في قلب إسطنبول التركية.. مهاجمان وضحية
حين كان قس كنيسة “سانتا ماريا” الإيطالية، الواقعة في منطقة صاري يير بإسطنبول، يؤدي المراسم الدينية المعتادة صبيحة الأحد، 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، صُدم رواد الكنيسة بسماع صوت إطلاق نيران داخلها، وبعد دقائق من الذعر والخوف والارتباك، كان المواطن التركي “تونجر جيهان Tuncer Cihan” يرقد في بقعة كبيرة من الدماء.
في وقت لاحق من ذلك اليوم، أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا مقتل “تونجر جيهان“، كاشفًا أن الهجوم الذي استهدف الكنيسة الإيطالية نفذه اثنان من المسلحين أحدهما طاجيكي والآخر روسي وأنهما حضرا إلى الكنيسة بواسطة سيارة تحمل لوحات بولندية هُربت إلى البلاد قبل نحو عام ولم يتم استخدامها.
تتشابك خيوط القصة بل وتتعقد أحيانًا، فمن النظرة الأولى لا يبدو أن هناك رابط بين كنيسة إيطالية في تركيا ومسلحين يحملان الجنسية الطاجيكية والروسية ويستقلان سيارة بلوحات بولندية، غير أن تتبع تلك الخيوط يقود إلى حل اللغز، كما أكدت التحقيقات، فكل هذا مرتبط في النهاية بـ”ولاية خراسان”، الفرع المحلي لداعش في أفغانستان، والذي كسب زخمًا كبيرًا منذ وصول جماعة طالبان للسلطة في أغسطس/ آب 2021.
ففي الوقت الذي تراجع فيه تنظيم داعش المركزي (سوريا والعراق)، برز تنظيم ولاية خراسان كأحد أخطر وأقوى الفروع الداعشية في وسط آسيا، في ظل فشل جماعة طالبان في احتواء تهديده، والذي لم يعد قاصرًا على أفغانستان بل تخطاه ليشمل دول أخرى في جنوب ووسط آسيا وخارجهما، كما تبين من هجوم كنيسة “سانتا ماريا” الإيطالية والذي يُعد الهجوم الأول لداعش أو أي من أفرعه في تركيا، منذ هجوم ليلة رأس السنة الميلادية في نادي ليلي بإسطنبول، عام 2017، والذي نفذه للمفارقة مواطن أوزبكي مرتبط بتنظيم ولاية خراسان ويُكنى بأبي محمد الخرساني.
وبعد أسابيع قليلة من هجوم “سانتا ماريا”، بث تنظيم داعش إصدارًا مرئيًا جديدًا لما يُعرف بـ”ولاية خراسان“، الفرع المحلي لداعش في أفغانستان، تضمن لقطات من هجمات سابقة شنها التنظيم ضد القوات الأمريكية، قبل وخلال انسحابها من أفغانستان، وضد أفراد وقيادات بجماعة طالبان، وكذلك ضد أفراد ودور عبادة تابعة للشيعة والسيخ في البلاد.
واعتبر التنظيم، في الإصدار الأخير الذي بلغت مدته 55 دقيقة وهو الفيديو الأطول الذي بثه التنظيم خلال أكثر من عام، أن جماعة طالبان أبرمت صفقة مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول من أجل حرب “ولاية خراسان” وهزيمتها، متوعدًا بمواصلة الحرب ضد الجماعة.
وعلى ذات الصعيد، لفت الفيديو إلى العلاقات التي أبرمتها جماعة طالبان مع دول مثل روسيا والصين، مضيفًا حسب وصفهم أن الجماعة الأفغانية تتعاون مع كل من يضطهد المسلمين وذلك في إشارة الاضطهاد والانتهاكات التي يتعرض لها مسلمو الإيغور في الصين، وفي بعض الجمهوريات الروسية، بحسب ما يقول التنظيم.
ويبرهن الإصدار الأخير لفرع داعش المحلي في أفغانستان “ولاية خراسان” على استمرار وتزايد التهديد الإقليمي الذي يشكله التنظيم في وسط آسيا، وفشل جماعة طالبان في احتواءه، ومن ناحية أخرى يُظهر أن “ولاية خراسان” ورث إمبراطورية الرعب والتخويف بعدما تراجع التنظيم المركزي في سوريا والعراق.
