كيف ننمي الرقابة الذاتية للطفل ليُجنب نفسه مشاهدة المحتوى الإباحي؟
مخاطر جسيمة تُحيط بأطفالنا بعدما باتت الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية جزءًا من حياتهم اليومية، ولعل أبرز المخاطر، استقبالهم – بكل سهولة – المحتوى الإباحي، الذي بات يظهر لهم فجأة ومن إرادة منهم، سواء أثناء اللعب أو مشاهدة مقاطع فيديو قصيرة أو كرتونية.
وقد أكدت دراسة – هي الأولى من نوعها على مستوى العالم ونُشرت في مايو الماضي -، على هذه المشكلة، إذ كشفت أن طفل واحد من بين كل 8 أطفال تعرّض خلال العام 2023، لمشاهدة محتوى ذات طابع جنسي من دون رضاه أو إرادته. وذلك بحسب دراسة لمعهد تشايلد لايت Child Light، التابع لجامعة إدنبره في اسكتلندا.
وقبل أسابيع، وفي بيان رسمي لها، أعلنت منصة “أكس” أنها باتت تسمح للمستخدمين بنشر أي محتوى جنسي أو إباحي على منصتها، علماً أنه منذ تأسيسها لم تحظر الشبكة نشر أي مقاطع فيديو أو صور إباحية، لكنها لم تكن تسمح بها رسمياً أيضاً.
مسألة خطيرة
وتعليقًا على هذه النقطة الأخيرة، تواصلت “أخبار الآن” مع الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي والتحوّل الرقمي، د. نادر غزال، الذي أكد خطورة المسألة، داعيًا الأهالي إلى ضرورة الانتباه لتصرفات أبنائهم سواءً كانوا أطفال أو مراهقين.
وقال د. غزال: “هناك العديد من الأمور الإيجابية التي يجب وضعها في الحُسبان”، مشيرًا: “منصة إكس هي في العموم منصة للكبار ولأصحاب الفكر والسياسي، ولذلك لن نرى أبنائنا يقضون وقتًا عليها كثيرًا، مقارنة بتطبيقات مثل سناب شات وتيك توك وإنستغرام، التي تحتاج إلى رقابة أقوى، بالإضافة إلى منصات الدردشة”.
مفاتيح للحل
وأضاف: “يُمكن للأهالي عمل نوع من الإلهاء لأبنائهم لتجنبهم التوجه نحو منصة إكس، أو أي منصة أخرى قد تُسئ إلى أخلاقياتهم ولقيمهم وثقافتهم وتربيتهم، ونذهب لبدائل أخرى للترفيه، خاصة وأن الأطفال يستهدفون التسلية أثناء استخدامهم لأي تطبيق أو منصة”.
تعزيز الرقابة الذاتية
وأكد د. غزال: “نحن في عصر الرقابة الذاتية.. نحن بعصر يجب أن نعزز الرقابة لدى الطفل والمراهق والشاب بشكل ذاتي لجعلهم يتجنبون بأنفسهم المحتوى الغير لائق، لأنه ليس بإمكان الأباء والأمهات مراقبة الأبناء مثلما كان في السابق، حيث كنا نغلق التلفاز أو نُخفي (ريموت الكونترول)”.
التشاركية
ولفت أيضًا: “هناك نقطة مُهمة وهي التشاركية في المشاهدة لما هو مُفيد، إذ ليس بإمكانك أن توجه الإبن إلى مشاهدة محتوى قيّم، فقد لا يستجيب، ولكن بالتشاركية قد تنجح في تحقيق ذلك، كما يُصبح من السهل فتح نقاش مفتوح معه”.
وتابع: “هذا النهج يُنمي الفضول الإيجابي لجعل الطفل يُشجع نفسه على مشاهدة المحتوى المفيد والمُهم بالنسبة له”.
وشدد د. نادر على ضرورة التحكم في نظم الضبط التقنية الموجودة على أجهزة التلفزيون وعلى المنصات، لحجب المحتوى السلبي، أو تحديد ما المسموح الدخول به وغير المسموح الدخول به.
كما أشار الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي والتحوّل الرقمي إلى “ضرورة تتبع نشاط الأطفال والأبناء عبر المنصات كالفيسبوك والهواتف، وبإمكان الآباء والأمهات استخدام برامج تحجب تنزيل تطبيقات حساسة وغير مناسبة لأعمارهم، وهذا مُتاح سواءً على اللابتوب أو الهواتف الذكية”.
