ستة مرشحين غالبيتهم من المحافظين يخوضون الانتخابات الرئاسية في إيران
مرحلة جديدة دخلها ملف الانتخابات الرئاسية المبكرة، في إيران، بعد أن أجاز مجلس صيانة الدستور لستة مرشحين غالبيتهم من المحافظين، خوض الانتخابات المقررة في 28 حزيران/يونيو، إثر وفاة إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية، مستبعداً أسماء بارزة يتقدمها محمود أحمدي نجاد وعلي لاريجاني.
وأعلنت وزارة الداخلية الإيرانية الأحد القائمة النهائية للمرشحين الستة، والتي تضمّ مرشحاً إصلاحياً واحداً ورجل دين لكنها تخلو من النساء.
واختار مجلس صيانة الدستور، وهو هيئة غير منتخبة يهيمن عليها المحافظون ومهمتها الموافقة على المرشحين والإشراف على الانتخابات، المرشحين من بين 80 شخصاً تقدّموا بطلب خوض الانتخابات لاختيار رئيس الجمهورية.
وضمت القائمة النهائية رئيس مجلس الشورى (البرلمان) المحافظ محمد باقر قاليباف، والمحافظ المتشدد سعيد جليلي الذي سبق أن تولى أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي وقاد التفاوض مع القوى الكبرى بشأن الملف النووي، ورئيس بلدية طهران علي رضا زاكاني.
كذلك، أُجيز ترشيح أمير حسين قاضي زاده هاشمي الرئيس المحافظ المتشدّد لمؤسسة الشهداء والمحاربين القدامى، ووزير الداخلية السابق مصطفى بور محمدي.
وضمت القائمة مرشحاً من التيار الإصلاحي هو مسعود بزشكيان الذي كان نائباً عن مدينة تبريز (شمال غرب) ووزيراً سابقاً للصحة.
مجلس صيانة الدستور أداة بيد المرشد
وعن نتائج مراجعة مؤهلات المرشحين للرئاسة، يقول الكاتب والباحث في الشأن الإيراني صالح حميد في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” إن مجلس صيانة الدستور هو الأداة الأساسية بيد رأس النظام المرشد الأعلى علي خامنئي، مضيفا أن هذا المجلس يتعرض لاتهامات كبيرة من قبل الإصلاحيين وحتى بعض المعتدلين والمحافظين أيضا بأنه أصبح أداة يُفرغ أي معنى للديمقراطية وتداول السلطة في إيران، لأنه بالنهاية بمثابة، “فلتر” لا يستطيع العبور منه إلا من يرغب النظام بترشحه.
يتابع: لذلك رأينا أعداد المرشحين الكبيرة التي استبعدها، فمن بين 80 مرشحا تم قبول ستة مرشحين فقط، وهذا يعني أن مجلس صيانة الدستور الذي يهيمن عليه أيضا الأصوليين المتشددين مثل كل مرة يعمل وفقا لما يراه رأس النظام، ومن ثم لم يكن غريبا أن يكون أغلب من تم إجازتهم من المؤيدين لتوجهات المرشد أو من الشخصيات المقربة للنظام، وتولوا مسؤوليات إدارية وقيادية كبيرة خلال عقود من تاريخ نظام الجمهورية الإسلامية.
استبعاد أحمدي نجاد ولاريجاني
وفي مقابل الموافقة على 6 مرشحين فقط لخوض السباق الانتخابي، رفض مجلس صيانة الدستور طلب الرئيس الشعبوي السابق أحمدي نجاد (67 عاماً) الذي كان يسعى مجدداً للعودة الى الرئاسة التي شغلها لولايتين بين العامين 2005 و2013. وهي المرة الثالثة يتم فيها استبعاده من خوض السباق الرئاسي بعد 2017 و2021.
كما رفض مجلس صيانة الدستور المؤلف من 12 عضواً، طلب الرئيس السابق لمجلس الشورى المعتدل علي لاريجاني، على غرار ما فعل في 2021.