وباستقراء الرسائل الدعائية التي تضمنها الإصدار الأخير لداعش يُلاحظ أن التنظيم يسعى لاستغلال المظالم الخاصة بالأقليات المسلمة في وسط وجنوب آسيا من أجل تحريضهم على الانضمام له، ويركز على دول مثل طاجيكستان والصين التي تعهد داعش، في أكثر من مناسبة بالقتال ضدها، نظرًا للوحشية التي تُعامل بها المسلمين الإيغور.
ويتضح الطرح السابق من خلال مراجعة اللقطات التي احتواها الفيديو للهجوم الذي شنه 2 من مقاتلي داعش على فندق يرتاده رجال أعمال صينيون في العاصمة كابل، والذي يبدو أن التنظيم قصد منه إثبات صدق دعواه وعدائه لبكين في ظل تقاربها مع جماعة طالبان.
ففي الفترة الماضية، تسلم الرئيس الصيني شين جين بينغ أوراق اعتماد السفير الأفغاني الجديد، المنتمي لجماعة طالبان، بلال كريمي والذي سبق أن عمل متحدثًا باسم حكومة الجماعة، وذلك بعد أكثر من عامين على وصولها للسلطة في أفغانستان، ومع أن هذه الخطوة تمثل نقلة كبيرة في العلاقات بين البلدين إلا أن التهديد الذي يُشكله تنظيم ولاية خراسان، الفرع المحلي لداعش، ما زال يطل برأسه كحجر عثرة في طريق العلاقات بين الطرفين.
وتطمح جماعة طالبان في أن تجلي استثمارات صينية لأفغانستان أملًا في أن يؤدي ذلك إلى ترسيخ حكمها وتعزيز نفوذها في البلاد، بينما يرى داعش وفرعه المحلي ولاية خراسان أن العلاقات الطالبانية الصينية دليل على خيانة الجماعة لـ”الجهاد العالمي”، معتبرًا أن بكين هي واحدة من أعدائه الرئيسيين في آسيا.
وسبق أن أعلن داعش، في أكثر من مناسبة، أنه سيستهدف الصين ونشر مواد دعائية تحرض على استهداف المصالح الصينية في جميع أنحاء العالم وحرض المسلمين الصينيين، ولا سيما الإيغوريين منهم، على الانضمام له، كما أقدم في ديسمبر/ كانون الأول 2022 على استهداف فندق في العاصمة الأفغانية كابل يرتاده رجال أعمال صينيون، ووصف الهجوم بأنه “بداية لمسيرة الثأر”، على حد تعبير صحيفته الرسمية “النبأ” في عددها 369.
داعش يحاول توظيف قضية الإيغور في دعايته- المصدر افتتاحية صحيفة النبأ العدد 369 (صورة)
وركز فرع التنظيم في أفغانستان “ولاية خراسان” على العلاقات بين طالبان والصين، منذ الانسحاب الأمريكي في أغسطس/ آب 2021، قائلًا إن هذه العلاقات بمثابة “نفاق” من الجماعة التي لا تكف عن استقبال الصينيين، متوعدًا بمواصلة الهجمات ضدهم.
وكانت ولاية خراسان قد هددت حكومة الصين وتعهدت بالقتال ضدها على لسان مؤسسها حافظ سعيد خان، في عام 2016، ونفذ التنظيم أولى تهديداته في يونيو/ حزيران 2017، حين أقدم على خطف واغتيال 2 من المدرسين الصينيين الذين كانوا يعملون في إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان.
ويجد التنظيم ذخيرة دعائية ومعنوية كافية للشحن ضد بكين بسبب الانتهاكات التي يتعرض لها المسلمون في الصين وبسبب سياسة الصين التوسعية التي تعتبر نوعًا من الغزو الجديد للمنطقة والعالم، بحسب ما تقوله المنصات الدعائية لداعش.
