ما الذي قد يكشفه انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية؟
اضطرت السلطات الإيرانية إلى تمديد التصويت في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية مرتين وسط عزوف الناخبين الذين اختار من بينهم ملايين عدم المشاركة في عملية التصويت، رغم محاولات كلا المرشحين مسعود بيزشكيان الذي يدعو للانفتاح على الغرب، والمفاوض السابق في الملف النووي المحافظ المتشدّد سعيد جليلي لحشد ملايين المؤيدين وسط حالة لامبالاة بين الناخبين تجاه السباق الخاضع لرقابة شديدة.
وأجريت الجولة الثانية في أعقاب انتخابات 28 يونيو حزيران التي شهدت إقبالا منخفضا غير مسبوق إذ أحجم أكثر من 60 بالمئة من الناخبين عن التصويت في الانتخابات المبكرة لاختيار رئيس خلفا لإبراهيم رئيسي، بعد وفاته في تحطم طائرة هليكوبتر.
ورغم أن الانتخابات لن يكون لها تأثير يذكر على سياسات الجمهورية الإسلامية، فإن الرئيس يشارك عن كثب في اختيار من سيخلف علي خامنئي، الزعيم الأعلى الإيراني البالغ من العمر 85 عاما والذي يتخذ كل القرارات في شؤون الدولة العليا.
وأقر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يوم الأربعاء بأن “نسبة الإقبال جاءت أقل من المتوقع”، لكنه قال “من الخطأ تماما الاعتقاد بأن أولئك الذين لم يصوتوا في الجولة الأولى هم ضد نظام الحكم الإسلامي”.
عزوف واسع لحجب الثقة عن النظام
حول هذا الموضوع تواصلنا في أخبار الآن مع المعارض الإيراني والباحث السياسي د. حسن هاشميان، الذي أكد أن عدم المشاركة في هذه الانتخابات كانت الوسيلة الوحيدة المتبقية أمام الشعب الإيراني حتى يحجب الثقة عن هذا النظام الذي دائما ما يتخذ سياسات من دون الرجوع إلى شعبه، ويقول إن كل هذه السياسات هي باسم الشعب الإيراني ويطالب باتخاذها على غير الحقيقة.
واستدل هاشميان في حديثه بأن النظام يتخذ السياسة الميليشياوية في المنطقة باسم الشعب الإيراني، وكذلك السياسات التي هدمت الاقتصاد في الداخل مثل السياسة النووية مثلا، التي لا يوافق الشعب الإيراني عليها، ودوما ما يسأل عن الثمن الذي يحصل عليه في مقابل الملف النووي، غير تدمير المجتمع الإنساني، وكذلك الحال بالنسبة لفرض الحجاب الإجباري على النساء ودعم الإرهاب.
يضيف هاشميان أن عدم مشاركة 60% من الشعب الإيراني في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، كان دليلا على رفض كل هذه السياسات، لأنها الوسيلة الوحيدة التي يملكها، خصوصا أنه لا يملك فرض مرشح بعينه أو خلق أجواء انتخابية حقيقية وحرة، وبالتالي رأى العالم هذا العزوف الواسع عن التصويت في محاولة لحجب الثقة في الجمهورية الإسلامية.
وتجري هذه الانتخابات وسط حالة استياء شعبي ناجم خصوصاً عن تردّي الأوضاع الاقتصادية بسبب العقوبات الدولية المفروضة على الجمهورية الإسلامية.
مسرحية انتخابية
ويرى المعارض الإيراني أن العزوف الجماهيري الكبير من قبل الناخبين تجاه هذه “المسرحية الانتخابية” هو بمثابة تأكيد واضح على أن الشعب لا يريد هذا النظام، وإنما يريد بناء نظام آخر يقوم على حقوق الإنسان وإعطائه حريته، وهو الأساس الذي قامت عليه الثورة في 1979، من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وليس من أجل سيطرة الملالي والحرس والباسيج على المجتمع الإيراني.
