حرب داعش وجماعة الشباب في الصومال
أعلن تنظيم “داعش” في ولاية بونتلاند في الصومال، عن تحقيق نجاحات كبيرة ضد جماعة الشباب في منطقة جبال “علمسكاد” في إقليم بري (Bari) في الولاية
بحسب ما ذكرته مجلة “النبأ” الصادرة عن إعلام التنظيم، في عددها رقم (428)، مطلع فبراير الجاري، أوقع التنظيم خسائر كبيرة بجماعة الشباب، وهي: مقتل وإصابة 238 فرداً، واستعادة السيطرة على مساحات كبيرة تضم 10 قرى، وحيازة كمية كبيرة من الأسلحة، وحدوث اضطرابات في صفوف مقاتلي الشباب دفعتهم إلى الفرار.
لكن لماذا لم يُعلن داعش الذي يتباهى بأصغر عملياته عن هذه العمليات الناجحة في وقتها؟ ولماذا لم تنشر الصحف المحلية عن هذه العمليات الكبيرة التي استمرت لأكثر من 10 أشهر؟
عمليات داعش
بحسب تقرير مجلة “النبأ” بدأت عمليات التنظيم قبل عام، في مناطق منطقة شرق الصومال، وبالتحديد في شقها الجبلي سلسلة جبال جولس (Golis Mountains) التي تنقسم إلى منطقتين جبليتين منفصلتين، وتمتد من البحر الأحمر حتى إثيوبيا.
وهي جبال (علمدو) التي كانت وما زالت منطقة نفوذ لجماعة الشباب. بينما في جبال (علمسكاد/Cal Miskaad) تمركز داعش في البداية، ثم توسعت الجماعة على حسابه منذ أربعة أعوام.
وقبل عام بدأ داعش هجومه المضاد، الذي مكنه من طرد الشباب من مناطق جبال (علمسكاد)، وعودتها كاملة إلى سيطرة التنظيم. كما ذكر التقرير أنّ داعش وزع معونات غذائية على سكان المناطق التي استعادوها من الشباب، وبدأوا في إزالة الألغام التي زرعتها الجماعة.
تواصلت “أخبار الآن” مع مواطن يعيش بالقرب من تواجد داعش، ورفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، وقال إنّ هناك حرب جارية بين الشباب الصومالية وتنظيم داعش، تفوق الأخير عسكرياً فيها، في قرى (تدار عميرو/Xabaalo Camare، براغها، عيل إليد/Ceel Ileed، وتبن عدو)، منوهاً بأنّ المعلومات الواردة من مناطق القتال في الجبال شحيحة للغاية. وذكر أنّ قصف جوي استهدف قبل أيام بلدة تبعد 25 كم عن بلدة باليتدين (Balidhidhin)، وهي منطقة نفوذ داعش، وتسبب في مقتل العشرات من المقاتلين وإحراق سبع مركبات.
خريطة توضح موقع Xabaalo Camare في الصومال
من خلال رصد إصدارات الأذرع الإعلامية لداعش، عبر قنوات التنظيم في موقع “تيلغرام”، فإن عدم نشر التنظيم لهذه العمليات في موعدها كما يفعل مع بقية الفروع والجماعات الموالية في كل مناطق تواجده، يشكك في مصداقية هذه المعلومات، خصوصاً أنها غير مدعومة بأية أخبار في الصحف المحلية التي تغطي كل ما يتعلق بالإرهاب، أو يكون لها صدى صوت عند جماعة الشباب، التي لم تعلن هي الأخرى عن اشتباكات مع داعش منذ مدة طويلة.
مع ذلك شهد العام الماضي الذي جرت فيه عمليات داعش أزمة داخلية في ولاية بونتلاند، دفعت بالقوى الأمنية إلى الانخراط في صراع الساسة، والذي لم ينته حتى الانتخابات الرئاسية في الولاية في شهر يناير الماضي.
من المحتمل أنّ ذلك تسبب في تخفيف القبضة الأمنية التي كانت قوية خلال الأعوام السابقة ضد داعش والشباب.