الإيغور بين براغماتية طالبان وجهود داعش للتجنيد
ولم يكف التنظيم، منذ إعلانه الخلافة المكانية عام 2014، عن محاولاته لاستقطاب الإيغوريين إلى صفوفه، إذ سعى لاستقطاب وتجنيد المقاتلين التابعين للحزب الإسلامي التركستاني الذي تأسس كجماعة مسلحة في أفغانستان عام 1997، ونشر عددًا من المواد الدعائية التي تحرضهم على اللحاق بركبه، ومن بينها نشيد “أنا المجاهد” الذي بثته مؤسسة الحياة، في ديسمبر/ كانون الأول عام 2015، وإصدار “أولئك هم الصادقون” الذي نشرته “ولاية الفرات”، في مارس/ آذار عام 2017.
ومن الجدير بالذكر أن نشأة الحزب الإسلامي التركستاني ارتبطت بالتنافس الإستراتيجي بين بكين وموسكو، قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي، إذ أن انتقال المسلحين الإيغوريين إلى أفغانستان عبر ممر واخان على الحدود بين الصين وأفغانستان، جاء بإيعاز من الحكومة الصينية إبان الغزو السوفيتي لأفغانستان، لكن هؤلاء المقاتلين توجهوا صوب استهداف المصالح الصينية بعد انسحاب الجيش السوفيتي من أفغانستان، بحسب ما ذكره الرئيس السابق للمركز الدولي لأبحاث العنف السياسي والإرهاب في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة “روهان غوناراتنا” في كتابه Inside Al Qaeda (في داخل القاعدة).
وتمكن مقاتلو الحزب الإسلامي التركستاني، تحت قيادة مؤسسه حسن معصوم المعروف بأبي محمد التركستاني، من إنشاء معسكر تدريب في أفغانستان بالتنسيق مع وزارة الدفاع الطالبانية، قبل انهيار حكم الجماعة الأول، وبايع “معصوم” الملا محمد عمر، مؤسس طالبان، بيعة عامة التزم بمواجبها بالعمل وفق توجيهات جماعة طالبان وعدم الخروج عنها، كما حصل على جواز سفر أفغاني وأقام داخل العاصمة كابل، وشارك، لاحقًا، في القتال ضد القوات الأمريكية الغازية إلى أن قتل مع مجموعة من رفاقه على الحدود الأفغانية- الباكستانية في 2003، بحسب ما ذكره أبو مصعب السوري في كتابه “دعوة المقاومة الإسلامية العالمية”.
ورغم استضافة جماعة طالبان لمقاتلين إيغورين إلا أن مصالحها الذاتية ظلت تحكم إطار العلاقة بين الطرفين، إذ أنها رأت أن الصين يمكن أن تمد لها طوق النجاة وتساعدها في موازنة الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على الجماعة إبان حكمها الأول (1996: 2001)، فيما عملت بكين على توظيف روابطها مع جماعة طالبان من أجل ضمان أمنها والضغط على الإيغوريين المتواجدين في أفغانستان.
ومع أن بكين لم يكن لها علاقات رسمية مع جماعة طالبان في فترة حكمها الأولى، بعكس ما هو حاصل الآن، إلا أنهما عملا على التنسيق المشترك بينهما، وزار السفير الصيني في باكستان “لو شولين”، عام 2000، العاصمة الأفغانية كابل، ثم قندهار بناءً على تنسيق مع السفير الأفغاني لدى باكستان وقتها الملا عبد السلام ضعيف، وأجرى لقاءً مع الملا محمد عمر في مقر إقامته في قندهار وأبدى له انزعاج “بكين” من العلاقات الطالبانية- الإيغورية، ومخاوف الدولة الصينية من أن تؤدي تلك العلاقات إلى تنامي النزعة الانفصالية لدى سكان إقليم شينجيانغ، وتعهد أمير طالبان، وقتها، بأن لا تتدخل أفغانستان في الشؤون الصينية الداخلية، وألا تسمح باستخدام أراضيها لتنفيذ أو دعم أي عمليات في الإقليم الصيني، وفقًا لما ذكره الملا عبد السلام ضعيف، القيادي بجماعة طالبان وسفيرها لدى باكستان سابقًا، في مذكراته المعنونة بـ”حياتي مع طالبان”.
