القصف الإسرائيلي لمخيم النازحين في رفح وُصف بأنه “مروِّع” وسط تنديد دولي
تطوراتٌ متسارعة ولحظات تُحبّسُ فيها الأنفاس ترقبًا لما قد يحدث، خاصة بعد مقتل أحد أفراد حرس الحدود المصريين في “إطلاق نار” وقع على الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، حيث تتواجد قوات إسرائيلية، وذلك حسب ما أعلن الجيش المصري الاثنين.
أفاد اللواء محمد إبراهيم الدويري، نائب رئيس المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، بأن “كافة التطورات الأخيرة، سواء احتلال إسرائيل لمعبر رفح أو المجزرة الإسرائيلية على أحد مخيمات تل السلطان أو استشهاد جندي مصري جراء اشتباك مع القوات الإسرائيلية الذي وقع في منطقة معبر رفح الاثنين 27 مايو، كلها تطورات تضفي مناخًا سلبيًا على مفاوضات التهدئة”.
وأوضح الدويري في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن قناعة مصر بأن دورها يتعدى مجرد أن تكون وسيطًا، بل أنها تعد حائط الصد الرئيس أمام محاولات تصفية القضية الفلسطينية، يدفعها إلى التحرك النشط من أجل إنجاز الهدنة والتوصل إلى الوقف الدائم لإطلاق النار، ثم الانتقال في مرحلة تالية إلى استئناف عملية السلام المتوقفة منذ أكثر من عشر سنوات.
وأكد “الدويري” أن اقتحام إسرائيل مدينة رفح الفلسطينية وبدء تنفيذ عملياتها العسكرية في بعض أجزاء المدينة وتوسيعها تدريجيًا يعكس مدى تشدد الائتلاف الحاكم، وتمسكه باستمرار الحرب وعدم الانصياع لمطالب المجتمع الدولي، التي ناشدت إسرائيل أكثر من مرة، بعدم الإقدام على هذه العملية تجنبًا لوقوع مزيد من الكوارث الإنسانية.
وأشار نائب رئيس المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إلى أن المجزرة التي وقعت مساء يوم 26 مايو في مخيم بتل السلطان في رفح، تؤكد أن التخوفات من عملية رفح كانت في محلها، ولكن من الواضح أن إسرائيل لازالت ترى في نفسها دولة فوق القانون الدولي الذي لا يطبق إلا على الضعفاء.
وأضاف أن التوصل إلى إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هو هدف ليس من السهولة تحقيقه، ويحتاج إلى مزيد من الجهود والضغوط المكثفة، ليس فقط بسبب الخلافات بين إسرائيل وحماس بشأن أعداد الأسرى المزمع الإفراج عنهم من الجانبين أو مسألة وقف إطلاق النار، ولكن أيضًا بسبب عدم توافر الإرادات لدى أطراف النزاع لإنهاء هذه الحرب التي يمكن وصفها بأنها حرب إبادة للشعب الفلسطيني.
وأفاد الدويري بأن إنجاح مفاوضات الهدنة عقب استئنافها يتطلب امتلاك الأطراف الإرادة الحقيقية والقدرة على اتخاذ القرار الأصعب الذي يسمح بأن تنتهي هذه الكارثة التي قد تفجر الأوضاع في المنطقة بأسرها. مضيفًا أن “تجاوب الأطراف مع جهود الوساطة المصرية والقطرية، وقيام الولايات المتحدة بممارسة مزيد من الضغط على إسرائيل لتليين مواقفها المتصلبة، يعد أمرًا بالغ الأهمية”.
وأشار اللواء الدويري إلى أن محاولات البعض لتشويه الدور المميز الذي تقوم به مصر في المفاوضات تُعد محاولة يائسة للتأثير على هذا الدور الإيجابي، واختلاق المشاكل والعقبات لمنع الوصول إلى الهدنة المنشودة، بما يخدم مصالح بعض الأطراف التي لا ترغب في إنجاح مفاوضات الهدنة.
وأكد الدويري أنه لا مجال أمام إسرائيل سوى الانسحاب من معبر رفح، ليس فقط لإدخال المساعدات الإنسانية إلى داخل قطاع غزة، ولكن أيضًا لتحسين العلاقات المصرية-الإسرائيلية التي شهدت توترًا خلال الفترة الأخيرة، وكان من أهم أسبابها احتلال إسرائيل لمعبر رفح وبعض أجزاء من محور فيلادلفيا.
وأوضح الدويري أن إمكانية تنفيذ مبدأ حل الدولتين تزداد تعقيدًا في ضوء استمرار الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية من تسريع الاستيطان، ومصادرة الأراضي، وتدمير المنازل، والاعتقالات، واستهداف المؤسسات المختلفة.
وأشار إلى أن كافة الدول التي تتبنى مبدأ حل الدولتين لا تمتلك أي رؤى حول كيفية وضع هذا المبدأ موضع التنفيذ، وتكتفي بالتأكيد على هذا المبدأ فقط.
