قصة محمد الظواهري الذي أراد اقتفاء درب أخيه
أقدمت حسابات جهادية وثيقة الصلة بتنظيم القاعدة على تعزية زعيم التنظيم المقتول أيمن الظواهري في وفاة شقيقه، محمد الظواهري، الذي وافته المنية قبل يومين، وتكشف هذه التعزية حجم التخبط الذي يعيش فيه أنصار القاعدة الذي لم يعترف رسميًا حتى الآن بمقتل زعيمه، مع أن أسرة “الظواهري” نفسها وشقيقه الراحل أكدوا وفاته في كابول، وتطرح هذه التعزية تساؤلات عن وضع قيادة القاعدة الحالية تحت إمرة سيف العدل والتي تعيش منفصلة عن الواقع وتثير الخلافات الجهادية مرةً بعد أخرى.
وفي الحقيقة لم يكن محمد الظواهري، شقيق زعيم القاعدة السابق، بعيدًا عن التطورات الحاصلة في القاعدة فحين سُأل عن رأيه في الروايات المتداولة عن الخلافات القيادية داخل تنظيم القاعدة بين سيف العدل ومنافسيه، بعد مقتل شقيقه أيمن الظواهري، في إغارة أمريكية على العاصمة الأفغانية كابل، قال إنه يفضل تجنب هذه الخلافات لأنه لا يريد أن يزيد الصف الجهادي شقًا في وقت يحتاج الجهاديون فيه إلى التجمع لا التفرق، لكنه ما ذلك لم يُخف تململه من الحالة التي وصل إليها التنظيم والجهاديين عمومًا واعترض على التماهي مع إيران أو السير في ركابها كما يفعل سيف العدل وصهره مصطفى حامد أبو الوليد المصري، بحسب ما ذكره أحد رفاقه المقربين ممن انتمى سابقًا لتنظيم الجهاد المصري لـ”أخبار الآن”.
فمحمد الظواهري، أو أبو أيمن المصري، كما كان يُكنى، ظل منشغلًا بشؤون الجهاديين حتى وفاته، قبل يومين، لتنتهي مسيرته الجهادية التي بدأت مع شقيقه الأكبر أيمن الظواهري الذي ضمه معه في واحدة من أولى مجموعات تنظيم الجهاد المصري خلال سبعينات القرن الماضي.
وفي حين أن محمد الظواهري لم يبلغ نفس مرتبة أو درجة شقيقه الأكبر الذي وصل إلى قيادة القاعدة وأدارها لفترة طويلة قبل مقتله في كابل إلا أنه شهد خلال رحلته مع التنظيمات الجهادية العديد من المحطات الفارقة في مسيرتها بدءًا من تشكيل جماعة الجهاد التي اندمجت، لاحقًا، في تنظيم القاعدة مرورًا بتجربة المراجعات داخل السجون المصرية في العقد الأول من القرن الحالي، ثم أحداث الثورة المصرية فحكم جماعة الإخوان المسلمين وما صاحبهما وتلهما من زخم ونشاط جهادي في مصر، وانتهاء بسجنه ثم الإفراج عنه بعد تبرئته في قضية “خلية الظواهري” التي حُوكم فيها بتهمة تشكيل تنظيم جهادي مقرب من تنظيم القاعدة.
وعقب الإفراج عنه، حُددت إقامة محمد الظواهري وبقي نطاق حركته محدودًا حيث أقام بشقة سكنية تملكها شقيقته بمنطقة فيصل بمحافظة الجيزة حتى وفاته، إلا أنه بقي على تواصل محدود مع بعض الجهاديين وسعى من خلال بعضهم لنشر نصائح للسلفية الجهادية، بحسب ما قاله الجهادي المصري، المقيم في الشمال السوري، هاني الذهبي عبر قناته الخاصة على تطبيق”تليغرام”.
