مواطنون لـ”أخبار الآن”: لازلنا نُعاني من آثار داعش منذ سقوط وتحرير الموصل
يستذكر العراقيون في العاشر من يونيو، من كل عام ذكرى سقوط مدينة الموصل شمال البلاد بيد تنظيم داعش الإرهابي، الذي استمر في السيطرة عليها قرابة ثلاث سنوات.
وقد تمكن المئات من عناصر تنظيم داعش من بسط سيطرتهم على ثاني كبرى المدن العراقية بعد معارك مع القوات العسكرية في هجوم ليلي مفاجئ استمر حوالي أربعة أيام، أسفر عن سقوط المدينة في منتصف عام 2014.
يتحدث الشاب رائد رفاعي، البالغ من العمر 33 عامًا، عن الأيام الأولى لسقوط الموصل، قائلاً: “قبل السقوط بأيام قليلة، كانت الساعة العاشرة مساءً، وبدأت عمليات إطلاق نار ومواجهات بين الإرهابيين والقوات العراقية. كنا نائمين واستيقظنا على صوت المواجهات التي كانت قريبة جداً منا، نحن في منطقة الهرمات قرب منطقة تموز التي هي أول منطقة سقطت في الموصل”.
خريطة توضح موقع مدينة الموصل في العراق
وأضاف رفاعي: “توقعنا أن تكون المواجهات قصيرة مثل كل مرة، حوالي نصف ساعة وتنتهي، لأننا متعودون على هذه الأمور منذ عام 2012، حيث كانت تحدث مواجهات ليلية من حين لآخر. لكن هذه المرة كانت المواجهات شديدة وامتدت حتى الصباح. وعندما جاء الصباح، رأينا رجالًا مسلحين لا نعرفهم وصلوا إلى منطقتنا، وعندها أدركنا أن الوضع يتجه نحو الأسوأ”.
واستطرد قائلاً: “بدأنا ننزح تدريجياً، يوميًا ننتقل إلى منطقة أخرى هربًا من داعش حتى سقطت الموصل بالكامل”، مضيفًا: “ما تغير بعد داعش هو نحن. كبرنا في وقت مبكر، وكل بيت خسر اثنين أو ثلاثة من عائلته، فقدنا الكثير من الشهداء، وعشنا في قهر”.
فقد والدته بسبب داعش
يقول رائد: “فقدت والدتي بسبب الحرب. الصواريخ التي كانت تقع فوق رؤوسنا ومن الخوف أصيبت بمرض السرطان. كانت تتلقى جرعات كيمياوية، من المفترض أن تتلقى ست جرعات، لكنهم أعطونا ثلاث جرعات فقط ورفضوا إعطاءنا الثلاث الأخرى، مما أدى إلى إصابتها بعجز في القلب”.
ويضيف: “بعدما تحررنا مباشرة ذهبنا إلى المستشفى لمحاولة علاجها. كانت تحتاج إلى عملية قسطرة، لكننا لم نكن نملك السيولة المادية لإجراء العملية. وبعد شهرين توفيت”.
وعقب سقوط المدينة بيد التنظيم المسلح بأيام، ظهر زعيم التنظيم السابق أبو بكر البغدادي في الجامع النوري الكبير، وأعلن من خلال خطبته الشهيرة ما يُسمى بـ”الخلافة الإسلامية”، حيث كان ذلك ظهوره الأول.
ويتحدث رحو العباس، البالغ من العمر 53 سنة، لـ”أخبار الآن” عن الخطبة الشهيرة، قائلاً: “بعد سقوط الموصل بأيام قليلة، وخلال شهر رمضان، وقبل صلاة الجمعة بساعتين، بدأ عناصر داعش بحملة تنظيف وشطف لجامع النوري، وتوافدت أعداد كبيرة من عناصر التنظيم إلى المنطقة وانقطعت الاتصالات”.
ويضيف: “نحن، أهالي المنطقة، متعودون على الصلاة في جامع النوري الكبير خاصة يوم الجمعة. تفاجأنا برجل يرتدي الأسود يصعد على المنبر وينصب نفسه خليفة للمسلمين. كنت جالساً أمامه، ولم يكن أحد منا يعرف من هو هذا الشخص الذي يخطب فينا. لكن بعد ذلك شاهدنا على التلفزيون أنه كان أبو بكر البغدادي، زعيم التنظيم”.
يضيف العباس قائلاً: “في الشهرين الأولين حاولوا كسب الناس بأمور بسيطة، فتحوا الأفرع والشوارع التي كانت مغلقة ولم يضايقوا أحدًا. لكن بعد ذلك بدأت المضايقات وتقييد الحريات وفرض القوانين بالقوة. كانت غايتهم قتل أكبر عدد ممكن من الشعب”.
كانت إحدى أساليب التنظيم لفرض قوته على سكان المدينة تتمثل في الترهيب وتخويف السكان. كانوا يجمعون الناس بالقوة لمشاهدة تنفيذ حالات الإعدام والقتل بحق المدنيين.
بهذا الصدد يقول رحو العباس: “واحدة من حالات القتل الجماعي التي كنت شاهدًا عليها، كانت أثناء التحرير، حيث كانت قوات التحالف تقصف كل تقاطع بصاروخ نسميه في الموصل ‘صاروخ البرينة’، هذا الصاروخ يحدث حفرة كبيرة ويمنع تقدم عناصر داعش.
