باب المندب والعلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة
أكدت الأخبار المتداولة مؤخراً عن خطط الحرس الثوري الإيراني لاستعمال قوات باكستانية وأفغانية مقرّبة من تنظيم القاعدة في عمليات انتحارية ضد أهداف إسرائيلية وعن مخططات النظام الإيراني لزعزعة الاستقرار في البحر الأحمر ومضيق باب المندب على توسّع الرعاية الإيرانية المثيرة للجدل لتنظيم القاعدة.
وهنا يجدر التذكير بأنه عندما أطلق منذ سنتين أحد وزراء الخارجية الأمريكيين السابقين على إيران إسم “القاعدة الجديدة لتنظيم القاعدة“، وصف بعض المحللين كلامه بالمبالغ فيه ومن باب الخطابة.
وحتى في فبراير/ شباط من العام 2023، عندما أعلنت الأمم المتحدة أن سيف العدل القائد غير الرسمي الجديد لتنظيم القاعدة موجود في إيران، اعتبر بعض الخبراء أنه لا يمكن اعتبار هذا الأمر وحده دليلاً على أن القيادة العامة للتنظيم تقدم خدمات أمنية لإيران بشكل فعال.
فبنظر هؤلاء الخبراء، لا يكفي ذلك وحده للحديث بسهولة عن نشوء رابط بين منظمة متجذرة في الإسلام السنّي وحكومة تحلم بإقامة هلال شيعي في المنطقة.
إلا أنه في النزاعات الإقليمية الأخيرة، أظهرت التطورات التي حصلت إلى جانب الأحداث السابقة بأن القاعدة وإيران باتتا مقربتين جداً لدرجة أن النظام الإيراني بدأ يعتبر عناصر القاعدة تحت كامل تصرفه.
في هذا التقرير سنقوم بتسليط الضوء على الوضع في الشرق الأوسط من أجل فهم ما حصل.
من باكستان إلى الشيشان.. القاعدة في خدمة النظام الإيراني
بناءً على معلومات مفصلة حصلنا عليها، فقد شكل الحرس الثوري فريقاً خاصاً يستعمل أفغاناً وباكستانيين من أجل تنفيذ عمليات انتحارية واغتيالات بحق أهداف إسرائيليين.
وهذا المشروع مختلف عن فرق الفاطميين و الزينبيين التي هي كناية عن ميليشيات شيعية أفغانية وباكستانية قد قاتلت في سوريا لصالح إيران ونظام الأسد. ولكن الحديث الآن هو عن أفراد ومجموعات سنّية متشددة.
تتولى تنفيذ هذا المشروع الوحدة 400 التابعة لفيلق القدس التابع للحرس الثوري وهي وحدة تم تأسيسها بغية تنفيذ عمليات خاصة خارج إيران ويتولى قيادتها القائد حامد عبد اللاهي Hamed Abdollahi الذي يخضع لعقوبات أمريكية وقد كان يشغل مسبقاً منصب قائد فرقة زاهدان وفي مرة من المرات كان نائب الجنرال قاسم سليماني في قيادة وحدة “ثأر الله الحادية والأربعين” في محافظة كرمان.
ويملك الحرس الثوري الإيراني خطة محددة لاستخدام أفغان في هذا المشروع الذي يتولى فيه عضو الوحدة 400 في الحرس الثوري “حسين رحماني Hossein Rahmani” البالغ من العمر 44 عاماً تجنيد أفغان من داخل إيران وأفغانستان من أجل استخدامهم في عمليات انتحارية ضد إسرائيل.
“حسين رهبان Hossein Rahban” هو عضو آخر في هذا المشروع الخاص بالحرس الثوري ويبلغ من العمر 45 عاماً وهو مولود في بندر غاز . وكان قائد الفريق الذي نفذ عملية المؤامرة التي قادها الحرس الثوري من أجل اغتيال رجل أعمال إسرائيلي في جورجيا.
وتشير تشكيلة هذا الفريق التي نشرتها للمرة الأولى صحيفة إنتل تايمز أن استخدام قوات أفغانية وباكستانية في عمليات الاغتيال الأخيرة التي نفذتها إيران لم يكن مجرد صدفة.
في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، نُشر بأن الوحدة 400 في فيلق القدس التابعة للحرس الثوري قد أرسلت فريقاً إلى جورجيا لاغتيال إيتسيك موشيه Itsik Moshe، أما مسؤولية جمع معلومات استخباراتية لهذه العملية الفاشلة فكانت قد كُلفت لفريق باكستاني على صلة بتنظيم القاعدة.
لكن الشرطة الجورجية قد كشفت المكيدة وقامت باعتقال عدة أفراد من هذه المجموعة بمن فيهم مواطن باكستاني يدعى أمير خان Amir Khan، والذي كان قد استأجر منزلاً للمجموعة في ضاحية سابورتالو في العاصمة تبليسي تولى فيه جمع معلومات عن تحركات “إيتسيك موشيه” مع مواطن إيراني- أفغاني مولود في العام 1991 ويدعى علي رضا طاجيك.
في مارس/ آذار من العام الماضي، أعلنت الشرطة اليونانية اعتقال مواطنين باكستانيين اثنين كانا يخططان لاستهداف مركز يهودي في أثينا وقد كشفا بأنهما تلقيا أوامر من مواطنين باكستانيين يقطنون في إيران.
