جهاد طروادة: كيف تستهدف القاعدة في اليمن مصر تحت غطاء غزة؟
لقد حرص إبراهيم البنا بعد مقتل قاسم الريمي تقديمَ نفسهِ خلفًا لأمير التنظيم خالد باطرفي، ومع أن باطرفي عزز ذلك، وحاول جاهدًا تهميش سعد بن عاطف الرجل الثاني في ذلك الحين، إلا أن العولقي كان ذا شعبية وذا حضور قوي، وتهميش العولقي كان سيقود التنظيم إلى ما هو أبعد من الانشقاقات.
إلا أن هدوء سعد بن عاطف العولقي لم يكن من فراغ، وبعد فشل المصري هاهو اليوم يعود في ظل أزمة القيادات إلا أن هذه المرة مصحوبًا بدعم وإسناد من خفافيش سيف العدل في مجلس شورى التنظيم، يذكر أن المصري أحد أبرز ممثلي ومنفذي أجندة طهران داخل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
أصدر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب صباح الأربعاء 22 مايو/أيّار إصدارًا مرئيًا على مؤسسة الملاحم الذراع الإعلامي لفرع التنظيم، فيما كان الإصدار كلمة مرئيةً لمسؤول الجهاز الأمني إبراهيم البنا المُكنَّى بـ(أبي صالح وأبي أيمن المصري) والمعروف داخل التنظيم بـ(مولانا)، وقد كان عنوان الإصدار “كلمة تحريضيّة نصرة لإخواننا في فلسطين”.
إلا أن الكلمة كانت تحريضًا على مصر والأردن تحديدًا والدول العربية عمومًا، تحريضًا على التدمير الوجودي ونشر الفوضى داخليًا، ودعوة للقتل والاغتيال، إلا أن قدرات فرع التنظيم في اليمن وبحسب عدد من الخبراء في الحقيقة أضعف من ذلك، ولا يملك التنظيم اليوم سوى إصدار البيانات وتصدير الكلمات.
ويبدو جليًا أن تنظيم القاعدة يعيش في حالة من عالم الخيال تحت إشراف وإخراج المخابرات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني، فتحت عنوان “نصرة فلسطين” لا يوجد إلا التحريض على مصر والأردن والدول العربية عمومًا، بينما إبراهيم البنا يُهاجم من وصفهم بـ”مليشيا إيران” في ذات الوقت سيف العدل يمتدح عمليات الحوثي في البحر الأحمر.
جهاد طروادة .. تفاصيل المشروع الإيراني لإشعال العالم العربي
تعيش قاعدة اليوم في ذلك العالم الخيالي الذي لا يمت للواقع بصلة، يحاول أن يتماشى سيف العدل من طهران مع سياسات وتوجهات إيران، بينما يحاول قيادات فرع اليمن تماسك الجنود والأنصار والأتباع في قضية حساسة كقضية التحالف والتخادم مع إيران، والتقارب مع مليشيا الحوثي، فبينما مطرقة طهران والحرس الثوري وسندان؛ انهارت علاقات التنظيم بالقبائل السنيّة والحواضن الشعبية وحتى بعضًا من الجنود وأنصار التنظيم.
إلا أن ظهور أبي صالح المصري للحديث عن قضايا عامة في غير ما يخص الملف الأمني للتنظيم كقضايا (الجاسوسية) و (الإختراقات) يعد ظهورًا نادرًا.
البنا عُرف بزاوية محددة وتحديدًا بالملف الأمني لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب حصرًا، فيأتي ظهوره في هكذا توقيت حاملًا العديد من الرسائل والدلالات كما أشار لذلك قيادي منشق عن التنظيم عملَ لدى الجهاز الأمني، وقد كان مُقربًا من إبراهيم البنا -كما سيأتي الحديث عن ذلك-.
لماذا ظهر إبراهيم البنا؟
يُصرّح قيادي منشق عن تنظيم القاعدة، وقد كان مقربًا من إبراهيم البنا بحكم عملهِ السابق في الجهاز الأمني لـ”أخبار الآن”، عن عددٍ من مصادر خاصة، أن ظهور البنا لم يكن لمجرد مهاجمة مصر فقط، وهذا ما قد يبدو لكل مشاهد ومتابع، وإن كانت الأولوية للمصري في مهاجمة مصر دون غيرهِ ولكن كانت تلك حيلة لذر الرماد على عيون الداخل التنظيم أولًا، وذلك تمهيدًا لظهورهِ المتكرر في المستقبل.