من التجنيد للعمل السري
وبحسب 3 مصادر كانت على صلة وثيقة بتنظيم الجهاد المصري، سابقًا، فإن محمد الظواهري، المولود عام 1953، بدأ مسيرته مع الجماعات الجهادية أثناء دراسته بكلية الهندسة، أواخر ستينيات القرن الماضي، إذ ضمه شقيقه الأكبر أيمن الظواهري إلى واحدة من خلايا تنظيم الجهاد.
ورغم انضمامه إلى تنظيم الجهاد إلا أنه ظل ضمن الأفراد غير المعروفين لعموم أفراد أو مجموعات التنظيم، وكان سمته الظاهر في تلك الفترة أنه منشغل بتحصيل العلوم الشرعية والتتلمذ على أيدي شيوخ الدعوة السلفية في مصر والسعودية، حيث تردد على مسجد “أنصار السنة”، ثم سافر بعد تخرجه إلى المملكة العربية السعودية للعمل هناك، وبعد سفره وقعت عملية اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، عام 1981.
وجرى، أثناء التحقيقات، اتهام محمد الظواهري بالانتماء إلى تنظيم الجهاد وصدر ضده حكمًا غيابيًا في القضية المعروفة بـ”قضية الجهاد الكبرى“، وهي نفس القضية التي اتُهم فيها شقيقه أيمن الظواهري وسُجن فيه لبضع سنوات، غير أن الأول لم يتم القبض عليه بل كان متواجدًا في المدينة المنورة حيث عمل، حتى منتصف ثمانينات القرن الماضي، كما ذكر الدكتور جمال المنشاوي، القيادي السابق بالجماعة الإسلامية المصرية ومسؤول ملفها بالخارج والذي رافق أيمن الظواهري وشقيقه محمد الظواهري في السعودية ثم في أفغانستان وباكستان بعد ذلك.
وأضاف “المنشاوي” في تصريحات لـ”أخبار الآن” أن محمد الظواهري لم يكن يظهر عليه في فترة العمل في المملكة العربية السعودية أنه ينتمي لتنظيم الجهاد بل لم يبدِ أي اهتمام بالشؤون السياسية لكن ذلك كان جزءًا من التغطية التي اتبعها حتى لا يتم الكشف عن دوره الحقيقي في التنظيم.
وأشار “المنشاوي” إلى أن الشقيق الأصغر لزعيم القاعدة الراحل عمل في هيئة الإغاثة الإسلامية واستغل وجوده فيها من أجل التنقل بين عدة دول منها السعودية وباكستان، إبان الحرب السوفيتية على أفغانستان، وتولى الإشراف على مشروعات هيئة الإغاثة الطبية والتعليمية.. إلخ، لافتًا إلى أنه كاد يموت في حادثة حصلت له خلال وجوده في باكستان إذ انقلبت سيارة استقلها خلال سيرها بينما نجا هو من الموت بأعجوبة.
ومن جهته، أوضح الدكتور عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الجهادية، أن محمد الظواهري لم يتول منصبًا قياديًا بارزًا في تلك الفترة أو بعدها بيد أن شقيقه أيمن الظواهري اعتمد عليه، وقتها، في تحويلات الأموال وفي تنسيق الأمور اللوجيستية والحصول على بعض الدعم، وذلك بالتنسيق مع شبكة أيمن الظواهري، حتى الفترة التي تم إلقاء القبض فيها على شقيقه محمد بعد ذلك.
هروب وسجن وخلافات على المراجعات
على أن محمد الظواهري اضطر إلى مغادرة المملكة العربية السعودية، عام 1993، بعد أن استدعته الاستخبارات السعودية، فهرب من المملكة عن طريق الحدود مع اليمن بالتنسيق مع الجهادي البازر ياسر السري، الذي تواجد وقتها في اليمن، إذ استطاع الأخير تهريبه عن طريق دروب جبلية وعرة على الحدود السعودية اليمنية، بحسب مصدر مقرب من عائلة الظواهري.
