هل يتمكن العولقي اليوم وهو الأمير من تحويل مسار تنظيم القاعدة؟
صباح 9 مارس/آذار المنصرم، أصبحت محافظة البيضاء على تفجيرٍ عنيف للحوثيين، في حي سكني أودى بحياة (25) شخصًا على الأقل، بينهم نساء وأطفال، بحسب عدد من المصادر الإعلامية؛ ما أشعل ذلك غضبًا عارمًا في أوساط اليمنيين تجاه ممارسات مليشيا الحوثي الممنهجة ضد الشعب اليمني.
وكالعادة لا يكاد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أن يفوتُ فرصةً في استغلال هكذا أحداث في محاولة لإصلاح علاقة التنظيم بالقبائل المُنهارة والمُتردية، والحواضن الشعبية وتهدئةً للضغط الداخلي؛ أصدر التنظيم بيانًا بشأن تفجير جماعة الحوثي لمنازل المواطنين في رداع بمحافظة البيضاء (23 مارس/آذار).
إلا أن مجيء هكذا بيان بعد أيام من وفاة أمير التنظيم خالد باطرفي، وخالد نجل سيف العدل المُقيم في اليمن، وتوالي سعد بن عاطف العولقي لإمارة وقيادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، دفع عددًا من أنصار التنظيم وبعضًا من المنشقين للتفاؤل بتحول مسار التنظيم في شأن قتال ومجابهة مليشيا الحوثي، ومع أن البيان لم يأتِ بجديدٍ إلا أن أنصار التنظيم وجنوده الممتعضين من استراتيجية سيف العدل يتمثلُ فيهم قول القائل: ”غريق تعلق بقشة“!.
حواضن القاعدة وخذلان جهاد طروادة
منذ أن قامت مليشيا الحوثي بالتمدد شرقًا وغربًا شمالًا وجنوبًا في اليمن، وقف تنظيم القاعدة موقفَ المتفرج، ومن أبرز ذلك ما حصل في محافظة البيضاء عام 2020 وتحديدًا في بلاد قيفة، والبيضاء تعتبر أحد أهم الحواضن القبلية والشعبية لتنظيم القاعدة.
فبعد مرور أشهر من مقتل الريمي وتولي باطرفي إمارة وقيادة التنظيم، -وقد كان باطرفي في ذلك الحين اقتنع اقتناعًا تامًا باستراتيجية سيف العدل المُتمثلة بتحييد تنظيم القاعدة عن مواجهة مليشيا الحوثي ثم فتح خطوط التواصل والتنسيق والتفاهمات أو ما عُرف بـ”جهاد طروادة”-، فبعد تولي باطرفي لإمارة وقيادة التنظيم في جزيرة العرب أمر فورًا بالإنسحاب من بلاد قيفة تزامنًا مع هجمات الحوثي لتلك المناطق.
وقد كانت قيفة تُعتبر أحدى أهم مراكز تنظيم القاعدة كما أنها مركزًا مركزيًا لتنظيم داعش، إلا أن أوامر باطرفي قُوبلت من قادة وعناصر التنظيم من أبناء قيفة بالرفض والتعجب والخيبة والصدمة، وأما ما تسمى بالحواضن القبلية والشعبية تلقت قرار باطرفي بالصدمة والخذلان.
أحد أبرز القيادات الميدانية المُنعزلة عن تنظيم القاعدة وهو أحد أبناء قيفة، يروي تفاصيل الإنسحاب من قيفة والبيضاء عمومًا بشكلٍ حصري لـ”أخبار الآن”قائلًا: “بعد أنْ بلغنا قرار باطرفي بالانسحاب تحت حجة حماية الأنفس والأموال والأعراض، كان قرارًا عجيبًا بالنسبة لقادة وعناصر التنظيم من أبناء قيفة، وُضعنا في موقف محرج مع القبائل والحواضن”.
وأضاف قائلًا: استقبلت القبائلُ تنظيمَ القاعدة قادةً وجنودًا، وفتحت لهم البيوت وفتح التنظيم أكبر وأهم معسكراته، ولم تلتفت القبائل لقصف الطيران المُسير، ولم تأبه بالمجازر التي افتعلها الطيران في حقها بسبب تواجد قيادات التنظيم، إلا أن التنظيم، وباطرفي تحديدًا وفي قرار مفاجئ خذلَ القبائلَ وأبناء القبائلَ في التنظيم قادةً وعناصرَ.
