انسحاب غانتس من حكومة الحرب يضع الكثير من الأمور داخل إسرائيل على المحك
في خطوة كانت منتظرة، لكنها طرحت العديد من علامات الاستفهام، أعلن الوزير بيني غانتس الأحد استقالته من حكومة الحرب الإسرائيلية، ما يزيد الضغوط الداخلية على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع احتدام الحرب في غزة.
استقال غانتس ليسحب بذلك القوة الوسطية الوحيدة في الائتلاف اليميني المتطرف الذي يقوده نتنياهو وسط حرب مستمرة منذ أشهر.
وكان قائد الجيش ووزير الدفاع السابق قد هدد في أيار/مايو بالانسحاب من الحكومة لغياب استراتيجية لفترة ما بعد الحرب في القطاع الفلسطيني.
واستقال أيضا الوزير غادي آيزنكوت، عضو حزب غانتس، تاركا حكومة الحرب بثلاثة أعضاء فقط، وهي تتخذ جميع القرارات الرئيسية بشأن الحرب ضد حركة حماس.
نتنياهو يستجدي غانتس
ردّ رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يتأخر، بل جاء في غضون دقائق، حي قال: “تخوض إسرائيل حرباً وجودية على عدة جبهات. بيني الوقت غير مناسب للانسحاب من المعركة، إنه وقت توحيد قوانا”.
كما لم يتأخر رد فعل شريكي نتنياهو اليمينيين المتطرفين في الائتلاف، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
وقال بن غفير إنه “قدم طلبا” لرئيس الوزراء لضمه إلى حكومة الحرب، في حين انتقد سموتريتش قرار غانتس “الاستقالة من الحكومة في وقت الحرب” وبينما “ما يزال المختطفون يموتون في أنفاق حماس”.
أما منتدى عائلات الرهائن والمفقودين فقال إن البلاد “لن تغفر للقادة الذين تركوا الرهائن في أنفاق حماس”.
هذه الاستقالة التي تأتي في وقت حساس تعيشه إسرائيل على وقع الضغوط المتزايدة على نتنياهو داخليا وخارجيا، طرحت تساؤلات عدة، أهمها ربما هل تؤدي استقالة غانتس إلى إسقاط الحكومة المشكّلة من ائتلاف يضم أحزابا دينية وقومية متطرفة، وما هو تأثير ذلك على مسار الحرب والمفاوضات وكذلك مقترح الهدنة الذي لا يزال يراوح مكانه، هذا بالإضافة إلى ما تم طرحه بشأن إمكانية إجراء انتخابات مبكرة..
هزة عنيفة داخل المجتمع الإسرائيلي
هذه التساؤلات المنطقية وغيرها، ناقشناها مع الباحث والمختص في الشأن الإسرائيلي الدكتور علي الأعور الذي أكد أن استقالة بيني غانتس تشكل هزة عنيفة في داخل المجتمع الإسرائيلي، وسيكون لها تداعيات كبيرة أيضاً على المستوى السياسي والدبلوماسي في الخارج خاصة أن إسرائيل تتعرض الآن إلى ضغوط كبيرة من محكمة العدل الدولية ومن الأمم المتحدة، وكذلك عدد من الدول الغربية والحليفة.
وقال الأعور في حديثه مع “أخبار الآن” إن هذه الاستقالة تعتبر من أهم القرارات ربما في هذا التوقيت على صعيد تطورات الحرب في غزة، مضيفا أن غانتس كان من المتوقع أن يكون خارج الحكومة منذ أشهر، وبالتالي كان من الممكن أن تتوقف الحرب أيضا على غزة منذ أشهر، ولكن لأسباب ربما خاصة بالمعسكر الوطني الذي يقوده وخاصة أيضا بمستقبله السياسي وفقا لاستطلاعات الرأي اختار تأجيل هذه الخطوة.
ثمن باهظ
وقال غانتس في خطاب متلفز إن “نتنياهو يمنعنا من المضي نحو نصر حقيقي. ولهذا السبب نترك حكومة الطوارئ اليوم بقلب مثقل، ولكن بإخلاص تام”.