وواصل عمله السري مع تنظيم الجهاد بعد هروبه من السعودية، إلى أن تم القبض عليه عام 1998، وتسليمه بعد ذلك إلى مصر حيث أدين في القضية المعروفة بـ”العائدون من ألبانيا” والتي ضمت أيضًا أبو الفرج المصري، أحمد سلامة مبروك، الذي اغتيل في سوريا، عام 2016، وكان حينها قياديًا بالفرع السوري لتنظيم القاعدة.
أودع محمد الظواهري سجن العقرب شديد الحراسة بمجمع سجون طرة في مصر، ومن داخله انخرط في النقاشات حول المراجعات الخاصة بتنظيم الجهاد، عام 2007، والتي تزعمها سيد إمام الشريف الشهير بـ”الدكتور فضل“، المنظر الجهادي البارز وأمير تنظيم الجهاد سابقًا، الذي أصدر مراجعاته في “وثيقة ترشيد العمل الجهادي” لكن الأول عارض المراجعات بشدة وتبنى موقفًا مناهضًا لسيد إمام الشريف وكان هذا الموقف في جوهره انعكاس لخلاف سابق حدث بين شقيقه أيمن الظواهري وسيد إمام الشريف قبل انفصالهما عن بعضهما في التسعينات.
وتكشف رسالة أرسلها عبد الحكيم الأفغاني (محمد خليل الحكايمة)، القيادي المصري بتنظيم القاعدة سابقًا، إلى أيمن الظواهري في 11 فبراير 2008 تفاصيل عن وضع محمد الظواهري في سجن العقرب وتفاصيل الخلافات حول المراجعات الجهادية، موضحةً أنه انتقد سيد إمام الشريف بشدة واعتبره “ديكتاتورا” لا يقتنع سوى برأيه الشخصي ولا تهمه إلا مصالحه الشخصية تمامًا مثلما كان حاله أثناء توليه إمارة تنظيم الجهاد، كما أنه أصر على إعلان رفضه لمبادرة المراجعات في الصحف المصرية بعدما أُشيع أنه وافق عليها وعلل رفض المراجعات من رؤية شرعية لا أسرية بمعنى أن رفضه ليس له علاقة بكونه شقيق أيمن الظواهري، وفق تعبير الرسالة.
على أن الدكتور عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الجهادية والذي أطلع بشكل مباشر على كواليس المراجعات، ألمح إلى أن محمد الظواهري رفض مبادرة المراجعات من منطلق أن شقيقه أيمن الظواهري رفضها وأصدر ردودًا عليها منها كتابه المثير للجدل “التبرئة: تبرئة أمة السيف والقلم من منقصة تهمة الخور والضعف”، مردفًا أن محمد الظواهري كانت معرفته الشرعية محدودة ولم يكن كادرًا شرعيًا لتنظيم الجهاد وإنما اعتمد على تنظيرات شقيقه الأكبر.
إلى ذلك، نشر محمد الظواهري، أوائل عام 2011 وحينما كان لا يزال في السجن قبيل الثورة على الرئيس الأسبق حسني، كتابه “جريمة العصر.. الديمقراطية”، والذي وقعه بكنيته المعروفة “أبو أيمن المصري”، والذي ركز فيه على انتقاد الانتخابات والعملية الديمقراطية باعتباره مخالفة للشرع من المنظور السلفي الجهادي.
وبعد أيام قليلة من نشره لهذا الكتاب، أُطلق سراحه لمدة 3 أيام ثم أُعيد القبض عليه بسبب صدور حكم سابق ضده بالإعدام في قضية “العائدون من ألبانيا”، ثم برأته المحكمة العسكرية من التهم الموجهة له ليطلق سراحه مجددًا عام 2012.
الوساطة مع الجهاديين والسجن مجددًا فالإقامة الجبرية
في الفترة التي تلت خروجه من السجن، نشط محمد الظواهري في الترويج لفكر السلفية الجهادية وتنظيم القاعدة وشارك في تظاهرات خرجت أمام وزارة الدفاع المصرية وفي ميدان التحرير، لكنه بقي على موقفه القديم الذي يدعو لعدم المشاركة في الانتخابات وعدم الانخراط في العملية الديمقراطية بأي شكل من الأشكال.
