الغرفة المشتركة للفصائل الفلسطينية المسلحة.. التنسيق والتماسك والتحالف العسكري
لقد أظهرت الهجمات التي شنتها الفصائل الفلسطينية المسلحة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر عام 2023، عن حجم التنسيق والتعاون العسكري بين الكتائب العسكرية الفلسطينية، حيث أن هناك شراكة عسكرية وعملياتية ربطت بين هذه الكتائب، من خلال إنشائهم غرفاً للعمليات المشتركة في كلٍ من غزة والضفة الغربية.
في العام 2006، تم طرح فكرة إنشاء غرفة عمليات مشتركة لأول مرة، بدأت آنذاك بتعاونٍ أولي بين كتائب القسّام وسرايا القدس في قطاع غزة، لتكون بمثابة مقر للتنسيق بين التنظيمات المسؤولة عن إنشاء القواعد العامة وآليات المواجهة والتوجيه العسكري للعمليات ضد إسرائيل.
وبعد محاولات عديدة تمت خلال عامي 2014 و2016، ظهرت غرفة العمليات المشتركة الفلسطينية في يوليو عام 2018 بغزة، ومن ثم تلاها ظهور غرفة عمليات مشتركة ثانية في جنين والضفة الغربية عُرفت باسم “الحزام الناري”، كان قد شكّلها كل من كتائب القسّام وكتائب شهداء الأقصى، وقد تطوّرت لاحقاً لتصبح تحت مسمى “غرفة عمليات عش الدبابير”، وذلك بعد أن انضمت كتائب أخرى إليها العام الماضي.
وتهدف غرفة العمليات المشتركة إلى تحقيق وحدة قوية بين كافة الجبهات، وتطوير الارتباط والتنسيق بين جميع القوات العسكرية العملياتية في كل الساحات وعلى كافة الجبهات.
وقد تم إنشاء غرفة العمليات هذه من أجل تنسيق وتدريب آلاف المقاتلين من جميع الكتائب، وكذلك إدارة العديد من المواقع العسكرية المنفصلة ومعسكرات التدريب التي تحتاج للتنسيق والخدمات وحل المشكلات.
غرفة العمليات الفلسطينية المشتركة
تضم غرفة العمليات المشتركة حتى الآن 12 مجموعة فلسطينية مسلحة تعمل بقيادة كتائب القسام، وتتمركز في أنفاق قطاع غزة. كما تشمل الجماعات المسلحة المشاركة من مختلف الأيديولوجيات والانتماءات السياسية ما يلي:
- كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحماس).
- سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد في فلسطين).
- كتائب أبو علي مصطفى (الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين).
- كتائب عمر القاسم (الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين).
- ألوية الناصر صلاح الدين (الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية).
- كتائب المجاهدين (الجناح العسكري لحركة المجاهدين الفلسطينية).
- كتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لفتح).
- كتائب جهاد جبريل (الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين – القيادة العامة).
- جيش العاصفة (الجناح العسكري لفتح).
- كتائب عبد القادر الحسيني (أحد الأجنحة العسكرية لفتح).
- سرايا أيمن جودة (أحد الأجنحة العسكرية لفتح).
- كتائب الأنصار (الجناح العسكري لحركة أحرار فلسطين/الأحرار).
مع الأخذ بعين الاعتبار بأن الفصيلين الأخيرين لم يشاركا في هجوم ٧ أكتوبر، ولم يقوما بأي نشاط عسكري ودعائي خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وتتميز غرفة العمليات بخصائص عملياتية عسكرية أدت إلى وحدة وتقارب واضحين بين الفصائل الفلسطينية، وتتمثل أهداف غرفة العمليات في الآتي: القيام بتشكيل جبهة موحّدة لمحاربة إسرائيل، وتنسيق أنشطة الفصائل الفلسطينية المختلفة، وتطوير سلطة سياسية واحدة، وتعزيز القدرات اللوجستية للفصائل الفلسطينية، وتعزيز الاحتياطات والمخزونات من الصواريخ والأسلحة التي تحتاجها القوات المسلحة وما إلى ذلك، وتنفيذ أنشطة تدريب مشتركة، وتنسيق الهجمات المشتركة التي يتم تنفيذها، وتوسيع النشاط العسكري ليشمل مناطق أخرى، بما في ذلك الضفة الغربية (عن طريق الألوية العسكرية التي تضم عدداً من الكتائب في الضفة الغربية داخل غرفة العمليات)، مما يمهد الطريق لتشكيل “الجيش الفلسطيني الموحد والمتحد”.
ورغم السيطرة التي فرضتها كتائب القسام على غرفة العمليات المشتركة، إلا أنها تقوم دائماً بالعمليات العسكرية من خلال قرارات جماعية منسقة. ويتم الاجتماع قبل وأثناء المعركة، كما يتم إدارة المواجهة عبر التشاور والتنسيق بما يتعلق بالقوة التي سيتم تطبيقها وتوقيت العمليات وحجمها ونطاقها ومشاركة المنظمات المختلفة. ولكن تمتلك الأجنحة العسكرية المختلفة التابعة لغرفة العمليات المشتركة مصادر خاصة لسلطتها السياسية تقوم فيها بالتشاور داخلياً حول قرار ما إذا كانت ستدخل في الصراع أم لا. وهناك لجان دائمة في غرفة العمليات المشتركة من مختلف الألوية والمناطق.
