الحوثيون والاقتصاد اليمني: العملة المعدنية الجديدة وتأثيرها على البلاد
في 30 مارس الماضي، أعلنت جماعة الحوثي عن طرح عملة معدنية جديدة من فئة 100 ريال في اليمن، وقالت إن هذه الخطوة تهدف إلى التخلص من العملة التالفة من نفس الفئة، وبالرغم من عدم قانونية هذه العملة، إلا أنها تدل على الانهيار الإقتصادي التي ظلت الجماعة توهم المواطنين باستقراره في مناطق سيطرتها منذ انقلابها على السلطة الشرعية في أواخر عام 2014.
فمنذ عام 2017 تمنع جماعة الحوثي صرف مرتبات الموظفين في مناطق سيطرتها، بالرغم من تزايد نسبة الإيرادات المالية بشكل كبير، ومضاعفة الجبايات التي تقوم بتحصيلها من المواطنين، لتمويل عملياتها الإرهابية ضد اليمنيين، حيث تتحجج الجماعة بعدم قدرتها لصرف رواتب الموظفين بسبب نقل عمليات البنك المركزي إلى عدن.
وبالرغم من إعلان الحكومة المعترف بها دوليًا استعدادها لصرف مرتبات الموظفين المدنيين في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، إلا أن الأخرى رفضت ذلك وقامت بمصادرة البنوك والأموال التي تم تحويلها للموظفين، بدعوى أن العملة مزورة وذلك خلال العام 2018.
انهيار اقتصادي غير مُعلن
وبحسب خبراء الاقتصاد اليمنيين، فإن سك العملة المعدنية تعني أنها مشتقة من عملة أكبر وعند سك ١٠٠ ريال معدنية يعني أن العملات المعدنية والورقية أقل منها انتهت تمامًا، وبالتالي أصبحت أصغر وحدة من العملة اليمنية هي 100 ريال، حين أنه من المتعارف عليه اقتصاديًا أن العملات المعدنية تستخدم للكسور، وما حدث هو أنه تم تحويل المئة ريال رسميًا إلى كسر، حيث يتحول الألف إلى عشر عملات معدنية، بدلاً من أن كان الألف الورقي يساوي رسميًا 100 وحدة من العملات المعدنية.
وبالرغم من إعلان ميليشيا الحوثي بأن سك عملة معدنية تأتي لاستبدال العملة التالفة من فئة 50 و 100 و 200 ريال، والتي تبلغ 12 مليار ريال، وأن ذلك لن يؤثر على قيمتها، إلا أنه في الواقع، لم تعد الفئات الأقل من 100 ريال متداولة فقد فقدت قيمتها تمامًا بحسب المواطنين.
في هذا السياق يقول عبد الواحد العوبلي الباحث في الشأن الاقتصادي اليمني لـ أخبار الآن إنه من الواضح أن طباعة الحوثي لهذه العملات المعدنية هي مجرد تمهيد لطباعة عملات نقدية أخرى سواء معدنية او ورقية، خصوصا أن لديهم آلة صك النقود ولا يحتاجون لاستيرادها من الخارج.
وأضاف العويلي أن العملات النقدية فئة 50 و20 و 10 أصبحت الآن غير ذات قيمة، أصبحت فئة 100 هي أقل ما يمكن استخدامه للفكة، لدرجة أن حتى 500 ريال أصبحت فكة وقد لا تكفي لكثير من مشاوير المواصلات داخل المدن، وبالتالي فمن المرجح طباعة فئات أكبر لأن أسعار السلع والخدمات في اليمن تحديدًا في مناطق الحوثي أصبحت مبالغ فيها”.
ويرى العوبلي أن هذه الخطوة ستزيد من الانقسام النقدي الذي اخترعه وعمقه الحوثيين باجراءاتهم التعسفية المستمرة، “ليس هذا فحسب بل ستزيد من الانعزال لأن العملة التي أصدرها الحوثيون هي بالاصل غير شرعية ومزورة وغير قابلة للاستبدال، على الأقل مقارنة بالعملة القديمة التي كان يحتفظ بها الحوثي والتي كان لا يزال بالإمكان للمواطنين في جنوب اليمن استبدالها بالعملة الجديدة التي طبعتها الشرعية بغض النظر عن قيمتها”.