وكشف القيادي القيفي، أنه في ذلك الحين لم يكن أمامهم خيارًا إلا أن يحاولوا إقناع عددٍ من قيادات التنظيم، والكل التزم بقرار باطرفي، إلا سعد بن عاطف العولقي فقد وجه بدعم الجبهات، واستمر بدعمها ولو بشكل خجول، إلا أنه كان دعمًا شحيحًا، قدم بما كان تحت تصرفهِ من أسلحة وأموال، وفي نهاية المطاف انسحب التنظيم، وبقي التنظيم متفرجًا ولم يقاتل إلا أبناء القبائل من عناصر التنظيم، وقُتل من قُتل، ومؤخرًا انسحب من انسحب. واختتم، قائلًا: القبائل اليوم لا تحتاج من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بيانًا أو كلمةً لإعادة الثقة، إنما نحتاج لواقع.
قَدم تنظيم القاعدة نفسه في جزيرة العرب منذ التأسيس على أنه المشروع الوحيد في اليمن الذي سيجابه ويواجه المد الإيراني أو ما يصفونه بأوصاف طائفية كـ”الروافض” و “الشيعة”.. ومع أول تمدد لمليشيا الحوثي حُيِّد التنظيم تمامًا عن مواجهة المشروع الإيراني، وبقي في موقف المتفرج والمحايد، ولم يكتفِ بذلك، فقد قام بفتح خطوط التواصل والتنسيق والتَفاهمات، وهذا ما جعل علاقة القبائل بالتنظيم تنهار وتتراجع.
تِكـــــرار المُكـــــرر
في كل مرة يقع التنظيم تحت ضغط الأنصار، أو القبائل، أو حتى الجنود داخليًا، يخرج باطرفي أو العولقي وتارة يصدر التنظيم بيانًا في مهاجمة مليشيا الحوثي والحث كلاميًا على القتال، إلا أن كل ذلك لا يتجاوز أن يكون إصدارًا مرئيًا أو صوتيًا أو مكتوبًا.
ليس جديدًا ولا غريبًا أن يحرض التنظيم أو قيادات التنظيم ضد جماعة الحوثي، ففي كل مرة يزداد الضغط الداخلي يتصدر باطرفي الموقف في إصدار مرئي محرضًا ضد الحوثيين، إلا أنه ميدانيًا تتركز جهود التنظيم في الهجمات الإرهابية ضد القوات العسكرية في محافظتي شبوة وأبين، دون التعرض لمليشيا الحوثي البتة، لاسيما خلال الثلاثة الأعوام الماضية.
وما البيان الأخير إلا تكرارًا للمُكرر، واستغلالًا للحادثة إعلاميًا، لاسيما وأن الحادثة في هكذا منطقة كانت في وقتٍ سابق حاضنةً للتنظيم، يحاول التنظيم جاهدًا ترميم العلاقات بالقبائل، إلا أن كل المحاولات باطرفي الماضية أخفقت وباءَت بالفشل، فلا يمكن للقبائل والحواضن أن تتجاوز واقع التنظيم عسكريًا وميدانيًا.
جهاد طروادة.. ماذا بعد تولي العولقي؟
ومع أن سعد بن عاطف العولقي يرفض فكرة التخادم مع مليشيا الحوثي لخلفيته الفكرية والقبلية، فإن العولقي أيضًا خلال الفترة الماضية جُرِّد من النفوذ والسلاح والمال، وبقي يختلف مع باطرفي في نطاق اختلاف وجهاتِ النظر دون أن تدخل الخلافات في الطور الميداني، وإن كان ذروة الخلاف قد بلغ أشدها في تسليم بلاد قيفة وانسحاب التنظيم، وهكذا تسليم بيحان لمليشيا الحوثي دون أي مواجهة؛ فهل يتمكن العولقي اليوم وهو الأمير من تحويل مسار التنظيم؟.
من المؤكد أن توجهات ورغبات العولقي تذهب نحو مواجهة مليشيا الحوثي ولاسيما في البيضاء و شبوة، إلا أن هذه الرغبة وهذا التوجه ليس كافيًا في ما يبدو لإحداث تحولًا في مسار تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، فهنا العديد من المعوقات ومن أبرزها:
أولًا: مجلس شورى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، فلا يمكن العولقي تجاهل مجلس شورى التنظيم، لاسيما في العام أو الأعوام الأولى من توليهِ لإمارة تنظيم القاعدة، ولا يمكن لتنظيم القاعدة في اليمن بقيادة العولقي اليوم أيضًا أن مخالفة توجهات القيادة العامة في هكذا تحولات جذرية خطيرة وهامة.