يقول القيادي المنشق: إن البنا حاول أن يقدم نفسه خلفًا لباطرفي إلا أن ذلك لم يكن مقبولًا في ظل وجود سعد بن عاطف العولقي، أما اليوم فقد أصبح البنا الرجل الثاني في التنظيم.
وأضاف قائلًا: المصري منبذوًا ومكروهًا داخليًا، وهذا ما قد يجعل الأمر غير مرغوبًا بظهوره المُتكرر إعلاميًا بين قيادات وجنود التنظيم، والمتابع للإعلام الرديف لتنظيم القاعدة يجد أنه لم يروج لكلمة البنا كما يروج في العادة للعولقي أو لباطرفي أو للسوداني، وأؤكد أن البنا منبوذٌ داخليًا وغير مقبول، وتسلط البنا أدى لمشاكل وأزمات داخلية، كما أن تسلطهِ بشكل مباشر مستقبلًا قد يؤدي لما هو أبعد من الانشقاقات والأزمات الداخلية، ربما إلى حروب داخلية.
ظهور البنا هنا يأتي على غير العادة، فالبنا مسؤولًا عن الجهاز الأمني لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وإن ظهر فالحديث يكون محصورًا بما يخص الملف الأمني ونادرًا، كما في إصدارات “هدم الجاسوسية”، يأتي هذا الظهور لأسبابٍ يمكن تلخيصها بثلاث نقاط:
أولًا: استغلالًا لأحداث غزة لمهاجمة مصر، وبمهاجمة مصر يظهر أنّ ظهوره كأن مهمًا، وله في ذلك أولوية عن غيرهِ بالظهور، وكل ذلك تمهيدًا وتعويدًا لظهورهِ مستقبلًا والذي يبدو أنه سيكون متكررًا، ومع ذلك لم يخيب البنا آمال سيف العدل فقد هاجم وحرض على كلٍ من مصر والأردن تنفيذًا لأجندة طهران، ويمكن القول أن البنا “بحجر واحدة ضرب عصفورين”.
ثانيًا: التكريس في ذهنيّة الجنود والأنصار على أنه الخلف للعولقي، وهذا قد لا يكون قرارًا خاص بيد البنا، وإنما قرار مجلس الشورى وتأثير سيف العدل على أبرز أعضاء المجلس، وقد كشف مصدر خاص لـ”أخبار الآن” أن البنا أرسل رسائل للمُنشقين والمعتزلين بترتيب أمورهم وإصلاح أوضاعهم للعودة داخل التنظيم، وذلك يأتي في سياق محاولات إصلاح صورة البنا السيئة والمَنبوذة داخليًا.
ثالثًا: مهاجمة شكلية لمليشيات إيران، وذلك محاولة لتصفية ساحتهِ أمام الأنصار والجنود والقبائل والحواضن الشعبية السنيّة في اليمن، بعد أن راج وانتشر أن البنا أحد أبرز منفذي استراتيجية سيف العدل وأجندة طهران في اليمن، مع أن هجوم البنا كان سطحًيا ومزيفًا -كما سيأتي الحديث عنه- إلا أن الهجوم كان لابد منه.
مصر والأردن.. عدميّة وسقوط مشروع التنظيم
بينما كان عنوان الإصدار “نصرة فلسطين” إلا أن إبراهيم البنا استهل حديثه في التحريض على مصر والرئيس والجيش المصري، داعيًا لعمليات اغتيال وفوضى.
يأتي ذلك التحريض ضد الأردن ومصر والدول العربية عمومًا، في سياق واحد إلى جانب المتحدث باسم كتائب القسام أبي عبيدة ومليشيا إيران في اليمن والعراق ولبنان وسوريا، إلا أن البنا ركز على مصر أكثر من غيرها، وذلك ليقول أنه مصري فالحديث عن مصر أولى من غيرها أولًا، ويعطي نفسه غطاءً في أهمية ظهوره بهذا التوقيت ثانيًا الحرج داخل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
يُصرُح اللواء الدكتور طارق جمعة، الباحث في الحركات الإسلاميّة، والضابط السابق في أمن الدولة وجهاز الأمن الوطني المصري لـ”أخبار الآن”، قائلًا: إن حديث إبراهيم البنا يأتي في سياق تحريض الجماعات الإرهابيّة الموالية والمتحالفة مع إيران بمختلف المُسميات ضد مصر والأردن تحديدًا، والدول العربية عمومًا، وذلك منذ عملية السابع من أكتوبر، في محاولةٍ لنشر الفوضى وتفجير الأوضاع الداخلية.