وعن الأسباب الواضحة التي دفعت الرجل لاتخاد قرار الاستقالة والانسحاب من حكومة الطوارئ، يقول الباحث في الشؤون الإسرائيلية، إن غانتس اتخذ قراره بشكل نهائي، عندما وجد أن نتنياهو ما زال يستمر في قرار الحرب وعدم التوقيع على صفقة الأسرى من أجل مصالحه السياسية والشخصية، وبالتالي حتى بعد عملية تحرير الأسرى الأربعة، وجد بيني غانتس أن استراتيجية نتنياهو لم تتغير، بمعنى أنه ذاهب إلى الحسم العسكري، ما يعني أيضا ازدياد عدد القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي والقوات المتواجدة في غزة وبالتالي تدفع إسرائيل ثمنا باهظا نتيجة سياسات نتنياهو.
لكن على صعيد التأثير السياسي، يرى الأعور أن هذه الاستقالة لن تؤثر على مستوى التصويت في داخل حكومة نتنياهو، أو حتى في داخل الكنيست على اعتبار أن نتنياهو يملك 64 عضوا وبالتالي يملك أغلبية مطلقة في داخل الكنيست، لكن أشار إلى أن استقالة غانتس سيكون لها تأثير أكبر في الشارع الإسرائيلي.
غانتس ومعسكر المعارضة
ماذا يعني ذلك؟، يوضح الباحث والمختص في الشأن الإسرائيلي، أن هذا الأمر يعني خروج جماهير المعسكر الوطني الذي يقوده بيني غانتس إلى الشوارع، وانضمامهم إلى المعارضة وإلى المظاهرات في تل أبيب، وبالتالي تزداد أعداد المتظاهرين الذين يشكلون خطرا على نتنياهو ومستقبله السياسي.
يضيف: أن ازدياد عدد المتظاهرين وخروجهم إلى الشارع يعني بأن محكمة العدل العليا الإسرائيلية والمستشارة القضائية للحكومة جالي ميارا سوف ترى في أن وجود حكومة نتنياهو تشكل خطرا على الأمن القومي الإسرائيلي، وبالتالي أهمية استقالة بيني غانتس، هي دفع جماهيره للخروج إلى الشارع، بما يعكس تغييرا شاملا وكبيرا ليس فقط على مستوى الأعداد، ولكن أيضا من حيث درجة التظاهر والشعارات التي يرفعها المحتجون، وهي التأكيد على انتخابات مبكرة.
وبينما قد تفتح هذه الاستقالة الباب إلى تطورات أكبر، يتوقع الدكتور علي الأعور أنه ربما تنضم أحزاب أخرى إلى الحراك، مثل حزب ليبرمان وغيره، وبالتالي تقوية مطلب الانتخابات المبكرة، بالإضافة إلى يائير لابيد زعيم المعارضة والذي أثنى على استقالة غانتس وآيزنكوت وهيلي تروبر من حكومة نتنياهو وقال إن هذا قرار صحيح.
صفقة الأسرى طوق نجاة
أمام هذه التداعيات الكبيرة لضربة غانتس، وبينما يؤكد الأعور على تأثير الاستقالة في الداخل الإسرائيلي وتحديدا ممارسة ضغط كبير على رئيس الوزراء، يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي أن نتنياهو لم يبق أمامه سوى خيار واحد، وهو القبول بصفقة تبادل الأسرى، والتوجه إلى المفاوضات، لأن غانتس قال أن الانتصار الحقيقي هو استعادة الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس، لكن نتنياهو فشل في تحقيق هذا الهدف.
ومع انسحاب غانتس، سيهيمن على حكومة نتنياهو بشكل أكبر الوزيران القوميان المتطرفان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذان من المرجح أن يزيدا الضغط على رئيس الوزراء لاتخاذ نهج أكثر تشددا تجاه الحرب في غزة، واتخاذ خطوات ضد السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وتصعيد الهجمات ضد حزب الله في لبنان.