في السنوات الماضية، استخدمت إيران أيضاً شيشانيين منتسبين إلى تنظيم القاعدة في عملياتها الخارجية. كما يوجد العديد من رجال القاعدة في القسم الخاص بمنطقة القوقاز وآسيا الوسطى في الوحدة 400 في فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. وتم اعتقال شوكوران محمدوف Shukuran Mamedov المقيم في جورجيا وهو عميل في فيلق القدس في الشيشان وتمت إدانته وسجنه في فولغوغراد في روسيا منذ عدة سنوات على خلفية انتسابه إلى تنظيم القاعدة.
كما يعتبر الفرع الشيشاني الروسي من الوحدة 400 في فيلق القدس ناشط جداً ويقوده أوليغ دويف Oleg Doev الذي ولد في الرابع من سبتمبر/أيلول من العام 1979 وأصلان سارالييف Aslan Saraliev المولود في العشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1973.
بالإضافة إلى أن بختيار نازاروف Bakhtiyor Nazarov وجامشيد شوكيروف Jamshed Shokirov ودافلياتالي خاسانوف Davliatali Khasanov وشمس الدين سعيدوف Shamsidin Saidov أعضاء بارزون في الفرع الطاجيك القرغيزستاني في فيلق القدس.
يرتبط كل هؤلاء الأفراد بتنظيم القاعدة أو بمجموعات على صلة بها في آسيا الوسطى.
هل تكون أفريقيا نقطة التركيز المقبلة لإيران والقاعدة؟
كان خريف العام 2023 نقطة تحول في تطورات في الشرق الأوسط. ونجم عن هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الذي قامت به حماس توترات أدت إلى حصول بعض الأحداث بوتيرة أسرع من المتوقع.
ومنذ بدء الرد الإسرائيلي على هجوم حماس في ظل هذه الحرب المستمرة، تصاعدت حدة التوترات في الشرق الأوسط وامتدت إلى ما بعد حدود إسرائيل والأراضي الفلسطينية. فنشط ما يسمى بـ “محور المقاومة” أو القوات العميلة للنظام الإيراني بتنفيذ هجمات بالمسيرات وضربات صاروخية على مصالح إسرائيلية وأمريكية في لبنان وسوريا والعراق.
ولكن لربما يكون الرد الأكثر جديةً وغير المنتظر هو رد الحوثيين، الميليشيات اليمنية المدعومة من إيران، فقد شنوا هجمات بالمسيرات والصواريخ على سفن تبحر في باب المندب زاعمين بأن السفن المستهدفة هي إسرائيلية كما حاولوا تنفيذ هجمات بالمسيرات والصواريخ العابرة للبحر الأحمر على إيلات في جنوب إسرائيل.
وبالرغم من أن هذه الهجمات باءت بالفشل حتى الساعة، فقد شكلت تهديداً كبيراً للتجارة العالمية لدرجة أن مجموعات الشحن الكبرى بما فيها “ميرسك” و”هاباغ لويد” قد غيّرت مساراتها بهدف تفادي المرور في المنطقة بحيث باتت تفضل المسار الأطول بمرورها حول رأس الرجاء الصالح.
ترافقت الأحداث التي تلت هجمات السابع من أكتوبر مع تلاق للخطابات والأفعال التي قام بها الحوثيون وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
فلسنوات طويلة، أشار اليمنيون الجنوبيون بمن فيهم الجهاديون المركزون على الداخل اليمني إلى وجود تحالف بين الحوثيين والقاعدة في اليمن وجاءت الأحداث الأخيرة لتؤكد على صحة مزاعمهم.
فبطريقة أو بأخرى، حقق الحوثيون أحلام التنظيم باستهداف السفن مظهرين بذلك أن كلا الطرفين يستلهمان أفكارهما ويتبعان نفس الأسياد في طهران.
يمرّ حالياً 12% من التجارة العالمية عبر باب المندب وسنوياً تمرّ سلع بقيمة 700 مليار دولار عبر هذه الطريق. ويعتبر باب المندب أحد أكثر المضائق دقةً في العالم وأكثرها هشاشةً بوجه المجموعات الإرهابية نظراً إلى مرور أكثر من 25 ألف سفينة عبره ومرور ملياري برميل من النفط عبره سنوياً و3.8 مليون برميل من النفط عبره يومياً.
أفاد الناطق بإسم الحرس الثوري الإيراني في السابع والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول من العام الحالي 2024 بأن اليمنيين قد انتقوا أفضل خيار بهدف محاصرة ومنع دخول السلع إلى إسرائيل .
لكن التحركات الإيرانية حول البحر الأحمر ليست محدودة بالحوثيين. فلسنوات طويلة، حاول الحرس الثوري تعزيز وجوده في شرق وشمال إفريقيا بهدف التحول إلى قوة مؤثرة في المنطقة.
ويتزامن ذلك مع عمليات وزارة الاستخبارات في المنطقة لا سيما محاولة تشكيل شبكة جاسوسية في تنزانيا كما كشفت صحيفة إيران إنترناشونال.
وفي أحد أحدث التطورات في الأشهر الماضية، توجهت مجموعة من المسؤولين السودانيين إلى إيران لشراء مسيرات وتعلم كيفية تشغيلها. وضمت المجموعة رجل سياسي سوداني رفيع المستوى يدعى نصر الدين محمد آدم محمد ومسؤولين آخرين هما محمد التيجاني عمر موسى وعمر محمد علي العجيب.
وبحسب مصدر موثوق، جاءت هذه العملية ضمن سلسلة من عمليات بيع مسيرات يقوم بها الحرس الثوري للسودان بهدف تفعيل قوته المؤثرة فيها، كما كشفت وزراة الدفاع الأمريكية مؤخراً بأنه تم التعرف على مسيرة إيرانية في المجال الجوي السوداني.