وأضاف اللواء جمعة، قائلًا: كما أن التنظيم يحاول أن يثبت تواجده في الساحة مستغلًا أحداث غزة، ويبدو أن التنظيم متماشيًا اليوم مع حماس بعد أن كان ذا موقف متشدد من الجماعة سابقًا، وكل ذلك التقارب والأماني يأتي انعكاسًا لاحتضان إيران عددًا بارزًا من قيادات تنظيم القاعدة من جهة وتمويل ودعم جماعة حماس من جهة أخرى، وما ذلك إلا لاستهداف الدول العربية ونشر الفوضى والدمار”.
واختتم اللواء طارق، قائلًا: التنظيم في اليمن لا يملك حاليًا إلا إصدار البيانات، على أمل أن يلتقط ذلك ما يسمى بـ”الذئاب المنفردة”، في محاولة لإرباك الأجهزة الأمنيّة وكل ذلك تلبيةً لسياسات وتوجيهات طهران”.
ومع محاولات إيران المتكررة نشر الفوضى والدمار في الدول العربية، وذلك باستخدام مليشياتها في الشرق الأوسط، والعالم عمومًا، يتصدر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على هذا النسق في الدعوة للخروج على الحكومات العربية، والقتال الداخلي، والاغتيالات، لا سيما في الأردن ومصر، وهو ما تسعى إليه إيران جاهدةً.
ومع كل الأوراق المحروقة لتنظيم القاعدة التي تحاول طهران الاستفادة منها بأي شكلٍ من الأشكال دوليًا وعربيًا، فإن مشروع تنظيم القاعدة بات اليوم مشروعًا عدميًا.
ما الذي يرنو إليهِ مسؤول الجهاز الأمني إبراهيم البنا من التحريض في هذا التوقيت ضد مصر والأردن تحت عريضة “نصرة فلسطين” سوى تنفيذًا لأجندة طهران ورغبات الحرس الثوري الإيراني، وذلك ما يقود التنظيم إلى العدمية وعدم المنهجية، فقد حول سيف العدل مشروع التنظيم إلى مشروع متناقض متخبط معدوم.
لقد كان ولا يزال تنظيم القاعدة مشروعًا متطرفًا دمويًا إرهابيًا، إلا أن التنظيم كان في عهد أسامة بن لادن خاصة مشروعًا ذا خلفية فكرية، ومنهجية واضحة، ومسار ميداني وعسكري متناسق، وانتهى ذلك تمامًا بعد تمكن سيف العدل من القيادة، فجعل التنظيم قطعة من التناقضات والعدمية.
وبهذا الصدد يصرح العديد من الجهاديين كما في مواد سابقة نُشرت على “أخبار الآن”، ولربما أبرز ذلك ما صرّح بهِ الداعيّة الجهادي د.طارق عبدالحليم -الذي سبق وأن أشاد بهِ الظواهري- على منصة (إكس)، قائلًا: “لا شك أن تنظيم القاعدة بعد استشهاد رائديها، الشيخ الرائد الفاضل أسامة وحكيم الأمة الشيخ الحبيب الفاضل أيمن”، كما أشار لمركزية القرار التنظيم والتي أصبحت في طهران.
الهجوم على إيران: بين التناقض والسطحية بعيدًا عن الواقع
لقد اختتم المصري حديثه مخاطبًا كتائب القسام، قائلًا: “لا تغرنكم ادعاءات جماعة الحوثي الرافضية التي فجرت المساجد ودور القرآن وبيوت المسلمين في اليمن..” وما يثير العجب والغرابة أن هذا الكلام والتحذير لكتائب القسام الصادر عن إبراهيم البنا يأتي بعد أيامٍ من مديح سيف العدل لعمليات جماعة الحوثي في البحر الأحمر، تحت مسمى سالم الشريف على مؤسسة السحاب بعنوان: “هذه غزة حرب وجود لا حرب حدود”، وكان الأولى والأجدر بالمصري أن يوجه تحذيره لسيف العدل أولًا، إلا أن البنا كان حريصًا على مثل هذا الحديث؛ لأمرين:
أولًا: -كما سبق الإشارة سابقًا- حاول البنا تصفية ساحته أمام القبائل والحواضن من أي تحالف أو تخادم بالحوثيين، واكتفى بوصفهم تحت شعارات طائفية كالعادة.
