مركز جمرايا السوري.. كيماوي بشار الأسد يعود للأضواء من جديد
بالأمس القريب كانت الذكرى السابعة لمجزرة الكيماوي التي ارتكبتها قوات النظام السوري في مدينة خان شيخون بريف إدلب شمال سوريا، في الرابع من أبريل/ نسيان 2017، وقُتل على إثرها نحو 100 مدني بينهم 32 طفلاً و23 امرأة بينما أصيب أكثر من 400 آخرين جميعهم من الأطفال.
وقد صدرت عدة بيانات وتقارير دولية تؤكد مسؤولية نظام الرئيس السوري بشار الأسد عن القصف الكيميائي بالأسلحة المحرمة دوليا، ومنذ هذا التاريخ وتسلط تقارير دولية عديدة الضوء على صناعة الكيماوي في سوريا.
في هذا السياق، وعلى مدار السنوات الماضية لم تسلم مواقع عسكرية ومراكز بحثية سورية وقوافل أسلحة وقيادات إيرانية من استهداف سلاح الجو الإسرائيلي ضمن الأراضي السورية، فبأربعة صواريخ عاود سلاح الجو الإسرائيلي مساء الأحد 31 مارس المنصرم ٢٠٢٤، استهداف مستودع عائد لـ “حزب الله” في مجمع مركز البحوث العلمية بجمرايا غربي دمشق، ولم يتم التأكد ما إذا كان المستودع يحتوي على سلاح ووقود صواريخ.
وكشف مركز توثيق الإنتهاكات الكيميائية في سوريا عن انبعاث روائح غريبة خاصة من مناطق مشروع دمر –قدسيا وصولاً إلى منطقة مزة داخل العاصمة دمشق بعد قصف جمرايا ومخاوف من استمرار دمشق بتصنيع الأسلحة الكيميائية.
وطالب “نضال شيخاني” مدير مركز توثيق الإنتهاكات الكيميائية في سوريا منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ودول الأعضاء بالمنظومة الدولية إلزام الحكومة السورية تدمير وتفكيك كافة الأسلحة الكيميائية في سوريا محذراً من إمكانية وقوع هذه الأسلحة المدمرة لحزب الله اللبناني المصنف على لوائح الإرهاب.
وبحسب سياسيين وعسكريين فإن معاودة إسرائيل قصف مراكز بحثية لاسيما مركز الدراسات والبحوث العلمية جمرايا قد يكون مطروحاً مرات عديدة على قائمة خطط تل أبيب واستراتيجيتها العسكرية في محاربة إيران وحزب الله اللبناني على الأراضي السورية.
المركز أنشئ تحت إشراف عالم الفيزياء النووية “عبدالله فاتيك” في عام 1971، بهدف تطوير وتحسين نظام الأسلحة للجيش السوري وقدّرت تقارير غربية أن المركز موكل بتطوير أسلحة كيميائية ونووية وبيولوجية وتطوير صواريخ أرضية لم تدخر تل أبيب فرصة لاستهداف جمرايا وغيره من المراكز البحثية..
غاز السارين
وحول أسباب استهداف إسرائيل المستمر للمركز البحثي يرى مدير مركز الشرفات لدراسات وبحوث الإرهاب العميد المتقاعد من المخابرات الأردنية “سعود الشرفات” أن مسؤولين غربيين أكدوا أن جمرايا يجري أبحاثاً لتصنيع أسلحة كيميائية، وأشار في حديثه لأخبار الآن إلى أنه “لطالما ربطت التقارير الإعلامية الغربية المركز بإنتاج صواريخ أرض – أرض دقيقة، بما في ذلك عملية صب المحركات الصاروخية الصلبة، وكذلك الأسلحة الكيميائية, وبحسب الولايات المتحدة، تم تطوير غاز السارين في ذلك المركز، وهي تهمة نفتها السلطات السورية”.
وحسب المصادر الاستخبارية الغربية كان المركز قبل عام 2011 ينتج أسلحة كيميائية في ثلاثة مواقع على الأقل هي جمرايا، خان أبو الشامات وسط سوريا، والفرقلس غرب سوريا، بينما كان يتم تخزين الإنتاج في 50 موقعاً في أرجاء سوريا.
وتقول أجهزة الاستخبارات الفرنسية: “إن الفرع 450 التابع لمركز البحوث تجري فيه عملية تحميل الرؤوس الحربية بالأسلحة الكيميائية”، وقد تكرر استهداف المركز من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011 وفي هجوم إسرائيلي على المركز والمنطقة المحيطة به عام 2022، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أن 1000 صاروخ إيراني الصنع دمر في الموقع.