حتى 9 سنوات مضت، كانت السودان قاعدة لنقل ذخائر من إيران إلى حماس من خلال شبكة معقدة من المهرّبين كانت قد تأسست على يد الحرس الثوري في إفريقيا.
وفي عهد الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، خصصت إيران ميزانية كبيرة للتأثير في الدول الإفريقية، في تلك الفترة، زار الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير العاصمة الإيرانية والتقى بالمرشد الأعلى خامنئي.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2012، رسى الأسطول البحري الإيراني في بورتسودان لمدة 3 أيام في زيارة أتت على إثر استهداف مصنع أسلحة في جنوب الخرطوم بضربة جوية. وعندها وجهت السودان وإيران أصابع الاتهام إلى إسرائيل بالوقوف وراء هذا الاعتداء.
في مارس/آذار من العام 2014، في عهد الرئيس حسن روحاني، صادرت البحرية الإسرائيلية سفينة تنقل شحنة من الأسلحة في البحر الأحمر، وكانت السفينة تحتوي على صواريخ “خيبر – 1” الإيرانية الصنع والتي كانت تصنّع في سوريا وكانت متوجهة من السودان إلى غزة.
بعد مرور بضعة أشهر، ساءت العلاقة بين إيران والسودان. فقامت الخرطوم أولاً بإقفال مكتب الملحق الثقافي الإيراني في البلاد واتهمت طهران بنشر الفكر الشيعي في البلاد. كما أن الرئيس السوداني صرح حينها أن إيران كانت تزمع السيطرة على الدول العربية.
بعد الهجوم على سفارة المملكة العربية السعودية في طهران، قامت السودان بقطع علاقاتها السياسية بإيران دعماً للرياض. وكذلك كانت السودان عضواً في التحالف العربي الذي قادته الرياض ضد المقاتلين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.
ولكن في يونيو/ حزيران الماضي من العام ٢٠٢٣، التقى وزيرا خارجية إيران والسودان في باكو بعد 9 سنوات. وبالتحديد بعد مرور يومين على هجوم حماس على إسرائيل، أعلنت طهران والخرطوم في بيان مشترك بأنهما ستسأنفان علاقاتهما.
في السابق، حاولت طهران التأثير في جيبوتي، البلد الصغير المساحة والذي يملك موقعاً إستراتيجياً مهماً نظراً لقربه من باب المندب.
وقد تأثرت خطط إيران لحصولها على موطىء قدم في أفريقيا بحدثين: كان أحدهما الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في العام 2015 والذي قررت على إثره الحكومة الإيرانية نقل اهتماماتها نحو الغرب. أما الثاني فكان الهجوم على سفارة المملكة العربية السعودية في الثاني من يناير/ كانون الأول من العام 2016 في حدث دفع بعدة دول اسلامية أفريقية إلى قطع علاقاتها بالكامل بإيران أو تقليصها وذلك دعماً للرياض.
ولكن بفضل اتفاق التطبيع المبرم مع المملكة العربية السعودية في مارس/ آذار الماضي، تحاول إيران استئناف علاقاتها بالدول الإفريقية.
من جهة أخرى، أشارت تقارير موثوقة إلى أن الحكومة الإيرانية تحاول استخدام قوات باكستانية وأفغانية منتسبة إلى تنظيم القاعدة في عمليات خارجية ضد أهداف أمريكية وإسرائيلية وذلك باختيارهم من بين مجموعة كان بعض أعضائها البارزين يعيشون في إيران منذ سنوات.
كانت هذه المجموعة تعمل مع إيران منذ زمن طويل كما بيّن تحليل التغيرات في بنية القيادة الخاصة بتنظيم القاعدة. فهل يكون هذا التعاون، كما حدث في عدة مرات في السابق، تحالفاً تكتيكياً مؤقتاً أم أن إيران والقاعدة قد توصلتا إلى تحالف إستراتيجي؟ وهل وافقت القاعدة على ضم قوتها إلى الحكومة الإيرانية الشيعية من أجل مقاتلة ما ينظرون إليه كعالم “الكفّار”؟ فكيف ومتى اجتمع هذان الطرفان؟
من الحرب البوسنية إلى تفجير ضريح الإمام الثامن لدى الشيعة
كان تنظيم القاعدة سنياً منذ تأسيسه وحدد مهمته بالجهاد ضد “العالم الكافر”، مرتكزاً إلى تفسيرهم المتطرف للدين. وتعتبر القاعدة الشيعة “مرتدين” وبالتالي من وجهة النظر هذه، فإن القاعدة وإيران هما من الأضداد.
إلا أن الحكومة الشيعية في إيران تزعم بأنها تنشر الإسلام في العالم بأسره بما في ذلك الدول الغربية. ويدعي بعض أصحاب النظريات في إيران بأنه تحت قيادة نظام خامنئي سيتغير العالم للغاية لدرجة أنه سيتم بناء “حسينية” في البيت الأبيض وسيقام حفل للاحتفال بمولد الإمام الثاني عشر لدى المسلمين الشيعة في قصر “باكنغهام” وسيتم الاحتفال بليلة القدر في قصر “فرساي” في باريس.
ولم تقم القاعدة باستهداف إيران بشكل جدي لا بل وجد الطرفان تدريجياً مجالات للتعاون التكتيكي بينهما وقد أصبحت مؤخراً القيادة العامة لتنظيم القاعدة خاضعة بالكامل لأجهزة الاستخبارات الإيرانية.