وبدوره، ذكر أبو مصعب السوري، عمر عبد الحكيم، في كتابه الشهير “دعوة المقاومة الإسلامية العالمية” أن الملا عمر، مؤسس طالبان، طلب من أبو محمد التركستاني عدم استهداف المصالح الصينية والاكتفاء بتربية من يلتحق بصفوفه لأن طالبان تحتاج إلى علاقات طيبة مع الصين، وهو ما وافق عليه الأخير، بحسب “السوري”، ولعل هذا يؤكد أن طالبان تتعامل مع ملف الإيغور بناءً على مصالحها الذاتية.
ومع وصولها للحكم من جديد، عام 2021، أبدت الجماعة الأفغانية مزيدًا من البراجماتية في التعامل مع ملف الإيغور، فأقدمت على إبعاد المقاتلين المنتمين للحزب الإسلامي التركستاني الذي يقوده في أفغانستان، حاليا، عبد الحق التركستاني عن الحدود مع الصين ونقلتهم من ولاية بدخشان الواقعة على ممر واخان إلى ولاية ننجرهار على الحدود الأفغانية الباكستانية- والتي تعد الولاية الأولى التي ينشط فيها تنظيم ولاية خراسان- وأبدت مصادر حقوقية إيغورية تخوفها من أن تقوم طالبان بتسليمهم إلى بكين حتى تضمن علاقاتها معهم.
وحين بدا أن طالبان يمكن أن تقلب ظهر المِجن للإيغوريين في أفغانستان، دخل داعش وفرعه “ولاية خراسان” على الخط بقوة، فدعا الإيغوريين في أفغانستان وخارجها للانضمام له، ملمحًا إلى أن الجماعة لن تجد غضاضة في تسليمهم إلى الصين بدافع البراجماتية والمصالح التي تسعى لتحقيقها.
وأطلق داعش حملة دعائية مكثفة لاستقطاب الإيغوريين، وشاركت المؤسسات الإعلامية للتنظيم في خراسان في هذه الحملة فأعادت نشر مواد إعلامية باللغة الإيغورية تتحدث عن المعاملة الصينية الوحشية للإيغور في إقليم شينجيانغ، وخصص افتتاحية العدد 369 من صحيفة النبأ للحديث عن معاناة الإيغور وعن سعي طالبان لمصالحها الخاصة على حسابهم، محاولًا تسويق نفسه كأنه المدافع الوحيد عنهم عن طريق الاستدلال بالهجوم الذي نفذه مقاتلان تابعان لولاية خراسان على فندق يرتاده رجال أعمال صينيون في كابل وهو ما أظهره أيضًا الإصدار الجديد لولاية خراسان، كما أبرز كذلك بعض المنضمين لصفوفه من الإيغوريين ومن بينهم “محمد الإيغوري” الذي نفذ هجومًا ضد الشيعة الهزارة في ولاية قندوز، شمال شرق أفغانستان في أكتوبر 2021.
ومن الواضح أن هذه الحملة هدفت لنزع الشرعية عن جماعة طالبان وتصويرها كجماعة براجماتية تتاجر بقضية الإيغوريين وتستغلها لحساب مصالحها مع الصين، وفي نفس الوقت هدفت لتصوير داعش وفرعه المحلي “ولاية خراسان” كأنه الوحيد الذي يقف المدافع الوحيد عن حقوق الإيغوريين ويتصدى للنفوذ الصيني في وسط آسيا وخارجها.
داعش والصراع الجيوسياسي مع الصين
على أن الحملة المذكورة لم تقتصر على توظيف قضية الإيغوريين بل تخطتها إلى الحديث عن الصعود الصيني والصراع الجيوسياسي بين القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وبكين، ونشرت مجلة صوت خراسان، الصادرة عن ولاية خراسان، في عددها الـ13 مقالا مطولا بعنوان “أحلام اليقظة للإمبريالية الصينية”، تضمن نقدًا للإستراتيجية الصينية ووصفها بأنها تسعى للهيمنة على الطريقة الغربية، عن طريق إسقاط الدول النامية والأقل نموًا خصوصًا في إفريقيا في فخ الديون من أجل الاستيلاء على ثرواتها ومقدراتها، على حد تعبير كاتب المقال.
