جهاد طروادة: من تقارير أخبار الآن لواقع الأمم المتحدة
يواصل مصطفى حامد، صهر زعيم القاعدة، وعراب التقريب بين التنظيم وإيران، عبر موقعه “مافا الإيراني” من مقره بطهران، مهمته الجديدة المتمثلة في ترويج السردية الإيرانية لحرب غزة عبر تهويل دور المحور الشيعي وتهوين دور حماس في الحرب ومطالبتها بإلقاء أوراقها في أيدي هذا المحور.
ولا يكف في مقالاته الكثيرة منذ اندلاع حرب غزة عن شتم حماس واتهامها بالقصور الفكري ومطالبتها بالتبعية الكاملة لطهران كحل وحيد للأزمة، ففي مقاله “الحصار المفروض بالقوة لا يرفع الا بالقوة : غزة في مقابل حيفا” مطلع فبراير الجاري، يطالبها بـ”وضع بنك أهداف مشتركة بين غزة ومحور المقاومة ..وعدم الاكتفاء بتوجيه الشكر للإخوة فى محور المقاومة”.
ونفس المعنى الذي ردده قبله بأيام قليلة في مقال بعنوان “مطلوب من حماس التنسيق الإستراتيجي وليس توريط الشركاء بطلب من قطر وإسرائيل”، وعنوانه يغني عن شرح محتواه، بالإضافة إلى سيل من السرديات الغريبة كاتهام الجناح السياسي لحماس بالتبعية للموساد الإسرائيلي، ومحاولة توريط طهران في حرب كبيرة، وغيرها من الأقاويل التي تهدف لتصوير طهران كقائد وحيد للمنطقة لا بديل عن الخضوع له.
وقد أسهبت “أخبار الآن” في سلسلتي “متلازمة طهران” و”جهاد طروادة” في رصد المشروع الإيراني لاختراق واختطاف تيارات وجماعات العنف والإرهاب في المنطقة العربية وتسخيرها لخدمة المشروع الإقليمي الإيراني، وهو ما أكده مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة مؤخرًا في تقرير رسمي.
مجلس الأمن يوثق جهاد طروادة
يكتسب تقرير مجلس الأمن عن إرهاب القاعدة وداعش أهمية خاصة؛ فهو يوثق الاختراق الإيراني للقاعدة ودور خالد نجل زعيمها الفعلي، سيف العدل، وتعقيدات العلاقة بين التنظيم وجماعة طالبان الحاكمة في أفغانستان.
ففي 23 يناير 2024، رفعت فانيسا فرايزر Vanessa Frazier، رئيسة لجنة مجلس الأمن الدولي المعنية بتنظيمي داعش والقاعدة والكيانات المرتبطة بهما، تقريرا للأعضاء عن هذه التنظيمات لتكون بمثابة وثيقة من وثائق مجلس الأمن.
اختراق القاعدة
وثق التقرير العلاقة المريبة بين فرع القاعدة باليمن وميليشيات الحوثي الشيعية التابعة لطهران، إذ استخدمت القاعدة طائرات مسيرة مسلحة في أوائل يوليو 2023 في شبوة، وطورت قدرات الطائرات المسيرة، وأنشأت وحدة خاصة لها بدعم فني من ميليشيات الحوثي.
وفي سياق التخادم بين إيران والقاعدة برعاية سيف العدل المقيم في طهران، أطلق الحوثي في سبتمبر 2023 سراح العديد من عناصر القاعدة منهم خبراء متفجرات، وزاد التنظيم من عمليات الخطف خاصة للموظفين الأجانب بالمنظمات الدولية طلبا للفدية.
وبحسب مجلس الأمن الدولي فقد بلغ عدد مقاتلي التنظيم في اليمن حوالي 3 آلاف مقاتل، معظمهم في أبين ومأرب ومناطق في حضرموت، كما أصبحت شبوة واحدة من الملاذات الرئيسية، واستأنف فرع القاعدة في اليمن إصدار مجلته “صدى الملاحم“ في سبتمبر، وزاد من وتيرة نشر أعداد مجلة “أمة واحدة“، وأصدر مقابلة مع زعيمه خالد باطرفي.
وكان لافتًا تركيز تنظيم القاعدة في اليمن على تكرار الظهور الإعلامي لعضوي مجلس الشورى سعد بن عاطف العولقي وخبيب السوداني، ويمكن تفسير هذه الظاهرة برغبة باطرفي في إيصال رسائل داخلية تفيد بتماسك التنظيم للرد على التقارير التي كشفت عن خلافات عميقة بين الرجلين من جهة وبين باطرفي ومجموعته المقربة من سيف العدل من جهة أخرى.
وقد كثفت “أخبار الآن” من متابعتها للخلافات الداخلية التي تعصف بالتنظيم في اليمن في سلسلة “عصر الانشقاق“، وكان لها السبق في الكشف عن دور خالد، نجل القائد الفعلي للقاعدة، سيف العدل محمد صلاح الدين زيدان.
