الهجوم الإيراني على إسرائيل.. بين حسابات الردع والتهدئة
بعد أسبوعين من استهداف قنصليتها في سوريا، ومصرع عدد من قياداتها بغارة جوية إسرائيلية، قررت إيران الرد على إسرائيل وذلك بعشرات الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية والمجنحة والتي فشلت في الوصول لأهدافها وتم اعتراض 99% منها.
اعتراض الصواريخ والمقذوفات الإيرانية ومحدودية وصولها إلى أهدافها أو التأثير على إسرائيل، خلق ردود فعل متباينة في المجتمع العربي، خصوصًا داخل أتباع محور المقاومة الإيراني، والذي رأى البعض بأنها مخيبة للآمال، وذلك بعد الضجيج الإعلامي الذي سبق هذه العملية، وتأخير هذا الرد لنحو 13 يومًا منذ إعلان إيران نيتها الرد المباشر على إسرائيل، إلا أن آخرين رأوا بأن طبيعة الرد الإيراني كان يهدف إلى إعادة الاعتبار لإيران إمام حلفائها مع الحذر من التصعيد، وهو ما جاء في بيان إيران من خلال بعثتها في الأمم المتحدة، التي أعلنت عن إنتهاء الرد الإيراني قبل وصول الصواريخ والمسيرات إلى إسرائيل.
رد هدفه ليس التصعيد
والأمر هذا أكده أمير سعيد إيرواني – مندوب إيران لدى الأمم المتحدة أثناء الجلسة الطارئة يوم 14 أبريل 2024 والتي طلبت إسرائيل إنعقادها على خلفية الهجوم الإيراني، وقال فيها إيرواني “أنه وبعد أن شنت إسرائيل ضربات على قنصليتها في سوريا، والذي يُعد انتهاك لميثاق الأمم المتحدة، قامت القوات المسلحة لجمهورية ايران الاسلامية، بشن سلسلة من الضربات العسكرية على أهداف عسكرية اسرائيلية مستخدمة عشرات الصواريخ والمسيرات وتأتي هذه العملية في سياق ممارسة حق إيران الاصيل الدفاع عن النفس الذي هو مقر في ميثاق الأمم المتحدة، ويعترف به القانون الدولي، وكان ذلك الإجراء ضروريًا ومتناسبًا، وكان دقيقًا واستهدف أهداف عسكرية وحسب، وتم تنفيذه بحذر وعناية من أجل الحد من أي احتمالات للتصعيد، والحيلولة دون إلحاق الضرر بالمدنيين”.
يرى علي البخيتي – الناطق السياسي السابق لجماعة الحوثي والمُنشق عنها، أن استهداف إيران لإسرائيل ستكون له نتائج علي عكس ما أرادت إيران، “ردها سيجعل إسرائيل أكثر جرأة وأكثر قربًا من استهداف برنامجها النووي، وكما تحدثت سابقًا بأن إسرائيل كان هدفها بقصف قنصلية إيران في سوريا اختبار الإرادة الإيرانية، وكذلك قدرة ودقة صواريخها ومسيراتها، والنتيجة واضحة الآن، لدى الإيرانيين الجرأة على الرد لكن أسلحتهم ضعيفة وفاشلة بالذات عندما تطلق من بعيد وليس من المسافة صفر في جنوب لبنان”.
مضيفًا أن “الجميع استفاد مما حصل بالأمس، فـ إيران ستعيد تقييم وضعها العسكري، وكذلك النظر في دراسة أسلحتها، وكان إختبار لقدرتها، وكذلك إسرائيل أعادت بناء ثقة جيشها ومواطنيها، وحتى أنها وحدت الصف الداخلي الإسرائيلي” ويرى بأنه لن يكون هناك أي تصعيد خلال الفترة القصيرة القادمة.