وفي ذات النسق يقول “رامي عبد الرحمن” مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان: “إن المركز يعمل فيه ضباط ومهندسون مقربون من دمشق وأن هناك اتهامات بأنها مركز لإنتاج الأسلحة المحرمة دولياً ومركز لتصنيع البراميل المتفجرة التي استخدمت في تدمير المدن السورية”.
وبيّن في تصريحات خاصة لأخبار الآن أن مركز بحوث جمرايا يعتبر الأبرز في سوريا، ويعمل فيه علماء سوريون وأجانب، على تطوير الأسلحة والصواريخ والطائرات المسيرة وقال: “تلعب طهران دوراً هاماً في تطوير البحوث العلمية في المركز البحثي إلى جانب علماء من الصين وكوريا الجنوبية وروسيا”.
وفيما قد يوقف قصف الطيران الإسرائيلي للمركز نشاط إنتاج الأسلحة الكيماوية خاصة غاز الكلور السهل التصنيع، أشار مدير المرصد إلى احتمالية إضعاف إنتاج التصنيع لكن النظام بحسب “رامي عبد الرحمن” يمكنه الالتفاف حول الضربات والتصنيع في أماكن أخرى بسرية تامة.
وبحسب “الشرفات” في حال معاودة إسرائيل ضرب المركز رغم تكرار استهدافه سابقاُ فمن المرجح أن يكون السبب مرتبطاً بشكل رئيسي بالحرب الدائرة على غزة، وردع إيران أو حزب الله عن تهديد إسرائيل من الجبهة الشمالية..
شراكة إيرانية روسية
ويرجع العميد السوري المنشق “أحمد الرحال” أسباب الضربات الإسرائيلية لمركز البحوث السوري أنه لا زال نشطاً وفعالاً في إنتاج الأسلحة الكيميائية التي أكدت الاستطلاعات والتحريات استمراريتها في العمل، لافتاً في حديثه لأخبار الآن إلى أن المركز هو بإشراف إيراني، مضيفاً أن هناك معلومات كشفت عن ضلوع الروس في المركز الذي لا زال ينتج تلك الأسلحة المحرمة دولياً، ويبدو أنه يخزن داخل مستودعاته بعض الصواريخ أو الرؤوس الدقيقة التي تنقل لحزب الله”، فكافة منشآت التصنيع العسكري ومراكز البحوث العلمية الموجودة في سوريا أصبحت تحت تصرف الحرس الثوري الإيراني، وبالتالي كل النشاطات المشبوهة التي تحصل داخل الأراضي السورية هي تحت إشراف إيراني وفق “الرحال”.
وأضاف: “عادة هذه الأسلحة تكون منفصلة عن بعضها البعض وتحتاج إلى عملية دمج حتى تصبح فعالة لذا قصفها من قبل السلاح الإسرائيلي لا يخلف أضراراً وعلى ما يبدو جمرايا تحتوي على صناعات عسكرية أخرى أو ربما المركز يخفي أسلحة قد تكون مقلقة للجانب الإسرائيلي”.
من جانبه يعتقد اللواء الركن “ماجد القيسي” أن مركز جمرايا الذي يعد من مجموعة بحوث تقع شمال غرب دمشق (جبل قاسيون) والقريب من الحدود اللبنانية هو مركز تحت الأرض سهّل عمليات تهريب الأسلحة، وتابع في تصريحات خاصة لأخبار الآن، أن المركز الذي تعرض لعدة ضربات جوية كان أهمها في 2018 لا يوجد فيه نشاط لإنتاج أسلحة محظورة، معللاً السبب أنه تحت المراقبة والرصد ليس فقط من قبل إسرائيل بل من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
وقال: “في عام 2013 سلم النظام مخزونات الأسلحة الكيماوية، ولكنه احتفظ بجزء صغير استخدمه في مناطق مثل الغوطة الشرقية وفي دوما، لكن أعتقد أيضاً هو استخدم غاز الكلور والذي يسهل الحصول عليه وحتى تصنيعه سهل جداً ويمكن أن يكون في مواقع غير جمرايا.”.
الدور الإيراني
وفي ذات السياق ينوه “أحمد أمير” الباحث في الشأن الإيراني إلى أهمية المركز الاستراتيجية والذي يقع في منطقة تضم العديد من المنشآت العسكرية الاستراتيجية، وما يزيد أهمية هذا الموقع والتي تدفع بالقوات الإسرائيلية لتكثيف القصف عليه وهو بالقرب من موقع المركز من الكتيبة 105 لقوات الحرس الثوري الجمهوري، والفرقة الرابعة التي يرأسها “ماهر الأسد” شقيق الرئيس السور.