وظهر من هذا المقال أن داعش يُبقى عينه على العدو القابع في شرق آسيا “الصين”، ويواصل تحين الفرص المناسبة لفتح الجبهة ضده، لكنه يرى تأجيلها إلى وقت آخر حتى يستفيد من التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين والذي يراه فرصة لتقوية ولاية خراسان وكذلك عودة الخلافة المكانية من جديد في المستقبل، وهو ما أشارت إليه “صوت خراسان” في مقالها.
واعتبرت المجلة أن نهاية السعي الصيني للهيمنة سيكون كنهاية الحملة التترية وأن مصير الشيوعيين الصينيين سيكون كمصير التتار المشركين، وأن بكين لن تكون قادرة على حماية نفسها من هجمات وسكاكين “جنود الخلافة” الذين لم ينسوا المجازر التي ارتبكها الصينيون ضد الإيغور، وفق تعبير المجلة.
وبنظرة تحليلية للحملة الداعشية ضد الصين يتبين أن التنظيم يطمح مستقبلا لاستهداف المصالح الصينية سواء عن طريق فرعه في أفغانستان “ولاية خراسان” أو عن طريق أفرعه الأخرى في آسيا (ولاية باكستان، وولاية الهند)، وفي إفريقيا (ولاية موزمبيق، وولايتي وسط وغرب إفريقيا)، وهو ما أشارت له من قبل صحيفة النبأ الأسبوعية، في عددها 241، الصادرة في 2 يوليو/ تموز 2020، والتي قالت إن الصين تطمح للاستثمار في موزمبيق لكنها تُخاطر باستثماراتها في إفريقيا لأن التنظيم يسعى لاستهداف هذه الاستثمارات، وفق الصحيفة.
كما أن الحملة الداعشية تأتي في إطار التنافس بين التنظيم وفرعه المحلي في أفغانستان “ولاية خراسان” والذي يمثل القيادة الإقليمية للتنظيم في وسط آسيا وبين جماعة طالبان، فالتنظيم يسعى لإثبات دعاويه بأن الجماعة والمتحالفين معها باعوا الإيغوريين مقابل مصالحهم مع الصين، وهو الأمر الذي قد يلقى بعض الرواج في ظل التقارب الأخير بين الصين وطالبان وقبول الرئيس الصيني أوراق اعتماد السفير الطالباني بلال كريمي لتكون الصين أول دولة تنشأ علاقة دبلوماسية رسميًا مع حكومة طالبان، بعد أكثر من عامين على وصولها للسلطة.
خبراء أفغان: تيارات طالبانية تستفيد من هجوم داعش على الصين
في هذا السياق، قال السفير محمد محق، السفير الأفغاني السابق في القاهرة والذي عمل أيضًا مستشارًا للرئيس الأفغاني السابق أشرف غني، إن داعش في أفغانستان “ولاية خراسان” لديه أجندة إقليمية لتوسيع أنشطتهم في منطقة آسيا الوسطى فضلًا عن مناطق من باكستان وإيران لكن التنظيم لديه عداء خاص للصين بسبب ما يبث في الإعلام عن تعاملها مع الإيغور بما لهم من حساسية خاصة عند الجماعات الجهادية العالمية وفي مقدمتها داعش الذي ينتهز أي فرصة ممكنة للانتقام من الصين وتنفيذ أي عمليات ضدها.
وأضاف “محق” في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن تنظيم داعش يُحاول أن يجند عناصر من الأقليات المختلفة في أفغانستان والمنطقة وبالطبع يحظى أبناء عرقية الإيغور باهتمام وتركيز من قبل التنظيم لأن فرص تجنيدهم أكبر في صفوف التنظيم وغيره من الجماعات الجهادية كتنظيم القاعدة وجماعة طالبان، بسبب الضغط والتمييز والإقصاء الذي يواجهونه.
وأشار السفير الأفغاني السابق في القاهرة إلى وجود جماعات جهادية عديدة في أفغانستان من بينها داعش/ ولاية خراسان فضلًا عن جماعات أخرى موالية للقاعدة مثل أنصار الله وجند الله وجيش المجاهدين وغيرها، مردفًا أن هذه الجماعات تتشابه إلى حد كبير وتتفق في الرؤية الجهادية، حتى وإن اختلفت مناهجها وتكتيكاتها ، لكنها تتنافس في ما بينها على النفوذ والانتشار والمكانة القيادية أو ما يُعرف بقيادة الجهاد العالمي.