وهو ما أكده تقرير مجلس الأمن الدولي الذي قال إن القيادة المركزية للقاعدة سيطرتها على فرعها اليمني من خلال خالد زيدان، الذي يقيم في اليمن، ويوصل التوجيهات القادمة من إيران ويلعب دورا حاسما في الإعلام والتجنيد وإدارة الصراعات الداخلية في التنظيم، وقد تكثفت رحلاته إلى جنوب اليمن منذ منتصف أغسطس تحت حماية المسؤول الأمني للتنظيم، إبراهيم البنا.
وواصلت القاعدة توجيه مواردها إلى الجنوب اليمني، خاصة محافظتي شبوة وأبين، حيث مركز الثقل العسكري لها، وركزت هجماتها على قادة حملات مكافحة الإرهاب في الجنوب، ولا يزال خبراء المتفجرات البارزين بها يقيمون في وادي عمران في أبين رغم جهود مكافحة الإرهاب هناك.
ويعكس تركيز القاعدة على الجنوب تخادمها الميداني مع الميليشيات التابعة لإيران حيث يهاجم الحوثيون القوات والقبائل الجنوبية بينما تطعن القاعدة الجنوبيين من الخلف وتشكل جهاد طروادة الإيراني الذي يخترق أهل السنة خلال مواجهتهم للحوثي.
إيران تسيطر على القاعدة
أعرب إدموند فيتون براون، المنسق السابق لفريق الدعم التحليلي ومراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة الخاص بتنظيمي داعش و القاعدة، عن اعتقاده بأن إيران قد نجحت جزئيا في السيطرة على تنظيم القاعدة، لأن وجود سيف العدل في طهران يعني أن القاعدة لا تستطيع تحمل الإساءة إلى إيران، مستبعدا في الوقت نفسه وصول السيطرة الإيرانية على القاعدة إلى حد جعلها وكيلاً للنظام الإيراني مثل حزب الله.
أضاف في تصريحات خاصة لأخبار الآن” أنه قد يكون قطاع من المنتسبين إلى تنظيم القاعدة غير متقبل لعلاقة القيادة بإيران، مبينًا أنه لم يتراءى له أي دليل على وجود معارضة لذلك، لكن في الواقع، يبدو أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية العامل في اليمن قد اختار طريق السلام مع الحوثيين، بينما تظل داعش هي الأكثر انتقادا للتعامل مع الشيعة.
محاولات طالبان لترويض القاعدة
وقال التقرير إن جماعة طالبان، بوصفها السلطة الحاكمة في أفغانستان، تبذل جهودا لتقييد أنشطة بعض الجماعات الأخرى، مما تسببت في توتر العلاقات مع قادة تنظيم القاعدة الذين يشعرون بالاستياء من هذه المحاولات الطالبانية، ولكن العلاقات لا تزال قوية، ولا سيما مع فرع القاعدة في شبه القارة الهندية.
ولم تسترد أي من فروع القاعدة قدرات العمليات الخارجية المتطورة الكفيلة بتمكينها من شـن عمليات كبرى بعيدة المدى، وتدرك هذه الجماعات حساسيات جماعة طالبان التي تستضيفها، لكنها لم تتخل عن طموحاتها العالمية، وتم توثيق جهود سرية ومحسوبة لإعادة بناء القدرات، لكن في العموم مازال تنظيم القاعدة “في حالة انتظار” في أفغانستان تحت حكم الطالبان.
وترى دول الإقليم أن وجود رؤوس القاعدة في البلد يشكل تهديدا في المنطقة، وربما خارجها، وتواصل طالبان سعيها إلى الحد من بروز هذه العلاقات.
وفي إشارة على ما يبدو إلى شبكة حقاني دون ذكر اسمها، ذكر تقرير مجلس الأمن أن بعض قادة عمليات جماعة طالبان يشاركون القاعدة في الإيديولوجية وأساليب العمل وتجمع الطرفين علاقات شخصية، ولكنهم لا يشاطرون القاعدة طموحها العالمي الواسع.
إذ تعد شبكة حقاني من أقوى الأجنحة داخل طالبان وتحتفظ بصلات قديمة مع تنظيم القاعدة منذ عهد الشيخ جلال الدين مؤسس الشبكة، واليوم يتولى ابنه سراج الدين حقاني منصبيّ وزير الداخلية، وهو أيضًا نائب زعيم طالبان، ويعد من أكثر قادة الجماعة نفوذاً وقوةً.
لكن التقرير الأممي يرجح عجز الشخصيات المتبقية من القاعدة في أفغانستان عن توجيه التنظيم العالمي أو شن هجمات معقدة بعيدة المدى، وأشارت دولة عضو بمجلس الأمن إلى أن كبار قادة القاعدة في أفغانستان، ممن تربطهم صلات تاريخية بطالبان، عددهم أقل من 12 شخصًا.
ومع ذلك أنشأت القاعدة 8 معسكرات تدريب جديدة في أفغانستان، أربعة منها في مقاطعات غزنة ولغمان وبروان وأروزكان، وواحدة لتخزين الأسلحة في بنجشير، كما تعمل خمس مدارس دينية للقاعدة في لغمان وكُنر وننجرهار ونورستان وبروان.
