترافق الأعوام اللاحقة، وستنعكس على مجريات الأحداف في المستقبل.
ومن “بشائر” العام الجديد، حديث ملحوظ ومتزايد عن إمكانية نشوب الحرب العالمية الثالثة، والاقتراب من اندلاع شرارتها الأولى، فما مدى واقعية هذه المخاوف؟ وما هي المنطقة أو البلد الذي قد تنطلق منه الحرب الشاملة؟ وماذا يمكن للأفراد حول العالم أن يفعلوا إيزاء التقارير الأمنية الخطيرة التي بدأت تخرج إلى العلن؟.
عَبَر العالم بوابة العام 2024 محمّلاً بأعباء وصراعات العام الماضي والأعوام التي سبقته، وهذا ما وضع مسؤولو بعض الدول الغربية في حال تأهّب وترقّب لما قد تفضي إليه الأمور، وهنا بدأت تتسرب الأخبار والوثائق عن التحضيرات والمداولات التي تجري في الكواليس تحسّباً لحصول الأسوأ.
من البديهي أن يأتي الصراع المحتدم بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة في طليعة العناصر التي تشي بإمكانية تولّد حرب، خصوصاً أن هذه الحرب نشرت العنف، وإن بشكل محدود، في أنحاء الشرق الأوسط، مع قيام إيران وأذرعها بما فيها حزب الله اللبناني، وجماعة الحوثي اليمنية، وفصائل عراقية، بزيادة هجماتهم على ما يزعمون أنها أهداف إسرائيلية.
فقد قصف حزب الله، انطلاقاً من الأراضي في جنوب لبنان، مراكز عسكرية وحتى سكنية في الشمال الإسرائيلي، في حين أطلق الحوثيون الصواريخ على سفن شحن تبحر عبر البحر الأحمر متوجّهة بزعم أنها مرتبطة باسرائيل، أما الميليشيات العراقية فقد تبنّت إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيلي في عدد من المرات منذ بدء الحرب في القطاع.
وقد دفعت تطورات الشرق الأوسط بالولايات المتحدة وحلفائها الغربيين إلى شن ضربات ضد الحوثيين في اليمن لتقليص قدراتهم العسكرية وحماية الملاحة عبر هذا المسار الأساسي لحركة التجارة العالمية.
بحر الصين شكّل أيضاً بؤرة أخرى من التوترات في العالم، تحديداً بين العدوين الصين والولايات المتحدة، وذلك بسبب اعتبار الصين تايوان جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، ورفضها ما تصفه بالتدخل الأمريكي في شؤون تايوان، لا سيما بعد وصول لاي تشينغ-تي إلى سدة الرئاسة الذي يصرّ على استقلال الجزيرة.
بالتوازي، تتزياد الخلافات بين الجارتين الكوريتين في شبه الجزيرة الكورية، مما يضع هذا الملف ضمن العناصر التي يُخشى من أن تتدهور وتتسع وتجرّ العالم بأسره إلى الحرب، لا سيما أن زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون بات يكرر تهديداته في الآونة الأخيرة، وقد قامت بيونغ يانغ باستعراض أسلحتها وآخرها إجراؤها لاختبار نظام أسلحة نووية تحت الماء.
زهير لـ”الأخبار الآن”: الحرب مستبعدة
حول هذا الموضوع، أكّد ناصر زهير الباحث في العلاقات الدولية بمركز جنيف باريس في حديث لـ”أخبار الآن” أن التخوف من نشوب الحرب العالمية الثالثة هو واقعي معتبراً أن وقوعها هو أمر مستبعد، وذلك بالاستناد إلى المؤشرات الراهنة وتصريحات زعماء الدول الكبرى.
وشدد زهير على أن الحرب العالمية الثالثة لن تكون بالأسلحة التقليدية بل بالأسلحة النووية، مشيراً إلى أن لا طرف سيكسب هذه المعركة.
وقال: يبقى خطر اندلاع الحرب العالمية الثالثة قائماً لكن ليس بالصورة المهولة التي يتم تصويرها حول العالم.
ورداً على سؤال حول المؤشرات الحالية التي تدفع للاعتقاد بأن الحرب العالمية الثالثة باتت وشيكة، قال لـ”أخبار الآن”: الصدامات الكبيرة ومناطق الحروب والنزاع حول العالم هي المؤشر، ففي العقود الـ 4 أو الـ 5 الماضية كانت مناطق الصراع والتوتر واحدة أو محصورة نوعاً ما، وأبرزها كان أفغانستان، العراق، الشيشان، الشرق الأوسط، ولكن الآن هناك عدة مناطق مشتعلة، مثلاً البحر الأحمر، أوكرانيا، غزة، ليبيا، والتوترات في تايوان. لذلك فإن الصدام بين القوى العالمية الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة والصين، روسيا والناتو، إضافةً إلى التوترات الإقليمية كل ذلك يدفع للاعقتاد بأن هناك حربًا عالمية ثالثة قادمة.