وقد تسبب انقطاع المساعدات المالية على المنظمات الدولية نظرًا للأزمات الدولية المتلاحقة، بشح إيرادات مالية كبيرة، خصوصا لمنظمات الأمم المتحدة العاملة في اليمن، حيث أن مكاتبها الرئيسية تتواجد في مناطق سيطرة الحوثي، حيث أدى ذلك إلى تقلص العرض النقدي هناك، ولا سيما بعد تصنيف الجماعة الحوثية كمنظمة ارهابية.
قوانين وقرارات لنهب أموال اليمنيين
في 21 مارس 2023، أصدر البرلمان التابع لجماعة الحوثي (غير المعترف به دوليًا) قانونًا تحت اسم “منع التعاملات الربوية”، والذي عمل على زعزعة عمل البنوك التجارية والإسلامية، حيث أن معظم البنوك العاملة في اليمن تضررت، وذلك بسبب سحب المودعين أموالهم منها، وذلك لرؤيتهم أنه لا فائدة من إيداع أموالهم، وذلك بعد أن منعت الجماعة صرف الأرباح للمودعين.
وبحسب الخبراء سيؤدي هذا القانون لانهيار وإغلاق البنوك، لكونه سيضعف مراكزها المالية المُتعثرة أصلاً منذ تسع سنوات عن دفع ودائعها، رغم انتهاجها سياسة الدفع بالتقسيط بشكل مبالغ بسيطة وبفتراتٍ زمنيةٍ مُتباعدة، وإن تمرير هذا القانون من قبل جماعة الحوثي، يصب في مصلحة قياداتها والتي تهدف من خلال هذا القانون إجبار البنوك على إعلان إفلاسها والإستحواذ عليها في وقت لاحق، وهذا ما يدل على سياستها الممنهجة في التضييق على البنوك والمودعين.
من جهته يقول رشيد الآنسي مستشار مصرفي متخصص في مكافحة الجرائم المالية وغسل الأموال لـ أخبار الآن أن “جماعة الحوثي دائما ما تجد مبررات ومناسبات لنهب اموال اليمنيين بشكل كبير، وكان اخرها خلق سعرين مختلفين لصرف طبعات الدولار البيضاء طبعة (2006) والدولار الأزرق طبعة (2009& 2013).
ويضيف الآنسي بأن ذلك يعكس وجود أزمة حقيقية في عرض العملات بالمناطق التي تسيطر عليها المليشيات الحوثية، وذلك بعد ان استهلكت النظام المصرفي هناك وأصبحت البنوك لا عمل لها، أو لا يوجد ما تقوم به من أنشطة، بسبب إعلان الجماعة أو اصدارهم قانون ما يسمى (منع المعاملات الربوية) والذي افقد البنوك كثير من وارداتها في الخارج من العملات الأجنبية، التي بامكانها ان تستورد مقابلها سلع وخدمات يستفيد منها المواطن اليمني، وأصبحت البنوك التجارية في اليمن تعتمد على ما يعرض من عملات أجنبية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية”
ويشير الآنسي إلى أن الولايات المتحدة الامريكية منعت أي تحويلات عبر الشبكات التحويل العالمي (ويسترن يونيون & موني جرام) من أمريكا إلى اليمن.
ويضيف “الولايات المتحدة الأمريكية منعت التحويلات النقدية إلى اليمن وهي مبالغ كبيرة حيث تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أكبر دولة تستخدم هذه الشبكات للتحويل إلى اليمن لوجود جالية يمنية كبيرة فيها، والذين يقومون بتحويل أموال كمساعدات لأهلهم وذويهم في اليمن والذي يتواجد معظمهم في شمال اليمن، وقد افتعل الحوثي هذه الأزمة ما يسمى بالدولار الأزرق والدولار الأبيض كوسيلة سحب وتجميع أكبر قدر من عملة الدولار و أجبر المواطنين على بيع الدولار الأبيض بثمن بخس لشبكات وشركات صرافة تابعة لهم وبالتالي تهريبها إلى الخارج”.
ويتوقع الآنسي بأن الفترة القادمة ستشهد مناطق سيطرة الحوثيين ضغوطا كبيرة في عملية توفير العملة الأجنبية خاصه الدولار الأمريكي، نظرا لتقلص كثير من الأنشطة البنكية والمصرفية هناك.