في أواخر العام 2022، تم افتتاح غرفة العمليات الفلسطينية، التي قامت بإنشاء مقر وموقع عسكري في الأنفاق تحت قطاع غزة، وأقامت العديد من الدورات التدريبية المشتركة للمدربين والمقاتلين، كما أجرت العديد من التدريبات، حيث قام المقاتلون من جميع الألوية بالكثير من التدريبات المشتركة بمختلف الطرق، كالهجمات النارية والليلية، وحرب العصابات في المناطق الحضرية، والعمليات المضادة للدبابات، والعمليات التي تتم تحت الماء، والعمليات العسكرية الخاصة، والاعتداءات المباشرة، واستخدام العبوات الناسفة، وعمليات الإنقاذ، وما إلى ذلك، مع توفير التواصل المستمر، والقيام بالتنسيق وتقديم الخدمات لجميع الأعضاء، سواء بشكل روتيني أو أثناء حالات الطوارئ، بالإضافة إلى تقييمات الوضع والاستخبارات، وتوريد الأسلحة وفقًا لقوات محددة، والدعم اللوجستي، والمعرفة العسكرية للقادة الميدانيين، ودورات تدريبية مشتركة للمدربين العسكريين من مختلف الأجنحة العسكرية.
على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، وكعادتها في نهاية كل عام، نظمت غرفة العمليات المشتركة تمريناً عسكرياً شاركت فيه كافة الألوية العسكرية التابعة لها. وأيضاً تتكرر التدريبات العسكرية المعروفة باسم “الدعم الحازم” كل سنة، حيث شهدت توحيد المقاتلين بطريقة مشتركة من جميع الألوية لإجراء تدريبات تشمل سياقات وأنواع عديدة من الأسلحة المستخدمة (والتي نشهد الكثير منها حاليًا في الدفاع عن غزة، مثل استخدام قذائف RGP-7 لاستهداف الدبابات الإسرائيلية، واستعمال العبوات الناسفة ضد الجرافات الإسرائيلية، وعمليات القنص، وعمليات الهاون، وإطلاق الصواريخ).
ولا تقتصر أنشطة غرفة العمليات المشتركة الفلسطينية واستعداداتها على العمليات العسكرية البحتة فقط، بل تشمل أيضًا تلك التي تتعلق بالدفاع عن المدنيين والخدمات والإدارة المدنية، بما في ذلك قوات الأمن الداخلي في غزة، من أجل التعامل مع أنواع عديدة من حالات الطوارئ التي تؤثر على السكان المدنيين.
غرفة عمليات عش الدبور
في بادئ الأمر، كانت حركة الجهاد المؤلفة من كتيبة جنين وكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح هما المؤسستين لغرفة العمليات. حيث عملت الجهاد بدايةً كامتداد لسرايا القدس في الضفة الغربية، وعملت كغيرها من الألوية بشكل مستقل في الدفاع ضد التوغلات الإسرائيلية.
وعلى مر السنين، أصبحت التشكيلات العسكرية الموجودة في جنين منسقة بشكل أكبر مما خفّض من ارتباطها بالسياسة، ومع تراجع الانتماءات والأيديولوجيات السياسية إلى الهدف العسكري الأساسي المتمثل في حماية جنين، أصبحت غرفة عمليات عش الدبور تحالفًا شاملاً لمجموعة غير متجانسة من الجماعات المسلحة التي تنسق للدفاع عن جنين. وتضم الألوية العسكرية في غرفة العمليات كل من:
- سرايا القدس.
- كتائب شهداء الأقصى.
- كتائب القسام.
- كتائب أبو علي مصطفى.
- كتائب المجاهدين.
- كتائب عمر القاسم.
- جيش العاصفة.
وإضافةً إلى تنسيق عمليات الدفاع العسكري، قامت غرفة العمليات أيضًا بإنشاء قوة عسكرية مشتركة خاصة تعمل بدون شارات وألوان تمثل ألويتها أو فصائلها السياسية، وكثيراً ما يتم نشر مقاطع فيديو وصور لعملياتهم العسكرية.
ووجود غرف العمليات العسكرية المشتركة عزز من قدرات الفصائل الفلسطينية، كما أدى إلى تحسين التنسيق والتعاون. ومن المؤكد أن التأثير الأكبر هو ذلك الخاص بغرفة العمليات المشتركة في غزة. وقد سمح وجود اثني عشر لواء عسكريا من مختلف الفصائل والأيديولوجيات السياسية بالتحسين من قدراتها على صد ومواجهة الهجمات الإسرائيلية.
علاوة على ذلك، قامت الكتائب الفلسطينية في غرفة العمليات المشتركة بدمج قدراتها بما في ذلك مخزون الصواريخ والأسلحة، ونتيجة لذلك، أصبح هناك تحسن كمي ونوعي للهجمات الصاروخية على الأهداف الرئيسة في العمق.