منصات المراهنات.. كابوس يطارد الشباب وينهب أموالهم في غمضة عين
“أنا عليا وصلات أمانة وكلها 15 يوم وهتحبس.. أقسم بالله مش عارف أنام”.. كلمات تبدو قاسية، لكنها تعبر عن حال آلاف المصريين حاليا، ممن وقعوا في فخ منصة المراهنات SGO وخسروا مدخراتهم بين ليلة وضحاها، بعد أن اختفت المنصة التي ظهرت للعلن أول مرة في مصر منتصف العام الماضي..
بنبرة حزينة، يقول الشاب العشريني ويدعى أمير وهو من محافظة القليوبية في مصر إنه تعرف على المنصة من خلال أحد الأصدقاء الذي أغراه بما يمكن أن يحققه من ربح سريع قبل أن يرسل له رابطا للدخول إلى عالم المراهنات، وهو يعتقد أنه حياته ستتغير إلى الأفضل، لكنه لم يكن يعلم أن الأمر لن يطول أكثر من مجرد أيام ويقع في الفخ.
يضيف أمير في تصريحات لـ”أخبار الآن” أنه قام بإيداع كل ما يملكه من أموال وكانت تبلغ 25 ألف جنيه، جزء كبير من هذا المبلغ اقترضه من بعض الأشخاص، لكنه فوجئ بخبر إغلاق المنصة عندما حاول سحب أمواله، ليصطدم بواقع أنه أصبح مطالبا بسداد هذه الأموال التي لم يعد يمتلكها وإلا سيواجه مصيره بالحبس.
ماذا نعرف عن منصة SGO
منصة “سغو سي سي” (SGO.CC) هي منصة تداول رقمية ترتكز على فكرة المراهنات الكروية، ولكن بدلًا من أن تضع رهانك على من يكسب المباراة، فإن الرهان يكون على توقع النتيجة الخاطئة بنسبة يحددها المستخدم، ثم يحصل على مكاسب من المنصة استنادا على توقعه والنسبة الخاصة بها.
ظهرت المنصة التي كانت تروج لنفسها أنها موجودة بالسوق الهندي منذ ديسمبر/ كانون الأول 2022، ظهرت لأول مرة في مصر في يونيو الماضي، وبعد أن استمرت المنصة في العمل لبضعة أشهر جمعت خلالها مئات الملايين من الجنيهات على شكل إيداعات ورهانات من المستخدمين، بلغت نحو نصف مليار جنيه فوجئ الجميع باختفاء المنصة تماما، إذ أغلق الموقع الخاص بها وتم حذف التطبيق من المتاجر التي كان يعمل بها.
نحن في أخبار الآن حاولنا الاقتراب أكثر من هذا العالم الغريب بالدخول إلى عدد من الجروبات التي تم إنشاؤها على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا فيسبوك وتليغرام، وتواصلنا مع عدد من ضحايا منصة SGO، وصحفيين وخبراء في الأمن السيبراني لمعرفة القصة كاملة، وكيف تعمل منصات الاحتيال على الإنترنت وتنهب أموال الشباب بالملايين سواء من بوابة الرهانات على مباريات كرة القدم أو من خلال طرق أخرى.
مارو “اسم مستعار” لمشتركة أخرى لا تختلف قصتها كثيرا عن قصة أمير، تقول الشابة التي رفضت الإشارة إلى اسمها الحقيقي وهي من محافظة الإسكندرية، إنها مثل الكثيرين ممن أغواهم الربح السريع عن طريق إحدى صديقاتها التي أرسلت لها رابط الانضمام إلى المنصة.
تضيف مارو أنها ربحت في البداية بعض المبالغ البسيطة لأنها كانت تودع أيضا مبالغ صغيرة كتجربة للتأكد من حقيقة الربح، لكن الأمر تغير كليا بحسب الضحية التي قالت إنها بمجرد إيداعها مبلغا كبيرا طالبتها المنصة بدفع الضرائب، ورغم أنها استجابت للطلب إلا أنه تكرر أكثر من مرة وحتى الحصول على أموالها اضطرت إلى الدفع مجددا حتى بلغ إجمالي ما دفعته 48 ألف جنيه، وكما حدث مع غيرها اختفت المنصة.
بالبحث في هذا الموضوع وجدنا عدة تغريدات منشورة منذ أشهر على موقع “إكس” تحذر من هذه المنصة، وأنها ليست سوى عملية احتيال من أجل جمع أكبر قدر من المال.