الجدير بالذكر أن جماعة الحوثي وجهت البنوك وشركات التحويلات النقدية بصرف الحوالات النقدية بالريال السعودي، ومنع صرف الحوالات بالدولار إلا بعد مصارفتها إلى الريال السعودي، وذلك في خطوة مبدئية تهدف إلي منع تداول الدولار في جميع مناطق سيطرة الحوثيين، وسحب العملة الصعبة من السوق وإجبار المواطنين وشركات الصرافة على تداول العملة المحلية.
تهريب للعملة الصعبة إلى الخارج
وبحسب معلومات من مصادر خاصة لـ أخبار الآن، فإن الحوثيين بدأوا بتهريب مبالغ مالية ضخمة بالدولار الأمريكي إلى حسابات بالخارج، عبر شبكات صرافة يملكها محمد عبدالسلام – الناطق الرسمي باسم الجماعة، وهو ما يبرر سحب الحوثيين للدولار من السوق المحلي، خصوصًا أن معظم التجار في مناطق سيطرة الحوثيين أصبحوا يذهبوا لشراء الدولار من البنك المركزي اليمني في عدن، وذلك لتسديد مشترياتهم الخارجية.
وهو ما يؤكده مصطفى نصر – رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالقول لـ أخبار الآن “فعلا هناك معلومات تتحدث عن انتقال كميات كبيرة من الأموال الى دول مجاورة لكن واضح مسألة إخراج جزء من الأموال، والجزء الأكبر لم يخرج الحقيقة من اليمن، وتم غسيله بطرق مختلفة عبر عقارات ووسائل أخرى”.
أما بالنسبة لموضوع الاجراءات الاخيرة التي قامت بها جماعة الحوثي عبر البنك المركزي الخاضع لسيطرتهم في صنعاء، فحسب مصادرنا هي محاولة لانتزاع الشرعية، وهو التحدي الذي كانت تعاني منه جماعة الحوثي او البنك المركزي في صنعاء، أنه لا يمتلك شرعية للتعامل مع العالم وكذلك شرعية طباعة وإصدار العملة، وهذه كانت قيد كبير لاسيما مع تقادم العملة المحلية وتلفها، بالإضافة إلى أزمة السيولة في مناطق سيطرة الحوثيين”.
عقوبات دولية محتملة
وعلى مدى عام منذ إقرار القانون زادت جماعة الحوثي في التضييق على القطاع المصرفي في اليمن، وكذلك على التجار ورجال الأعمال، حيث اعتقلت عددًا من رجال الأعمال، والذي لا تزال تخفيهم حتى اللحظة، دون أي مبرر لذلك، ولكن في الأيام الماضية أصدر البنك المركزي في عدن (المعترف به دوليًا) قرارا للبنوك العاملة في اليمن بنقل مقراتها الرئيسية إلى عدن.
The Central Bank of Yemen in #Aden ordered today all banks to relocate their headquarters from the capital Sana’a under the Houthi control to the city of Aden as a reaction to the #Houthi decision to mint new coin of 100 riyals to address the damaged bank notes.
The central… pic.twitter.com/rYB4zhlqkc— Mohammed Al-Qadhiمحمد القاضي (@mohammedalqadhi) April 2, 2024
وبحسب البنك فأن ذلك يأتي في إطار حماية الاقتصاد الوطني من عبث جماعة الحوثي، والحفاظ على حقوق المودعين، وحدد القرار مهلة 60 يومًا للبنوك لإكمال عمليات النقل، وإلا سيتم معاقبتها ومنعها من عمليات التعامل الخارجي.
يبرر أحمد غالب محافظ البنك المركزي اليمني هذا القرار بالقول: إن العالم يتعامل مع اليمن كبلد واحد وإذا لم تكن كل البنوك تحت سيطرة ورقابة الحكومة الشرعية سوف تكون هناك تعقيدات،
يضيف: “نحن شهدنا في الشهر الأخير بعد التصنيف الأمريكي للحوثيين كجماعة إرهابية هبوطا كبيرا بنسبة من 10 – 20% للتحويلات وهذا مؤشر خطير، أيضا البنوك هذه الان يعني لا تستطيع عملها من صنعاء بكل الحرية هناك مشاكل كبيرة تواجهها وقرار نقل البنوك إلى عدن هو انقاذ لهذه البنوك بحيث تستطيع أن تعمل في بيئة آمنة وسليمة وتتعامل مع العالم الخارجي بكل سهولة”.
