القاعدة في اليمن: ماذا بعد موت باطرفي وتولي العولقي
في العاشر من مارس الجاري ٢٠٢٤ أعلن تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب بشكل رسمي وفاة زعيمه السابق خالد باطرفي، وقد اتسم بيان القاعدة بالكثير من الغموض دون أن يقدم أي تفاصيل إضافية حول ملابسات موته، ما دفع الكثيرين الى التكهن بأن ما جرى كان نتاج تصفيات داخلية أودت بحياة باطرفي، فيما طرح آخرون احتمالية تعرضه لعملية اغتيال معقدة.
وأضافت المصادر الجهادية بأن حالة باطرفي شهدت خلال الأشهر الأخيرة تدهورا مضطردا أجبره على خفض نشاطه القيادي والتواري عن الاجتماعات التنظيمية وتقليل ظهوره الإعلامي، وقد عجز باطرفي خلال أيامه الأخيرة عن القيام بمسؤولياته القيادية لذا فقد قام بتفويض الكثير من المهام الى القيادي خبيب السوداني، والذي عمل كأمير مؤقت للتنظيم طيلة الأسابيع الماضية.
وخلال فبراير الماضي بلغت الأعراض المرضية ذروتها في جسد باطرفي، وبسبب شح القدرات الطبية لدى تنظيم القاعدة، ظلت الحالة الصحية لزعيم قاعدة اليمن السابق تتدهور إلى أن توفي في مقر إقامته بإحدى معاقل التنظيم شرق البلاد.
وبحسب المصادر فإن بضعة أيام فقط فصلت ما بين وفاة باطرفي وما بين الإعلان الرسمي عن الخبر؛ وقد حاول تنظيم القاعدة في اليمن احاطة هذا الحدث بالتكتم الشديد، ونجح في منع أي تسريب للمعلومات الى حين التوافق على أمير جديد، ويقول قيادي جهادي أن مبعث هذا التكتم والغموض هو خشية قادة التنظيم من أن يتم استثمار الخبر لتعزيز الحالة الانقسامية في التنظيم واستثمار التباينات الحاصلة.
ويضيف القيادي أن عدد كبير من القيادات جاءوا الى اجتماع مجلس شورى التنظيم دون أن يكون لهم علم بالأسباب، وأنهم لم يكونوا يتوقعوا أبدا وفاة باطرفي لأنهم لم يبلغوا بأن حالته الصحية كانت حرجة، وقد صدموا حين تلقوا خبر وفاته.
وأشار القيادي الجهادي، الى أن حالة التكتم هذه ساعدت أيضا في خلق التوافق المطلوب لإحداث انتقال سلس في القيادة لمصلحة العولقي، ولو استمرت حالة الفراغ لمدة أطول كان من المحتمل أن تبدأ مختلف الأجنحة بالحشد لتمرير مرشحيها، لاسيما تيار سيف العدل الذي أظهر في أكثر من مناسبة سعيه إلى تمكين ابن الراحل من زعامة التنظيم.
نهاية طبيعية سبقها عام حافل بالتحولات
لقد جاء الفصل الأخير من حياة باطرفي رتيبا بالمقارنة مع مسيرته الدرامية بين السعودية وأفغانستان واليمن؛ وبالمقارنة مع حقبة زعامته التي امتزجت بالكثير من التحديات والمنعطفات، بدءً من حملة التصفية الأمنية الداخلية تحت شعار مكافحة الجواسيس، ووصولا إلى إعادة التموضع الاستراتيجي بالقرب من المحور الإيراني والامتثال لتوجيهات سيف العدل القيادي المصري المقيم في ايران.
لذا فإن رواية موته الطبيعي بالمرض بدت عصية على التصديق، ليس لدى المراقبين وحسب، بل حتى لدى بعض قيادات تنظيم القاعدة التي رأت أن ثمة بعض من المؤشرات التي تفيد باحتمالية وجود نمط جديد من عمليات الاغتيال، لاسيما بعد مقتل القيادي سليمان الصنعاني عقب أيام قليلة من وفاة باطرفي، وتعرض مقر إقامة “ابن المدني” نجل سيف العدل لحريق كبير أدى إلى إصابته ثم وفاته في وقت لاحق.
وللوهلة الأولى قد يبدو أن ثمة توجه لتصفية رجال سيف العدل وحلفاء إيران في تنظيم القاعدة، لكن هذه الفرضية قد تبدو ضعيفة إذا ما علمنا أن علاقة العدل وباطرفي مرت بالكثير من المنعطفات الحادة خلال العام الماضي.
لقد اتضح لخالد باطرفي خلال النصف الأول من العام الماضي، أن سيف العدل لا ينظر إليه كحليف وثيق، بل يعتبره جسر عبور مؤقت لتمهيد انتقال السلطة إلى نجله في اليمن، قبل تأكيد مقتل الأخير بعد وفاة باطرفي بأيام معدودة. وفي هذا السياق بدأت القيادات المحسوبة على العدل، وتحديدا إبراهيم البنا، تطرح ضرورة الشروع في عملية هيكلة تنظيمية جديدة وشاملة، تتضمن تقليص صلاحيات العدل، ولا تقتصر هذه الإجراءات على الهياكل التنفيذية (الأمني والعسكري والإعلامي) بل تشمل أيضا مجلس شورى التنظيم.