ثانيًا: الرد بشكلٍ غير مباشر، على ما أُثير مؤخرًا على بعض وسائل الإعلام العربية والدولية، من تحالفات بين تنظيم القاعدة ومليشيا الحوثي، وقد لوحظ مؤخرًا نشاط الإعلام الرديف الرد على قضية التحالف بين القاعدة والحوثي بشكلٍ متناسق ومكثف.
إلا أن المدقق في حديث البنا يجد أن البنا اكتفى بتحذير كتائب القسام من الاغترار بمزاعم مليشيا الحوثي بـ”نصرة غزة”، مع أنه دعى للخروج والانقلاب على حكومة الأردن ومصر، كما دعا لاغتيال الرئيس المصري، وحرض على الفوضى والقتل في الدول العربية، وما أن جاء الحديث عن إيران ومليشيا الحوثي فقد اكتفى بالتحذير على عجالة دون التحريض، فإلى جانب تناقض حديث البنا مع ما كتبه مؤخرًا سيف العدل، تأتي سطحية وهشاشة الحديث عن إيران ومليشياتها.
وهذا ما سبق وأن صرح بهِ قيادي منشق لـ”أخبار الآن”، قائلًا: إن حديث باطرفي أو قيادات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عن الحوثي ما هي إلا ذر للرماد، فكل ما يقع التنظيم في مأزق مع بالحواضن أو القبائل يهرع قادات بمهاجمة مليشيا الحوثي.
وقد زعم باطرفي في آخر ظهور له أن إيران ومليشياتها لا تعلم بشيء عن العملية التي قامت بها حركة حماس، وحاول جاهدًا أن ينفي أي علاقة أو تنسيق بين إيران وحماس، إلا أن اليوم إبراهيم البنا يحذر كتائب القسام من الانخداع بإيران ومليشياتها، وبهذا يستمر تخبط وتناقض الخطاب الشرعي والإعلامي لتنظيم القاعدة.
الخلاصة
بطرقٍ ملتويةٍ سيف العدل يشيد بعمليات جماعة الحوثي في البحر الأحمر، أما إبراهيم البنا فيحذر كتائب القسام من الاغترار بمزاعم مليشيا الحوثي بـ”نصرة غزة”، من جهة أخرى باطرفي نفي سابقا وجود تنسيق أو علاقة بين حماس وإيران، أما البنا فيحذرهم مؤكدًا تلك العلاقات، وهو ما قد صدر جليًا على لسان المتحدث باسم كتائب القسام مَادحًا مليشيا الحوثي.
كل هذا التخبط والتناقض في الخطاب الإعلامي والشرعي لتنظيم القاعدة يأتي ذلك بعد وقوع القاعدة بين مطرقة طهران، وسندان بالحواضن الشعبية والقبائل السنية وكثيرًا من القيادات الميدانية إلى جانب جنود وأنصار التنظيم، يحاول التنظيم التناغم مع استراتيجية سيف العدل وأجندة طهران، إلى جانب إقناع الأنصار والجنود والحواضن بخلاف ذلك مع كل الحقائق والوقائع على الساحة اليمنية، ويختصر ذلك أبو محمد المقدسي واصفًا التنظيم بـ”النائحة المستعارة”.
من جهة أخرى يسهب البنا الحديث تحريضًا على الفوضى والدمار والقتل في الأردن ومصر والدول العربية، حتى إذا ما جاء الحديث عن إيران ومليشياتها اكتفى ببعض الأوصاف الطائفية ويجتهد في أن يسطح الحديث مستعجلًا في حديثه، فما هو المراد وما هي أهداف التنظيم من كل هذا التخبط والتناقض، سوى عدميّة وهشاشة المشروع.
كما يحرص التيار التابع لسيف العدل في مجلس شورى التنظيم ما يعرف بـ”الطابور الخامس” تعزيز حضور المصري والتمهيد له بعد ذلك لقيادة للتنظيم بعد العولقي، ومع أنه الأبرز ويعد الرجل الثاني في التنظيم اليوم، إلا أن البنا رجلًا منبوذًا داخل التنظيم وغير مقبول، وهو ما قد يسبب أزمة حقيقة مستقبلًا قد تذهب بالتنظيم إلى ما هو أبعد من الانشقاقات.