انعكس ذلك على مدينة “بوصاصو” التي شهدت تنامي الهجمات المصنفة إرهابيةً خلال شهري ديسمبر ويناير الماضيين، ما استدعى إطلاق عملية أمنية واسعة في المدينة، التي تبعد نحو 75 كم عن المناطق الجبلية التي تتمركز فيها جماعة الشباب وداعش. بينما ظلت كامل ولاية بونتلاند في منأى عن الجماعات الإسلامية في مقديشو ووسط وجنوب البلاد.
بحلول النصف الثاني من العام الماضي بدأ داعش في الاستفادة من الصراع السياسي في بونتلاند، وأتمّ استعداداته لاسترداد المناطق التي أخذتها جماعة الشباب منه قبل أعوام، وحقق نجاحات محدودة.
خريطة توضح موقع بوصاصو في الصومال
بخلاف ذلك كان النصف الأول من العام الماضي ثقيلاً على داعش، حيث مُني التنظيم بخسائر كبيرة على يد القوات الأمنية في بونتلاند والقوات الدولية الحليفة للصومال.
من تلك الخسائر، فقدان الإثيوبي أبو البراء، قائد عمليات التنظيم في بونتلاند، في عملية عسكرية لقوات الولاية، ثم فقدان بلال السوداني، نائب زعيم التنظيم، إلى جانب مقتل عدة أعضاء آخرين في جبال علمسكاد.
كما شهدت تلك الفترة محاكمة فرتون عبد الرشيد حسين زوجة زعيم التنظيم، والمسؤول المالي.
وخسر التنظيم العديد من مقاتليه الأجانب في عمليات عسكرية في منتصف العام الماضي، قامت بها قوات الولاية والقوات الدولية الحليفة، لكن وتيرة تلك الخسائر تراجعت في النصف الثاني، الذي لم يشهد أخباراً عديدة عن داعش.
وعلى ما يبدو فنشاط داعش شهد زيادة ملحوظة منذ الشهر الأخير من العام الماضي 2023، بالتزامن مع زيادة استهداف مدينة بوصاصو، العاصمة الاقتصادية لولاية بونتلاند.
بالتوازي مع كل ذلك عاد نشاط القرصنة مستفيداً من الاضطرابات في البحر الأحمر على خلفية الحرب في قطاع غزة، ما يعزز نسبياً رواية داعش عن حربه ضد الشباب، لكن لا يمكن القبول بها كاملةً، في ظل غياب أية مصادر مستقلة تؤكدها.
بشكل عام هناك مشهد من الضبابية، بسبب شح المعلومات الناتج عن وعورة مناطق تواجد داعش والشباب، وبعدها النسبي عن الكتل السكانية الكبيرة، فضلاً عن أنّ التنظيم في الصومال يفتقر إلى الخبرات الإعلامية على غرار فروع داعش في بقية دول القارة، فلم يُنشر سوى “إنفوغراف” حول نشاطه في الصومال، إلى جانب تقرير جريدة النبأ، بخلاف نشر فروع داعش لعشرات الصور بشكل يومي عن عمليات أقل أهميةً، في مناطق أخرى مثل موزمبيق ونيجيريا والكونغو.
قصة تنظيم داعش الصومال
تحدث موقع “أخبار الآن” مع مدير إحدى المؤسسات البحثية الصومالية، طلب عدم الكشف عن اسمه، والذي التقى بالعديد من سجناء داعش في السجون الحكومية، وقال إنّ التنظيم اعتمد في تجنيد الأفراد في البداية على الإغراء المالي، حيث استقطبوا الأفراد عبر الإنترنت ومن داخل الشباب الصومالية.
وذكر أنّه التقى بواحد من الذين جندهم داعش عبر الإنترنت، قال له إنّ التنظيم منحه أموال وتذاكر طيران ليسافر من مقديشو إلى جبال علمسكاد، لتلقي التدريب، ثم منحه أموال كبيرة لشراء بيت وسيارة والزواج، وطلب منه أنّ يستقر في مقديشو كخلية نائمة، لحين إرسال تعليمات إليه.
بدأ وجود داعش في الصومال بعد انشقاق أحد قادة جماعة الشباب، يدعى عبد القادر مؤمن، وهو رجل دين معروف. يحمل مؤمن الجنسية البريطانية وأقام لبعض الوقت في السويد، وعاد في 2010 إلى الصومال للقتال في صفوف جماعة الشباب، وبعد عامين أرسله أمير الجماعة السابق، أحمد غوداني الشهير بـ”مختار أبو الزبير” إلى ولاية بونتلاند لتأسيس وجود للجماعة هناك، بعد فقدانها التواجد داخل العاصمة مقديشو والعديد من المدن.