وتابع في حديثه لأخبار الآن: “تؤكد واشنطن على ضلوع هذا المركز في تصنيع الأسلحة الكيميائية التي استخدمت في هجوم خان شيخون، بالإضافة إلى وضع أغلب العاملين في هذا المركز على قائمة عقوبات دولية من الاتحاد الأوروبي وفرنسا وبالطبع الولايات المتحدة.
في حين أن عدد العاملين على حد ما ذكرت بعض المصادر الاستخباراتية الغربية يبلغ قرابة 10 آلاف مهندساً وخبيراً، وأن هذا المركز متعاون مع عدد من الدول منذ إنشائه في عام 1971 أولهم كان الاتحاد السوفيتي وآخرهم إيران، ينقلنا إلى النظر على الوجه الآخر للأوضاع، فلا شك أنه بالنظر إلى ما يحدث في البحر الأحمر الآن وجنوب لبنان على الحدود مع الأراضي المحتلة، يؤكد على أن النظام الإيراني وجّه الجماعات الفاعلة بدون حكومات تحت نفوذه في المنطقة، برفع حالة الاستعداد القصوى في الحرب بالوكالة وضرب المصالح”.
وتابع: “وإذا زادت قدرات الجماعات الفاعلة بدون حكومات في التأثير على أوضاع المنطقة بالإضافة إلى تكثير جبهات الصراع وعدد الفاعلين المؤثرين، فسيفسح هذا المجال إلى التفكير في أساليب وتكتيكات أكثر فتكًا وقوة تدميرية لأنه من السهل تحمل أيٍ من هذه الجماعات التي تُعرف في الأيديولوجية الإيرانية بـ “محور المقاومة” مسؤولية الضرر المُوجه للأطراف والمصالح المستهدفة”، “بالنظر إلى المعطيات المذكورة آنفًا، لا أستبعد توجه الجناح العسكري خارج الحدود لقوات الحرس الثوري الإيراني (فيلق القدس)، إلى إعادة تنشيط مجال إنتاج الأسلحة الكيميائية عن طريق هذا المركز، فمن وجهة نظري ترى إيران الآن أنه الوقت المناسب لإضافة مزيد من بطاقات الضغط والتشتيت الاستراتيجي، وسكب البنزين على النار المتقدة في البحر الأحمر والمنطقة بصورة عامة لتحقيق أهداف عديدة منها مكاسب استراتيجية في واقع النفوذ الإيراني، واستهلاك داخلي في إطار نزعة الصمود ومقاومة الأعداء المتمثلين في كيان الاحتلال وأمريكا والترويكا الأوروبية”.
تقويض النفوذ الإيراني
المركز مدرج في قائمة الضربات الإسرائيلية الدائمة إلى جانب مطار دمشق وحلب والجنوب السوري وحمص وريف دمشق ودمشق والحدود السورية العراقية منطقة البوكمال ودير الزور فيما يستحوذ مركز جمرايا كما يقول الباحث المختص في القضايا الإقليمية “محمد عبادي” أهمية أكبر.
“عبادي” بيّن لأخبار الآن: “أن الضربات الجوية لتل أبيب للمركز وبقية الأماكن الآنفة الذكر تشير إلى رغبة إسرائيل بتقليص الوجود الإيراني ضمن خطة أوسع لشل حركة إيران ومقدرات وجودها في سوريا، وضرب عمليات نقل للأسلحة من إيران عبر العراق إلى سوريا ومنع وصولها إلى حزب الله في لبنان والتي يمكن أن يضرب بها مقاتلو الحزب إسرائيل، لاسيما وأن الحديث بات يتمحور حول احتمالية حصول حرب مفتوحة، والذي تحدث عنه حسن نصر الله في خطابه الأخير الذي قال: إنه إذا كانت هناك حرب فستكون بلا سقف وبلا أفق، وهو ما يشير إلى أنه لن يدخر أحد أسلحته في هذه الحرب، الكل سيستخدم ما لديه من مخزونه المتقدم من الأسلحة، فعلى لسان “حسن نصر الله” وقيادات الكيان الإسرائيلي يتحدثون عن حرب ما ستندلع بين الطرفين، ووصفوها أنها ستكون مدمرة وأن كل طرف يعد الآخر أنه لن يكون هناك سقف محدد لهذه المعركة، فمن الطبيعي أن تتخوف إسرائيل طالما حزب الله قد حصل على أسلحة كيميائية من سوريا لذا تأتي جمرايا ضمن استهدافات سياق أوسع”.