وأوضح السفير محمد محق أن وجود جماعة طالبان في السلطة في أفغانستان هيئ المناخ لأنشطة الجماعات الجهادية، بما في ذلك داعش أو ولاية خراسان، لأن نشر الأيديولوجيا المتشددة في المدارس والجامعات حالة التشدد التي تفرضها الجماعة تجعل هناك أرضًا خصبة لنمو وتمدد الجماعات والتنظيمات الجهادية وتوفر الوقود لاستمرار داعش .
وتوقع “محق” أن لا تكون الصين وحدها هدفًا لتنظيم داعش/ ولاية خراسان، في الوقت الراهن، مشيرًا إلى أن جميع دول آسيا الوسطى بالإضافة لباكستان وإيران مستهدفة في الوقت الحالي، لا سيما مع استمرار مساعي التنظيم لزعزعة الاستقرار وضرب السيطرة الأمنية في المنطقة لأن ظروف عدم الاستقرار وضعف الضبط الأمني تخلق مجالا لتمدد وانتشار التنظيم وغيره من الجماعات الجهادية، معتبرًا أن نمو قدرات داعش وغيره من الجماعات في أفغانستان أمر مقلق للمنطقة بالكامل ويعتبر أزمة إقليمية أي إنها ليست قاصرة فقط على أفغانستان.
ومن جانبه، قال نور الهدى فرزام، المحلل السياسي الأفغاني، إن هناك العديد من العوامل التي تُسهل لولاية خراسان، فرع داعش المحلي في أفغانستان، استهداف الصين منها وجود حدود مشتركة بين أفغانستان والصين يسهل من خلالها الانتقال بين البلدين، بجانب وجود جهاديين في أفغانستان بينهم مقاتلين ينتمون للإيغور أو للحزب الإسلامي التركستاني الذي يُعادي بكين، وهؤلاء المقاتلين يمكن أن يساعدوا في الهجمات ضد الصين أو ضد المصالح والشركات الصينية في أفغانستان سواء عن طريق الانخراط المباشر أو عن طريق توفير المعلومات ذات الطابع الاستخباري التي تمكن ولاية خراسان من ضرب الأهداف الصينية.
وذكر “فرزام” في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن هناك دلائل على أن التنظيم استقطب مقاتلين إيغوريين ومن بينها تفجير “محمد الإيغوري” نفسه داخل أحد المساجد المخصصة للهزارة في أفغانستان، لكن لا يبدو أن التنظيم استطاع استيعاب عدد كبير منهم حتى الآن، وهذا لا ينفي احتمالية أن يفعل ذلك مستقبلا.
وأكد المحلل السياسي الأفغاني أن طالبان تتشكل من تيارات مختلفة ومجموعات متنوعة ولا يمكن لقيادة الجماعة أن تسيطر على كل هذه التيارات والمجموعة بصورة حاسمة، مبينًا أن أحد أسباب استمرار داعش في أفغانستان/ ولاية خراسان هو وجود دعم من قبل بعض كوادر الجماعة لاستمرار التنظيم.
وألمح “فرزام” إلى أن هؤلاء الكوادر قد لا يكونوا في المستويات القيادية العليا داخل طالبان غير أنهم يوفرون الدعم للتنظيم في النهاية، ويساهمون في توجيه العمليات ضد المصالح الصينية، مردفًا أن الهجمات ضد الصين أو غيرها من الدول الأخرى مرتبط بالتفاهمات الداخلية في جماعة طالبان فإن نجحت قيادة الجماعة في تعزيز التعايش والتفاهم بين هذه التيارات فقد تتوقف الهجمات ضد المصالح الأجنبية بما في ذلك المصالح الصينية، أما إذا فشلت فسيتواصل استهداف المصالح الأجنبية.