بحلول عام 2014 نجحت الشباب في تأسيس قواعد عسكرية لها في شمال شرق الصومال، بالقرب من مدينة بوصاصو في المناطق الجبلية، وأصبح مؤمن الرجل الأبرز، بعد استسلام القائد السابق محمد سعيد أتم لقوات أمن الولاية.
وحين قررت جماعة الشباب في المناطق الجنوبية تعيين قائد ينتمي لعشيرة “ورسنجلي” التي تقطن بالقرب من جبال “علمدو/ Buuraha Calmadow”على قاعدة الجماعة في شمال شرق البلاد، رفض مؤمن هذا التعيين، وأعلن بيعته إلى الدولة الاسلامية، بقيادة زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي في هذا الوقت، وذلك في عام 2015.
ولعب التنافس العشائري دوراً في هذا الخلاف، فقد رفض مؤمن الذي ينتمي إلى عشيرة “علي سليمان”، التي تتمركز بالقرب من بلدة جلجله، في محافظة برى، تعيين قائد من منطقة عشائرية أخرى في مناطق الجماعة في أماكن تواجد عشيرته، واستفاد من دعم عشيرته في الحرب ضد جماعة الشباب.
قدرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عن عدد مقاتلي تنظيم داعش في الصومال في عام 2018 بنحو 150 مقاتلاً، بينما قدرت مصادر محلية عددهم بنحو 300-400 مقاتل، جندهم مؤمن بمساعدة أموال التنظيم الدولي من عشيرته والعشائر المهمشة في بونتلاند والمقيمين الإثيوبيين من عرقية الأورومو والأمهرة.
فضلاً عن ذلك، وعلى ما يبدو مال العديد من المقاتلين الأجانب في جماعة الشباب إلى التنظيم الجديد، ومنهم بلال السوداني ومواطن يحمل الجنسية السورية، تم القبض عليهما في عملية أمنية مشتركة بين قوات بونتلاند والقوات الدولية الصديقة. كما ذكر رئيس الوزراء السابق عمر عبد الرشيد شارماركي أنّ الشباب قتلت العديد من المقاتلين الأجانب في صفوفها لتصفية المتعاطفين مع داعش، والتحق من فرّ منهم بالتنظيم الجديد، وقدموا لهم الدعم والخبرات والتدريب.
وفي أواخر عام 2018، أعلنت جماعة الشباب على لسان المتحدث الرسمي علي ديري، الحرب على داعش، وتطرق بيان الجماعة، إلى الفظائع التي تمارسها داعش في الصومال، وعملها على تفرقة الشباب، وتكفير المسلمين، واستباحة دمائهم، وتفرقتهم، مؤكداً أنهم صبروا طويلا على تلك الممارسات، ولكن نفذ الصبر، مانحاً الأمر لكافة ولايات جماعة الشباب بالتحرك نحوهم.
كما كشفت وزارة الخزانة الأمريكية أن تنظيم داعش في الصومال حقق دخلاً يقدر بنحو 4.5 مليون دولار خلال النصف الأول من عامي 2022 و2021، جاءت من تحصيل أموال الزكاة والرسوم على التجارة والزراعة والرعي، ويفرض التنظيم رسوماً على التجار في مدينة بوصاصو، عبر الترهيب والتهديد بالقتل لمن يتخلف عن الدفع.
وأكد رئيس استخبارات ولاية بونتلاند السابق، عبدي حسن حسين، في لقاء مع الإعلامي الصومالي هارون معروف منشور على “يوتيوب”، أنّ تمويل داعش الصومال يأتي من الخارج، ومن ابتزاز الشركات الخاصة، التي يقتطعون منها الإتاوات في مدينة بوصاصو وحتى في مقديشو.
وبحسب تصريحات القيادي السابق في الشباب، شيخ إبراهيم نظارة، مع الإعلامي هارون معروف، فأنّ الهدف الرئيسي لداعش هو الحصول على موطأ قدم في جنوب البلاد، حيث يفضل التنظيم أنّ ينشط عناصره المنحدرين من الجنوب في مناطقهم، لأنّهم لن يقبلوا بالبقاء ف جبهة قتال “بري” وسيضطرون إلى العودة إلى عائلاتهم.