حول هذه النقطة، يرى الباحث في الشأن الإيراني صالح حميد أن استبعاد نجاد ولاريجاني، كان أمرا متوقعا، لأنه بحسب قوله، من النادر أن يتم قبول ترشيحات من تم رفضهم في انتخابات سابقة، حتى وإن كانت هناك بعض الحالات الاستثنائية، لكن يبقى هذا الثابت بالنسبة لمن يرفضهم النظام أو يعتبر أنهم انقلبوا على خط الثورة الأساسي وخطاب النظام وسياساته.
ويشرح حميد، أن أحمدي نجاد جاء في البداية بدعم كبير من التيار الأصولي المتشدد والحرس الثوري الذي وقف ورائه في دورته الأولى وحتى الثانية إلى أن انقلب على الخط العام وابتعد عن التيار الأصولي، وصارت لديه خلافات مع الحرس الثوري وبدأ يرفع شعارات شعبوية تختلف تماما عن ما يريده النظام والحرس الثوري.
يضيف: ورغم أنه كان لديه العديد من الأنصار لكن بالطبع ليسوا بالقوة الكافية التي تعيده إلى الساحة السياسية.
حملة لإقصاء عائلة لاريجاني
أما بالنسبة لعلي لاريجاني، فلم يشفع له أنه شغل مناصب كبيرة في إيران كرئاسة البرلمان وكبير المفاوضين وغيرها، بحسب الكاتب والباحث الإيراني صالح حميد الذي يرى أن عائلة لاريجاني يتم استبعادها بالكامل على مايبدو، مشيرا إلى أن شقيقه صادق رُفض ترشيحه من قبل في انتخابات مجلس الخبراء الأخيرة، وكذا الحال لشقيقه الآخر جواد الذي كان معاونا في السلطة القضائية تم استبعاده سابقا، وبالتالي اعتبر كثيرون أنها حملة لإبعاد هذه العائلة عن الحياة السياسية.
وفي انتخابات 2021، أجازت الهيئة لسبعة مرشحين فقد من أصل 592 متقدّماً خوض الانتخابات، وأبطلت أهلية العديد من الشخصيات الإصلاحية والمعتدلة، وقد سهّل ذلك انتخاب رئيسي مرشّح التيار المحافظ المتشدّد، رئيساً من الدورة الأولى.
بزشكيان إصلاحي لا يمثل كل الإصلاحيين
وبينما خلت القائمة النهائية هذه المرة أيضا من المرشحين الإصلاحيين اللهم إلا مسعود بزشكيان، يرى حميد في حديثه مع “أخبار الآن” أن النظام الإيراني لا يريد العودة مرة أخرى لثنائية الإصلاحيين والمتشددين والصراع والتنافس بينهما وإحداث انقسام سياسي، لاسيما مع هيمنة التيار الأصولي ليس فقط على الحكومة، وإنما على البرلمان أيضا وعلى المؤسسات الأخرى مثل مجلس الخبراء ومجلس الدستور وحتى مجلس تشخيص مصلحة النظام.
وبحسب الباحث في الشأن الإيراني، فإن رأس النظام علي خامنئي يعتبر هذا الأمر انقساما جديدا وإشغال للرأي العام والسياسة الداخلية والخارجية، بينما يريد المرشد الأعلى الإبقاء على الوضع كما هو، لذلك انحصرت المنافسة على هؤلاء المرشحين المتشددين رغم أن مسعود بزشكيان كان محسوبا على الإصلاحيين، لكنه لا يمثل كل التيار الإصلاحي.
ويبلغ بزشكيان 69 عامًا، وهو معروف بصراحته. وكان قد انتقد افتقار السلطات للشفافية في قضية مهسا أميني، الشابة التي أثارت وفاتها أثناء توقيفها على خلفية عدم التزامها القواعد الصارمة للباس في الجمهورية الإسلامية، حركة احتجاجات واسعة في أواخر العام 2022.