وعلى نفس المنوال، قال جواد أحمد كرجار، المحلل السياسي الأفغاني، في تصريحات سابقة لـ”أخبار الآن” إن هناك معلومات وفرتها مصادر ميدانية أفغانية تشير إلى هناك شبكة من الانتحاريين المتواجدين في أفغانستان، في الوقت الحالي، تخطط لاستهداف دول إقليمية منها باكستان وطاجيكستان وحتى الصين وروسيا معتبرًا أن طالبان لا ترغب في ضبط الأمن بشكل كامل في أفغانستان حتى تستفيد من حالة الفوضى الإقليمية في الضغط على دول الجوار الأفغاني.
واعتبر “كرجار” أن طالبان تسعى للحصول على الدعم والاعتراف الإقليمي والدولي ولذا تستثمر ورقة الإرهاب ووجود تنظيمات مثل داعش في أفغانستان/ ولاية خراسان حتى تضغط على المجتمع الدولي للاعتراف بحكمها في نهاية المطاف، على حد تعبيره.
الخلاصة
أكدت المواد الدعائية الأخيرة التي نشرها تنظيم داعش لفرعه المحلي في أفغانستان “ولاية خراسان” على أن مركز ثقل التنظيم ينتقل نحو الأفرع الخارجية في آسيا وإفريقيا، ومن ناحية أخرى فإن هذا الانتقال نحو وسط آسيا والتلويح بتوسيع النشاط ليشمل دول أخرى في المنطقة يبين عدم فاعلية الحملة التي تشنها جماعة طالبان ضد “ولاية خراسان”.
ويطمح التنظيم في الوقت الحالي إلى استغلال علاقات طالبان مع دول تضطهد المسلمين (كما يحدث للإيغور على أيدي الصين) من أجل حشد الدعم وتجنيد مقاتلين جدد لكي تنجح حملته للبقاء والتمدد، كما يطمح إلى كشف أن إستراتيجية التغلغل الصينية هي في حد ذاتها تهديد للمنطقة وبالتالي يكون حالة من السخط والغضب تجاه بكين انطلاقا من أجندتها الخاصة.
ومن اللافت أن تنظيم داعش وفرعه المحلي في أفغانستان توجه، في السنوات الأخيرة، نحو ما يصفه بالعدو القابع في الشرق في إشارة للصين التي تعهد التنظيم بالقتال ضدها في أكثر من مناسبة، ويلفت هذا الاهتمام إلى رغبة داعش في تبوء مقعد قيادة الجهاد العالمي عبر التركيز على قضايا المظالم المحلية للأقليات المسلمة في أنحاء العالم، محاولا بهذه الطريقة استقطاب أفراد من تلك الأقليات لصفوفه لتعزيز قوته ونفوذه والتأكيد على شعاره وعلامته الجهادية التي اختارها لنفسه وهي “باقية وتتمدد”.
ويصف التنظيم، مؤخرا، بكين بأنها وجه آخر من وجوه “الإمبريالية العالمية”، وفق تعبيره، وهو ما يعد نقلة نوعية في خطاب داعش الذي يرواح في خطابه الدعائي بين مظالم الإيغور الذين تضطهدهم الصين وبين فكرة الصراع الجيوسياسي المحتدم في العالم، في الوقت الراهن، بل ويعتبر نفسه جزءًا من هذا الصراع.
وينظر داعش إلى التقارب الأخير بين الصين وجماعة طالبان، بما في ذلك قبول بكين أوراق السفير الطالباني بلال كريمي كأول سفير لجماعة طالبان في دولة أجنبية منذ وصول الجماعة للسلطة في 2021، على أنه فرصة للتدليل على فكرته التي دعايته ضد الجماعة والهادفة إلى نزع الشرعية عنها حتى يتمكن من تجنيد واستقطاب الجهاديين المؤيدين لها أو المنخرطين فيها.
ومن المحتمل أن يواصل التنظيم في الفترة المقبلة تركيزه على التعاون بين طالبان والصين من ناحية، وعلى إستراتيجية وطموح الصين للتوسع وتعزيز مكانتها الجيوإستراتيجية، لأنه يرى أن هناك فرصة للتمدد انطلاقا من سردية “التصدي للهيمنة الصينية” لا سيما في دول إفريقية وأسيوية تعاني من التدخلات الصينية أو تسقط في فخ الديون الصينية الذي يعتبره التنظيم أحد أدوات بكين للهيمنة العالمية، كما يقول.