ثانيًا: قوة وتمكن نفوذ سيف العدل داخل تنظيم القاعدة في اليمن، فبحسب مصادر الأموال بأيديهم ومخزون أسلحة التنظيم أيضًا بأيديهم، وهم المقربون من باطرفي سابقًا، وهذا أحد أهم المعوقات.
ثالثًا: العلاقات المعقدة بين تنظيم القاعدة و مليشيا الحوثي اليوم في اليمن، تصعب من اتخاذ العولقي قرار مواجهة المليشيا؛ وذلك للعلاقات المعقدة بين بعض قيادات التنظيم، وجماعة الحوثي، إلى جانب الإختراق الذي أحدثتهُ مليشيا الحوثي في صفوف القاعدة، فالعولقي والتنظيم أضعفُ اليوم فتح جبهات مباشرة حقيقية مع المليشيا، مع أن القاعدة تبدو اليوم في ذروة القوة العسكرية ميدانيًا بمحافظتي شبوة وأبين، ودخول الطيران المسير وتطور العبوات، إلا أن اختراقات الحوثي للتنظيم أكبر مما يُتوقع.
رابعًا: عُرف سعد بن عاطف العولقي بالطاعة العمياء لقيادة التنظيم، ومع أنه كان يختلف كثيرًا مع باطرفي إلا أنه في آخر كل خلاف يعود صامتًا خائبًا لجناحهِ أو أتباعهِ أو المحسوبين عليه داخل التنظيم، وهو ما أفقده الكثير من المحسوبين، فهل يتحرر اليوم من قيود الطاعة العمياء وهو الأمير؟.
لذلك وأكثر يُستبعد أن يُحدِث العولقي تحولًا في مسار تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، إلا على المدى البعيد، إلا أن يقوم سعد بن عاطف العولقي بتغيرات جذرية حقيقية لمجلس الشورى أولًا، ويحدث حالة تصحيح وتغيير جادة جذرية حقيقة، فيمكن القول أن العولقي يستطيع تحويل مسار التنظيم، وما يقوم بهِ الآن ما هو إلا تكرار للمكرر دون أي تحويل للمسار الذي وُصف من بعض المنشقين بـ”المنحرف”!.
ومع ذلك فنقول أن تفجير قنبلة صوتية أو حدوث مناوشات وهميّة بين مليشيا الحوثي وتنظيم القاعدة فلا تعد تحولًا لمسار القاعدة، فالنادر لا حكم له، والقليل لا وزن له.
جناح سيف العدل طابورًا خامسًا
مع تولي سعد بن عاطف العولقي لقيادة وإمارة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، تتحول شخصيات جناح سيف العدل داخل التنظيم المُقربة سابقًا من أمير التنظيم السابق خالد باطرفي، إلى طابور خامس سيُشَغِّب كثيرًا على سعد العولقي، فقد قاموا بتشغيب عليهِ بحسب عناصر جهادية أثناء إمارة باطرفي، فها هي اليوم استراتيجية سيف العدل بعد أن حولت تنظيم القاعدة إلى طابور خامس يُشغب ويُعكر على اليمن واليمنيين أمنهم واستقرارهم، تتحول اليوم استراتيجية سيف العدل إلى طابور خامس آخر ولكن هذه المرة داخل التنظيم ضد الأمير المُنصب “والنار تأكل بعضها”!.
الخُــــلاصــــة
لم يأت تنظيم القاعدة في البيان الأخير -مستغلًا أحداث رداع- بجديد، ففي كل مرة يتعرض فيها التنظيم للضغط الداخلي، وفي كل مرة تنهار علاقة التنظيم بالقبائل يبادر فورًا التنظيم بإخراج كلمة لأحد القاعدة أو بيانًا، أشبه “بذر الرماد في العيون”، كما وصف ذلك أحد القادة المُنشقين للتنظيم لـ”أخبار الآن” في وقت سابق.
تواجه العولقي مهمة صعبة لتحويل مسار التنظيم في القريب العاجل، فهو لن يستطيع تجاوز مجلس الشورى ولا القيادة العامة ولا الطابور الخامس وفي كل ذلك يكمن نفوذ سيف العدل وأجندة طهران وجهاد طروادة، إلا أن يعمل العولقي على المدى البعيد ويحدث تغيير جذري في صلب التنظيم لتحويل مسار التنظيم الذي وصف من بعض المنشقين بـ”المنحرف”!.