وأضاف: “في أحد الأيام بشهر مايو عام 2017، قبل التحرير، كنت أجلب بعض الأغراض من الطابق الثاني لبيتي، فرأيت من الشباك أن عناصر داعش جلبوا نساء ورجالًا كانوا يحاولون الهرب باتجاه مناطق القوات العراقية. قاموا بسلب النساء أموالهن وذهبهن، وقتلوا 27 من الرجال رميًا بالرصاص، ثم ألقوا بهم في الحفرة ووضعوا فوقهم بقرة كانت ميتة منذ خمسة أيام”.
وأضاف: “على إثر مشاهدتي لهذه الحادثة، داهم داعش منزلي مباشرة واعتقلوني واتهموني بالخيانة ونقل المعلومات للقوات العراقية، لكنني نجوت منهم بأعجوبة”.
وأوضح: “عقب إعلان ما يسمى بـ “الدولة الإسلامية”، فرض التنظيم العديد من الأحكام والقرارات، وألغى القوانين السابقة وغيّر المناهج الدراسية، ومنع الكثير من أمور الحياة”.
ويتحدث سعد الله طه، البالغ من العمر 61 عاماً، لـ “أخبار الآن” عن تلك الحقبة قائلاً: “منذ سقوط الموصل حاولنا قدر المستطاع أن نقضي معظم وقتنا في البيت، ونخرج فقط إذا كان لدينا عمل ضروري، وذلك لتجنب مواجهة عناصر التنظيم ومضايقاتهم للناس”.
وأضاف: “كانوا يقيدون الحريات ويفرضون أمورًا ليست موجودة في الدين. في إحدى المرات منعوني من إمساك يد ابنتي عندما كنت معها في السوق، وقالوا لي إنه حرام. أين قيل إن إمساك يد ابنتي للحفاظ عليها هو حرام؟”
وعن سوء المعيشة يقول سعد الله: “المعيشة أصبحت صعبة خلال هذه الثلاث سنوات، هناك غلاء كبير في أسعار المواد الغذائية، صار علينا شراء الزيت بـ 52 ألف، وسعر الكيلوغرام التمن ارتفع إلى 18 ألف، عشنا في حالة يرثى لها، وأعصابنا تتعرض للضغط.”
ويتحدث سعد الله عن التأثير النفسي الذي أصاب الناس خلال هذه السنوات السوداء، قائلاً: “عندي حفيدة لا تزال تعاني من حالة نفسية بسبب الأصوات العالية، فهي لا تزال تتأثر بأصوات القصف العنيف، وقد بدأت تعاني من تساقط الشعر نتيجة للضغط النفسي والخوف من الأصوات القوية.”
ويضيف أسامة مصطفى، البالغ من العمر 40 عامًا، في حديث لـ “أخبار الآن”: “أنا كنت في المنزل عندما اندلعت المواجهات قبل سقوط الموصل، كنا نسمع إطلاقات نارية وانفجارات، استمر الوضع لمدة يومين أو ثلاثة، وبعدها سقطت المدينة”.
وأضاف: “داعش جاء بالخطابات التي تدعونا إلى أنهم حررونا، لكنهم لم يكونوا يتبعون الدين الإسلامي، كل تصرفاتهم كانت تؤذي الناس وتقيد حريتهم، كانوا يقومون بأفعال مؤذية مثل القتل والتجويع والترهيب والتخويف، كانت هذه الأفعال تكشف عن انعدام الإنسانية وعدم الالتزام بالدين، إن كان الإسلام هو مجرد غطاء يستخدمونه لتنفيذ أفعالهم الإجرامية”.
واستطرد: “من التصرفات التي فرضوها بالقوة كانت قطع اللحية، ومنع التدخين، ومنع استخدام التلفاز والهواتف النقالة، وقطع الاتصالات، ومنع خروج الناس من المدينة، كانت الفكرة الرئيسية هي عزل سكان الموصل عن العالم الخارجي، فقط داعش كان يعرف ما يحدث في المدينة وخارجها”. مضيفا: “كثيراً ما كانت هناك أمور تخويف للمواطنين مثل الجلد والإعدامات، والإقامة الجبرية على كثير من الناس الموجودين، لقد تعرضت للجلد مرة، حيث أخذوا مني 20 جلدة”.
قتل في الشوارع
وأكمل حواره: “واحدة من المواقف التي لا أنساها هي عندما قطعوا يد شخصًا بتهمة السرقة، وقطعوا رأس شخص آخر بتهمة السحر، وجمهورهم بالقوة لمشاهدة هذه الأفعال التي كانت تظهر انعدام الإنسانية والدين، كان الإسلام مجرد غطاء يستخدمونه لتنفيذ الأمور الإجرامية”.
معاناة الطعام في الأيام الأخيرة
وقال “مصطفى”: “في أخر أيام داعش، كنا نأكل وجبة واحدة في اليوم، ومرات كل شي ماناكل، الكر مثلاً والأمور الثانوية الأخرى نهائياً ما كانت موجودة، كانت أيام صعبة”.
آثار سلبية لا تزال موجودة من تلك الحقبة
يقول الشاب العراقي “الآثار السلبية حتى الآن موجودة، أكيد بالدرجة الأولى هي البنى التحتية المدمرة، والأذى النفسي، كذلك طريقة تفكير البعض من الناس بالوقت الحالي بالمتدينين، كثير ناس بعدهم إذا شافوا شخص لحيته طويلة ولابس زي إسلامي أو امراة مخمرة يعتقدون أنهم مع داعش لكنهم بالحقيقة متدينين لذلك هذه واحدة من الآثار السلبية التي حاول داعش زرعها بعقول الناس من خلال أفكاره وتصرفاته”.