وبحسب صحفيين ووسائل إعلام عراقية فقد سقطت عدد من الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية في الأراضي العراقية في إقليم كردستان وكذلك الحدود العراقية السورية، حيث نقل الصحفي الكردي إيفان حسيب صورًا لبقايا الصواريخ التي سقطت في كردستان، وذلك من خلال حسابه على فيسبوك، وكذلك تداول ناشطين على مواقع التواصل فيديوهات لبقايا صواريخ سقطت داخل أحياء عمان بالمملكة الأردنية.
الرد الإيراني وخيبة أمل أتباعها
يقول علي.ح – أحد الأفراد المنتمين لكتائب حزب الله لـ أخبار الآن في الجنوب اللبناني، أن ما حصل كان مخيب للآمال من وجهة نظره، “الجميع كان يترقب ردًا قاسيًا، إلا أن الرد يوم أمس أصاب الجميع بالإحباط، وجعل الكثيرين من مؤيدي المقاومة، يسخروا من الرد الإيراني، خصوصًا بعد 6 أشهر من الحرب الإسرائيلية في غزة، وكذلك اشتعال جبهة الجنوب، ولم نرى أي نتيجة سوى المزيد من التخاذل الدولي والعربي، وكذلك الدمار لقرى الجنوب، ونزوح المئات من العائلات اللبنانية، بعد أن دمرت منازلها ومزارعها”.
وفي تصريح لوسائل الإعلام الإيرانية، جرى خلال اجتماع مع سفراء أجانب في طهران قال حسين أمير عبداللهيان – وزير الخارجية الإيراني، إن إيران أبلغت الولايات المتحدة أن هجماتها ضد إسرائيل ستكون محدودة والدفاع عن النفس، في تغريدة له على تويتر، قال أنه في هذه المرحلة، ليس لدى جمهورية إيران الإسلامية أي نية لمواصلة العمليات الدفاعية، ولكن إذا لزم الأمر، فإنها لن تتردد في حماية مصالحها المشروعة ضد أي عدوان جديد.
بالرغم من التبريرات التي يطرحها الإعلام التابع لمحور المقاومة الإيراني أمام الجمهور العربي فيما يخص الرد الإيراني على اسرائيل، إلا أن الكثير من أبرز الإعلاميين العاملين في وسائل الإعلام التابعة لهذا المحور ابدوا امتعاضهم، من طبيعة الرد الإيراني الذين رأوا بأنه غير متناسب مع طبيعة الهجمة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية، ولكنهم غير قادرين على التعبير، وذلك خشية من التخوين والتشويه.
وفي حديث لأحد العاملين في قناة لبنانية محسوبة على محور المقاومة (نتحفظ عن ذكر اسمه)، يقول لـ أخبار الآن، بأنه “هناك شعور كبير سيطر على مؤيدي محور المقاومة بأن إيران ليست كما تدعي بأنها ملتزمة بمحاربة “الصهاينة”، بل أنها تبحث عن مصالحها فقط وهو ما يحدث حاليًا، حيث أن الكثير بات يشعر بأن ايران تخلت عن حماس في هذه الحرب وتركتها بمفردها تواجه اسرائيل وحلفائها، وكذلك بدأت بالتخلي تدريجيًا عن حزب الله لصالح الحوثيين، الذي ترى بأنه يحقق لها أهداف سياسية أكبر ويخدم مصالحها أكثر من غيرهم من حلفائها أعضاء المحور في الفترة الحالية”.
الأردن في قلب المعركة
وفي مقابلة خاصة لـ أخبار الآن يقول سميح المعايطة – وزير الإعلام الأردني السابق: أن المشروع الفارسي في المنطقة هو الأم بالنسبة لإيران، والهجوم الأخير على إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيرة، مشيرًا إلى أن التوتر الحاصل حاليًا هو جاء بعد ضرب اسرائيل القنصلية الإيرانية.