تحقيق مصري
وقال المتحدث العسكري باسم الجيش المصري، في بيان نُشِر على صفحته الرسمية على فيسبوك، إن “القوات المسلحة المصرية تُجري تحقيقًا بواسطة الجهات المختصة حول حادث إطلاق النيران في منطقة الشريط الحدودي برفح، الذي أسفر عن استشهاد أحد العناصر المكلفة بالتأمين”.
قبل صدور البيان المصري، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه يُجري تحقيقًا في حادثة “إطلاق نار على الحدود المصرية”، وأكد وجود اتصالات مع مصر بشأن هذا الحدث.
نقلت قناة “القاهرة الإخبارية”، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع السلطات المصرية، عن مسؤول أمني مطلع أن “التحقيقات الأولية لحادث إطلاق النيران واستشهاد جندي على الحدود تشير إلى إطلاق النار بين عناصر من قوات الاحتلال الإسرائيلي وعناصر من المقاومة الفلسطينية”.
وأضاف المسؤول، وفقًا للقناة، أن هذه الاشتباكات “أسفرت عن إطلاق النار في عدة اتجاهات، واتخذ عنصر التأمين المصري إجراءات الحماية والتعامل مع مصدر النيران”.
وأشار المسؤول الأمني إلى أن الحادث “يعكس مخاطر التصعيد التي حذرنا منها منذ شهور… وأن الهجوم الإسرائيلي على محور فيلادلفيا يخلق أوضاعًا ميدانية ونفسية يصعب السيطرة عليها وتُنذر بالتصعيد”.
وتتواجد القوات الإسرائيلية في المنطقة الحدودية في قطاع غزة منذ بدء عمليتها العسكرية في رفح قبل أكثر من ثلاثة أسابيع.
مصر كانت أول دولة عربية أبرمت معاهدة سلام مع إسرائيل في عام 1979.
ومنذ بدء الحرب بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة في تشرين الأول/أكتوبر، تلعب مصر دورًا متوازنًا بين جميع الأطراف المعنية، حيث تسعى من خلاله إلى إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر، والتوصل إلى اتفاق هدنة.
لكن مصر شددت لهجتها بعد بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح، حيث كان يتجمع نحو 1.4 مليون شخص، معظمهم من النازحين الذين أُمِرَوا بالنزوح من قبل إسرائيل – على الرغم من التحذيرات المصرية والدولية – وسيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني من المعبر الذي يُعد النقطة الرئيسية لمرور المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين.
وأدانت مصر في صباح الاثنين “بأشد العبارات” القصف الإسرائيلي لمخيمات النازحين، الذي وصفته بأنه “متعمد”.
وفي الأشهر الأخيرة، تعرض معبر رفح لقصف مدفعي وجوي.
وفي حزيران/يونيو 2023، قتل ثلاثة جنود إسرائيليين برصاص “شرطي مصري تسلل” من مصر إلى إسرائيل قبل أن يُقتل، وفقًا للجيش الإسرائيلي.
وقالت مصر آنذاك إن الشرطي المصري كان يطارد مهربي مخدرات قبل عبوره إلى إحدى النقاط الحدودية، مما أسفر عن تبادل لإطلاق النار أسفر عن مقتل ثلاثة إسرائيليين بالإضافة إلى الشرطي المصري.
تنديد دولي لقصف مروع
وفي السياق، قتل 45 شخصاً، وفق ما أعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس الإثنين، في ضربة إسرائيلية استهدفت مأوى للنازحين في مدينة رفح واستدعت تنديدات دولية وصفتها بأنها “مروِّعة”.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه فتح تحقيقاً في الغارة، بعدما قال الأحد إنّه استهدف “بذخائر دقيقة” مسؤولَين في حماس.
ووصف رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو الضربة بأنّها “حادث مأسوي”، مشيراً إلى أنّ حكومته “تحقّق فيه”.
وكانت الحكومة الإسرائيلية أكّدت أنّها تسعى إلى “الحد من الخسائر في صفوف المدنيين”.
على المستوى الدولي، أثارت هذه الغارة تنديدات من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي وفرنسا، فضلاً عن الولايات المتحدة ومصر وقطر، الدول الوسيطة في جهود التوصل لوقف لإطلاق النار في الحرب الدائرة منذ نحو ثمانية أشهر.
وندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالضربة الإسرائيلية على مدينة رفح، قائلا في منشور على منصة إكس “لا يوجد مكان آمن في غزة. يجب وضع حد لهذه الفظائع”.
ودانت الأمم المتحدة “الضربات الإسرائيلية” وحثّت على إجراء تحقيق “شامل وشفاف”.
كما دعت واشنطن حليفتها إسرائيل إلى “اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين”. وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي إن “الصور الكارثية تفطر القلب” بعد الغارة التي “أسفرت عن مقتل عشرات الأبرياء الفلسطينيين”.