يضيف هاشميان “الشعب الإيراني يريد أن يرى نظاما جديدا مبني على حقوق الإنسان، وعلى إعطاء الحريات للشعب الإيراني والتسامح الثقافي داخليا وخارجيا، وأيضا يرغب أن يتعايش سلميا مع شعوب المنطقة بلا حروب وبلا ميليشيات هذا هو السبب الرئيسي بالطبع لكن هناك أسباب أخرى كثيرة ومتراكمة تأتي وتحول دون مشاركة الشعب الإيراني في الانتخابات”.
يؤكد الباحث الإيراني أن النظام منذ 45 عاما وهو يسبب مشاكل لكل أطياف الشعب، على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لذلك في كل نقطة من إيران هناك يمكن رصد هذه المشاكل وهذا البحر الذي اختلقه هذا النظام بين الشعب وبين نظامه لذلك بحسب هاشميان فإن قرار المقاطعة هو عمل طبيعي من أجل رفض هذا النظام وخلق نظام جديد.
امبراطورية الولي الفقيه
لكن هل من رسائل أخرى أراد الإيرانيون إيصالها إلى النظام؟، في هذا الصدد يقول المعارض الإيراني في حديثه مع “أخبار الآن” أنه منذ 45 عاما ويحكم إيران لون واحد هو الإسلام الطائفي، حتى لو تغيرت الوجوه والنبرات وبعض التوجهات تبقى الغاية في الأساس ترسيخ الإسلام الطائفي في داخل إيران.
يشرح هاشميان “تم توسعة هذا التوجه في المنطقة لبناء امبراطورية الولي الفقيه، يعني علي خامنئي ليس لديه أي برنامج لتحسين المعيشة في إيران أو تحسين الخدمات للشعب الإيراني وإعطائه حريته، وإنما كل هدف خامنئي هو بناء امبراطوريته لولاية الفقيه على أساس المليشيات الموجودة والموزعة في المنطقة وعلى حساب تطلعات وتوجهات الشعوب في منطقة الشرق الأوسط”.
يضيف: “ولذلك هذه السياسة وهذا الشكل من الحكم هو أساس الخلاف بين الشعب الإيراني والنظام الحاكم الذي لم يسمح لأي مرشح لتوجهات الشعب أن يحضر في هذه الانتخابات، لذا أكثر من 80% من الشعب الإيراني ليس لديهم مرشح في هذه الانتخابات ولذلك هم يقاطعون هذه الانتخابات، وأيضا حتى لو شاركوا فإن الرئيس لا يستطيع أن يفعل شيء في ظل سلطات علي خامنئي التي هي أعلى من سلطات (فرعون) الذي لم يخضع لأي مسائلة أو تحقيق وحتى لم يجري أي مؤتمر صحفي منذ 35 عاما منذ العام الذي جاء فيه للسلطة تحت عنوان الولي الفقيه لذلك الشعب الإيراني لا يرى أن دخوله في هذه الانتخابات تلبي طموحاتهم”.
نظام البروباغندا الزائفة
الباحث والمعارض الإيراني الدكتور حسن هاشميان، تطرق إلى فكرة نظام الولي الفقيه في إيران، وقال إنه عبارة عن مسلسل طويل من الاخفاقات الاقتصادية الدائمة، منذ 45 عاما، من خلال فروض اقتصادية كارثية على الشعب الإيراني وتدمير الهيئة الاجتماعية للمجتمع الإيراني وكذلك تدمير الثقافة والتاريخ وكل شيء، وبالتالي يتكرر تدمير القوميات دائما في هذا المسلسل.
وأكد هاشميان أن هذا النظام طالما ظل موجودا فإن هذا المسلسل سيبقى سواء جاء رئيس إصلاحي أو غير إصلاحي، لأن الرئيس الي يأخذ شرعيته من الولي الفقيه الذي هو غير شرعي في المجتمع الإيراني لا يمكن له أن يحدث أي تأثير.