لكل واحد في #مصر احذر نصبه جديده من منصه رهنات اسمها #SGO هذه المنصه بتعمل عن طريق هرمي تدخل عن طريق كود من واحد آخر بتلم اموال، و اكيد الطمع ان هتحصل علي ارباح يوميا و هذا غير صحيح لو عايز أنزلك فيديو مختصر عنها اكتب تم في التعليق. pic.twitter.com/x6Z47D0AkK
— Shiba Arab army™ (@Labib_co) January 20, 2024
ماذا حدث بالضبط مع منصة SGO
في إطار تحقيقنا حول منصات المراهنات المحتالة ومواقع التداول الرقمي غير الآمنة، تواصلنا في أخبار الآن مع مدير تحرير موقع القاهرة 24 ومحرر شؤون وزارة الداخلية المصرية فتحي سليمان، والذي كشف أن قطاع تكنولوجيا المعلومات بالتنسيق مع إدارة مكافحة جرائم الأموال العامة بقطاع الجريمة المنظمة في وزارة الداخلية يعملان دوما على تتبع مثل هذه المنصات التي انتشرت خلال الفترة الأخيرة، لكنه لفت إلى أنه يتم التحرك غالبا بعد تلقي أجهزة الأمن بلاغات من مواطنين تفيد النصب عليهم.
وأضاف سليمان أن أجهزة الأمن المصرية نجحت خلال الفترة الماضية في ضبط عدد كبير من القائمين على مثل تلك المنصات مثل منصة فيجور بالإسكندرية و”شي إن” للبلوجر سلمى الغازولي ومنصة “هوج بول”.
الصحفي المصري قال في حديثه لأخبار الآن إن مثل تلك المنصات انتشرت خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير على السوشيال ميديا والمواقع الإلكترونية بهدف واحد وهو النصب على المواطنين والإحتيال عليهم بإغرائهم عن طريق تجارة وهمية ومشاركات وتحقيق أرباح مالية رمزية لهم في البداية ثم إغلاق المنصة عقب تحقيق مبلغ مالي معين.
أما فيما يتعلق بقضية SGO تحديدا، فيقول سليمان إن قطاع الأموال العامة وأقسام شرطة تلقت عدة بلاغات من الضحايا ضد المنصة، مضيفا أن أجهزة الأمن بوزارة الداخلية المصرية عملت بعد تلقي هذه البلاغات على فحص المنصة والقائمين عليها وتتبع مسار الأموال التي تم دفعها.
وأوضح مدير تحرير موقع القاهرة 24 المصري، وفقا لما ورد في البلاغات المقدمة أن ضحايا منصة SGO قاموا بتحويل أموال إلى حسابات محافظ مالية بعد أن أغراهم القائمين على تلك المنصة بربح المزيد من الأموال عن طريق المشاركة في مشاهدات مباريات معينة وأرسلوا لهم أرباحا رمزية في البداية للمودعين وبعد حصد أموال أكبر منهم تم إغلاق المنصة وعدم الرد على استفسارات المودعين.
نهب 500 مليون جنيه
نحن في أخبار الآن تواصلنا أيضا مع محامي ضحايا منصة SGO خالد عبد العزيز الذي اكتفى بالإشارة إلى أن القضية قيد التحقيقات، لكنه قال في تصريحات سابقة لوسائل إعلام مصرية، أن عدد ضحايا المنصة تخطى 80 ألف شخص، وإجمالي المبالغ المنهوبة تجاوزت 500 مليون جنيه.
وأشار دفاع الضحايا إلى أنه عندما بدأ في تقديم بلاغات للنائب العام أو عن طريق النيابة، تواصل معه عدد من الأشخاص متخصصين في مجال البرمجة، وقاموا بشرح نبذة عن المنصة، وكانت المفاجأة أنه لا يشترط إجراء ترخيص عند البدء في إنشاء منصة إلكترونية، وقال إن هناك عددا كبيرا من المنصات تعمل دون تراخيص أو أوراق ثبوتية.
كيف تعمل منصات المراهنات على الإنترنت
لكن كيف تعمل منصات المراهنات على الإنترنت وكيف توقع الضحايا في شباكها؟، يقول المهندس أحمد طارق وهو خبير أمن معلومات إنه كان من أوائل الأشخاص الذين حذروا من مواقع المراهنات المنتشرة ومن بينها SGO، و1XBET الذي يستغل الإعلان عن نفسه من خلال مباريات كبرى عربية وغربية، مضيفا أن الشخص عندما يراه على واجهة هذه الإعلانات يعتقد أنه موقع ذو ثقة، ومن ثم لا تكون لديه مشكلة للدخول إليه.