لكن قد يتساءل البعض لماذا قد يتم السماح بترشح بزشكيان؟، يجيب حميد بقوله إن النظام الإيراني يبدو أنه أراد من خلال الموافقة على ترشيحه، التعويض عن تدني مستوى المشاركة في الانتخابات السابقة للبرلمان والشورى ومجلس الخبراء المتزامنين قبل 4 أشهر، وحتى الرئاسة قبل 3 سنوات التي جاءت برئيسي، والتي شهدت أقل نسبة مشاركة على الإطلاق في العاصمة طهران، حيث أشارت بعض التقارير إلى أنها بلغت 8% فقط، بينما قال النظام إن نسبة المشاركة بلغت 20% لكن حتى هذا يعني وفقا للباحث الإيراني عدم مشاركة 80%، بينما سجلت النسبة الإجمالية في عموم البلاد 40 % مقابل 60% قرروا مقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة.
ومن ثم يهدف ترشيح مسعود بزشكيان، إلى ضمان نسبة أكبر من المشاركين، لإضفاء مزيد من الشعبية، حيث كان يردد النظام دوما أن المشاركة الكبيرة من قبل الشعب الإيراني تعطيه الشرعية، التي اهتزت بحسب حميد في الانتخابات السابقة، وكذلك على صعيد الشارع الذي يشهد احتجاجات كبيرة في الأعوام الأخيرة، والذي أصبح شعاره ” أيها الإصلاحيون، أيها المتشددون لعبتكم لم تعد تنطلي علينا” أي أن الشارع تجاوز الثنائية القطبية وأصبح يطالب بالتغيير الشامل.
تمييز ضد النساء
وتقدمت أربع نساء بطلب ترشحهن هذا العام، لكن لم تحظ أي منهن بالأهلية. ومنذ قيام الجمهورية الإسلامية في العام 1979، لم يصادق المجلس على ترشيح أي امرأة للانتخابات الرئاسية.
ويوضح حميد أن النساء يواجهن مشكلة في الترشح من ناحية الدستور، الذي يفرض أن يكون المترشح رجلا سياسيا، حتى عندما ترشحت بعض النساء تم رفضهن بحجة أن الدستور لا ينص على ترشيح المرأة.
وأضاف أن بعض النواب في مجلس الشورى حاولوا إعطاء تعريف جديد لمفهوم الرجل السياسي ليشمل أيضا المرأة في هذا المصطلح، ولو بشكل ضمني، لكن مجلس صيانة الدستور أصدر بيانا أوضح فيه بشكل لا لبس فيه أن المقصود بالرجل السياسي هو الرجل وليس المرأة ولذلك تم استبعاد أي نساء من المشاركة.
ويكشف الباحث في الشان الإيراني في حديثه لـ”أخبار الآن” أن التمييز الدستوري لا يشمل استبعاد النساء وحسب، بل استبعاد كل من لا يؤمن بالمذهب الرسمي للدولة وهو المذهب الشيعي، لافتا إلى أن هناك نائب من السنة وهو جلال زادة كان نائبا في البرلمان عن منطقة كردستان الإيرانية لسنوات، وهو أيضا أستاذ جامعي بارز، احتج متسائلا: لماذا يتم استبعاد 17 مليون سني من الترشح إذا كانت هناك ديمقراطية.
تحكم الحرس الثوري
ويؤكد حميد أن كل هذه التحديات والعوائق التي يضعها الدستور، تمنح مجلس تشخيص مصلحة النظام، صلاحية حصر المرشحين بمن يلتزمون حرفيا بتوجهات رأس النظام وخط التيار المتشدد فقط ومن خلفه الحرس الثوري.
وعن رؤيته لسيناريو الانتخابات المقبلة، يقول حميد إنه من المتوقع أن تشهد مقاطعة كبيرة، وتدني مستوى المشاركة، لكنه لفت إلى أن هذا الأمر لا يهم النظام، الذي يخمد في السنوات الأخيرة أي حركة احتجاجية بالقمع المفرط، والقبضة الحديدية، وبالتالي ستكون هذه الحكومة استمرارا لحكومة رئيسي.