مستقبل التنظيم
حقق داعش تلك الرؤية لمدة قصيرة، عبر تواجده في العاصمة مقديشو. في أكتوبر عام 2020 قتل القيادي في داعش مهد معلم محمود في مديرية هدن في مدينة مقديشو، وقد شكلت الحادثة صدمة في الصومال، لتواجد قيادي كبير في التنظيم في العاصمة، واختلفت الأجهزة الأمنية في تحديد هوية من قام بقتله. بينما ذكر رئيس استخبارات ولاية بونتلاند السابق، أن جماعة الشباب هي المسؤولة عن العملية بسبب الخلافات القائمة بين الجانبين، وفق لقاءات هارون معروف.
وتقع مسؤولية محاربة الإرهاب على عاتق قوة شرطة بونتلاند ويقودها أسد ديانو، الذي خاض الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولاية في الثامن من يناير الماضي، بالإضافة إلى قوات بحرية بونتلاند التي تدعم فصيل الرئيس المنتخب مجدداً سعيد عبدالله دني، ولهذا انخرطت القوات المكلفة بمواجهة داعش في الصراع السياسي.
يقول الباحث في الشؤون الأمنية عبدي بيلى، إنّ أن الأعين اتجهت نحو الانتخابات الرئاسية في بونتلاند، ولم يولى سكان المنطقة اهتماماً بالمعارك غير الموثقة التي تجري في الجبال، بعيداً عن المناطق السكنية.
وأضاف لـ”أخبار الآن” كما أن أعين السكان اتجهت بعيداً عن الجبال كذلك فعلت القوات الأمنية التي أعادت التمركز داخل المدن، بسبب طبيعة الانتخابات، حيث اصطفت الفرق الأمنية المختلفة لدعم فريق سياسي على حساب آخر.
وتابع بأنّه مع انخراط الفرق العسكرية في المعترك السياسي، قل الضغط على الجماعات الجهادية التي تقاتل في الجبال، واشتعل التنافس بين الجانبين، جماعة الشباب وداعش، لتحقيق أكبر قدر ممكن من أموال الجبايات من سكان مدينة بوصاصو الواقعة في محافظة برى، حيث تستهدف الشباب المتاجر والمشاريع الكبيرة فقط، وتحصد داعش الأموال من كافة المتاجر الصغيرة والكبيرة.
لكن مستقبل داعش بعد هذا التقدم على حساب جماعة الشباب يبدو مضطرباً، فالتنظيم لديه إمكانيات محدودة للغاية بما لدى جماعة الشباب، رغم الخسائر التي تعرضت لها في القتال الجاري ضد الحكومة الفيدرالية.
كما أنّ زعيم التنظيم عبد القادر مؤمن، يعاني من مرض “السكري المزمن” والذي تسبب في ضعف سيطرته، ما أدى إلى نشوب اشتباكات داخلية عام 2018 حول خلافته، وهو أمر شبيه بما يحدث داخل جماعة الشباب، من تنافس بين معسكر الأمير أحمد ديري، ومعسكر نائبه مهاد كاراتي.
فضلاً عن ذلك، عادت الأحداث إلى طبيعتها في ولاية بونتلاند بعد أشهر من الترقب، وذلك بانتهاء الانتخابات الرئاسية للولاية، وفوز سعيد دني بولاية ثانية، واستقرار الوضع السياسي بشكل عام، وسينعكس ذلك إيجابياً على الحرب ضد الإرهاب في منطقة بري، سواء من داعش والشباب.
فوق كل ذلك، فتنظيم داعش لا يعتبر العدو الرئيسي لجماعة الشباب، كما أنّه يوجد في مناطق لا تعتبر إستراتيجية مقارنةً بمكاسب ونفوذ الجماعة في وسط وجنوب البلاد.
كانت وزارة الخارجية قد صنّفت تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال في 27 فبراير 2018، ككيان إرهابي عالمي، ومن قبل عبد القادر مؤمن، في 11 أغسطس 2016، كإرهابي عالمي مُصنف بشكل خاص، وفقاً للأمر التنفيذي (13224). بالإضافة إلى فرض عقوبات على شخصيات وشركات متورطة في الإدارة المالية للتنظيم، ومن جنسيات متعددة.