وقد بررت القيادات المصرية تحركاتها بالاستجابة الى متغيرات الساحة الجهادية اليمنية خصوصا مع تنامي الخلافات بين قيادات الصف الأول وما أنذر به الوضع من اقتراب الانقسام بين باطرفي ومجموعته، وبين العولقي والعناصر المؤيدة له.
وفي المقابل قام باطرفي باستغلال حدث المصالحة السعودية الإيرانية في أبريل 2023، وأمر بعقد اجتماع موسع لقيادات القاعدة، وخلال النقاشات طلب من العولقي تقديم خطة عمل جريئة هدفها الأساسي تحويل المصالحة الإيرانية السعودية إلى فرصة تاريخية لإعادة إنتاج التنظيم إعلاميًا وعمليًا باعتباره آخر كيان مسلح قادر على مواجهة الحوثي بعد أن قررت الرياض الانفتاح على طهران وصنعاء.
وقد بدأ باطرفي من حينها يركز على تعزيز نفوذه القيادي من خلال الموازنة بين التحالف القائم على المصلحة مع سيف العدل، وبين الاستدارة للتلويح بتبني توجهات العولقي.
ومع ذلك فإن رحيل باطرفي يظل ضربة موجعة لسيف العدل، وكذلك للمحور الإيراني لاسيما جماعة الحوثي، وذلك لسببين:
الأول أنه أنهى حقبة الأمير الضعيف الذي ناور نوعا ما للحفاظ على نفوذه واستقلاليته لكنه لم يعترض جذريا عن الخط الاستراتيجي العام الذي رسمه سيف العدل والمحور الإيراني وقد كان باطرفي أكثر قابلية للتعرض للضغط وكان أيضا أكثر انفتاحا لإبرام التفاهمات.
أما السبب الثاني فهو قوة سعد العولقي والذي سوف يحتمي بالأرض والمؤيدين متى ما مورست عليه ضغوط تنظيمية أو مالية كما أنه لم يكن متناغما على الاطلاق مع مبدأ التقارب مع المحور الإيراني بهدف ضرب العدو الخارجي.
نهج قائم على الاحتواء
تقول المصادر المطلعة على عملية تنصيب العولقي، بان الأوساط الجهادية اليمنية لم تشهد منذ العام 2015، هذا القدر من الإجماع حول تعيين القيادة الجديدة. وأن شرعية العولقي تبدو أقرب في سياقها الى تجربة الوحيشي والريمي، وهي أكثر تجذرا من سلفه باطرفي. وهذا سوف يمنح العولقي قدرة أكبر على فرض خطه الاستراتيجي والعسكري الجديد.
ومع ذلك نوه مصدر جهادي قريب من العولقي ، بأن الرجل وخلال المرحلة الراهنة لن يذهب تجاه أي استقطابات داخلية حادة، وعلى الأرجح فإنه سوف يحرص على احتواء كافة الأجنحة والمجموعات.
وقال المصدر إن أولويات العولقي تأخذ مرحلتين:
في البداية مرحلة الأولويات القصوى تتمثل في إعادة ترميم العلاقة مع الحواضن الشعبية والقبلية وكذلك تعزيز التماسك الداخلي للتنظيم، ومن ثم يأتي وقت الأولويات ذات الأهمية المتعلقة بإعادة ترتيب قائمة الأعداء والأصدقاء.
خلال هذه المرحلة سوف يأتي الاختبار الحقيقي لعلاقة العولقي والعدل، وكذلك علاقة التنظيم بجماعة الحوثي.
وعلى المدى القريب، من المرجح أن يتعامل كل من سيف العدل والعولقي بحذر مع بعضهما البعض. ففي نهاية المطاف، لا بد أن التطورات الأخيرة صدمت العولقي والعدل: العولقي استولى على القيادة وتخلص من باطرفي وخالد سيف العدل، حتى لو كان ذلك بسبب مرض وحريق. في الوقت الذي خسر سيف العدل حليفا على الأرض وفقد ابنه الذي كان يعده للقيادة.
وفي ظل السيطرة الإيرانية، من المستحيل أن يقوم سيف العدل بتحركات لا تتناسب مع مصالح طهران في اليمن وفي أي أماكن أخرى. هذه هي النقطة التي من المرجح أن يتصادم فيها سيف والعولقي، عاجلاً أم آجلاً.
العولقي يتمتع الآن بنفوذ قوي وقدرة على إضعاف السيطرة الإيرانية على تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. ويواجه سيف العدل مخاطر كبيرة فلو خسر معركته في اليمن فإن ذلك سيجعل تنظيم القاعدة بأكمله أقرب إلى نهايته، ليس فقط في اليمن ولكن على مستوى العالم.