وبحسب محافظ البنك المركزي اليمني، فإن اليمن فقد 70% من قوتها الاقتصادية بفعل حرب جماعة الحوثي الاقتصادية والقرارات الغير مدروسة التي تصدرها بين الفترة والأخرى، حيث بدأت هذه الحرب بمنع الحوثيين التعامل بالعملة الوطنية، بمعنى آخر أنها قسمت الاقتصاد إلى اقتصادين، وأيضا فرضت واقعا جديدا اقتصاديا جديدا في مناطق سيطرتها، وذلك بإصدار قانون ما يسمى بـ “تحريم المعاملات الربوية”.
ويقول لـ أخبار الآن “هذه تقريبا انهت معظم مدخلات اليمنيين التي تبلغ تريليون و800 مليار، التي كانت أذونات الخزينة (دين عام على الدولة)، وقامت المليشيا بإخراجها الى حسابات جارية وأيضا غير متاحة للمودعين بسحب أموالهم، كثير من الناس الذي كانوا يعتمدون بشكل أساسي على هذه العائدات البسيطة، بالرغم من تدهور قيمة العملة والقوة الشرائية، التي انهارت بشكل كبير بفعل التضخم وتدهور قيمة العملة، بالإضافة إلى قصف الحوثيين لموانئ وناقلات النفط ووقف التصدير، هذا أخرج 70% من عائدات البلاد من العملة الصعبة الرسميه وايضا 75% من عائدات الموازنة العامة”.
● The terrorist Houthi militia affiliated with Iran minted a (100) riyals,“counterfeit” coin, and put it into circulation as an alternative to the one-hundred-riyal banknote , to plunder the remaining savings of citizens in the areas under its control, a full-fledged crime of…
— معمر الإرياني (@ERYANIM) March 31, 2024
وفي حديثه لـ أخبار الآن – يقول مصدر مسؤول في اللجنة الاقتصادية العليا (فضل عدم ذكر اسمه كونه غير مخول للحديث للإعلام)، إن الحوثيين علي مدى السنوات الماضية، لقوا تجاوزا كبير على تصرفاتهم من قبل المجتمع الدولي، ما جعلهم يشعرون بأن لا أحد يستطيع محاسبتهم.
ويضيف “عملت المليشيا الحوثية على إصدار قوانين جديدة وتجميد حسابات المعارضين وقامت بالضغط على رجال الأعمال وإجبارهم على استيراد بضائعهم عبر ميناء الحديدة، ومنعهم من إيصال البضائع إلى ميناء عدن، وبالرغم من ذلك كان المجتمع الدولي دائمًا ما يرجو الحكومة والسلطات الشرعية تأجيل أي رد فعل على هذه التصرفات، تحت مبرر الدفع بعملية السلام، ولكن سك الحوثيين لعملة جديدة يعتبر تجاوز كل الخطوط ولا يمكن السكوت عليها، حيث أن سك العملة وانزالها بهذه الصورة هي مجرد اختبار فقط سوف تتلوها خطوات اخرى ولو سمح هذه الخطوة بأن تتم يعني البلد ستكون في فوضى عارمة من الممارسات غير القانونية”.
ويشير إلى أن هناك موقفا دوليًا برفض خطوة مليشيا الحوثي بطباعة العملة، وأغلب السفارات الخارجية وبعثة الاتحاد الأوروبي أدانت هذه الخطوة، خصوصًا الولايات المتحدة وبعثة الاتحاد الأوروبي، لأنه لو سُمح لكل المليشيات والعصابات بطباعة عملة سيكون العالم في فوضى كبيرة.
تجدر الإشارة إلى أنه منذ انقلاب جماعة الحوثي على الشرعية الدستورية في اليمن، وعلى مدى 10 أعوام شهد الريال اليمني تدهورًا كبيرًا أمام العملات الأجنبية، حيث فقد نحو %400 من قيمته، وذلك بسبب الانقسام المصرفي الذي تسبب فيه الحوثيون من خلال منع تداول العملة الوطنية، في مناطق سيطرته، حيث قامت خلال عامي 2018 – 2019 بعمليات مصادرة لمبالغ ضخمة من الأموال من البنوك وشركات الصرافة، وكذلك اعتقال العشرات من الصرافين ورجال الأعمال.