يضيف طارق في تصريحاته لـ”أخبار الآن”، أن معظم منصات المراهنات وكذلك مواقع التداول الرقمي العاملة في منطقتنا العربية عبارة عن عمليات للنصب ولا يدري أحد ما المقصود من ورائها، لافتا إلى أن موقع 1XBET الشهير للمراهنة على نتائج المباريات مثلا، لا يتم تحميله على الهواتف من خلال المتجر المعتمد للأندرويد “أو آبل”، وهو أمر اعتبره طارق كارثي، مستدلا بالتحذير الذي يرسله الهاتف عند محاولة تثبيته وأن البيانات الموجودة ستكون في خطر، بل بمجرد الحصول على إذن التثبيت تتم عملية اختراق غير مباشرة ومراقبة واستهداف كامل للبيانات المتاحة.
ويؤكد خبير أمن المعلومات أحمد طارق أن كارثية الأمر تزداد مع عمليات الإيداع التي يقوم بها المشترك أو اللاعب على هذه المنصات، موضحا “يبدأ الأمر بالإيداع ثم القيام باللعب أو الرهان، ومع توالي الخسائر يبدأ الربح ليقوم الشخص بمضاعفة الرهان لتعويض خسارته، وهكذا مع كل شخص حتى تنجح المنصة في جمع الأموال”.
مفهوم الهندسة الاجتماعية
يشير طارق إلى أن لهذه المنصات هدف رئيسي وهي ناجحة في تنفيذه ويعرف بمفهوم “السوشيال إنجينيرينج” أو “الهندسة الاجتماعية”، ويتم تعريفها بفن اختراق عقول البشر، وهي آلية تتبعها معظم منصات المراهنات مثل SGO و1XBET فبمجرد تنزيل التطبيق أو البرنامج يتم منح المشترك مقابلا ماديا ليبدأ اللعب عن طريق مضاعفة الشحنة الأولى، ومع تجريب أول لعبة أو رهان يدخل الشخص في دوامة لا يستطيع الخروج منها، لأن الرهان يجلب رهانا آخر، فضلا عن ما يراه من فيديوهات لأشخاص آخرين يروجون للمنصات والادعاء بأنهم حققوا ربحا وفيرا من خلالها.
فريق عمل “أخبار الآن” حاول التواصل مع موقع 1XBET عبر البريد الإلكتروني من أجل حق الرد على المعلومات التي وردت في التحقيق وتتعلق بمنصته، لكن لم يصلنا أي رد حتى نشر هذا التحقيق.
أما عن كيفية استدراج الشخص، يشرح طارق أن الدخول إلى هذه المنصات يتم عبر دعوة عبر دعوة من شخص تسميه المنصة “الوكيل”، حيث يرسل هذا الشخص رابط العضوية الموجود بحسابه على موقع الشركة ويدعو الشخص المدعو إلى المشاركة والاستثمار في المنصة.
يوضح طارق، أن هذا الرابط يُعرف بـ”رابط الإحالة”، وهو موجود في حساب جميع أعضاء المنصة، ويستطيعون جميعا دعوة أعضاء جدد للتسجيل في المنصة التي يتم الترويج لها وبالتالي انتشارها بشكل كبير من خلال ذلك.
بعد ذلك تأتي الخطوة التالية، بحسب المهندس أحمد طارق وهي تقديم أرباح وهمية ورمزية لهؤلاء الضحايا لتعزيز مصداقية المنصة، وبناء شبكة ثانوية من المروجين، ثم تبدأ عملية جني الأرباح وذلك عبر بناء دورة متكاملة من تقديم الأرباح الضئيلة وجمع الرهانات من المشتركين.
وعن أسباب الانتشار الواسع لمثل هذه المنصات قال طارق إن ذلك يرجع الى استهدافها شريحة الشباب بين 18 و 40 عاما ويمثلون نسبة كبيرة من المجتمع بالإضافة إلى أن جزءا كبيرا من هذه الفئة يحب تجريب الأشياء الجديدة والمختلفة، فضلا عن السعي إلى تحقيق الربح السريع وهو ما يعتقد أنه سيجده في منصات المراهنات، التي تروج لنفسها أنها تستطيع تحقيق ذلك، وبالتالي كلما زاد حجم محفظة الرهانات الخاصة بالمشترك، زادت نسبة الأرباح التي يحوز عليها، وهو ما أقنع الكثيرين بزيادة حجم استثماراتهم داخل المنصة.