وكشف ما لا يقل عن قائدين في الحرس الثوري بأن رجالاً من القاعدة قد تعاونوا مع الحرس الثوري خلال الحرب البوسنية. فقد قال سعيد قاسمي وهو قائد متشدد في الحرس الثوري إن القاعدة نقلت عن القوات الإيرانية في البوسنة فكرة اعتمار عصائب للرأس.
في يونيو/ حزيران من العام 1994، أدى تفجير ضريح الإمام الثامن لدى الشيعة في مشهد إلى سقوط ما لا يقل عن 25 ضحية. وحينها نسبت السلطات الإيرانية مسؤولية التفجير إلى “مجاهدي خلق” الإيرانيين وهم مجموعة إيرانية معارضة وحتى أنها حاكمت فردين تابعين لها ولكن مصيرهما بقي لغزاً.
إلا أن العملية في الحقيقة كانت من تنفيذ رمزي يوسف Ramzi Yousef وهو منتسب إلى تنظيم القاعدة وهو متورط في تفجير مركز التجارة العالمي في العام 1993. ولكن بعد سنة على التفجير، نقلت صحيفة ذا نيوز الباكستانية بأن مواطناً باكستانياً يدعى “عبد الشكور” قد اعترف بتنفيذه التفجير.
وذكرت صحيفة “نيوز” الباكستانية اليومية الصادرة في 27 مارس 1995 ما يلي: “لقد حدد المحققون الباكستانيون هوية عبد الشكور البالغ من العمر 24 عامًا والمتعصب الديني والمقيم في لياري في كراتشي، باعتباره مساعدًا باكستانيًا مهمًا لرمزي يوسف. عبد الشكور كان له اتصالات خاصة مع رمزي أحمد يوسف وكان مسؤولاً عن انفجار قنبلة ضخمة في مرقد الامام علي رضا في مشهد في 20 يونيو 1994”.
في العام 1999، صرح وزير الداخلية الإيراني في محاكمته بأن تفجير “مشهد” كان عملية زائفة. وحقيقةً تبين لاحقاً بأن التفجير قد نفذته وزارة الاستخبارات الإيرانية.
شدد تقرير لجنة التحقيق في تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول على أن إيران وحزب الله في لبنان قد لعبا دوراً بارزاً في تدريب الرجال الذين نفذوا الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي. لكن اللجنة أشارت إلى عدم وجود دليل يوحي بأن إيران كانت على علم بالهجوم.
ولكن في يونيو/ حزيران من العام 2018، اعترف محمد جواد لاريجاني وهو الأمين العام السابق لقسم حقوق الإنسان في السلطة القضائية في مقابلة تلفزيونية بأن إيران قد لعبت دوراً في نقل رجال القاعدة من المملكة العربية السعودية إلى إيران.
هروب قادة القاعدة إلى إيران
على إثر الهجوم الأمريكي على أفغانستان، قام قادة القاعدة بمغادرة قندهار فتوجهت مجموعة منهم إلى الجبال الواقعة عند الحدود الشرقية وهرب قسم آخر إلى إيران.
وكانت المجموعة التي توجهت إلى إيران بقيادة سيف العدل، كما ضمت المجموعة قادة آخرين على غرار أبو مصعب الزرقاوي وأبو خير المصري وأبو محمد المصري وصالح القروي الذين فروا إلى إيران مع أسرهم إلى جانب حمزة نجل أسامة بن لادن.
اختبأ سيف إلى جانب أبو الخير وأبو محمد المصري في شيراز بحماية مؤيدين محليين لتنظيم القاعدة.
على إثر عملية إرهابية في المملكة العربية السعودية في مارس/ آذار من العام 2003، رصدت الاستخبارات السعودية اتصالاً هاتفياً أصدر الأمر بتنفيذ الهجوم. وتم رصد مصدره وقيل إنه شيراز في إيران.
في 23 أبريل/ نيسان من ذلك العام، قامت إيران باعتقال سيف العدل وأبو خير المصري وأبو محمد المصري ووضعتهم قيد الإقامة الجبرية.
فقضوا 20 شهراً معتقلين في أحد مراكز وزارة الاستخبارات من ثم تم نقلهم مع أسرهم إلى مجمع عسكري قريب من طهران وكان يقع تحديداً في منطقة لافيزان شمال غرب طهران بحسب الوصف الذي قدمه سيف العدل.
كتبت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية بأن أحمد وحيدي Ahmad Vahidi وهو أول قائد لفيلق القدس في الحرس الثوري ووزير دفاع سابق ووزير داخلية حالي قد التقى بسيف العدل في تلك الفترة.
في العام 2005، ذهب أبو مصعب الزرقاوي إلى العراق بمساعدة إيران واستلم قيادة القاعدة في العراق.
دعمت إيران حينها نشاطات القاعدة في العراق لأنها منعت الولايات المتحدة الأمريكية من السيطرة بسهولة على العراق المحتل وعززت انعدام الأمن بهدف تعبيد الطريق أمام التدخل الإيراني في العراق، فتمكنت إيران من تحقيق هدفيها.
في مايو/ أيار من العام 2003، في مقابلة مع شبكة أي بي سي نيوز، لم ينف جواد ظريف الذي كان يشغل منصب سفير إيران إلى الأمم المتحدة وجود سيف العدل في إيران ولكنه قال إن إيران قد اعتقلت رجالاً من القاعدة أكثر من أي بلد آخر في الأشهر الأربعة عشر الماضية.
في هذا الوقت، بقيت هذه المجموعة من قادة القاعدة من دون اتصال مع العالم الخارجي. ولكن منذ العام 2008، تحسن الوضع وأصبحوا قادرين على إرسال رسائل إلكترونية عبر مصطفى حامد وهو مؤرخ وصحفي مصري وهو صهر سيف العدل.