ورأى الباحث في العلاقات الدولية بمركز جنيف باريس أن الخطر الكبير يأتي من أوكرانيا على الرغم من أنه “تم تبريد مسألتها، لكن وفق وثيقة مسربة من وزارة الدفاع الألمانية والناتو فإن الفترة بين 2024-2025 قد تشهد حرباً بين الناتو وروسيا إذا ما حققت روسيا انتصاراً في أوكرانيا، ولذلك الخطر الكبير هو عند حدود أوروبا الشرقية وإمكانية صدام الناتو مع روسيا.
وأشار زهير إلى أن عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض من شأنها أن تكبح الاندفاع نحو الحرب العالمية الثالثة لسببين، الأول أن ترامب يفضل الاقتصاد على الحروب والثاني أن ترامب لا يؤمن بالناتو، وكان يوجّه له الانتقادات خلال فترة رئاسته.
وفي سياق التخوف من حرب شاملة تطلقها روسيا، دعا الأميرال روب باور، رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو إلى الاستعداد لحرب شاملة مع موسكو خلال السنوات العشرين المقبلة. وتعليقاً على ذلك، اعتبر زهير أن مثل هذه التصريحات يتم إطلاقها بين الحين والآخر، “باعتبار أنه روسيا والصين هما الخطر الأكبر على حلف شمال الأطلسي، وفق عقيدة الناتو”.
وكرّر الخبير أن الحرب الشاملة مستبعدة، قائلاً: “حتى وإن اندلعت حروب أخرى مع روسيا، ستكون بنفس مسألة أوكرانيا، أي حرب محدودة وبأسلحة محدودة.”
هل نستسلم للرعب؟
أمام هذا التقييم الصارخ للمشهد الأمني العالمي، قد يجد المرء نفسه، لأي بلد أو منطقة انتمى، مستسلماً لليأس ومقتنعاً باحتمال وقوع الحرب في أي لحظة. ولكن هل نستسلم للرعب، ونترك الخوف يتسلل إلى حياتنا، خصوصاً وأن العام ما زال في أوّله، بالتالي إمكانية تحوّل الأمور وانقلابها رأساً على عقب، هو أمر وارد لا بل مرجّح؟.
في الواقع، يعتمد المتفائلون طريقة فعالة في التعامل مع ظروف كهذه، وتقوم هذه الطريقة على عدم ترك ما لا يمكن التحكم به، كفرد، أن يسيطر عليك ويمدّك بالخوف والتوتر والإرباك. أي أنه طالما أن الحرب لم تنشب بعد ولم تبدأ شرارتها، وطالما أن قرارات السلم والحرب الخاصة بالدول هي أمر يصعب التحكم به أو التأثير عليه، فإنه من الأفضل أن يتم وضعها جانباً وعدم الركون إليها.
ويتحدث المقتنعون بالنظرة الإيجابية والتفائلية، عن الحلحلة التي يمكن أن تتسرّب من المسارات الدبلوماسية والسياسية، خصوصاً أن اتفاقيات وصفقات ومصالحات دولية وإقليمية يمكن أن تحصل في أي لحظة وتخلق فجوة في جدار التأزّم وبالتالي تخفّض نسبة التوتر حول العالم. لذا فإن الأولوية تبقى دائماً للأمل التي قد تمدنا به القنوات الدبلوماسية والحلول السياسية في مساعيها لكبح الانزلاق نحو حرب.
من جهة أخرى، ورغم أن المشاحنات في العالم وصلت إلى درجة عالية جداً خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن العام 2024 ليس الأول، (ويبدو أنه لن يكون الأخير) الذي يعيش فيه العالم بحالة تخوّف من حرب كبرى، ودعونا لا ننسى مطلع العام 2022 عندما استهلّت روسيا غزوها لأوكرانيا ورفعت بذلك التصعيد إلى مستوى قياسي. وكذلك الأمر في بداية العام 2020 عندما اغتالت الولايات المتحدة القيادي في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وساد التخوّف من ردّ إيراني يجرّ المنطقة إلى أتون صراع إقليمي وربما عالمي.
ومع ذلك، مضت هذه السنوات بـ”سلام” إلى حد ما من دون أن تشعل الحرب العالمية الثالثة، فلمَ قد تندلع خلال العام الحالي، ولا تنقضي كما حصل في السابق؟
البلدان الأكثر أماناً
التحذيرات من انتشار العنف عبر القارات وفي أرجاء الكوكب، دفع البعض إلى وضع قائمة بالبلدان التي تعد إلى حد ما آمنة وقد تقي قاطنيها من ويلات الحروب وتداعياتها.
وقد وردت المنطقة القطبية الجنوبية كإحدى أولى الوجهات الآمنة التي يمكن أن تشكل بسبب طبيعتها الباردة وتضاريسها، ملجأً مهماً للهاربين من الحرب.
أما الأرجنتين فكانت في طليعة البلدان الهادئة أيضاً، والتي يمكن النجاة فيها لكونها غنية بالسهول المزروعة والمحاصيل الغذائية، فضلاً عن بعدها عن رقعة التوترات الأساسية.