“إيران لم تفعل ما فعلته قبل الأمس بالرغم من أنه شكلي، ولكنه أحدث ضجيج سياسي وإعلامي، لم نرها تعمله من أجل غزة، ولم تتحدث عن غزة بالمناسبة، هي تحدثت عن أنها تعمل على الرد على استهداف قنصليتها في دمشق، أي أن التهديدات التي اطلقتها إيران، كانت لأنها تريد ان تنتقم لنفسها، بالرغم من تعرض غزة منذ 6 أشهر لعدوان إسرائيلي، وايران تقدم نفسها حليف وقائد لما يُسمى بمعسكر المقاومة، ولكنها نأت بنفسها في العدوان على غزة، مقابل تفاهمات وصفقات طبعًا مع الأمريكان، و بالمحصلة فالشعوب العربية تتوق إلى من يناصرها في الإنتصار على الاسرائيليين وحل قضاياها، وأي طرف يركب الموجة ويستغل اسم فلسطين والقضية الفلسطينية، فبالتأكيد سيجد من يصدقه، وبعدها تدفع الشعوب العربية الثمن عندما تكتشف أنه تمت المتاجرة بفلسطين وأنها ليست معنية بفلسطين كما نرى اليوم في الوضع الإيراني”.
ويضيف المعايطة “أعتقد أن الرد الإيراني الهزيل والمقنن والمتفق عليه ربما يكون رسالة لشعوبنا العربية بأن عليها أن تتوقف عن خداع نفسها أن إيران هي نصير للقضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ولكنني لا ارى أن الرد الإيراني سيغير كثيرًا لدى الجهات التي تعمل لصالح إيران، لأنه سيظل هناك مكابرة وتبريرات، ومحاولات لاتهام آخرين كما حدث بالأمس، بدلاً من لوم إيران أنها لم تفعل شيء لتنتصر لغزة، وأنها خدعت كل الغارقين في وهمها، وهددت وتحدثت كثيرًا ثم لم يحدث شيء مما هددت به، قاموا بتوجيه الاتهامات للأردن”
منوهًا إلى أن إيران بالواقع لا تريد الحاق ضررًا حقيقيًا بإسرائيل، “لأنه ثبت أن هذه المسيرات والصواريخ لا تحمل شيء وهي عبارة عن أجسام حديدية فارغة، فالإيرانيين حذرين وحساباتهم دقيقة مع الولايات المتحدة وبالتالي نحن محتاجين لتجارب أكثر لكشف الزيف الإيراني، حتى المخدوعين بإيران يبدأوا يغيروا قناعاتهم، ربما ما حدث بالأمس قد هز هذه القناعات، ولكن لا أظن أننا أما مرحلة أو تحول في موقفهم والتعامل مع الواقع بشكل أفضل”.
وأردف سميح المعايطة “أكيد إيران متجهة للتهدئة منذ إعلان بعثتها في الأمم المتحدة إنتهاء العملية، وكذلك حديث المسؤولين العسكريين الإيرانيين، ولكنهم يتخوفون من رد اسرائيلي اليوم، الإشكالية عندهم أنه اسرائيل بدأت بالحديث عن رد على هجوم البارحة، رغم أنه هجوم شكلي، ولكن الإسرائيليين ما يفوتوا فرصة لإستغلال الحدث، ويأخذوا مساعدات من الولايات المتحدة، وكذلك دعم سياسي أكثر، لعملياتهم في غزة ولكن الإيرانيين واضح بأنهم ذاهبين نحو التهدئة ومعنيين بالتهدئة بشكل كبير” يقول لـ أخبار الآن.
والجدير بالذكر أنه الهجوم الأول من نوعه الذي حدث مباشرة بين ايران واسرائيل، دون إعتماد الأولى على حلفائها في الجنوب اللبناني (حزب الله) او المليشيات التابعة لها في كل من سوريا والعراق وكذلك الحوثيين باليمن، وذلك كما جرت العادة، وهذا الأمر الذي كان ينتظره الكثيرين من المؤيدين لإيران، إلا أنه يبدو بأن حسابات عدم التصعيد كانت هي الهدف من هذا الهجوم.