وكان يُسمح للسجين استعمال الانترنت مرة في الأسبوع، كما أن مقالات حامد قد سمحت للعالم الخارجي بمراقبة التطور الإيديولوجي الخاص بأفراد مقربين من قادة القاعدة في إيران.
في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2009، أكد وزير خارجية إيراني سابق رسمياً بأن إيمان إبنة أسامة بن لادن كانت في إيران ومتواجدة في السفارة السعودية.
أشارت بعض التقارير إلى أنها كانت تخضع للمراقبة حين كانت تتبضع في أحد أسواق طهران وفرت هاربة نحو السفارة السعودية.
أما زينة زوجة عمر بن لادن فقد قالت لصحيفة الشرق الأوسط إن 5 من أبناء أسامة بن لادن وهم سعد و عثمان و فاطمة حمزة و بكر إلى جانب ام حمزة وهي إحدى زوجات أسامة بن لادن كانوا يعيشون في طهران .
وشكرت محمود أحمدي نجاد الرئيس الإيراني حينها على معاملتهم بشكل حسن.
بعد مرور بضع سنوات، نشرت وكالة الاستخبارات الأمريكية فيديو لعقد قران حمزة نجل أسامة بن لادن على مريم المصري إبنة أحد قادة القاعدة الأخيرين في طهران .
خطف رهائن في اليمن واتفاق مع القاعدة في طهران
في العام 2011، عرض مسؤولون إيرانيون على سيف العدل وأبو محمد المصري وأبو خير المصري فرصة إطلاق سراحهم وإعادتهم إلى بلدهم مصر لكنهم رفضوا، وبالرغم من أن الرئيس حسني مبارك كان قد أزيح من السلطة، فقد كان الجيش يسيطر على مصر وكانت عودتهم يمكن أن تعني التضحية بحياتهم.
أما صهر سيف العدل ومؤيده مصطفى حامد فقد سمح له بمغادرة إيران فغادر وعاد أدراجه إلى بلده مصر ولكنه بعد ذلك اختار بملء إرادته العودة إلى طهران. لقد أظهرت هذه القصة أن قادة القاعدة وأسرهم قد اعتادوا على العيش في إيران وأصبحت إيران راعيهم وهم قبلوا بهذا المصير.
في يوليو/ تموز من العام 2013، قامت القاعدة بخطف ديبلوماسي إيراني يدعى نور أحمد نيكبخت Nour Ahmad Nikbakht في صنعاء في اليمن ولكن تم أطلاق سراحه بعد سنة ونصف، في مارس / آذار من العام 2015 مقابل 5 رجال من القاعدة .
في البداية، لقد سربوا لائحة أسماء ضمت سيف العدل وأبو محمد المصري ولكنه تبين لاحقاً أن هذين الأخيرين قد بقيا في إيران. إلا أن أبو الخير المصري وساري شهاب (أبو خلاد المهندس) وخالد العاروري (أبو القسام الأردني) قد ذهبوا إلى سوريا .
ولكن الصفقة تضمنت بنداً آخر، فقد تم التوافق على أن يُمنح قادة القاعدة الكبار في إيران قدر المستطاع حرية التصرف ولكن بالطبع تحت مراقبة الاستخبارات الإيرانية.
في العام الماضي، تم نشر صورة لثلاث قادة كبار في تنظيم القاعدة في طهران وهم سيف العدل وأبو محمد المصري و أبو الخير المصري. حددت وسائل الإعلام بأن الصورة تعود للعام 2015 ولكنها في الحقيقة قد التقطت في العام 2012 في حديقة حديقة الماء والنار Ab-o-Atash في طهران.
وأكدت هذه الصورة تقرير سابق صدر عن مصدر موثوق بأن سيف العدل ورجال آخرين من القاعدة في إيران لم يعودوا قيد الاعتقال بعد العام 2008.
مكان التقاط صورة قادة القاعدة الثلاثة في طهران
وأشار القائد أحمد فاهيدي Ahmad Vahidi إلى لقائه مع قادة من فيلق القدس في الحرس الثوري بمن فيهم قاسم سليماني .
ولكن ماذا كان يعني على أرض الواقع منح رجال القاعدة في الاتفاق حرية التصرف؟ بناءً على تقارير منشورة، يمكن القول بتأكيد بأن السلطات الإيرانية سمحت لسيف العدل وأبو محمد المصري بالتواصل مع أيمن الظواهري بشأن الحرب الأهلية السورية.
كانت إيران تهدف عبر هذه الاتصالات ووعياً منها للاختلافات الداخلية بين القاعدة وجبهة النصرة إلى هندسة الحرب السورية وزيادة حدتها لأنها شكلت فرصةً لوجود الحرس الثوري الإيراني في سوريا وتأثيره فيها.
كما بدا مؤخراً بأن قادة القاعدة في إيران قد سمح لهم أيضاً بالتحرك في بلدان أخرى مع التأكيد على عدم إجراء أي عملية من داخل الأراضي الإيرانية. بعبارات أخرى، نجحت الاستخبارات الإيرانية في السيطرة بشكل فعال على اتصالات قيادة القاعدة وأعمالها.
أعلن العاروري رسمياً في يوليو/ تموز من العام 2016 أن أبو محمد المصري وسيف العدل لم يتخذا فقط قرارات بشأن سوريا بل بشأن العالم بأسره.
بعد مرور سنة على ذلك، كُتب على منصة تواصل إجتماعي تابعة لتنظيم القاعدة بأن سيف العدل وأبو محمد المصري قد خرجا من السجن لكنهما لم يكونا قادرين على مغادرة إيران.