الإغراء بالربح السريع
من جانبه يقول مستشار الأمن السيبراني والتحول الرقمي رولاند أبي نجم إن كل منصات الاحتيال مثل SGO تعمل بنفس المبدأ وهو تقديم وعود براقة بتحقيق أرباح كبيرة وإمكانية الاستثمار وأنت ببلدك مع التأكيد على تحقيق أرباح تصل إلى 30 و40%.
يضيف أبي نجم في تصريحاته لـ “أخبار الآن” أن هذه المنصات بتعتمد على عدة عوامل إما الاستثمار بالعملات المشفرة أو من خلال التسويق الهرمي، حيث تقوم بجمع الأموال من الناس مقابل دفع أرباح رمزية يتم تجميعها من المشتركين أنفسهم، بمعنى أن هذه المنصات تجمع أموال يقوم بإيداعها شخص ما لإرسال جزء منها لشخص آخر كنسبة من الأرباح وهكذا.
يتابع أبي نجم أن المنصة تعمل بهذه الطريقة حتى تكتسب ثقة المشتركين فيقرروا المغامرة بمبالغ أكبر من أجل تحقيق ربح أكثر، وهنا يتحقق هدف هذه المنصات بجمع أموال كثيرة فتختفي بين ليلة وضحاها كما ظهرت أيضا.
ويحذر مستشار الأمن السيبراني من هذه المنصات التي يقول إن أي شخص في أي بلد يمكنه إنشاءها، ولأنها تظهر بهذه الطريقة من العدم، فلا توجد طريقة لاستعادة الأموال المنهوبة لأسباب عددها أبي نجم من بينها عدم وجود عقد شرعي او مسوغ قانوني، خاصة أننا نتحدث عن منصات تعمل بين دول مختلفة وليس داخل دولة بعينها.
هل يمكن التأكد من مصداقية هذه المنصات؟
وحول السؤال الذي قد يطرحه البعض بشأن التأكد من مصداقية مثل هذه المنصات، يقول رولاند أبي نجم إن هذا أمر صعب، مشيرا إلى أنه حتى المنصات التي قد يعتقد العالم أنها ذات مصداقية ومصدر ثقة للجميع يتبين بعد فترة عكس ذلك، مثل منصة FTX، التي حكم على مؤسسها سام بانكمان فريد، قبل يومين بالسجن لمدة 25 عاما يوم الخميس بتهمة الاحتيال والتآمر الهائل الذي قضى على بورصة العملات المشفرة الخاصة به وصندوق التحوط ذي الصلة.
رولاند أبي نجم أشار في حديثه مع أخبار الآن إلى قضية منصة “باينانس” التي اضطرت إلى دفع مبلغ 4.3 مليار دولار بعد أن وافق القاضي على صفقة الإقرار بالذنب التي تفرض واحدة من أكبر العقوبات الجنائية في تاريخ الولايات المتحدة ضد أكبر بورصة للعملات المشفرة في العالم.
وفي أواخر العام الماضي، اعترفت المنصة ومؤسسها، تشانغ بينغ تشاو، بالذنب في تهم مكافحة غسيل الأموال والعقوبات لحل تحقيق طويل الأمد أجراه المدعون العامون والمنظمون.
وعن أفضل طريقة يمكن الاعتماد عليها لتجنب الوقوع في فخاخ هذه المنصات المحتالة، قال أبي نجم إن الطريقة المثلى هي عدم اللجوء إلى هذه المنصات من الأساس مؤكدا على فكرة عدوم وجود شيء اسمه الربح السريع وأن الترويج لأي منصة تحقق هذا الهدف غالبا ما تكون محتالة.
كما أشار إلى وجود بعض الأليات المعتمدة التي قد يكون بإمكانها الكشف على هذه المنصات قبل التعامل معها، من بينها بعض المواقع التي يمكنها تحديد عمر هذه المنصات ومنذ متى وهي تعمل وأين وهكذا، لكنه جدد التأكيد على عدم الانخداع بفيديوهات المؤثرين الذين يروجون لمنصات المراهنات، مشددا على أن هؤلاء لا يروجون لها لاقتناعهم بها أو بسبب تحقيقهم الربح من ورائها كمشترك وإنما يتقاضى أجرا مقابل الإعلان لها فقط دون أن يخاطر بأمواله كما يفعل الملايين.