التواصل المُنتظم
ووجه د. نادر غزال حديثه أخيرًا إلى الأهالي، مؤكدًا على ضرورة التواصل المنتظم بين الأهالي وأبنائهم وتوعيتهم بالمناسب وغير المناسب، لافتًا: “من هنا تُبنى الثقة لبناء الرادع الذاتي لدى الأطفال”.
وواصل: “وإلا فنحن باتجاه الميكافيلية (أي الغاية تُبرر الوسيلة)، إذ سيصبح لدى الطفل شعور بأن الغاية تبرر الوسيلة، ويشعر بأنه في حاجة إلى هذا الشئ، ولا يجوز لأحد أن يمنعه عنه”.
بداية إدمان المواقع الإباحية
أيضًا، تواصلت “أخبار الآن” مع بعض الأمهات ممن مرّوا بتجارب صادمة مع أبنائهم الذين تعرضوا لمحتوى إباحي أو غير لائق، وتحدثوا وشاركوا كيف تعاملوا مع مثل هذه الموقف.
وعن تجربتها قالت هند إسماعيل – وهي أم لإبنتين – إنها تفائجت لعدة مرات بأن بناتها “تعرضن لمحتوى إباحي”، مشيرة: “في مرة من المرات قامت ابنتي الصغرى (8 سنوات) بتحميل برنامج (المفترض أنه ديني)، وصُدمت حينما وجدت إعلانًا غير لائقًا ظهر لي داخل المحتوى الديني”.
وتابعت: “ابنتي الأكبر سنًا (12 سنة) كانت يومًا تتصفح مقاطع الفيديو القصيرة REEL – Shorts، وإذ فجأة أبلغتني بأنها رأت شيئًا غير لائقًا أمامها، وحقيقة عجزت عن التصرف”.
وعن محاولاتها لحماية بناتها، لفتت: “أقوم بمتابعة مُستمرة، وأراقب المحتوى الذي يتعرضون له، كما أنني أُمانع الجلوس بمفردهن أثناء استخدامهن للهواتف، وأُحدد أوقات مُعينة لاستخدامها، وبكل تأكيد هذا يحدث ولكن بعد صراعٍ وخلافات نظرًا لتشبثهن الشديد بالهواتف، وارتباطهن بشدة بهذه المقاطع القصيرة التي تقدم معلومات – في الأغلب مغلوطة – بشكل سهل وبسيط من دون عناء”.
وعبّرت إسماعيل عن استيائها من منصة “يوتيوب كيدز”، لافتة: “تتضمن أفلام كرتون بها محتوى يدعم أمور غير أخلاقية”، مؤكدة: “هناك بعض الرسائل التي يتم دسّها بأدمغة الأطفال تحت مُسمى أفلام كرتون”.
وأوضحت هند في معرض حديثها: “لسنا مطمئنين لما يحدث، ومهما قمنا بتنقية المحتوى أو الإعلانات أو الألفاظ غير اللائقة، فهي تصل إلى أطفالنا في قوالبٍ مختلفة”.
وعن الحلول، قالت: “علينا كأولياء أمور، أن نزرع بداخلهم أسلوب تصرف سليم عند تعرضهم لهذا المحتوى، من خلال عمل نقاش مفتوح، وأن تكون هناك صراحة بين الأهل وأبنائهم، وأن نجعلهم مطمئنين دائمًا لمصارحتنا بكلِ شئ”.
وشددّت: “هذا النوع من المحتوى غير اللائق هو بداية لإدمان المواقع الإباحية، لأنه عندما يتعرض الطفل أو المراهق لهذه المشاهد قد يدفعه الفضول لمشاهدة المزيد، تحديدًا إن لم يكن محميًا من أهله بمبادئ وبدين يمنعانه من مشاهدة هذه الأمور”.
الممنوع مرغوب
وفي هذا الصدد، قالت دينا فرّاج (وهي أم لطفل يبلغ من العمر 8 سنوات): “ابني يستخدم الإنترنت بصورة يومية، ونحن كأمهات بكل تأكيد نقلق ونكون حذرين جدًا خشية ظهور محتوى غير لائق أمامهم، عندما يستخدمون الهواتف أو يلعبون عليها، أو يتفحصون اليوتيوب”.
وعن الحل، أكدت فرّاج: “المنع من استخدام الإنترنت ليس حلًا بكلِ تأكيد، لأن الأطفال يستخدمون الإنترنت في المدارس، ويقومون بعمل أبحاث عليه، ولذلك المنع ليس حلًا، خاصة وأن الممنوع مرغوب، ولكن علينا أن نضع بعض القيود، كي نكون مطمئنين أكثر أثناء تصفحهم الإنترنت”.