وتساءل الباحث الإيراني، “كيف يمكن لمسعود بزشكيان مثلا أن يأخذ حقوق الشعب الإيراني أو يطالب بحقوقه من علي خامنئي وهو يدافع عنه وعن الولي الفقيه، وعن المجموعات الفاسدة التي تتبعه وكل المؤسسات التي تتبع للولي الفقيه وهي مؤسسات فاسدة وضالعة بفساد، وأمور جدا كثيرة ضد الشعب”.
وشدد هاشميان على أن هذا النظام لا يهتم بالشرعية، لأنه يدرك جيدا أنه ليس له شرعية في الشارع الإيراني، لذا يركز دوما على البروباغندا المعكوسة يعني دائما يخلقوا شرعية من خلال البروباغاندا أو من خلال الشارع مثلا ترى مجموعة تركض وراء سيارة علي خامنئي أو الرئيس في الشوارع ليقولوا هذه شرعيتنا كما كان يفعل هتلر، وكما كانوا يفعل الفاشيون في إيطاليا.
يتابع: أن هذا النظام يحاول تصوير أن الشارع معه على غير الواقع، من خلال جمعه مجموعات من البلطجية والموالين لهم في الشوارع ويقولون كل الشعب معنا، وهي أمور يقوم بها النظام منذ 45 عاما، لذا هو لا يهتم بموضوع الشرعية، لأنه يعرف كيف يتخذ شرعيته من خلال البروباغاندا التي يجيدها.
خطة خامنئي لإخفاء فضيحة العزوف
وفي اعتراف نادر، أشار المرشد الأعلى علي خامنئي إلى ضعف الإقبال على التصويت قبل جولة الإعادة، لكنه قال إنه ليس علامة على عدم الرضا عن حكومته.
وفيما يتعلق بتغير نبرة صوت خامنئي، خلال التصويت في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، والتي كانت توحي باليأس الشديد من مشاركة المواطنين، يقول المحلل والباحث الإيراني، إن خامنئي، لديه بالتأكيد الأرقام الحقيقية الخاصة بنسب المشاركة، مشيرا إلى النسبة المعلنة من قبل النظام والتي أشارت إلى 40%، بينما تحدثت تقارير عن أن المشاركة الحقيقة هي أقل بكثير وربما لم تتعدى 15%، ما يعني أن هناك 85% ممن يحق لهم التصويت لم يشاركوا.
وينظر هاشميان إلى هذه النقطة، بأنها تتسبب في مخاوف كبيرة لدى خامنئي ورؤوس كل هذا النظام، الذي يدرك حجم المقاطعة الواسعة والتي بدأت تنتشر حتى بين بعض من تبقى من الموالين له، لذا عمل النظام على محورين لمواجهة هذه الأزمة الكبيرة.
المحور الأول بحسب المعارض الإيراني، أن يطلب خامنئي من المسؤولين عمل دعاية جديدة والترويج إلى أن نسبة المشاركة ستكون أكثر من 50%، وربما ظهر ذلك منذ الدقائق الأولى لفتح مراكز الاقتراع في الجولة الثانية، حيث ظهر العديد من المسؤولين على شاشات التلفزيون وبدأوا في الحديث عن مشاركة قوية مزعومة، حتى المرشد نفسه فعل الأمر ذاته حين أكد بعد 10 دقائق فقط من بدء التصويت على أن هناك إقبال كبير على التصويت، وهو أمر لا يمكن الجزم به خلال هذه الفترة القصيرة.
أما المحور الثاني، فيقول هاشميان أنه سيركز على لعبة الأرقام وإعلان مشاركة أكثر من خمسين بالمئة في الجولة الثانية بناء على أوامر مباشرة من خامنئي، الذي يرغب في التغطية على مخاوفه من خلال تزوير الأرقام وإخفاء الأرقام الحقيقية حتى بين الموالين الذين أصبحوا مزعزعين حاليا أكثر من أي وقت مضى، لأن الشعب والأرقام الحقيقية بين الشعب معروفة والشعب أظهر قوته بعدم المشاركة وإذا نزل للشارع مجددا لن يستطيعون أن يقفوا في وجهه مثل المرات السابقة.