هنا يشير الأعور إلى بعد آخر لتداعيات استقالة بيني غانتس ومن معه، وهو أنها تضع نتنياهو وحيدا مع بن غفير وسموتريتش في الحكومة، التي سيصبح عنوانها الآن أنها حكومة يمين متطرف، وبالتالي في نظر المجتمع الدولي، يقود نتنياهو حكومة يمينية متطرفة، وهو أمر سوف يتم رفضه من كل العالم.
انتخابات مبكرة
الأعور أشار في معرض حديثه إلى ممارسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والتي قادت إسرائيل حسب الكثيرين إلى أن تعيش أحد أسوأ اوقاتها، ولفت هنا إلى قرار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وإبلاغ مندوب إسرائيل جلعاد أردان بإدراج بلاده هذا الأسبوع إلى قائمة الدول التي تقتل الأطفال، إلى جانب المنظمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة وبوكو حرام.
واختتم الأعور حديثه مع أخبار الآن، بالتأكيد على أن استقالة بيني غانتس سيكون لها تأثير كبير في الأيام المقبلة، خصوصا مع تحول المظاهرات إلى عامل ضغط أكبر، ومن ثم لم يستبعد أن يُجبر نتنياهو على الاستقالة، وأن يمتد هذا التأثير ربما إلى اتخاذ قرار بوقف الحرب والذهاب إلى انتخابات مبكرة.
ويُنظر إلى بيني غانتس (65 عاما) على أنه المرشح الأوفر حظا لتشكيل ائتلاف في حال إسقاط حكومة نتانياهو وإجراء انتخابات مبكرة.
وقدم حزبه “الاتحاد الوطني” الوسطي مشروع قانون الأسبوع الماضي لحل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة.
وقال بيني غانتس الأحد “يجب أن تجرى انتخابات تؤدي في نهاية المطاف إلى تشكيل حكومة تحظى بثقة الشعب وتكون قادرة على مواجهة التحديات”.
وتابع “أدعو نتانياهو: حدد موعدا متفقا عليه للانتخابات”.
وبينما من المرجح أن يؤدي خروج غانتس إلى تفاقم الأزمة السياسية في إسرائيل مع استمرار الحرب في غزة ومع استمرار مفاوضات الرهائن ووقف إطلاق النار، تعتبر إدارة بايدن والعديد من الحكومات الغربية والعربية الأخرى غانتس، الذي كان عضوا في حكومة نتنياهو الحربية لمدة ثمانية أشهر، معتدلا. ومن المرجح أيضا أن يؤدي رحيله إلى زيادة الضغوط الأمريكية والدولية على نتنياهو.
دعوة إلى إجراء تحقيق
وقال غانتس إن وعد نتنياهو بتحقيق النصر الكامل على حماس كان فارغا وأن الإسرائيليين يستحقون “انتصارا حقيقيا” “يضع إطلاق سراح الرهائن فوق البقاء السياسي”.
وأكد غانتس: “نتنياهو يمنعنا من تحقيق نصر حقيقي. ولهذا السبب نترك الحكومة بقلب مثقل ولكن بقلب كامل”.
وقال إنه يدعم اقتراح صفقة الرهائن الذي وافق عليه مجلس الوزراء الحربي، ويحث الرئيس بايدن حماس وإسرائيل على قبوله. وأضاف غانتس: “أطالب نتنياهو بالوقوف بوضوح وراء ذلك وبذل كل ما في وسعه من أجل تحقيق ذلك”.
كما دعا أيضًا إلى تشكيل لجنة تحقيق وطنية في 7 أكتوبر في أقرب وقت ممكن.
وكان من المفترض أن يعلن غانتس رحيله يوم السبت، لكنه أجل ذلك بسبب عملية تحرير الرهائن الإسرائيليين الأربعة الذين تحتجزهم حماس في غزة، وبحسب “أكسيوس” كان غانتس على علم مسبقاً بالعملية، لكنه طلب من موظفيه عدم تغيير خطط الإعلان حتى انتهاء العملية حتى لا يخاطروا بإثارة الشكوك بين قادة حماس.