وتابعت: “أنا أستخدم safe search on google، وهذا من بين الخيارات الموجودة في الإعدادات الخاصة بغوغل، التي من خلالها يُمكنني حجب أي مواقع ليست مُناسبة للأطفال، أو حتى الصور الغير لائقة، ولكن في نهاية المطاف الحماية لن تكون 100%”، مشيرة”: “للآسف هناك أفلام كارتون يتم من خلالها دس أفكار خطيرة وغير مناسبة لعمر الطفل، إذ أنها تتطرق للعلاقة بين الرجل والمرأة، بالإضافة إلى تناولها مواضيع حسّاسة لا تناسب مجتمعاتنا كـ (المثلية الجنسية)”.
وشددت دينا فرّاج على أن “الأم لا يجوز لها أن تترك ابنها يُشاهد المقاطع ويستخدم الهاتف من دون متابعة دائمة، وينبغي معرف المحتوى الذي يُشاهده من دون أن تُشعره بأنها تقوم بمراقبته، إذ يجب أن تكون هناك صداقة بين الأم والطفل، وتسأله بطرق غير مباشرة عن ما يُتابعه”.
وواصلت: “وعندما يبلغ الطفل السن المناسب، من الممكن أن تبدأ الأم في توعيته، وشرح بعض الأفكار عن العديد من الأمور”.
ولفتت فرّاج – في معرض حديثها -: “إذا تعرض ابني لهذا النوع من المحتوى (المحتوى الإباحي)، سأشرح له أن هذه الأمور غير أخلاقية وشديدة الحرمانية، مثلما قمت بتوصيته بأن هناك أجزاء من جسم الإنسان لا يجوز أن يتم الاطلاع عليها من جانب أحد تمامًا”.
أصبحت صديقة لأبنائي
أما سارة حمدي (وهي أم لمراهق (18 عامًا) وابنة (15 عامًا)، فقالت: “في البداية كُنت أحاول قدر المستطاع أن أجعلهم يستخدمون جهاز اللابتوب بدلًا من الهاتف الذكي، فهذه الوسيلة كانت تُساعدني في مراقبتهم بشكلٍ أفضل، حيث كُنت أجلس بجانبهم لمتابعة ما يظهر أمامهم، وعند ظهور شئ غير لائق كإعلان أو صورة أو لفظ، كُنت أوجههم بتخطي المحتوى أو إغلاقه على الفور”.
واستطردت: “للآسف هذا النوع من المحتوى يظهر أحيانًا في صورة شخصيات كارتونية بارزة، يتم التلاعب بها وتركيب صور وأصوات عليها غير مناسبة جملة وتفصيلًا، ولذلك كُنت أُشدد بعدم متابعة مثل هذه الأمور وأمنعها”.
كما لفتت حمدي إلى نقطة الأصدقاء “المشكلة أحيانًا تكون في أصحاب المدارس، حيث يُشاركون بعضهم البعض ما رأوه، ولهذا تقربت من أبنائي أكثر (وصاحبتهم) حتى يعودوا من المدرسة ويحكوا لي عن كل شئ.. وذلك جعلني أتحكم في الأمر بنسبة أكبر”.
وأوضحت: “هناك بعض البرامج والتطبيقات التي من المفترض أن تحدد للطفل بعض المواقع التي يستخدمها دون غيرها، لكنْها للآسف، يظهر بها إعلانات غير لائقة على هيئة شخصيات كارتونية”.
وأضافت حمدي – فيما يتعلق بتعاملها مع أبنائها منذ الصغر وحتى الآن -: “في البداية كنت أغضب منهم بشدة، ثم بدأت أتحدث معهم بهدوء، وقمت بتثقيف عقولهم حول هذه المواضيع الحساسة، سواءً من الناحية الدينية أو العلمية، وأكدت على أضرار متابعة مثل هذا المحتوى”.
وتابعت: “اتفقت معهم على أن يسألوني في كل شئ يدور في خيالهم وأذهانهم، وهذا نفعني كثيرًا، وأن يتجنبوا الاطلاع على مثل هذه المعلومات من خلال أصحابهم أو مواقع الإنترنت، وأي معلومة تكون عن طريقي”.
وأوصت سارة أخيرًا بضرورة إعطاء المساحة للأطفال، وأن يتم التحدث معهم بطرق علمية ودينية.