صرح وزير الخارجية الأسبق مايك بومبيو في يناير/ كانون الثاني من العام 2021 بأن وزارة الاستخبارات والحرس الثوري أمنوا ملاذات آمنة لتنظيم القاعدة ودعماً لوجستياً له.
وعلى حد قوله، فإن طهران سمحت للتنظيم بإجراء عمليات جمع أموال والتواصل بكل حرية مع رجال القاعدة من حول العالم، والقيام بعدة أعمال كانت تنفذ في السابق من أفغانستان أو باكستان ولكنها باتت تنفذ من داخل إيران .
في فبراير/ شباط من العام 2023، أعلنت الأمم المتحدة أن سيف العدل المقيم في إيران هو الزعيم الفعلي الجديد لتنظيم القاعدة، وهو من مؤسسي التنظيم وهو مسؤول عن تفجير السفارة الأمريكية في نيروبي في كينيا والتي أسفرت عن مقتل 200 شخصاً. كما هو معروف بإسم “صندوق أسامة بن لادن الأسود” لأن زعيم القاعدة حتى مماته قد ائتمن سيف العدل على أمنه الشخصي. ولكن كيف تمكن من تبوؤ زعامة القاعدة وما التغيير الذي أحدثه في خطابات التنظيم؟
تحوّل القاعدة باتجاه الشيعة من أيمن الظواهري إلى سيف العدل
بعد مقتل أسامة بن لادن ، نشرت الولايات المتحدة بعض الوثائق التي عثرت عليها في منزله, بحسب إحدى هذه الوثائق، وجه بن لادن رسالة إلى أتباعه بشأن إيران وقال ” إيران هي شرياننا الرئيسي على صعيد التمويل والرجال والاتصالات… وبالتالي لا داعي لمحاربة إيران إلا إن اضطررتم إلى ذلك.”
وكشفت وثيقة أخرى أن أسامة بن لادن قد راسل علي خامنئي من أجل ضمان إطلاق سراح أقرباء له في إيران. ولكن بحسب الوثائق نفسها، كان بن لادن يملك خططاً لمواجهة تأثير إيران في المنطقة.
يمكن القول إن أسامة بن لادن كان مهتماً بإنشاء علاقة براغماتية وصفقات مقايضة مع طهران وما كان ليوافق على منح الاستخبارات الإيرانية فرصة التحكم بالتنظيم.
ولكن مع وفاة أسامة بن لادن وتزعم أيمن الظواهري للتنظيم، أصبح لـ القاعدة وجهة نظر أكثر تعاطفاً مع الشيعة. فقد دعم الظواهري إنشاء تحالف مع الشيعة بوجه عالم الكفار ولكن هذا التغيير لم يبدّل طبيعة التنظيم السنّية. وكان الظواهري يتطلع أيضاً إلى تعاون براغماتي فحسب وليس إلى تسليم رقبة التنظيم إلى إيران.
بعد الاتفاق بين القاعدة و إيران، شكل سيف العدل وأبو محمد المصري وأبو الخير المصري الذي ذهب إلى سوريا مجلس قيادة التنظيم, وكانوا المسؤولين الرفيعي المستوى بعد أيمن الظواهري. من بين هؤلاء الثلاثة، قُتل أبو الخير المصري الذي كان نائب الظواهري، في العام 2017 في سوريا.
في مساء السابع من آب/ أغسطس ٢٠٢٠ ، أقدم عملاء يعتقد أنهم يعملون لصالح الموساد على اغتيال أبو محمد المصري، الرجل الثاني في التنظيم في شارع باسداران في طهران. وقُتلت معه ابنته مريم أرملة حمزة بن لادن.
وذكرت وكالة فارس للأنباء التابعة للحرس الثوري الإيراني في الليلة نفسها أن سكان هذا الزقاق أفادوا بمقتل رجل يتحدث العربية وامرأة من أصل لبناني بخمس رصاصات أثناء ركوبهما في سيارتهما. وأطلقت فارس على أسمائهم حبيب ومريم داودي.
وهذان الشخصان هما أبو محمد المصري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، وابنته مريم. وكانت مريم زوجة حمزة أحد أبناء بن لادن والذي تم قتله في العام ٢٠١٩. العملية تمت عن طريق استهدافهم من خلال رشقات نارية أطلقها رجلان على دراجتهما النارية عندما كانا يستقلان سيارتهما من طراز رينو L-90 خارج موقف السيارات.
جهاد طروادة: التحالف بين سيف العدل ومصطفى حامد والحرس الثوري
حوّلت وفاة أبو محمد المصري سيف العدل إلى الرجل الأول في تنظيم القاعدة في العالم، هو الذي عاش ثلث حياته تقريباً في إيران والذي تعتبر الولايات المتحدة والأمم المتحدة أنه لا يزال يعيش فيها بالرغم من أن بعض المصادر قد صرحت ولكن من دون وجود أدلة على أنه قد يكون انتقل إلى شمال أفغانستان في منتصف العام الماضي لربما لفترة قصيرة.
لم يتم الإعلان رسمياً عن تزعم سيف العدل للتنظيم لسببين: الأول هو وجوده في بلد شيعي والذي قد يكون أمراً مخزياً للتنظيم وسط أتباعه، وثانياً لم تعلن القاعدة بعد عن مقتل أيمن الظواهري وبالتالي لا يمكنها أن تعلنه رسمياً زعيماً لها على الرغم من أنه يلعب دور الزعيم في وقت تفتقد القاعدة فيه أيامها الغابرة وتعجز فيه عن إيجاد مكان لها في بلدان الشرق الأوسط.