كما تم رصد إشراف القيادي القاعدي، حكيم المصري، على معسكرات تدريب في كُنر وإجراء تدريبات على التفجيرات الانتحارية لصالح طالبان، وانتقل ستة عناصر جدد إلى كتيبة عمر فاروق شرق البلاد تحت قيادة أبو إخلاص المصري، وأفادت تقارير بأن هذا الرمز القاعدي قد يكون محتجزا بصورة ما لدى طالبان.
حيرة القاعدة بين إيران وأفغانستان
أشارت عدة دول أعضاء في مجلس الأمن الدولي إلى تنقل بعض العناصر بين أفغانستان وإيران لمتابعة الاتصالات بين سيف العدل، الزعيم الفعلي للقاعدة المقيم في طهران وقادة التنظيم في أفغانستان كعبد الرحمن الغامدي.
وكشفت رسالة مجلس الأمن أنه بهدف تيسير السفر والتواصل مع إيران، أعدت القاعدة منازل آمنة في هرات وفراه وهلمند غرب أفغانستان.
ويدير سيف العدل شؤون التنظيم من داخل إيران، ويقيم تحت حماية الحرس الثوري وينسق مع فيلق القدس، الذراع الخارجي للحرس، ولذلك لم يعلن نفسه أميرًا للتنظيم بشكل رسمي منذ مقتل الأمير السابق، أيمن الظواهري، في نهاية يوليو 2022، تفاديًا لإثارة غضب ومعارضة قادة وقواعد التنظيم بسبب الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة، وافتقاده لشرط الاستقلالية.
وسبق أن تم تسجيل زيارة سرية لسيف العدل لأفغانستان لكنه عاد لإيران مرة أخرى مما يجعله غير مستوفي لشروط خلافة الظواهري حتى اليوم.
وفي حالة سعي سيف العدل، المصاب بمتلازمة طهران، لحل معضلة وجوده في إيران بالانتقال إلى أراضي أفغانستان، لا تبدو جماعة طالبان على استعداد للمخاطرة باستضافته لما لهذا الأمر من تداعيات على مستقبلها في الحكم كما حدث عام 2001، لكن يبقى الاحتمال قائمًا.
وفي ظل اختراق تنظيم القاعدة لإيران من خلال زعيمه، سيف العدل، وصهره مصطفى حامد عراب الترويج لمتلازمة طهران بين الحركات المتطرفة، فإن الإيرانيين يملكون بذلك نفوذاً في أفغانستان وقدرة على تفجير الأوضاع فيها متى شاءوا وتوريطها في كارثة لا قِبل لها بها.
تعقيدات مثلث: طالبان والقاعدة وطالبان باكستان
تحمل العلاقة الملتبسة بين طالبان أفغانستان وطالبان باكستان الكثير من التعقيدات، فالأولى لا تريد إغضاب الحكومة الباكستانية بإيواء ودعم جماعة متمردة ضدها، وقد رصد تقرير مجلس الأمن احتجاز طالبان أفغانستان ما بين 70 و 200 من عناصر الحركة الباكستانية لفترات قصيرة وبإبعاد بعض عناصرها شمالا بعيدا عن المناطق الحدودية، استجابة للضغوط الحكومية الباكستانية.
وأصدرت طالبان أفغانستان تعليمات للجماعة الباكستانية بعدم المشاركة في عمليات خارج أفغانستان، لكن العديد منهم فعلوا ذلك دون أي عواقب، بل انضم بعض أعضاء طالبان إلى الجماعة الباكستانية، بحجة وجود واجب ديني لنصرتها، ولوحظ مؤخرًا زيادة عدد الأفغان فيها.
وأفادت تقارير بأن عناصر الجماعة الباكستانية وأسرهم يتلقون مساعدات منتظمة من كابل.
والأدهى أن القاعدة أيضًا تورطت في دعم طالبان باكستان بشكل مباشر؛ فتنظيم القاعدة المركزي وفرع شبه القارة الهندية وفرا لها التوجيه الفكري والعملياتي؛ ففي يوليو الماضي، قررت القاعدة إهداءها المركبات التي بحوزتها.
كما ساعد فرع شبه القارة الهندية الجماعة الباكستانية في شن هجمات عبر الحدود، وخصص 15 عنصرًا لدعمها في هذا الأمر بموافقة كبار زعماء التنظيم.
قاعدة الحرس الثوري
وفي ضوء هذه الوثيقة المهمة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي تتضح خطورة التسلل الإيراني لتيارات العنف والإرهاب خاصة تنظيم القاعدة الذي يقيم زعيمه لدى الحرس الثوري، فعلى يد سيف العدل تحولت “قاعدة الجهاد”، كما كانت تُسمى سابقًا، إلى “قاعدة الاختراق” للتيار كله.
وبينما يتولى مصطفى حامد، مؤرخ القاعدة وصهر سيف العدل، الدور التنظيري والتبريري لهذا التحالف، يتولى فيلق القدس، الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني، الشق التطبيقي العملياتي من هذا المشروع، في تكامل نادر يتخطى الاعتبارات المذهبية بل والمصلحية وحدود العقل والمنطق بدون أدنى شك.