على أن ظروف التوترات التي شهدتها شبه جزيرة سيناء، إبان وجود جماعة الإخوان في السلطة 2012: 2013، دفعت بمحمد الظواهري إلى الواجهة مرة أخرى إذ عرض أن يكون وسيطًا بين السلطة وعلى رأسها محمد مرسي، الرئيس الأسبق، والجهاديين المتواجدين في سيناء، لا سيما بعد حادثة اختطاف 7 جنود مصريين قرب مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء.
وعرض محمد الظواهري أن يتوسط أيضًا من أجل إيقاف العمليات الجهادية في سيناء مقابل أن تطلب منه الأجهزة الأمنية السيادية بشكل رسمي هذا الامر وتمنحه الضمانات الكافية لتنفيذ الاتفاق، وهو ما لم يتم حتى الإطاحة بالإخوان من الحكم، في يوليو/ تموز 2013، والذي أعقبه القبض على محمد الظواهري، في 17 أغسطس/ آب 2013، ليظل في السجن حتى الإفراج عنه في 2015 بتدابير احترازية.
وعقب الإفراج عنه خضع محمد الظواهري لتحديد إقامته وقضى سنواته الأخيرة في شقة تملكها شقيقته “هدى الظواهري” بمنطقة فيصل بالجيزة في مصر، وخلال تلك الفترة التقى بابنتي أيمن الظواهري (فاطمة وأميمة) اللتين عادتا سرًا إلى مصر لكنه لم يكن له تواصل مع شقيقه الأكبر أيمن الظواهري، حتى مقتل الأخير، في كابل في أغسطس/ آب 2022، حسبما أكد مصدر مقرب من محمد الظواهري لـ”أخبار الآن”.
الخلاصة
على الرغم من تواريه عن المشهد قبل وفاته إلا أن محمد الظواهري شقيق زعيم القاعدة السابق أيمن الظواهري بقي مشغولا بالشأن الجهادي وانتقد في أحاديثه الخاصة مع بعض رفاقه السابقين ومع جهاديين آخرين تواصل معهم عبر الإنترنت، في فترة خضوعه لتحديد إقامته، الخلافات الجهادية التي حدثت في تنظيم القاعدة بين سيف العدل محمد صلاح الدين زيدان ومنافسيه في قيادة القاعدة العليا.
وكان محمد الظواهري من الرافضين لفكرة التقارب أو التماهي مع الإستراتيجية الإيرانية، انطلاقًا من رؤيته السلفية الجهادية التي ترى استحالة الجمع بين الجهاديين وأتباع نظام الولي الفقيه في طهران الذين يعتنقون مذهبًا مغايرًا ومناقضًا للسلفية الجهادية.
ومن ناحية أخرى، تبرهن وفاة محمد الظواهري على المعضلة التي تُعاني منها قيادة تنظيم القاعدة وكذلك أنصار التنظيم، ففي حين أقر محمد الظواهري بمقتل شقيقه أيمن الظواهري في كابول، واستقبل التعازي فيه بحسب المقربين منه الذين تحدثوا لـ”أخبار الآن”، إلا أن التنظيم لم يُعلن رسميًا حتى الآن مقتل زعيمه السابق لعدة أسباب من بينها الخلافات والصراع على قيادته، وهو ما دفع بعض المقربين من القاعدة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى تعزية أيمن الظواهري، الميت أصلًا، في وفاة شقيقه محمد الظواهري، وهو ما يكشف حجم معضلة تنظيم القاعدة الذي يتخبط أنصاره في ظلام الحيرة والشك بينما يقبع أميره الفعلي سيف العدل في طهران بجوار صهره مصطفى حامد “أبو الوليد المصري”.