في العام 2001، عندما انتقل سيف العدل إلى إيران، رافقه صهره أبو وليد المصري أو مصطفى حامد الصحفي المصري ومستشار التنظيم الذي كان قد اعتقل في إيران في العام 2003. لكن أطلق سراحه في العام 2011 وتمت إعادته إلى مصر في فترة بزوغ فجر الربيع العربي. إلا أنه عاد إلى إيران في العام 2016 ويعيش هناك.
في العام 2010، نشر مصطفى حامد سلسلة رسائل بعنوان “رسالة القاعدة إلى موقع مافا” تحت إسم مستعار “عابر سبيل” مما يبدو أنها كتابات لسيف العدل وتمت الإشارة إليها كنقد بناءٍ للجهاد في أفغانستان.
منذ العام 2009، يدير مصطفى حامد موقعاً إلكترونياً إسمه “مافا” من داخل إيران ويكتب فيه. في هذا الموقع الإلكتروني، يقوم بمناقشة العلاقات بين إيران والقاعدة ويذكر العلاقات الطيبة والتعاون من أجل حل أي سوء تفاهم.
يحب مصطفى حامد أن يقدم نفسه على أنه فيلسوف مستقل يتعالى عن المشاكل العملية الخاصة بمنظمة مثل القاعدة وحتى على الشرخ الشيعي السني ولكنه خلال العام 2023 أكدت كتاباته أن قلبه يميل باتجاه جمهورية الخميني.
بالرغم من أنه على علاقة جيدة مع طالبان كما يزعم وقيامه حتى بتحرير مجلتهم الناطقة باللغة العربية، عندما برزت التوترات بين طهران ونظام طالبان حول تقاسم المياه، دعم حامد فوراً ومن دون لبس مصالح إيران وحذر طالبان.
وكذلك عندما تخلت إيران عن حماس بعد هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، عاتب حامد قادة حماس وطلب من محور المقاومة التوقف عن دعمها متناسياً سنوات من الخطابات النارية عن “تحرير القدس”.
كما أن حامد هو المهندس النظري المسؤول عن التقارب الإستراتيجي بين إيران و القاعدة والعلاقة التي كشفت اليوم عن أبعاد جديدة.
في ذكرى هجمات 11 أيلول في العام الماضي ٢٠٢٣، نشرت القاعدة كتاباً بعنوان “33 استراتيجية للحرب” بقلم سيف العدل على قناة تليغرام الخاصة بالتنظيم. في هذا الكتاب، يحث سيف العدل القوى الجهادية على الابتعاد عن التفكير التقليدي وعلى الإبداع.
عنوان الكتاب مستوحى من كتاب يحمل العنوان نفسه وهو لكاتب أمريكي يدعى روبرت غرين. يبدو أن سيف العدل قد عدّل استراتيجياته الثلاث والثلاثين من هذا المصدر الأجنبي وطعّمها من فهمه الذاتي للدين.
تشير الأعمال التي يقوم بها سيف العدل و مصطفى حامد من الناحية العملية إلى أن فكرهما المرتكز على الإبداع والابتعاد عن الطرق التقليدية قد يعني تقرباً من إيران لدرجة أنهما حوّلا القوى الجهادية السنّية إلى جنود في ما يسمى بـ”جبهة المقاومة” الإيرانية وهي تيار يحاول تأسيس هلال شيعي في منطقة الشرق الأوسط.
نحو باب المندب؟
لا يجدر بالمرء أن يبحث بعيداً عن الأسباب التي دفعت سيف العدل إلى اختيار باب المندب لتنفيذ أول مشروع كبير مشترك له مع إيران.
في تسعينيات القرن الماضي، كان سيف العدل المسؤول عن عمليات التخريب في شمال شرق إفريقيا إنطلاقاً من تدريب رجال القاعدة على استعمال المتفجرات في الخرطوم في السودان في العام 1992 مروراً بتأسيس مخيمات تدريب عسكرية في إثيوبيا والصومال في العام 1993 انتهاءً بالهجوم على السفارات الأمريكية في دار السلام في تنزانيا حيث سقط 11 قتيلاً وفي نيروبي في كينيا حيث سقط 213 قتيلاً في العام 1998. وكان أحد أبرز الرؤوس المدبرة للهجوم على المدمرة الأمريكية يو أس أس كول في خليج عدن في العام 2000 والذي أسفر عن مقتل 17 شخصاً.
في العام 1996، ذهب إلى اليمن بقرار من أسامة بن لادن، وأسس فرعاً لتنظيم القاعدة هناك. فهو متخصص بمناطق باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر.
في الوقت الحالي، تملك القاعدة قوات لها فقط في الصومال ومالي والمغرب واليمن وسوريا وباكستان وأفغانستان ولكنها تملك أكبر عدد لها في الصومال المجاور لمنطقة باب المندب حيث يرتفع عدد رجالها إلى ما بين 7 و12 ألف رجل، مما يشكل دافعاً مناسباً لسيف العدل من أجل تنفيذ أول عملية كبيرة له في هذه المنطقة.
قد يكون ذلك حلماً للعدل إلا أن الحقيقة معقدة على أرض الواقع. ففيما تتعاون جماعة الشباب الصومالية بشكل دوري مع القاعدة، إلا أن الجهاديين الأفارقة لا يحبذوا كثيراً وجود المصريين على رأس قيادة التنظيم.
