بوتين يحاول صرف الانتباه عن فشل جهاز الأمن الروسي بتوجيه أصابع الاتهام نحو أوكرانيا
كانت ليلة جمعة هادئة، يستمتع فيها العشرات بعرض موسيقي داخل قاعة “كروكوس سيتي هول”، لكنها ما لبثت أن تحولت إلى هجوم دام بدأت وسائل الإعلام الروسية في الإبلاغ عنه في حوالي الساعة الثامنة والربع مساء، مع انتشار العديد من مقاطع الفيديو لعدد من المسلحين يطلقون النار على رواد الحفل بقاعة الحفلات التي تقع في كراسنوغورسك عند المخرج الشمالي للعاصمة الروسية موسكو.
لم يستغرق الأمر سوى دقائق معدودة ربما حتى تحولت قاعة الموسيقى إلى خراب أسود مشتعل تجاوز معه عدد القتلى في الهجوم 130، بينما اعتقلت السلطات الروسية 11 شخصا 4 من بينهم شاركوا في الهجوم بشكل مباشر، لكن الغريب عقب الحادث كان إصرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على توريط أوكرانيا بالهجوم الذي أعلن تنظيم داعش تبنيه عبر بيان نشره على تلغرام.
في اليوم التالي للهجوم على المكان، بدأت مزاعم تورط أوكرانيا في الظهور في روسيا، وقد ردد بوتين بعضاً من ذلك خلال خطابه العام يوم السبت دون تقديم أي دليل.
وجاء ادعاء بوتين بأن المهاجمين حاولوا الفرار إلى أوكرانيا بعد تعليقات المشرعين الروس الذين أشاروا بأصابع الاتهام إلى أوكرانيا مباشرة بعد الهجوم.
بوتين الذي لم يلق اللوم على أي جهة إرهابية، قال: “تم العثور على جميع مرتكبي الهجوم الإرهابي الأربعة، وجميع الذين أطلقوا النار وقتلوا الناس، وتم اعتقالهم”. وأضاف: “لقد حاولوا الاختباء وكانوا يتجهون نحو أوكرانيا، حيث تم، بحسب البيانات الأولية، إعداد ممر لهم على الجانب الأوكراني لعبور حدود الدولة”.
وبثت وسائل الإعلام الروسية مقاطع فيديو أظهرت على ما يبدو احتجاز المشتبه بهم واستجوابهم، بما في ذلك شخص قال للكاميرات إن مساعداً مجهولاً لداعية إسلامي اقترب منه عبر تطبيق مراسلة وحصل على أموال مقابل المشاركة في المداهمة.
صرف الانتباه عن عدم كفاءة جهاز الأمن الروسي
الاتهامات التي أطلقها بوتين وعملت الدعاية الروسية على ترديدها، رفضها وكيل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق مارك بوليمروبولوس جملة وتفصيلا، وقال إن إلقاء بوتين اللوم على أوكرانيا في إطلاق النار في قاعة الحفلات الموسيقية في موسكو هو “هراء”.
وأكد بوليمروبولوس أن بوتين قدم هذه الادعاءات لأسباب متعددة، مضيفا أنه استخدم خطابه لصرف الانتباه عن “عدم كفاءة” جهاز الأمن الروسي، وتكثيف حملة القمع ضد المعارضة، وخلق الفرصة لتعبئة المزيد من الناس لغزو أوكرانيا.
استغلال الهجوم لقمع إضافي
وتابع: “”لكن هناك بعض الأشياء التي أعتقد أن بوتين يمكن أن يستفيد منها للأسف. حملة قمع إضافية على المعارضة داخل روسيا، ولكن أيضًا إمكانية التعبئة. فما يقرب من 400 ألف ضحية من الحرب في أوكرانيا. هذا هو الجنود الروس الذين قتلوا وجرحوا. إنهم بحاجة إلى التعبئة. ربما نرى شيئًا ما في الأيام المقبلة هو أن يدعو فلاديمير بوتين إلى استدعاء المزيد من الأشخاص، لذا سيحاول الاستفادة من ذلك”.
بوليمروبولوس قال في تصريحاته لمراسل MSNBC أيضا “سمعنا فلاديمير بوتين في خطاب مدته خمس دقائق تقريبًا، ذكر أوكرانيا، وادعى أن الإرهابيين كانوا يحاولون بالفعل عبور الحدود إلى أوكرانيا”، “لا يوجد أي دليل على الإطلاق على ذلك. ومن ثم ترى أيضًا على شبكات التلفزيون الروسية بعض التزييف العميق الذي تم إنتاجه، والذي يبدو أنه يورط مسؤولي الأمن الأوكرانيين”.
ونفت أوكرانيا، التي تدافع عن نفسها ضد الغزو الروسي واسع النطاق لمدة عامين، مراراً وتكراراً أي صلة لها بالمهاجمين.
ووصفت وزارة الخارجية الأوكرانية اتهامات موسكو بأنها محاولة من الكرملين لتعبئة المواطنين الروس ضد أوكرانيا ومحاولة إبعاد المجتمع الدولي عن كييف.
وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير في بيان إن الولايات المتحدة تدين الهجوم وأشارت إلى أن تنظيم داعش هو “عدو إرهابي مشترك يجب هزيمته في كل مكان”.
تأجيج الحرب الروسية في أوكرانيا
وأشار تقرير نشرته أسوشيتد برس، إلى أنه يبدو وكأن موسكو “تريد استغلال الهجوم من أجل تأجيج الحرب الروسية في أوكرانيا، التي دخلت عامها الثالث”، منوهة إلى أن الرئيس الروسي لم يتطرق بتاتا إلى تنظيم داعش في خطابه.
ويستهدف تنظيم داعش، الذي فقد الكثير من أراضيه بعد العمل العسكري الروسي في سوريا، روسيا منذ فترة طويلة.
وأصدر تنظيم داعش بيانا يوم السبت على أعماق الذراع الإعلامي للتنظيم قال فيه إن الهجوم نفذه أربعة رجال استخدموا بنادق آلية ومسدسًا وسكاكين وقنابل حارقة.
وأضاف أن المهاجمين أطلقوا النار على الحشد واستخدموا السكاكين لقتل بعض الحاضرين في الحفل، ووصفت الغارة بأنها جزء من حرب داعش المستمرة مع الدول التي يقول إنها تحارب الإسلام.
وأعلن التنظيم، الذي ينشط بشكل رئيسي في سوريا والعراق ولكن أيضا في أفغانستان وأفريقيا، مسؤوليته عن عدة هجمات في منطقة القوقاز المضطربة في روسيا ومناطق أخرى في السنوات الماضية. وقام بتجنيد مقاتلين من روسيا وأجزاء أخرى من الاتحاد السوفييتي السابق.