ويشدد الباحث في الشأن الإيراني أن هذا هو ما يريده المرشد الأعلى، وهذا ما أعلنه في خطاباته الأخيرة، حتى أنه أوصى المرشحين بعدم الخوض في الفضائح خلال المناظرات السياسية، وبالنهاية من يريده النظام هو من سيأتي، لكن قد يقوم النظام بلعبة من أجل المشاركة ويحصر المنافسة بين ممثل عن التيار المتشدد مثل سعيد جليلي أو محمد باقر قاليباف وبين بزشكيان كممثل للتيار الإصلاحي، حسب من يتوقعون أن تذهب الانتخابات لجولة ثانية، بينما هناك من يتوقع أيضا أن يحسم النظام أمره من البداية ويأتي بأحد أقطاب التيار المتشدد جليلي أو قاليباف لتكون الحكومة الجديدة انعكاسا لحكومة رئيسي.
ورئيس الجمهورية في إيران هو رأس السلطة التنفيذية، وهي إحدى أبرز هيئات الحكم الى جانب السلطتين التشريعية (مجلس الشورى الإسلامي) والقضائية. إلا أن رأس الدولة وصاحب الكلمة الفصل في سياساتها العليا هو المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية.
ويشغل آية الله علي خامنئي (85 عاماً) منصب المرشد منذ 35 عاماً، بعيد وفاة مؤسس الجمهورية آية الله روح الله الخميني.
خامنئي هو من يدير الانتخابات
وعن هذا التدخل الفج، يقول حميد إن المرشد الأعلى علي خامنئي هو من يقرر بالنهاية عن طريق المؤسسات التي يسيطر عليها، لأن مجلس صيانة الدستور يتكون من 6 فقهاء (رجال دين على المذهب الشيعي) يعينهم المرشد مباشرة، و6 من ذوي الاختصاص يرشحهم البرلمان ويجب أن يصادق عليهم المرشد، وهذا يعني أنه يشرف على تعيين هؤلاء بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي القرار بيده، ولا يتم استبعاد شخصيات كبيرة مثل نجاد ولاريجاني أو غيرهم، إلا بإيعاز مباشر منه.
يضيف الكاتب والباحث في الشؤون الإيرانية، أنه أمام هذا الواقع فإن المرشد يواجه اتهامات بأنه من يدير العملية الانتخابية مباشرة، أو ما يسمونها هندسة الانتخابات، أي النتائج المعدة سلفا خاصة في هذه الظروف الحساسة التي تمر بها إيران والمنطقة والعالم من صراعات وحروب ولإيران دور مباشر فيها.
وبحسب حميد، لا يريد خامنئي أن تتغير المعادلة داخليا، لكي لا تؤثر على سياسات إيران ونفوذها الإقليمي، ودعم مليشياتها بالمنطقة، فضلا عن سياسة زعزعة الاستقرار مقابل أخذ امتيازات من الغرب.
ويختتم حميد حديثه بالتأكيد على أن المرشد الإيراني أمام هذه المعضلة لا يريد تغييرا في السياسة الداخلية، لأنه كان يعتبر حكومة إبراهيم رئيسي هي الأقرب إليه وإلى طموحاته وأهدافه، وبالتالي سيريد من الحكومة الجديدة الاستمرار على نهجه ولو بتغيير بعض الوجوه والشخصيات.
اهتمام دولي
ويؤدي الرئيس الذي يُنتخب لولاية مدتها أربع سنوات، دوراً مهماً في توجيه الحكومة وسياساتها الداخلية والخارجية، علماً بأن لا منصب رئيس للوزراء في الجمهورية الإسلامية.
وكانت الانتخابات الرئاسية مقررة في ربيع 2025، لكن تم تقديمها إلى 28 حزيران/يونيو بعد مصرع رئيسي وسبعة مرافقين له أبرزهم وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان في تحطم مروحية بشمال غرب البلاد في 19 أيار/مايو.
وكلّف خامنئي النائب الأول لرئيسي محمد مخبر البالغ 68 عاماً، بتولي مهمات الرئيس بشكل موقت، والعمل على إجراء انتخابات جديدة في مهلة 50 يوماً، بحسب ما يقتضي الدستور.
وستحظى هذه الانتخابات باهتمام دولي نظراً لدور إيران الرئيسي في الشرق الأوسط، على خلفية الحرب في قطاع غزة والمخاوف بشأن برنامجها النووي.