والدليل على ذلك المعارضة القوية لزعامة سيف العدل في محاولته السابقة في المنطقة بحسب ما أكد فاضل هارون الصومالي (فضل عبد الله محمد)، الملقب بأمين سر القاعدة والشهير بـ”فازول” وهو الحارس الخاص لسيف العدل ومرافقه سابقًا.
ولم يتصرف سيف العدل بشكل دبلوماسي، كما حاول رفيقه فاضل هارون أن يُصوره في مذكراته، فبمجرد وصوله إلى الصومال عام 1995، ازدادت الأمور سوءًا وتفاقم الانقسام بين العرب والصوماليين الذين رأوا أن العرب يريدون أن يتدخلوا في قرارهم، ورفضوا تقبل الأمر، ورفضت القبائل الصومالية المحلية تقبل خطة سيف العدل، بينما حاول الأخير دفع الصوماليين إلى طاعته عبر الاستشهاد بالنصوص الدينية التي تُوجب الطاعة للأمير.. إلخ وهو ما أعطى مردود سلبي أكثر، واضطر أبو حفص المصري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة آنذاك، أن يتدخل ليفض الاشتباك بين الطرفين، وينقل سيف العدل إلى مكان آخر.
غير أن سيف العدل وأسياده يركزون في خطاباتهم على محاربة عدوّهم الرئيسي إسرائيل. ففي مذكرات ابو مصعب الزرقاوي، يسمّي سيف العدل الحرب المباشرة والمستمرة مع الإسرائيليين بأنها عنصر حيوي قادر على إضفاء طابع المصداقية على الجهاد وتصويبه نحو هدفيه الرئيسيين ألا وهما السيطرة على العالم من خلال الإسلام وتدمير دولة إسرائيل .
من جهة أخرى، كان سيف العدل أحد المعارضين لهجمات 11 سبتمبر بالرغم من أنه قدم المساعدة للفريق عندما اتُخذ القرار النهائي بتنفيذ العملية. لذلك هو يفضل توجيه ضربات مستمرة على الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من توجيه هجمات دامية على غرار هجمات 11 أيلول. وبالتالي تتطابق معركة باب المندب مع فكره هذا.
من غير المرجح أن يكون أسياد سيف الإيرانيين في غاية السذاجة ليعتقدوا بأنهم قادرون على الانتصار على الغرب من خلال تصفية الحسابات. ولكن هنا بالتحديد يمكن أن نجد نواياهم المبيتة: فهم يستعملون في خطاباتهم شعارات محاربة الغرب وتحرير القدس فيما يزمعون في قرارة نفسهم أذية العالم السنّي.
ما هي الدروس التي سيستخلصها سيف العدل من تخلّي إيران بمنتهى السهولة عن حماس؟
سيف العدل هو أحد أبرز القيادات الرفيعة المستوى الحية في القاعدة. فقد لعب بعد مقتل بن لادن الدور الأهم في هيكلة التنظيم. وكان بن لادن قد عيّنه بصفته خبيراً عسكرياً في منصب القائد العسكري الأول في مواجهة القوات الأمريكية في قندهار في العام 2001.
ولكن بن لادن لم يكن واثقاً للغاية من قدرات سيف العدل القيادية لأن ميله إلى البراغماتية قد يكون أيضاً سبباً في سقوطه إذ يبدو أن سيف العدل قد قرر التحالف مع حكومة شيعية وتحويل التنظيم فعلياً إلى قوة عميلة لخدمة المصالح الأمنية الإيرانية. ولكن هنا يمكنه أن يواجه مشاكل مع المجاهدين لأن القاعدة لم ترتبط بأي تعاون حثيث مع إيران تحت زعامة بن لادن بالرغم من أنها تلقت مساعدات في مجال تدريب الرجال من حزب الله وإيران في تسعينيات القرن الماضي.
يتذكر سيف العدل كيف أهانت القاعدة وقيادات الحرس الثوري بعضهما البعض بين العامين 2003 و2008 عندما كان قيد الإقامة الجبرية في طهران مما شكل انعكاساً للنزاع الديني الذي رأى النور منذ تأسيس تنظيم القاعدة.
أما في الوقت الراهن، فيكمن السبب في عدم إعلان زعامته رسمياً للتنظيم في أنه يعيش في بلد شيعي الحكم. كما أن علاقته بالإيرانيين مصدر نزاع خلافي عالي المستوى في كنف الأوساط المقربة من القاعدة. ولكن سيف العدل يأمل في أن تتمكن الانتصارات الكبيرة من إقناع قوات القاعدة بالتعاون مع إيران بشكل مؤقت في حال تم هذا التعاون مع الحكومة الإيرانية، يبقى السؤال هل بقي شيء من هذا التنظيم سوى إسمه؟ وبالتالي هذا سؤال يواجهه سيف العدل ومجاهدو التنظيم.
لقد ازدادت صعوبة التحديات التي يواجهها سيف العدل وباتت مستعصية على الحل بشكل أقوى بسبب هجوم 7 أكتوبر الذي نفذته حماس والرد الإيراني عليه لأنه تبين للجميع أنه فيما تريد الحكومة الإيرانية استخدام المجاهدين السنّة لتنفيذ حروبها، هي قادرة على التخلي عنهم بكل سهولة ما أن يتوقفوا عن خدمة مصالحها.
صحيح أن سيف العدل يطلب حالياً من المجاهدين السنّة أن يكونوا قرابين يتم تقديمها من أجل جهاد طروادة الإيراني لكن حظوظ نجاحه غير مرتفعة. ولكن سواء تكللت محاولته بالنجاح أو باءت بالفشل، فستكون القاعدة الخاسر الأكبر لأسياد سيف العدل الإيرانيين.